الاسلام المعاصر بين المعطيات والمتطلبات
من أجل بيان حدود التكاليف الاسلامية في زمن التطبيقات الحضارية
المقدمة :
ما يستوجب بيانه في بداية هذه السطور الحرجة هو نفي صفة الفلسفة الكلامية عن هذا المنشور والنفي يشمل كافة اطياف الفلسفة في الكلام ذلك لان هذا البيان يدخل صميم كينونة (الاسلام) ففي الاسلام (سلام) وفي التطبيقات الحضارية (هلاك محتوم) مهما بلغ زخرف التطبيقات المعاصرة والله لا يقبل غير الاسلام دينا وذلك ليس تعسفا من الخالق بل رحمة منه لعباده فلا (سلام) في غير (الاسلام) لذلك فان أي منظومة مستحدثة لا بد ان تخضع لمعايير (سلام الاسلام) ليكون للاسلام حضورا فوق نظم الحضارة وزخرفها الكاذب ... فهو بيان خالي من الرأي وخالي من فسلفة الكلام
معطيات التطبيقات الحضارية :
لا شك ان الممارسات الحديثة سحرت الناس واغرقتهم في حياة أخاذة من حضر وسفر حتى البداوة غزتها نظم الحضارة وكل شيء اصبح جميل الشكل وصناعته متقنة بتقنيات فائقة السرعة وفائقة الاتقان وزراعة ذات جدوى طموحة من خلال مكننة فائقة القدرة وفائقة الجدوى وسقيا ماء بمضخات كبيرة زادت من مساحات الزرع وسهولة السقيا واسمدة كيميائية فعالة في تغذية النباتات مما ينعكس على شكل الغلة وحجمها كما دخلت الهندسة الوراثية وقبلها الطفرات الوراثية التي زادت من المنتج الزراعي بشكل كبير واسهمت سبل الخزن والتبريد والنقل البضائعي في ايصال الغلة الى اسواق بعيدة عن مصدر زرعها بشكل يصيب الانسان بالذهول حين يقارن ماضي الانسان بحضارته المعاصرة وما انتشر فيها من تقنيات تدعم الحاجة الانسانية اينما قامت حتى في حلاقة ذقن او تقليم اظافر اليد فملئت الدنيا بتقنيات غطت انشطة الانسان في كل مفاصله حتى صار انسان اليوم (مدلل) في كل انشطته سواء كان مزارعا او صناعيا او حرفيا وانتشرت سبل الرفاه في كل شأن من شؤون الانسان بما تقدمه الالة الحديثة ومجمل التقنيات المتطورة باطراد للعنصر البشري في زرعه وفي حيواناته وفي عبوات الاغذية وجمالية ملابسه وبريق اثاثه المنزلي او المكتبي وكل تلك معطيات حديثة النشيء تتطور بسرعة مذهلة تجلب الانسان المعاصر الى تلك التطبيقات الحضارية في مساحة واسعة من تطبيقاتها ورغم ان الانسان سعى للتطبيقات الحضارية طوعا الا ان ذلك التطوع كان من خلال طاعة الاباء الا ان الاجيال اللاحقة حملت في تطبيقاتها الحضارية صفة جبرية حيث يجبر الانسان على ممارستها حتى وان كان كارها لها وتلك الجبرية لن تكون دائما من سلطوية جبارة بل تلك الجبرية وليدة من توارث النظم الحضارية فالجيل القائم يرث من جيله السابق تطبيقات حضارية لا يمكن الافلات منها فمن يريد ان يسافر او يحج مثلا فلن يكون قادرا على قطع مسافات بعيدة دون استخدام السيارات او القاطرات او الطائرات او السفن ذلك لان نظم النقل (البدائية) اختفت فلا توجد قوافل سفر كالتي كانت قبل انتشار النقل الالي ولا توجد محطات استراحة للقوافل والمعابر الحدودية لا تسمح بعبور الحيوانات الا بشروط خاصة ومعقدة , كما يصيب الجبر مأكل الانسان فالقمح والرز وغيرها من الحبوب خضعت للتعديل الوراثي لعدة مرات حيث تم تغيير خلق الله فيها رغم ان غلتها تسر الناظرين في الحجم واللون الا ان انسان اليوم مجبر عليها وان كان كارها لها
معطيات التطبيقات الحضارية ملئت غاية الانسان في السرعة وفي الشكل والزخرف وفي الاتقان وفي الوفرة وفي الرفاه حتى بات من المفزع ان يفكر الانسان بهجر تلك التطبيقات الحضارية او العزوف عنها لانها معطيات مغرية في كل شيء فما من شيء ينتشر ويكون عشوائي في نشأته فكل قائمة من ممارسات العصر ومنتجاته وتطبيقاتها الا ولها دستور مسبق وبيان تفصيلي عن معطيات كل شيء وخصوصيات كل شيء فلكل شيء مهما كان صغيرا حزمة (مواصفات رسمية) مصادق عليها تشريعيا فتكون بمثابة (قانون نافذ) لا يحق للمنتج او الناشط ان يخالف تلك المواصفات فكل شيء مغطي بكل اركانه وتفرعاته بغطاء قانوني دستوري يعالج ادق دقائقه فعلى سبيل المثال لو رصدنا دبوسا يستخدم لربط ورقتين ببعضهما لوجدنا خلف ذلك الدبوس حزمة دستورية تفصل مكنوناته تفصيلا دقيقا وتضع لفحصه دستورا خاصا للفحص ومثل تلك المعطيات تشمل كل مصنوع ومزروع ومشروب ومأكول ومسكون بدقة تفصيلية تذهل من يطلع عليها وعندها لا يملك انسان اليوم سوى الـ (تسليم) لتلك المستقرات الدستورية وما ينتج عنها وعند الـ (تسليم) لتلك المعطيات يتسائل العقل (المسلم) عن الـ (المتطلبات) التي تقيم (السلام) في (الاسلام) ليتمتع المسلم بإسلامه ..!!
المتطلبات الاسلامية :
المسلمون يمتلكون قاموسا عريضا لا ينضب في المتطلبات الاسلامية التي تبين للناس حدود التكاليف للعبد المسلم من اصغر صغيرة لغاية اكبر كبيرة مدعومة بوفرة وفيرة من الاحكام الشرعية في الحلال والحرام والمكروه والمستحب وقد تخصص لتلك المتطلبات رجال يطلق عليهم اسم (رجال دين) يمارسون عملهم بشكل دؤوب وبموجب منهج فقهي صارم تعارف عليه رجال الدين جيلا بعد جيل مع التاكيد ان البنود الشرعية تبدأ قبل ان يخلق الانسان ولا تنتهي عند قبره فللمتوفي حزم لا تحصى منها ما هو احكام في حلال وحرام (جائز وغير جائز) وفيها ما هو ذو كراهية وما هو مستحب من التكاليف والانشطة البشرية
حسب المعايير الاسلامية التقليدية فان (متطلبات المسلم) مكتملة كمالا ناجزا لا لبس فيه وتلك الصفة لها نتيجة ان القائمين على تطبيقها يحملون صفة (المسلم) وصفة المسلم لن تكون تقييما شخصيا فكل مذهب من مذاهب المسلمين فيه فئوية تطبق الاحكام الشرعية بكامل بنودها وتزيد عليها من المستحبات ما قد يخالف المسار البشري المعاصر مثل ازياء ملابس الرجال وطريقة اطلاق اللحى واقنعة النساء وعزلهن التام عن المجتمع الذكوري كما يزيد المتصوفة كثيرا من الممارسات لها علاقة مباشرة بما يطلق عليه (الزهد والتعبد) في صلوات وزكاة وغيرها من الاعمال ... تلك الموصوفات لن تكون مراصد فكرية وكأنها اعدادات صحفية تصلح للنشر وبناء الرأي بل هي حقائق معلنة اعلانا كبيرا خصوصا في زمن الفضائيات الذي منح دعاة المذاهب الاسلامية فرصة كبيرة في اطلاق محطات مرئية مليئة بالتقارير الخاصة بطائفة محددة من الناس تبين اعلاميا حجم التطبيق للمتطلبات الاسلامية وحجم المسلمين الذين يمارسون تلك المتطلبات في مظاهر مبينة لا تقبل الشك والريبة ولكل امة منسكا هم ناسكوه في كل اقاليم المسلمين ويمكن ان يرى كل من يريد ان يرى حقيقة التطبيقات الاسلامية كما نرى مثلا كيف انتشر الحجاب للمرأة المسلمة في كل مكان بعد انفلات لحجاب المرأة في السبعينات وكيف تجمع الصدقات والزكاة وكيف هو التطبيق الدقيق من خلال فيض لا ينتهي من الفتاوى الفقهية الخاصة بالمستحدثات من المسائل الدينية التي تصطدم بتطبيقات الحضارة مثل تطبيقات المصارف الاسلامية وممارساتها الائتمانية او مثل الجامعات الاكاديمية الاسلامية وما يتصف خريجوها منها بوسمهم وسام رجال دين يمتلكون خزانة فكرية موسعة عن الحلال والحرام والمكروه والمستحب كما يلاحظ وبشكل كبير ان الخطاب الديني منتشر في مسارب الاعلام المقروء والمسموع والمرئي وبمختلف اطياف تلك الصفات الاسلامية من اصدارات للكتب او اصدارات صحفية او مجلات او برامج اذاعية عريضة او برامج مصورة سواء عرضت في فضائيات تخصصية او على شكل اشرطة الكترونية معروضة في مواقع الكترونية مثل (اليو تيوب) وامثاله من المواقع كما ان المنتديات والمواقع الاسلامية على النت ملئت بالحوار والنقاش واحيانا بالصراع من اجل بيان المادة الدينية الاسلامية وتوسيع دائرة فهمها بحيث اصبحت (متطلبات الدين الاسلامي) بالغة الحجة حتى عند ذوي القدرات الفكرية البسيطة والمتواضعة حيث تتكاثر خطب الجمعة في الجوامع الفائقة الانتشار في كل حي وحارة في اقاليم المسلمين كذلك خطب التوجيه الديني التي تحاكي الناس من خلال جذورهم المجتمعية الفطرية مما يجعل الباحث عن الحق والحقيقة متيقنا ان المتطلبات الاسلامية معلنة بشكل لم يسبق له مثيل في زمن سابق فاليوم المعاصر يمتلك وسائل ايصال تلك المتطلبات الى اوسع دائرة من الفكر الانساني الذي يحمله المسلمون بما فيهم الخارجين على الدين فهم متفقهين في نقاط الخروج تلك مثل كثير من المسلمين الذين التحقوا بالفكر الالحادي او المؤمنين بـما يطلق عليه (الايمو) او حملة الفكر الاممي الشيوعي وما يرافق ذلك الفكر من تنظير ضد الدين بشكل عام (الدين افيون الشعوب) فترى الناس وان خرجوا عن الدين انما هم متفقهين في ما خرجوا منه ولهم ملكة فكرية دينية مستحلبة من متطلبات الدين نفسه ... !!!
المسلمون بمختلف اطيافهم المذهبية يقرون ان الدين الاسلامي بمجمل متطلباته الشرعية مكتمل غير منقوص فالله قد اتم دينه والرسول عليه افضل الصلاة والسلام قد اكمل بلاغه الرسالي وفقهاء الامة ما تركوا شاردة حتى اثخنوها بيانا والقرءان دستورهم وهو مصدر التشريع الاول باتفاق كل ائمة المذاهب الاسلامية ومن تبعهم وهنا يثور السؤال الكبير الذي كان الهدف من هذا البيان الا هو
لماذا يمرض المسلمون بأمراض العصر ..؟؟!!
لماذا متطلبات الاسلام لم تفي المسلم صحته الجسدية ..!!
فمن اين يمسك المسلم بمتطلبات السلامة ليكون مسلما سليم العقل والجسد ..!!
هل ننتظر رسول الهي جديد ونحن نعلم يقينا ان المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام هو خاتم النبيين !!
هل تلك الاسئلة تعني ان العيب بالحضارة الحديثة وتطبيقاتها مما يوجب النفور منها والعودة الى الحياة البدائية ..؟؟!!
ذلك مستحيل يقينا لان الادوات البدائية غير متوفرة في الزمن المعاصر فقد اصبحت ادوات الامس وممارساته صالحة للعرض المتحفي وغير صالحة للتفعيل
لا بد ان نعي ان اكثر المسلمين زهدا وتقوى يصابون بامراض العصر كما يصاب غيرهم من غير المتدينين فاين يكمن الخلل ومتى يمكن ان نرى المفصل الذي فصل المسلم عن اسلامه فلم يسلم جسده منه فاركسه في امراض العصر التي تتزايد بشكل طردي مع تزايد التطبيقات الحضارية ..!!
في هذا المنحدر الفكري الشديد يكون الباحث عن الحقيقة نافرا منها ليعيش يومه الداني منه والغد في غيب الله وبيد الله ملكوت كل شيء وحين يدعو الله يطلب رحمته ..!!
هل الدين الاسلامي منظومة متكاملة أم منظومة تنظيمية فقط .. ؟؟
الحلال والحرام بين الصفة والموصوف ـ الخمر الميسر
ننصح بمراجعة الادراجات اعلاه مع حزمة كبيرة من المنشورات التي تعالج ازمة المتحضرين وما تخصص منهم المسلمون في الزمن الحضاري حيث سيكون الباحث عن الحقيقة متربعا على مراشد فكرية تمنحه القدرة على توفير متطلبات الدين في زمننا المعاصر فينجو من رجس الحضارة بمختلف اطياف فسادها ذلك لان
(المتحضرون عاجزون عن اصلاح ما افسدوه)
ويبقى المسلم القابض على دينه قابضا على جمرة من نار كما نقل عن الرسول الامين عليه افضل الصلاة والسلام فتكون (نار) تلك الجمرة مفرقة لصفات السوء فيحصل المسلم على بطاقة نصر اسلامية من خلال تطبيقات اسلامية تعالج (الموصوف) لان ( الصفة) ثابتة في الدين ومبينة في القرءان
متطلبات الدين في زمننا المعاصر لا تشبه متطلبات الدين في زمن قبل الحضارة
وتلك تذكرة
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
الحاج عبود الخالدي
تعليق