كيف تكون ضلالة الناس حق إلهي
من أجل ان يستشعر المسلم طبيعة علاقته بالنظم الإلهية
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36النص الشريف يقيم ذكرى في عقل حامل القرءان ان ضلالة كثير من الناس هي (حق) وليست باطل كما يتصور اكثر الناس ومن ورائهم حشد من خطباء الدين يصفون ان الضلال باطل بطلان مطلق فكثير من حملة الدين يتصورون ان اقامة المناسك وحفظ القرءان ودفع الصدقات والالتزام بالاعراف الدينية انما هو قيامة كاملة للدين ولو دققنا مسار حياة الكثير من مثل اولئك الناس الزاهدين في الدين لوجدنا حياتهم تلك مليئة بالعثرات او قد تكون مليئة بالمصائب والنكبات ونحن نقرأ القرءان وفيه
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }الحج38
فكيف تعترف عقولنا بشخص علاقته شفافة بربه وفق معايير يقرها ويرسخها الخطاب الديني وهو يتعرض لنائبات متتالية ونحن نسميها نكبات وابتلاءات او امتحان إلهي وكأن الله الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور يحتاج الى وسيلة امتحان المؤمن وكأن الله لا يعرف المؤمن من غيره فيمتحن من لا يعرف ايمانه ... مراقبة الناس من خلال نكباتهم وفق اجازة قرءانية وردت في النص الشريف (فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وهذا المطلب القرءاني (فسيروا في الارض) هو لغرض استشعار حقيقة العلاقة بين العبد وخالقه اجمالا لبيان (قانون العقوبات الالهي) وهو قانون مختلف عن قوانين البشر فالعقوبة التي تقع في حق المخالف لا يسقطها عليه شخص ءاخر مثل مؤسسات القضاء او مؤسسات الشرطة عند البشر او عقوبة يوجهها المجني عليه للجاني بل نرى ان الشخص المعاقب هو الذي يوقع العقوبة على نفسه من خلال (ضلالته) التي جعلها الله (حق) فـ (حقت عليهم الضلالة) ولن تنفعه ممارساته الدينية عندما كان مكذبا برسالات ربه فما هو الكذب وما هي رسالات الله وما هو القصد الالهي ان يبعث الله (في كل امة رسول) ...؟؟
الكذب نعرفه انه ممارسة كلامية عندما يقول الشخص قولا لا يتصل بالحقيقة الا ان لفظ (الكذب) في المشروع الفكري لـ علوم الله المثلى يعني (طمس الحقيقة) فاذا سألنا (زيد) من الناس مثلا ما اسمك ولم يقل زيد بل قال عمر فهو يعني قد كذب أي انه (طمس حقيقة اسمه) وهو الوصف التكويني للكذب والله يطلب منا ان نرى (العقوبة) التي اكتنفت الشخص الخاضع للبحث ورؤية العقوبة لوحدها لا تكفي بل يستوجب رؤية الكيفية التي كونت العقوبة (فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فلفظ (كان) لا يعني انه ظرف زمان مضى او انه لفظ يرفع الاول وينصب الثاني (كان واخواتها) كما يقول مروجي اللغة بل لفظ (كان) في خامة الخطاب القرءاني (لسان عربي مبين) يعني الكينونة والتكوين فالذين يطمسون الحقيقة هم (المكذبين) وهم في حاوية حق الهي (حقت عليهم الضلالة) أي استحقاق الهي ان يكونوا (ضالين) فقد حقت عليهم الضلالة الحق لانهم كذبوا الرسول الاممي فالاية تفصل صفتهم انهم (مكذبين) وان النص الشريف اوضح ان (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ) والنص يحتاج الى تبصرة وتدبر للخروج من عنق التفسير التقليدي للنصوص القرءانية الذي حصر الرسل في الديانات السماوية وهم موسى وعيسى ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام وبعض التفاسير تشير الى ابراهيم ونوح وغيرهم الا ان القاسم المشترك للفكر التفسيري يضع النص في تذكرة رسل الله في ماضي الا ان هنلك اختناقا فكريا واضحا حين يطلب الله منا ان نسير في الارض فنرى كيفية عاقبة المكذبين فلا يعقل العاقل ان ذلك المطلب يمكن ان يكون مختصا ببشر عاصروا الرسل في الماضي حين كذبوهم وان كان ذلك الوصف صحيحا على فرض الا اننا لا نستطيع ان نرى كيفية وقوع العقوبة عليهم كما ان مثل ذلك البحث لا يستوجب السير في الارض بل البحث يقع في التاريخ ولا يحتاج الى مسير ومن ذلك يتضح ان النص يقيم ذكرى ان (لكل امة رسول) وهي رسائل اممية تنتشر في كل الارض تبلغ رسالات الله وهي ءايات الهية تحمل رسالة ففي كل تجمع سكاني يظهر مريض بالسرطان وتلك ءاية تنذر الناس وتبلغهم بلاغ رسالي ان هنلك خللا وراء ذلك المرض الا ان الناس يطمسون تلك الحقيقة ويقولون ان السرطان ذا اسباب مجهولة ..!! او انه من التدخين او انه من كذا وكذا وكذا الا انه انحراف عن نظم الخلق النقية وهي نظم بمجملها فيها رسول مبعوث سواء كانت في المادة او في البايولوجيا او في نبات او حيوان او انسان او بيئة ترسل رسائل انذارية يحملها رسول مبين ومنهم من يهتدي فيصحح مساره ومنهم من حقت عليه الضلالة فالنبتة قبل ان تنفق عطشا تبعث برسالة للمزارع فتذبل اوراقها والحيوان حين يأكل ما يضره يرسل جسده رسالة للمربي والانسان مثله والبيئة مثلها ففي كل امة من مادة او طير او نبات او حيوان مبعوثا (رسولا) يحمل رسالة بموجب عملية بعث الهي (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً) ولفظ (بعثنا) لا تعني (البعث في الماضي) بل تعني ان اولئك الرسل مبعوثين في منظومة الخلق وان تلك الرسائل المحمولة عبر منظومة فعالة في الخلق في المادة او الخلية او النبات وننصح بمراجعة ادراج منشور في الرابط ادناه (رسل الله هل جميعهم بشر)
رسل الله !! هل جميعهم بشر ؟؟
لفظ (امة) في علم الحرف يعني (حاوية تكوينية التشغيل) فالامة العربية مثلا هي حاوية تكوينية التشغيل من خلال مشغلها اللغوي والامة الاسلامية هي حاوية تكوينية التشغيل من خلال مشغلها الدين الاسلامي والامة الامريكية هي حاوية تكوينية التشغيل في الارض الامريكية فالبعث في كل امة يعني في كل حاوية تكوينية التشغيل فلو رصدنا تفاحة كبيرة مثلا سندرك ان كبرها اكبر من الحجم الطبيعي للحاوية التشغيلية في صنف التفاح فتدرك عقولنا تلك الرسالة فيقول القائل قولا فطريا ان (هذه التفاحة شكلها غير طبيعي) وحين تبحث عنها ستجدها انها نبتة خضعت للهندسة الوراثية او خضعت لمحفزات هرمونية فغيرت خلق الله فارسلت رسالة للناس عبر رسول موضوعي في شكلها ومثلها حين نرى الاحتباس الحراري او ما يسمى حديثا (التغير المناخي) وهنا رسول من حاوية مادية (امة المادة) ترسل رسائل انذارية بوجود خلل كبير يستشعره من يهديه الله (فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ) ومنهم كان في استحقاق الهي (وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وحين نبحث عن (العاقبة) التي يكونون عليها انما نستشعر القانون العقابي الالهي فيهم ومن تلك المستشعرات الفكرية يستطيع الراغب في عبادة الله المستجيب لرسله ان يحصل على الهدي الالهي فيترك الممارسات التي تحتويها حاوية الضلال وينتقل الى الممارسات التي تحتويها حاوية الهدي الالهي وهنا يقوم الجهاد في سبيل الله وهو عندما يجاهد العبد في الافلات من النظم الفاسدة الى سبل الله النقية فيحصل على دعم الهي كبير
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
فالعلاقة بين الخالق والعبد تبدأ بما كتبه الله على نفسه بالرحمة بمخلوقاته وهو كتاب ازلي يصاحب نظم الخلق فالبناية مثلا قبل ان تسقط على ساكنيها تبعث برسالة للساكنين تنذرهم بسقوط البناية عندما تميل او تظهر عليها تصدعات مبينة ذلك لان البناية قامت على نظم فيزيائية خلقها الله تحمل معها ءالية رسالية تنذر وتبشر الخلق الا ان ايدي الناس تكسب الشر بديلا عن الخير حين تكذب الرسل فتكون الضلالة حق مرتبط بنظم الخلق الكونية التي قدر الله مقاديرها واحكم نفاذها
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41
انسان اليوم بحاجة شديدة الى ترف الهي النشئ والتكوين لان التطبيقات الحضارية نفذت على عدوانية مبينة للبشر فالكهرباء قاتل وكل ادواته قاتلة والسيارات قاتلة تقتل مالكيها وركابها ومن يقترب منها ومثلها الالات والمكائن فهي ناشطات قاتلات والادوية قاتلة تعتدي على من يتناولها والمساكن الضيقة قاتلة تقتل اهلها بشتى اشكال العدوان فان لم تقتل الاجساد فهي تقتل النفوس فتحولها من ءادمية وديعه الى نفوس عدوانية يتطاير منها الشر ... المنافع التي تظهر في تلك التطبيقات منافع كاذبة فالسيارات التي سهلت عمليات نقل الاشخاص ونقل السلع اظهرت صفة فائقة محبوبة عند كل الجماهير والمستثمرين (عبادة الشيطان) الا انها تسببت في ضياع الانسان وسط زحمة (انتفاء الحاجة لنظم الله) ففي النظام الكوني القديم قبل السيارات كان على الامة او الجماعة او اهل القرية ان يوفروا لانفسهم حاجاتهم في الزرع والملبس والمسكن والمشرب فلن يبقى فيهم عاطل عن العمل ولا تقوم فوارق طبقية حادة كالتي نراها الان ذلك لان السيارات وفرت مناقلة سلعية غطت حاجات الانسان من خارج اقليمه وحلت الماكنة بدلا من الانسان في الزرع والصنع ويسعى الناس محشورون في المدائن في اصعب مأساة يعيشها الغالبية العظمى من البشرية ففي احسن الاحوال لا تصل نسبة المترفين في بعض الاقاليم 2% وفي بعض الاقاليم المستقرة قد تزداد النسبة الا ان الغالبية الساحقة من البشر خارج موصوفات الترف والاستقرار لذلك جاءت نصوص كثيرة تمنع حامل القرءان من الاصرار على هدي كثير من الناس
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }النحل37
فكثير من الناس (حق عليهم الضلال) فــ الله اضلهم لانهم اسلموا مجساتهم العقلية لغير الله فما كانوا عابدين لله بل وجهوا وجوههم لغير الله
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125
السطور اعلاه هي سطور تذكيرية تقيم الذكرى من خلال الايات القرءانية الشريفة وتطبيقات في ما كتبه الله في نظمه
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
الحاج عبود الخالدي
تعليق