رَحِيمٌ وَدُودٌ * شَدِيدُ الْعِقَابِ ..!!
من أجل نزاهة عقيدة التوحيد في حضارة تتطور
يكثر الخطاب الديني شرحا لـ صفات الله سبحانه عدا صفة الخلق التي يجعلها ذلك الخطاب الموروث وترا لله لا يدانيه فيها احد الا ان بقية الصفات الالهية يتم التعامل معها على انها صفات مشابهة لتصرفات البشر باعتبار ان الادمي هو خليفة الله وان الله حين يضع لصفة من صفاته بيانا قرءانيا انما تنحى مقاصده الشريفة الى مقاصدنا في صفاتنا فالله حين (يحب) مثلا فصفته تلك تشابه او تطابق الحب في صفاتنا ومثله الكرم في صفة (الكريم) او صفة (الرحيم) الا ان القرءان يحفز عقول حملته الى وجوب التفريق بين وظائف صفات الله ووظائف صفات البشر وان تطابقت الالفاظ الدالة على تلك الصفات ونقرأ من القرءان
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }فاطر30
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }الإسراء3
فالله شكور ونوح عبد شكور الا ان موضوعية الشكر حين تكون صفة الهية فهي لا تتشابه مع صفة الشكر والشكور عند البشر ذلك لان الله سبحانه منزه عن مجانسة مخلوقاته فالخالق لا يحمل صفة متجانسة مع مخلوقاته فنحن حين ننظر الى كرسي مصنوع فاننا سوف لن نجد اثرا للنجار بذاته في ما صنع سواء كان الاثر مادي او الاثر عقلاني فان النجار ياكل الطعام الا ان الكرسي لا ياكل الطعام كما اننا سوف لن نجد قلامة ظفر للنجار في الكرسي الا اننا سوف نجد (صفة فعل النجار) في الكرسي حين صنع الكرسي والمثل لتوضيح المقاصد وليس للتطابق ومثله صفة معلنة في الله وهي (المؤمن) فحين يكون العبد (مؤمن) فهو مؤمن بالله فكيف يكون الله مؤمن ..؟؟ وهل من يؤمن بنفسه يكون مؤمنا فوظيفة الله في صفته (المؤمن) انما تقوم في (امان) نظم الخلق التي خلقها الله وقدر اقواتها واحكم مرابطها فهي نظم خلق فعالة و (أمينة) لان الذي خلقها انما خلقها في صفة الامن والامان والامين فهو مؤمن ومثلها الشكور فالله لا يشكر احدا من خلقه بل الله لا يترك شأنا من شؤون خلقه يذهب هدرا فهو شكور فوظيفة الشكر الالهي ليست كوظيفة الشكر عند العبد فصفة الشكور عند الله تكوينية النشئ اما عند العبد فهي نتيجة عند عدم مخالفته لتلك النظم
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }الحشر23
الازمة الفكرية التي صاحبت عقيدة التوحيد عبر الاجيال وطول الامد جعلت الفكر البشري عموما بـ قديمه وحديثه يرسم صورة مشخصنة لله سبحانه ومن خلال شخصية الله يتم بناء صفاته في الفكر التوحيدي وبما ان كثير من مثل تلك الصفات يحملها بشر فان انتقال موضوعية الصفة من وعاء نفاذها الالهي الى العنصر البشري يجعل تصورات الناس ان صفات الله شبيهة او مطابقة لصفات بشرية وتلك خطيئة فادحة في حق الله وفي حق المؤمن الموحد فـ موضوعية الصفة تختلف في جوهر التصرفات بين تصرفات الله وتصرفات البشر وهي التصرفات التي تقيم الصفة وتـٌظهر مظاهرها فـ (الحب) مثلا يختلف موضوعيا بين حب الله وحب البشر وصفة الله (الجبار) تختلف موضوعيا بين الله والبشر والاختلاف يقع في وظيفة تلك الصفات فوظيفة الحب الالهي تختلف عن وظيفة الحب البشري كما تختلف صفة الجبر الالهي (الجبار) عن وظيفة صفة الجبار في امبراطور او ملك جبار وعند اختلاف (وظيفة الصفة) فان ادوات التصرف تختلف فادوات الله في تصرفاته الشريفة تختلف عن ادوات البشر في تصرفاتهم والاختلاف جوهري مركزي بحيث يرفع اي تشابه او تطابق بين صفات الله وصفات البشر فادوات التصرف الالهي هي (فاعليات نشأة) فهي ادوات خلق اما ادوات التصرف البشري فهي ادوات تطبيقية لنظم وفاعليات سبقت في الخلق فهي ليست ادوات مخلوقة من قبل البشر بل البشر استخدم ادوات كان الله قد خلقها الله وقام بتفعيلها الله بقدرته اما البشر فانهم امتلكوا ماسكة لتلك الوسائل الالهية المنشأ
الله رحيم وتلك الصفة في رحمته لا تعني ان الله يرحم عباده كما ترحم الام ابنها في رحمها او عندما يولد فتكون رحيمة به فالرحمة الالهية هي صفة تشغيلية للخلق (منشأة خلق) فكل مفصل من مفاصل الخلق فيه رحمة الهية النشئ فثبات نسبة الاوكسجين في الاجواء مثلا هي من (مشغل فائق الوسيلة) جعله الله في نظام تكويني متوائم بين تنفس الانسان والنبات فيتم تشغيل ثبات نسبة الاوكسجين من خلال (رحم الهي النشئ والتكوين) لان الله كتب على نفسه الرحمة فكلما يزداد تعداد الناس والحيوان كلما يحتاجون الى الغذاء وبالتالي تتزايد نسبة الانبات (الزرع) فتتعادل نسبة الاوكسجين تكوينيا بموجب ميزان خلق لان الله سبحانه رحيما بعباده فجعل غذاء الانسان والحيوان عندما يزداد تعداده وسيلة تشغيلية فائقة محكمة من خالق حكيم كما ان زيادة الاوكسجين عن نسبته التكوينية يتسبب في مشاكل حياتية جمة فكلما يقل تعداد البشر يقل الزرع وفق توافقية فيها رحمة خلق الهي ومن ذلك المثل الموجز فان الرحمة الالهية مختلفة وظيفيا عن صفة الرحمة البشرية في النشأة وفي الاستثمار الوظيفي لها
الله ودود وهو لا يعني ان الود الالهي مثل الود البشري ولا يتطابق معه فالود المجعول بين الزوجين هو ود تبادلي حين يتبادل الزوجان صفة الذكورة والانوثة بينهما فكلما ظهرت صفة ذكورية كلما استقطبت صفة انثوية وبالعكس وهي وظيفة المودة بين الزوجين اما الود الالهي (ودود) فهي مختلفة في تكوينة وظيفة ذلك الود في ما خلقه الله من نظم فالاوكسجين (مثلا) حين يؤكسد الكربون في اجساد الانسان والحيوان ويتحول الى ثاني اوكسيد الكربون ينقلب مساره ليكون في حياض النبات فالنبات يتنفس ثاني اوكسيد الكربون فيختزل الاوكسجين من جذر الكربون وينتج الاوكسجين فهو نظام (ودي) بين المخلوقات رسم وظيفته الله (الرحيم الودود) ونجد مثله حين يأكل الحيوان نبات الارض ومن ثم يخرجه على شكل خبث يغذي النبات فهي عملية ود من جعل الهي
شديد العقاب ... شدة العقاب الالهي اذا ما اريد بها كما هي صفاتنا في تشديد العقاب فان صفة الودود الرحيم ستكون متناقضة فلا يمكن ان تجتمع صفتان متناقضتان في كيان واحد متجانس التفعيل بل ان صفات الله سبحانه مودعة في نظم خلقه ومن خلال تطبيقات العبد لنظم الله على العبد ان يفهم تلك الصفات ويفهم وظيفتها ليتعامل معها بصفتها الاستثمارية (جني غلة) عندما يستثمرها العبد في فاعليات تكوينية متعددة مثل شهيق او نبات او استثمار غلة الحيوان فلو ضربنا مثلا في التيار الكهربائي لوجدناه رحيما ودودا مع المستهلكين فالتيار الكهربائي يقدم لهم خدمات تشغيلية كثيرة تريح الانسان وتنفعه الا انه شديد العقاب فمن يتعامل مع التيار الكهربائي دون ان يأمنه فان مصيره ستكون صعقة كهربائية قاسية على المخالف فالكهرباء رحيم بالمستهلكين ودود معهم يقدم لهم خدمات جمة الا انه خطير عليهم يعذبهم عند سوء استخدامه ومثله السيارات الحديثة فهي ودودة مع الانسان الا انها عدو قاتل حين يساء استخدامها او حين يمسها احد اثناء سيرها وتلك امثال توضيحية لا تصلح للتطبيق بل تصلح لترطيب قنوات الفهم , نظم الخلق وفاعليات الخلق ودودة رحيمة لان الله الذي خلقها ودود رحيم وان مخالفة تلك النظم وتلك الفاعلية الالهية شديدة مع من يخالفها لان خالقها شديد العقاب
التعرف على صفات الله تنزه الله من اي صفات بشرية وتنزه الله من اي تصوير اوتجسيم او تشخيص لذات الله الشريفة او حتى حواشي تلك الذات القدسية وترفع عقيدة التوحيد الى (الايمان العقلي) الراقي الذي يقع في مركز مرضات الله بعيدا بعدا مبينا عن (الايمان النقلي) الموروث لتشذيب العلقات الفكرية التي شابت النقل الايماني عبر اجيال متراكمة طال عليها الامد فقست قلوبها فالايمان بالله وتوحيده لا يمكن ان يستنسخ من عقل لعقل بل لكل عقل بشري امارة خاصة به وعلى العبد ان يعي حقيقة (حق استقلاله) الفكري بينه وبين خالقه ذلك لان الفرد لا ينام في قبر اباه واباه لن ياتي اليه في قبره
عقيدة التوحيد الموروثة مصابة باصابات فكرية فادحة الخطيئة وعلى انسان اليوم ان يتحضر في عقيدته التوحيدية قبل ان يحضر نفسه في انشطته الحضارية المعاصرة فلسوف يجد ان (الله اكبر) وان حضارة اليوم تبعده ايضا عن نقاء عقيدة التوحيد كما هو دين الوطن ودين الوطنية الذي تحول الى عقيدة وطنية طغت على عقيدة التوحيد حتى عند من يدعي التوحيد فمن جعل الوطن محبوبا كحب الله (حب الوطن من الايمان ..!!) او كالذين جعلوا الله ثالث ثلاثة فقالوا (الله الوطن الشعب) وهو شعار وطني يقيم طعنا مبينا في عقيدة التوحيد
ما كان لتلك السطور ان تظهر على صفحات المعهد لولا ان كان ضيق الصدر سببا لظهورها فالناس يخافون من بعضهم اكثر من ما يخافون من ربهم وقد امتلأت ساحة المسلمين عدوانا على بعضهم ففي ساحاتنا واقاليمنا اليوم لن نجد الصليبيين وهم يريدون الانتقام من المسلمين فهم يحاربون الاسلام متسترين بالمسلمين انفسهم فــ نجد المسلمين بعضهم اعداء بعض وكلهم انما يتقمصون صفات الله في هدي الاخرين او في عقاب الاخرين عندما تتناحر الملل بينهم ومن ضيق الصدر وقرءان يقرأ تقوم ذكرى عسى ان تنفع المؤمنين
توحيد الله هو ميثاق الادميين فان تصدع فان بني ءادم قد نقضوا عهدهم وباءوا بغضب من الله والله سريع العقاب
{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى }عبس4
الحاج عبود الخالدي
تعليق