لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
من أجل يوم إسلامي خالي من العنف
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }المائدة105من أجل يوم إسلامي خالي من العنف
لا يخفى على احد من الناس كم احدثت وسائل الاعلام المعاصرة من متغيرات حادة في المجتمعات البشرية عموما وفي المجتمع الاسلامي خصوصا ففي المجتمع الاسلامي كثر الدعاة الى الله بشكل كبير فكثرت مواقع المنتديات الاسلامية يضاف اليها مواقع ما يسمى التواصل الاجتماعي على الشبكة الدولية وكذلك كثر الدعاة الى الله في الصحف والمجلات الالكترونية يضاف اليها الفضائيات والاذاعات الصوتية ويلاحظ بوضوح بالغ ان المجتمع الاسلامي متميز بشكل كبير في استخدام التطور السريع لوسائل الاتصال لاغراض دعوية دينية بدءا من مكبرات الصوت التي نصبت على ماذن الجوامع منذ اربعينات القرن الماضي مرورا بالات التسجيل وما حملت تلك التقنيات من وسعة كبيرة في الدعوة الى الله من خلال الترويج للمادة الدينية وتسعفنا الذاكرة بثورة كبيرة حصلت في ايران قامت بوسيلة مسجل الصوت (الكاسيت) عبر دعوة دينية وجهها رجل دين قلب موازين دولة علمانية كبيرة كما انتشر صوت القرءان الكريم باصوات قارئي القرءان في الكاسيت في عموم اقاليم المسلمين وفي الفضائيات وفي الاذاعات ذات الموجات الطويلة (f m) ولو رصد الباحث حجم النداء الديني المعاصر لوجده ضخم لغاية قصوى لو قيس باي خطاب ديني غير اسلامي ... الدعاة الى الاسلام يتزايدون عددا وعدة ووسعة في الكلام وكل تلك الدعوات الدينية لا تخرج من دائرة استحضار المادة الدينية التاريخية وباشكال متعددة وصور روائية الا انها ذات لغة معاصرة مثل طبعات القرءان الالكتروني ومثل قصص الانبياء على شكل افلام الصورالمتحركة او مثل المسلسلات الدينية المتكاثرة او الافلام السينمائية واناشيد دينية لا حد لها تصاحبها اوركسترا موسيقية متميزة ... تلك الممارسات بمجملها تناست نصوصا دستورية قرءانية تؤكد ان هدي الناس شأن الهي وان الدعوة لله يجب ان تنحصر في تذكير الناس بايات الله وسبله وليس لتوجيه الناس بالقهر او الفتوى القهرية ومن خلال ذلك النسيان الخطير تحولت الدعوة الى الله على لسان اكثر الدعاة الى منهجية تكفير الاخر او ابراز عيوب الاخرين والدعوة الى مهاجمته من خلال مادة دعوية كريهة تثير الفتن وتزرع الكراهية بين فصائل المسلمين في الوقت الذي يعلن الدستور القرءاني نصوصا حاسمة في ذلك الشأن الخطير من الدعوة الى الله
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }النحل37
ومن ذلك القانون المسنون في سنة خاتم النبيين محمد عليه افضل الصلاة والسلام يستوجب ان يعرف الداعية حدود دعوته فلا حرص على هدى من يضل واذا بكثير من الدعاة يعبرون سقف ذلك الحد باشواط طويلة فيقومون بفرض الدين كرها على من يصفونهم بـ الضالين عن طريق بثق فتاوى نارية تجيز لمن يظن انه مؤمن ان يعتدي على من يظن انه ضال تحت ناصية جهادية مسلحة او تحت غطاء قانوني وطني كما في ولاية الفقيه او في لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ونسمع القرءان وفيه نصوص شريفة تعلن دستور الله في عباده تكفي لوضع حد يحد دعوة الداعي الى الله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }المائدة105
ومن هذا القانون السرمدي المتعادل نفهم بشكل مبين ان الداعي الى الله عليه بنفسه فاذا اهتدى فان ضلال من يضل لن يضره بشي ء ذلك لان النص الشريف اشترط (عدم الضرر) بشرط (اذا اهتديتم) وذلك يعني ان اتقاء شر الضالين يقع في حاكمية الهية ان يكون المؤمن مهتدي فيأمن من ضرر الضالين فيكون ذلك القانون بلسم شفاء ليومنا المعاصر الذي تشابكت فيه الدعوات الى الله عبر مسارب متناحرة فكريا بل متناحرة عدوانا بالسلاح بعد ان يفعل الضلال الفكري فعله في مدعي الاسلام ... بعد اعلان ازمة العراق الطائفية تكاثرت على بريدنا تساؤلات متعددة وكان اكثرها يبحث عن اكثر سبل النجاة أمنا والحقيقة اننا لم نر في القرءان بيانا اكثر وضوحا من نص الاية 105 من سورة المائدة (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وعلى الباحث عن سبيل النجاة ان يخرج من كل ما قد بني عليه كيانه ليرجع الى الله من خلال تطبيق نظمه النقية الخالية من التلاعب والخالية من التطرف والخالية من الزيف ولا ملجأ سوى الفطرة والقرءان ذلك لان نص قرءاني ءاخر يرسم صورة الوصول الى سبيل النجاة
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116
وهنا تبرز اهمية الاستقلال الفكري والبحث في القرءان والفطرة لتشكيل ممارسات توصل الباحث عن النجاة الى تطبيق الشرط الوارد في الاية 105 من سورة المائدة (لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فاذا كان اكثر اهل الارض يضلون عن سبيل الله فكيف تقدم لهم الطاعة ..؟؟ المرشحون للطاعة اليوم هم دعاة الدين وبما ان عددهم كبير ومتزايد وان اكثرهم يضلون عن سبيل الله فان عملية انتخاب الداعية (غير الضال) قد تكون عسيرة جدا مما يدفع الباحث عن النجاة الى اعلان البراءة منهم جميعا والبدئ بعملية تهذيب لكيان المكلف نفسه فله في فطرة العقل مكنونات علم كبرى انبتها الله في عقله تكفيه لسداد حاجته في الهداية
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
الا ان كثيرا من الناس يتصورون ان المادة الدينية هي مادة كهنوتية يختص الله بها بعضا من الناس دون غيرهم الا ان ذلك يتناقض مع نص دستوري قرءاني ورد في الاية 30 من سورة الروم (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) فكيف يضع المكلف لفطرة الله بديل في كاهن دين ..!! لذلك فان الباحث عن سبل النجاة الامينة لا تعدم وسيلته الا ان القصور سيكون في همته الفكرية نتيجة لتصدع فطرته هو وبما ان لكل حامل عقل امارة على عقله فان مظاهر تصدع الفطرة لا يتم اصلاحها الا من قبل حامل العقل نفسه من خلال امارته التكوينية على عقله وعليه نفسه فحسب فاذا اهتدى فيكون فعل الضالين بردا وسلاما عليه (لا يضركم من ضل)
اذا عرفنا ان الضلال قد يؤتى من الله وليس من العبد نفسه فان تهذيب النفس من الضلال يعني الهداية ويعني الفوز بمعونة الهية مؤكدة
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }الرعد27
{وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل93
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }فاطر8
في النصوص الشريفة اعلاه يبين لنا ربنا في قرءانه المبين ان الافعال البشرية هي التي تجعل العبد في عقوبة الضلال الالهي وبما ان الافعال فيها مسؤولية معلنة (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ( وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) فان الهداية ستكون من خلال سبل الهية نقية من العبث سواء في مأكل او مشرب او ملبس او مسكن الا ان من ينيب عمله الى الله هم القلة القليلة من الناس فلكل امة من الناس انابة لغير الله في وسيلة رزق او في استشفاء او في انجاب او في ملبس او مسكن او زرع فالبشر المعاصر اليوم ينيب الامر الى حكومات الاوطان وقوانينها والى الصناعة وتطورها والى الطب وعلومه والى التعليمات العلمية ونظم السير وشركات الاتصال و .. و .. و ... ولم يبق لله شيء من الافعال سوى بعض الهنات في محراب صلاة كاذب يقول فيه المصلي (اشهد ان لا اله الا الله) او يقول (الله اكبر) الا انه يمتلك ءالهة لا حصر لها وله كبرياء وعز في غير الله من اوسمة علمية وعناوين وظيفية وعيون مجتمعية او وزارة للزرع واخرى للصناعة او قضاء حكومي او شرطة رسمية فالكبر لغير الله في كل شيء حضاري فاصبح الانسان ضالا بموجب قانون الهي فاصبح الانسان خارج خصوصية رحمة الله
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }ءال عمران74
لـ رحمة الله خصوصية يختص بها عباده (من اناب امره الى الله) وذلك لا يعني الانابة العقلية في دعاء او تسبيح او ترنيمة عقائدية او دعاء مقروء على فضائية او كتب الادعية المكتوبة بل تعني الانابة الفعلية في التطبيق حين يحرر حامل العقل فطرته من علقات مجتمعية جعلت حامل العقل عاجزا عن استثمار كيانه العقلي الذي فطره الله فيه واحسن تقويمه (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ـ التين) واذا بالانسان يطع اكثر اهل الارض وهم يضلونه عن سبيل الله ... سبيل الله واضح مبين وءاياته مبينة ومفصلة تفصيلا الا ان حامل العقل حين يتنازل عن عقله فيفقد الكثير الكثير واهم ما يفقده (الهدي الالهي) فيكون في خسران مبين ..
ما كان لتلك السطور ان تقوم بالشكل الذي قامت به الا من مظاهر حجم الكارثة التي يمر بها المجتمع الاسلامي في اكثر اقاليم المسلمين .. وتلك ذكرى عسى ان تنفع
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
الحاج عبود الخالدي
تعليق