معيار الحق والباطل في تصرفات الانسان المعاصر
من أجل نصرة الله في نفوس المتحضرين
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }الحج62
قالوا في الله كثيرا ووصفوه بصفات كثيرة الا ان تلك الصفات لا تمتلك مساحة تطبيقية عند كثير من المؤمنين والسبب يكمن في مكامن فكرية متوارثة من فقه الاجيال السابقة حيث نقلت الينا صفات الله بموجب مدارك سطحية تتطابق مع الصفات التي يمكن ان يحملها بشر او ان يحملها شخص عظيم الصفة كما هم الملوك فحين يوصف الله بـ (الكريم) فهو يعني في وجدان الناس انه كريم مثلنا ويمنح الناس اموالا من كرمه الا اننا حين نرى احد الملحدين غنيا نتسائل كيف اعطى الله مالا كثيرا لذلك الملحد !! وفي المؤمنين فقراء وعندها تتصدع عدالة الله في عقول الذين يتعاملون مع صفة الكريم في الله وكأنها صفة تشبه صفات الكرم عند الانسان , وحين يكون تحت صفة الله (رحيم) فان الناس يتصورون ان الرحمة الالهية صفة كما هي صفة التراحم بينهم في عطاء او حب او تخفيف عذاب ... لو قرأنا صفة (الله حق) نرى ان الناس يتصورون الحق كما هي صفته فيهم حين يكون موقف (الحقاني) في صراع او اختلاف او في سداد دين او من هو ذو ذمة مالية غير محرمة ... الا ان الناس يدركون ان كثيرا من الصفات الالهية الشريفة لا يمكن ان تكون في العباد فالله (خالق) وتلك صفة وتر والله (احد) ولا يمكن ان يكون احد عباده (احد) والله (صمد) والله (اعلى) والله (باقي) وهي صفات متفردة في الله سبحانه ورغم ذلك فان (مدرك الصفة) عند الناس يشبه او يتطابق مع صفات الله في (الصمود) و (البقاء) و (التفرد) و (العلا) ..!!
من تلك الرجرجات الفكرية نحاول ان نمنح عقولنا المتفكرة ادوات فكرية قادرة على فهم صفات الله في الله او كما هي قائمة في الله وليس كما تقوم فينا وعلى مثل تلك الراشدة فان (الله حق) تحتاج الى فهم يتعلق بخصوصية الله ولا يرتبط بخصوصية بشرية كما هو الشخص الحقاني الذي قد نجد امثاله بيننا ...
لفظ الـ (حق) في مدركاتنا الناطقة يعني العدالة والتوازن بين شعبتين للصفة او للشيء اي ان الحق في مدركاتنا يحمل وزن موزون بين كفتين ولا يمكن ان يكون الحق قائما ما لم تظهر صفة تقابل الحق وتجعله مبينا فالحق يمتلك مضاهاة مع الباطل فاينما نجد الباطل نعرف الحق وان لم نعثر على صفة باطلة فلا يمكن ادراك الحق بكينونته فعلى سبيل المثال التوضيحي لو سمعنا ان وليدا اسماه ابواه (فلان) فهو فعل لا يمتلك صورة للحق او الباطل الا ان التسمية لو كانت تثير شيئا سيئا في المجتمع الذي يعيش فيه ذلك الوليد فان ميزان الحق والباطل يظهر كظاهرة (حق) يقابلها (باطل) فلو ان شخصا يعيش في قرية اسلامية سمى وليد له اسم مسمى (كافر) او (ملحد) او اي اسم يثير حفيظة قومه فان تلك التسمية باطلة لذلك قالوا ان تسمية الولد تسمية صالحة حق على الابوين
من تلك المراجعات الفكرية الفطرية يتضح ان (الحق) له رديف ينشأ في منشأة مستقلة عن الحق يعمل ضديد الحق وصفه ربنا في النص الشريف بـ (الباطل) فالحق والباطل رديفان لا يندمجان فان شاب الحق شائبة من الباطل سقط الحق وطغى الباطل على صفة النشاط وقد وصف لنا ربنا ذلك في نص شريف
{وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }الإسراء81
فحين يجيء الحق يزهق الباطل لان الباطل بتكوينته كائن مؤقت لا يحمل صفة الدوام كما هو الحق وقد وصف لنا القرءان ان مجيء الحق متصل بالله سبحانه وجائت تلك التذكرة الشريفة في الاية رقم 80 من سورة الاسراء حيث تذكرنا الاية 81 التي بعدها من سورة الاسراء انها ءاية مرتبطة وليست مستقلة التفعيل بدلالة حرف الواو الذي ورد في اول المتن الشريف (وقل جاء الحق) وذلك يدل على ان الاية ترتبط باية اخرى ونصها
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً }الإسراء80
فـ رب العبد هو الفاعل للحق حين يريد العبد لكل نشاط من انشطته (مدخل صدق) ويريد ايضا عند الانتهاء من نشاطه (مخرج صدق) فيكون (مجيء الحق) عبر تلك الدعوة العبادية التي يتمسك بها العابد ليكون في الحق من منشأ الهي وهنا تبرز اهمية الذكرى التي تقوم في صفة الله (الحق) والتي جعلها الله اصل الاشياء التي خلقها وان ما جيء به من دون الله هو الباطل (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) فالعبث في الخلق واخراجه من وظيفته التي وظفها الله فيها هو (الباطل) وبما ان الباطل (زهوقا) فان من يتوائم مع الباطل ويحتويه سيكون زهوقا مثله ايضا
المعايرة الفكرية للحق والباطل في السطور اعلاه انما تضعنا امام صورة قاسية للتطبيقات الحضارية المعاصرة والتي جيء بها من دون الله وصناعها يتصورون انهم يحسنون صنعا والناس لزخرفهم الحضاري ساعون بكل ما اوتوا من قوة ونشاط حتى اصبحت الاشياء الطبيعية نادرة الوجود والافعال المرتبطة بالطبيعة غريبة على اهل الحضارة فمن يدعو لشربة ماء من وعاء فخاري انما يمارس عملا ينكره الناس وسط قناني الماء المعقمة تعقيما اشعاعيا او كيميائيا ومن يبحث عن تفاحة من اصول نقية لم يتم العبث بجيناتها الوراثية انما يسعى لسراب ومن يبحث عن ملبس من خامة الهية (حق) كالصوف والقطن فان مطلبه سيكون غريبا لان الملبس المصنوع من خامة جيء بها من دون الله هو الذي ملأ اركان انشطة الناس وحاجاتهم
اذا اراد شخص ان يستخدم الجمال والبغال والخيول لسفر طويل فانه عاجز تماما عن تأمين مطلبه لعدم توفر منظومة تلك الانواع من السفر الا ان السيارات والقطارات والطائرات تمتلك وسيلة نافذة وارواح الناس (تزهق) بشكل يومي في حوادث السير والسفر بشكل قد يوصف وكأن الانسان في معركة خاسرة مع تلك الالات التي تعلن عداوتها للانسان بشكل مبين ...
الله هو الحق و (أَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) ونظن ان الذكرى قد استوفت (البينة) وهي ذكرى عسى ان تنفع المؤمنين
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
الحاج عبود الخالدي
تعليق