فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ .. كيف ..؟!
من اجل فاعلية الذكرى في زمن الحاجة اليها
{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال25
تذكرة القرءان وتدبر مذكراته والتبصرة بها سبيل الهي كبير وعظيم يفتح على حامل القرءان بوابات الحكمة من اوسع مداخلها وعند تطبيق الذكرى فان مداخل رحمة الله ستكون مهيأة للدخول فيقوم نصر الله (الخاص) حين يختص برحمته من يشاء ...
الفتنة لفظ يدل على صفة غير حميدة في معارف الناس وقد جاء في القرءان ان (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) و (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وقد جاء في القرءان ما يذكرنا ان الفتنة هي وجه ضديد لـ الحق
{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }التوبة48
ففي الفتنة امرا منقلبا بموجب النص الشريف اعلاه ... ومن النصوص المبينة في القرءان والتي تصف الفتنة بصفات غير حميدة هو النص المبين التالي :
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الحج11
كما ورد في القرءان وصف يصف الفتنة انها اثر من ءاثار الشيطان
{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }الحج53
في النص الشريف اعلاه بين لنا ربنا ان ما يلقيه الشيطان من فتنة انما تصيب الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم مما يدلل ان للفتنة (ان قامت) رابط خاص وليس عام وهنا نص كريم بالذكرى يذكرنا تلك الصفة
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءامَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }المدثر31
عدة الملائكة تكون فتنة للذين كفروا وبذلك ستدرك عقولنا ان (مكونات الفتنة) وهي (عدة الملائكة) لا تتصف بالفتنة بين يدي الملائكة او بين يدي المؤمنين (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءامَنُوا إِيمَاناً) الا ان عدة الملائكة ستكون (فتنة) للذين كفروا ويكون ضديدها بين يدي الذين ءامنوا وعندها سندرك ان للفتنة وجهان (وجه حميد) + (وجه غير حميد) ونسمع القرءان فندرك الوجه الحميد للفتنة
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2
فالفتنة وان كانت غير حميدة (كما نتصور) الا انها تكون اداة لترسيخ الايمان فالله سبحانه لا يريد ان يمتحن عبده لانه عالم الغيب ولا يحتاج الى امتحان عبده بل العبد حين يتحول من دائرة غير ايمانية الى دائرة الايمان سيواجه حزمة من الفتن فما هي المقاصد الشريفة التي يحملها لفظ الـ (الفتنة)
فتنة ... لفظ في علم الحرف يعني (حاوية) لـ (فعل بديل) (يستبدل) (المحتوى) ويمكن ان ندرك تلك الراشدة الفكرية ببساطة فالشخص حين يكون بعيدا عن مستلزمات الايمان فتراه يمرح في تصرفات غير ايمانية مثل الغناء والطرب ومعاشرة اصدقاء من مثله الا انه حين يؤمن فيكون مراحه وراحته في (حاوية بديلة) لـ (فعل بديل) فبدلا من الطرب والقمار ومجلسه سيكون في رحاب صلاة وموعظة في الجامع ويستبدل اصدقائه وتلك (فتنة) حسب حرفية اللفظ ونحن نقرأ (الوجه الحميد) للفتنة حين تم استبدال ادوات (اللاإيمان) بادوات ايمانية كما هي (عدة الملائكة) في سورة المدثر فهي (اداة فتنة) للذين كفروا الا انها (اداة زيادة ايمان) للذين ءامنوا وعدة الملائكة هي هي الا انها (بديل محتوى) لـ (بديل فاعلية) عندما تكون في وعاء ملائكي فما صفات الـ (فتنة) التي تحتاج الى التقوية والتي (لا تصيب الذين ظلموا منكم) (خاصة)
{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال25
فهي فتنة تحتاج الى التقوية (واتقوا فتنة) ويمكن تدبرها من خلال رصد امرين فهي اما تحتاج الى (الاتقاء منها) واما تحتاج الى (التقوية بها) والفرق بين الامرين كبير الا ان تدبر النص وتبصرته سيرسخ لدينا ان تلك الفتنة يجب ان نتقوى بها وليس منها لانها (حاوية) فيها (فعل بديل) (يستبدل ) (المحتوى) وتلك هي الفتنة التي تصيب فئة (ويستثنى) منهم ظالمين (الذين ظلموا منكم خاصة) والخصوصية في (منكم) اي ان الظالمين لن يكونوا من بعيد بل من خاصتكم كأن يكونوا ابناء اوزوجات او اخوة واخوات فهم (منكم خاصة) واذا اردنا ان نستلهم من القرءان ذكرى راشدة فان مثل نوح يحمل تطبيقا لتلك الاية الكريمة فـ نوح استبدل (الفعل) الذي كان يفعله قومه واستبدل المحتوى حين صنع الفلك وهو لم يكن بحاجة ءانية له وكان ذلك بالنسبة له ومن معه فتنة (محتوى بديل وفاعلية بديلة) الا انهم (تقووا بها) رغم سخرية قومهم منهم الا ان تلك (الفتنة القوية) لم (تصب ابن نوح) وهو من (خاصته) بل تم عزله عنها وغرق مع الغارقين فهو المشمول بـ (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وهو ابن نوح في المثل الشريف
{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }هود45
{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }هود46
فهو وان كان ابنك فهو ليس من اهلك (غير مؤهل من قبلك) ولم (يتقوى بالفتنة) فسفينة نوح كانت فتنة تأهيلية لنجاة نوح ومن معه الا ابنه كان مستثنى منها (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ... كما حمل القرءان مثلا ءاخرا ينطبق عليه دستور الاية الكريمة في الفتنة ذات الوجه الحميد وكان مثل امرأة لوط واضحا مبينا فتم استبدال الفعل بما يفعله قوم لوط كما تم استبدال المحتوى وهو (الهجرة ليلا) الا ان امرأة لوط اصابها ما اصاب قومه لانها كانت من الغابرين فكانت مستثناة من (التقوية) التي حملتها (حاوية الهجرة) قبل الحدث المدمر فهي موصوفة في النص (فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة) وهو نفسه المثل الذي حملته الاية 31 من سورة المدثر حيث تكون عدة الملائكة قوة للمؤمنين في زيادة ايمانهم دون الذين كفروا لانهم ظلموا انفسهم
كل من يخرج من محتوى ظالم ليكون في محتوى حق تقوم عنده (فتنة) بمقاصدها العلمية وحين يتم استبدال المحتوى واستبدال الفاعلية فان من كان في معيته الخاصة من هو ظالم لنفسه يعارض تلك الفاعلية المستبدلة ويعارض الفعل البديل وهو الذي يستثنى من (القوة) التي شملها ذلك المحتوى
تلك تذكرة من قرءان ما كان لها ان تقوم الا حين تتفعل الذكرى في عقل حامل القرءان والذكرى لا تتفعل الا بمشيئة الهية محض
{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56
الحاج عبود الخالدي
تعليق