اليأس في الأمل
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
المسلمون جميعا يدركون انهم في وهن وتراجع حضاري وشواهد ذلك الإدراك كالجبال الشاهقة في فلسطين والعراق وافغانستان ولبنان وايران والصراع المذهبي والتمزيق العقائدي ... في وحدتهم فشل ... اتحادهم اصبح شعارا فاشلا يمثل واقع حال اسلامي متصدع ممزق رغم الاتحاد العقائدي المركزي في التوحيد والنبوة والقرءان .
المسلمون جميعا يدركون ان مجدهم الماضي قد غلفه التاريخ وان أحلام قيام مثل ذلك المجد قد تبددت على عتبات غزة والقدس والعراق وافغانستان .. لا يملك المسلمون فرصة ولادة قيادة ترضي جميع عناصر التكوينة الاسلامية يضاف اليه فقدان الثقة الجماهيرية التام باي اعلان قيادي وقد استيأس الجمهور من قيادات التحرير والاصلاح بعد ان تكشفت حقائقها الاستثمارية حيث كانت مباديء التحرير والاصلاح مباديء استثمارية تخدم خططا مسبقة الاعداد بعيدة تماما عن موضوعية المباديء المعلنة ولم يتحقق شيء من التحرير والاصلاح الا مكاسب شخصية التصقت باولئك القادة المزعومين
لو بعث خالد بن الوليد لقتلوه يقينا ... لو بعث صلاح الدين الايوبي لكفروه وقتلوه لا محال ... امة اسلامية فطرت على الخلاف والاختلاف ولا رجعة ... ولن يكون في رحم امة الاسلام رجلا او نظاما قادرا على توحيد الفكر والصف ..!! ولا يكون ..
وفي الفكر الديني ... كل من ينادي للوحدة انما يريد من الاخرين ان يتبرأوا من ثوابتهم ويوافقوا على ثوابت الداعي لوحدتهم ... !! ولكن لا يوجد من يتبرأ من ثوابته ويدعوا الى دائرة مستقلة تجمع المتجانسات وتركن المختلفات فلا يوجد فكر متعادل يمكن ان تنصهر فيه الاضداد لتكون سبيكة فكرية تضم عناصر تكوينتها ... وفي تلك استحالة فسبيكة الفكر يجب ان تحوي عناصر قابلة للتجانس ولا يمكن ان تقوم سبيكة فكر اسلامي تجمع اضدادا متنافرة
هنلك عقدة كأداء اثخنت المسلمين فرقة الا وهي ان رواسخ الفكر الاسلامي تمتلك صفة التصارع الموروث بحيث يفقد مسلم اليوم أي صلاحية بتغيير تلك الثوابت او ترطيبها لكي تقبل التجانس الفكري مع اضدادها .
مسلم اليوم عليه واجبات وهو لا يعرف مستحقاته يقينا ولا يمتلك صلاحيات تقرر مصيره العقائدي وتحولت المادة الدينية الى سلطوية تعسفية لا يمتلك المسلم المعاصر أي صلاحية في مناقشتها وذلك من خلال ثبوت ورسوخ مصدرها فقط اما معالجتها الفكرية فهي ليست من صلاحيات مسلم اليوم . في حين امتلك مسلموا ما بعد الرسالة حقوقا في معالجة النظم الدينية بما يستجد في يومياتهم وامتلكوا ناصية تعيير المفاهيم الدينية في حين فقدنا نحن كل نوع من انواع التعيير العقائدي فاصبحت العقيدة عبارة عن دهاليز فكر تاريخي
المادة العقائدية لا تتوائم مع يوم المسلم المعاصر ويفقد المسلم أي مستحقات فكرية في مادة العقيدة ويتحول الى ريبوت عقائدي تتحكم به ازرار تاريخية يتصدى لتشغيلها متخصصون عقائديون يقتربون الى ناصية الامر والنهي المجرد من المساحة الفكرية التي يمكن ان تتفاعل معها ارادة المسلم .
في حادثة طازجة حاول مجموعة من الاكاديميين اعادة تعيير اسماء الله الحسنى فقامت الدنيا عليهم ولم تقعد لانهم تجاوزوا على مستحقات تاريخية مع ضياع تام لاي مستحقات معاصرة وكأن دخول الجنة يعني الالتزام بما اقره السلف الصالح فكريا ..!!
تلك لن تكون دعوة لرفض ما استقر عند السلف بل هي دعوة لتعيير المادة الدينية بمتطلبات يوم معاصر ودفع المادة الدينية لتتعانق مع يوميات المسلم وليس مع تاريخه حصرا ... لو بعث فينا خالد ابن الوليد فسوف لن يقود جيشا من الفرسان عدتهم فيها رماح وسيوف ..!!
من ذلك الجفاف الفكري اصبح الامل بقيام فكر مستقل يمتلك عقلانية فعالة في يوم المسلم في دائرة يأس شديد واصبح فقهاء المسلمين يطلبون من المسلم الايمان بمستقرات ثابتة لا تمتلك قناعات يفرضها العقل الانساني الذي يتسع في المعرفة وكشف الحقائق ..
تلك المنهجية جعلت من المادة الدينية بعيدة تماما عن منهجية يومنا المعاصر فكل نشاط في حياتنا اليومية يخضع للتعيير العلمي او المختبري او التنظيري الا المادة الدينية فهي متقولبة في قالب لا يقبل تلك المداهمة المعرفية .
صناعة اللبن او الخبز (مثلا) نشاط اضطلع به الانسان من عهود غابرة في التاريخ مثله صناعة الخبز الا ان يومنا المعاصر سبر غور ذلك النشاط ووضع لكيفية صناعة اللبن والخبز معايير في حفظه واستخدامه وتعليبه والخمائر الداخلة فيه وتكوينتها والحوامض التي تنتجها وعلاقتها بصحة الانسان ولكن اللبن بقي هو اللبن تكوينيا والخبز هو الخبز بتكوينته التي خلقها الله ولكن الذي حدث أن نظام التعامل مع نشاط غذائي تاريخي أصبح يعانق يوم معاصر .. إلا المادة الدينية لا تمتلك تلك الصفة فلم يتصدى احد لكينونة الصلاة او الحج او الذبح وبقيت تلك المادة الدينية تنفذ كما كان الاباء يتعاملون معها وفق منظومة الطاعة الغيبية في حين يذكرنا القرءان انها يات بينات ..!!
اكاديميات اسلامية اغلقت كل منفذ لقيام فكر مستقل .. يدعمها كيانات فقهية لا تقبل المساس بالثوابت التي اقرها بشر مثلنا واعادة تعييرها فاصبح الدين عبارة عن مستعمرات فكرية لا يمكن فك نظمها الاستعمارية وبالتالي اصبح من العسير قيام وحدة اسلامية تصنع يوما جديدا يتعانق مع الدين بمنهجية منضبطة في يومها وليس في تاريخها .
الفكر التوحيدي لا بد ان يكون فكرا مستقلا وتلك الاستقلالية هي بمثابة بوتقة تاخذ من تلك المستعمرات الفكرية لتصنع سبيكة دين متجانس وبما ان تلك المستعمرات تمتلك رواسخ تاريخية غير متجانسة فاصبح من المستحيل تحطيم شيء في الماضي لان المسلم المعاصر لا يمتلك القدرة على تغيير ثابتة تاريخية وفي نفس الوقت يفقد صلاحيته في تعيير تلك الثابتة او مستحقاته منها فانقسم الدين الى قسمين بين المسلمين
دين الحد الادنى : وهو ما يمارسه ذوي الافق العلمي والحضاري الواسع بحيث اصبح المتدين امام اختناقات فكرية لا تسمح لعقلانيته الغلو فيها فاقتنع بالحد الادنى من المفاهيم الدينية وتمسك بها وهو ما يسمونه بـ (المسلمون المعتدلون) وقد يصل الحد الادنى في التطبيق الى الصلاة والصوم مع سيل من المخالفات .
دين التطرف : وهو ما يمارسه المتشددون في الدين والذين غالبا ما يتقمصون الماضي بدقائق تفاصيله حتى في لكنة القول والملبس وطريقة العيش ..
بين المنهجين التطبيقين عند الحد الادنى والتطرف تضيع مجاميع اسلامية لا تقبل بهذا ولا بهذا ولا حتى بالوسطية وانقلب الناس الى حمل العقيدة في الانتساب الاسمي دون ان يكون للمسلم ناصية ايمان حقيقية وهذا هو السواد الاعظم من المسلمين (دين الانتساب) وهو دين احصائي يحصي التجمعات السكنية ويضع لها صفة عقائدية موروثة الا ان وجودها معدوم او في مقتربات العدم ... الانتساب العقائدي اضاف نعرة طائفية لا تمت للعقيدة بشيء سوى الاعتزاز بالنسب العقائدي فنرى متصارعين بين الفرق العقائدية وكل متصارع منهم لا يمتلك الحد الادنى من العقيدة بل يمتلك الاسم فقط وهو يكفي للصراع شأنه شأن مؤيدي الفرق الرياضية لكرة القدم وما يحمله كل منهم من نوازع نفسية في الانتصار للفريق الذي رشحه في عقله دون ان يكون له في الرياضة باع سوى الانتساب الاسمي ليس اكثر .
عندما يكون المسلمون في فراغ فكري كالذي نراه على هذه السطور فيكون من المستحيل ان تقوم وحدة بينهم لانهم يفقدون الصفة التكوينية للاتحاد بل يمتلكون ضديدها الا هي الصفة التكوينية للفرقة والصراع ..!!
اذا اراد الفكر المستقل ان يستحلب من الدين موقفا معاصرا ويتسائل عقائديا في الارادة الالهية التي تتحكم بمصير الناس من خلال ثابت قرءاني (بيده ملكوت كل شيء) فهل امر الهدي الجماعي انحسر في البرنامج الالهي .. ؟؟ ولماذا .. ؟ حيث سيمسك الفكر المستقل هوية الجمهور المسلم من خلال رابطة الهية وليس من خلال روابط مجتمعية اسلامية فسيرى ان الهداية هي بيد الله وان الله قادر على هدي الناس جميعا ولكن الله بارادته قد رسم معالم اليأس بموجب برنامجه في خلقه .
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)
في هذا البرنامج سيكون مذاق ما عملوا في جوابية قرءانية ملزمة في عقل الباحث
(وَلَوْ أَنَّ قُرءاناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (الرعد:31)
الناس يذوقون ما كسبت ايديهم .. لعلهم يرجعون .. وان رجعوا فان القانون الالهي يمتلك سماحة ورحمة قصوى ويمتلك غضبا وانتقاما
(لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)(الرعد: من الآية11)
الناس تصيبهم بما صنعوا قارعة او تحل قريبا من دارهم
نحن اذا في يأس في أمل ... والقرءان يذكرنا ... حتى ياتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد
فإن كان اليأس من هداية الناس قائما متحققا .. الا ان الأمل في وعد الله قائم سواء شهدنا مقتربات الوعد ام يشهده من هو بعدنا
هي اطلالة فكر في حوار عقائدي تذكيري عسى ان يذكر بعضنا بعضا ليقوم فكر متعادل يضع لليأس برنامجا اقل حشرجة في الصدور ..!!
الحاج عبود الخالدي
تعليق