الدين والعقل
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
رغم التطور المادي الحضاري الكبير نجد في قلب المجتمع الاوربي رجعة للعقل العقائدي من خلال انتشار ورواج قراءة الابراج وقيام مؤسسات تخصصت بذلك الفن الغيبي وكأنه البديل العقائدي كما يلاحظ بشكل واضح رجعة في تلك المجتمعات الى عقيدة الحسد وبشكل ملفت للنظر مما يشير الى امكانية عودة التنظيرات العقائدية الى ساحة الماديين ..
الماديون الذين اوغلوا كثيرا في قراءة المادة وتصوروا ان المادة تعلن عن نفسها في قراءة اجبارية يجبرها العلماء عليها الا ان العلماء تقطعت السنتهم في معالجة الجاذبية وكينونتها كما عجزوا عن فهم تكوينة الزمن والموجات الكهرومغناطيسية التي تعتبر عماد التطور الحضاري المادي ..!!
العقل مجهول في العقل الانساني فعندما كان الماديون قد نجحوا نسبيا في اجبار المادة على التعريف بنفسها كما في مكونات الهواء والماء والتربة وعناصر الكون وغيرها الا انهم فشلوا تماما على اجبار العقل للتعريف بنفسه وبقي العقل يمثل هراوة خلق تطرق عقول العلماء والبشرية كلها .
الحيوانات في الارض لا تمتلك دين رغم ان الحيوانات الثديية تشبه الانسان بجسدها وبالتالي فان الانسان الملزم بالدين انما يمتلك عقلا اضافيا مضافا على عقل الحيوان وهذه الفارقة تقع في بؤرة رصد الدين والعقل الانساني وتلازمهما
لتلازمية الدين والعقل عند الانسان تعني ان افتراق الدين عن العقل يعني سيخ العقل وتلك نتيجة بداهة عقل يرى الفارق بين الزامية الدين مع الانسان وعدم وجود الدين في دورة حياة الحيوان ...
تلك الفارقة الفكرية بين الانسان يمكن تحويلها الى نشاط مادي لكي نزحزح بها العقل المختفي في قمقم عقلاني لنرى مستقرات خلق في الحيوان تفصل بينه وبين الانسان عقلا ودينا فنرى في تلك المحاولة انثى الحيوان التي لا تحتجب عن الذكر ذلك لان الانثى والذكر بالنسبة لعالم الحيوان خلقا لغرض الانجاب فقط فهي غريزة مؤقتة غير دائمة (الانجاب) اما غرائز الانسان الجنسية مستمرة وترقى الى عقله الاضافي المضاف على الحيوان فهي غريزة وعقل غير مؤقتة مما استوجب تنظيمها فكان لزوم الدين في الانسان وعدم لزومه في الحيوان .. كذلك نجد في محاولة فكرية اخرى ان حيازة الحيوان للاطعمة حيازة طبيعية فالحيوان لا يزرع ولا يحصد ولا يربي حيوان اخر لكي يأكله كما ان الحيوان لا يكتنز الاطعمة ولا يمتلك مخازن الا في جسمه في الجهاز اللمفاوي عدا النحل الذي يكتنز الغذاء من انتاجه هو (العسل) الا ان الانسان يعبر ذلك السقف ويمتلك قدرة حيازة الاطعمة والتصرف بشكلها وتغيير طبيعتها مما يستوجب نظم تنظيمية دينية..
تلك الفارقة بين العقل الانساني والعقل الحيواني جعلت من الدين يرتبط بالعقل ربطا تكوينيا عند الانسان وبما ان الانسان يمتلك عقل (مخلوق) فيكون عقله غير صالح لقيام النظم الوليدة من عقله بل وجب عليه بداهة ان يقر عقلا بالنظم السماوية التي نزلت عبرت الرسالات لان الانسان يمتلك عقلانيته واسعة الا ان تلك العقلانية واسعة وسعة نسبية وليست مطلقة مما جعل من ابواب رحمة الخالق بالمخلوق ان يجعل له بيانا فيما خفي عليه من نظم في الخلق يحتاجها في يومياته او في دورته الحياتية ..
اعتراف الانسان بالدين (نظم سماوية) لا يقوم عنده الا بعد ان يعترف بالخالق ومن اعترافه بالخالق يقوم بين ثنايا عقله الدين من نظم سماوية او من نظم فطرية ترتبط بمنظومة الرسالات السماوية
عندما وضع الله قانون للذكر مثل حظ الانثيين في الارث فهو الخالق العالم بان الانسان سوف ينجب اناثا اكثر من الذكور فاستوجب ان تكون موازنة في الثروة بين الجنسين لغرض الرحمة بالانسان سواء كان ذكرا او انثى لان الانثى ان فقدت الرجل بسبب الاموال فهي خاسرة لا محال وان اصبح الرجل تابعا للانثى بسبب تركز رأس المال في يد الانثى فسوف يفقد الرجل تكوينته المجتمعية ويخسر طرفي المجتمع توازنهما كما هو حال الاوربيين اليوم حيث تتركز رؤوس الاموال بيد الاناث ..!!
العقل ان افترق عن الدين ساخ سيخا شديدا لان العقل الانساني يمتلك وسعة نسبية في الافق المعرفي وقد جاء العلم الحديث الذي اعلن بكل صراحة عجز العلم من استيعاب كثير من نظم الخلق في الزمن والمادة والشيخوخة مما دفع الانسانية الى (قارعة بما صنعوا) وذلك للتحلل الترابطي بين العقل الانساني والدين ..!!
التحليل المسطور في هذه الاثارة لا يمثل منهجا فلسفيا ينتج الافكار من العدم بل هو محاولة تذكيرية تذكر الانسان كل حسب موقعه بترابطية الدين والعقل وتلازمهما التكويني وتلك المهمة التذكيرية تضيف عند الفرد موطنا لذكرى شيء لم يكن بحسبان الآخر والآخر .. فتلك سطور للذكرى عسى ان تنفع الذكرى
الذكرى ستقيم جسرا معرفيا بين الفطرة والعقل وعندما ترتبط الفطرة بالعقل يقوم الدين
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
ولو امعن الباحث في النص القرءاني سوف لن يجد في الطلب الالهي منهجا رساليا او قرءانا او تعاليم دينية بل سيجد ان النص يدعو الى الفطرة الانسانية وهو العقل الانساني حيث يعني النص الشريف بدستوريته المطلقة امكانية قيام الدين من خلال الفطرة التي فطرها الله في الناس . والانسان بعد خط البداية يسعى بعقله لمعرفة النظم الرسالية ويزنها بميزان عقله مع الفطرة ..!!
الانسان الذي ينشط في متطلبات حياته اليومية يبتعد عن فطرته وتحل رغباته الشخصية كجدار حاجز يحجب الانسان عن فطرته وعندما تتراكم تلك الحواجز من جيل لجيل يبتعد العقل الانساني عن فطرته فيتوائم عقله مع رغباته الآنية والموروثة ويبدأ يتصور انه قادر على وضع قوانين هو يضعها تنظم مرابطه الاجتماعية ومرابطه مع الكون كما يجري في حضارتنا المعاصرة
نرى حقيقة الفطرة في (العقل والدين) في مثل ابراهيم (البريء من كل حاجز صنعه الاهل والاجيال) حيث وصل بعقلانيته (البريئة) الى خالقه
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون) (الأنعام:78)
ابراهيم البريء لم يستخدم في عقله ادوات دينية من رسالة سماوية بل استخدم ادوات عقلية محض فكان من الموحدين ولم يمتلك سوى منهج البراءة (فطرة) والتي كانت وسيلته في دمج العقل مع الفطرة ورفع الحواجز بينهما فوجد الله الواحد وقام ابراهيم البريء بسنته التي يدعونا اليها القرءان
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125)
(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161)
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130)
ابراهيم .. البريء من كل فكر ... فمن شاء ذكر .. عسى ان تنفع الذكرى .
الحاج عبود الخالدي
تعليق