الجهاد الإسلامي بين البندقية والعقل
من اجل وسيلة جهادية معاصرة
اصبح واضحا بعد اكثر من نصف قرن عدم تمكن الجهاد الاسلامي المسلح من تحقيق النصر على المنظومة المعاصرة الممثله بكيانات الدولة الحديثة ولعل مثل فلسطين مثل يتعاظم مع كل جيل دون ان يسجل الجهاد المسلح نصرا استراتيجيا ذو معالم محددة مع التأكيد ان هنلك ملاحم مشرفة في كثير من مفاصل الجهاد الإسلامي الذي استخدم لغة السلاح كوسيلة جهادية معلنة او خفية سواء كانت تلك الانشطة الجهادية منظمة وفق النظم الفئوية او كتلك التي صدرت بعفوية جماهيرية مثل ثورة الحجارة التي استعرت قبل اكثر من عقدين من الزمن ولعل العقل العربي والعقل المسلم يدرك عدم تحقق النصر الاستراتيجي المنشود حتى في ادنى حدود الطموح وقد لا نحتاج الى اثبات تلك الظاهرة التي صقلها الزمن فاصبحت ذات بريق جماهيري في العقول سواء التي احتظنت الجهاد المسلح او التي قامت بتأييده وصنعت له الايدولوجية الجهادية المسلحة حيث تؤشر كافة المؤشرات ان سياسة اليأس بدأت تدب في جسد الامة الاسلامية في كل مكان بعد موجة عولمة الجهاد الاسلامي عندما انطلق المجاهدون في مساحات دولية متعددة ليمارسوا عملية جهاد التحدي واثبات الوجود حيث تتراءى اليوم معالم اليأس بشكل مجهض لاي طموح في النصر ..!!
اتخذت بعض التجمعات الفكرية طريقة الجهاد الاسلامي التنظيمي املا في تعبئة الجماهير ومن ثم الانقضاض على المنظومة السياسية المعاصرة لتشكيل بؤرة الضغط السياسي ومن ثم النصر السياسي ذو الصفة الاسلامية وقد تصدع ذلك الجهد منذ بداياته فشهدت السجون نزلاء كثر من المجاهدين واستشهد كثيرون فكانوا واصبحوا من حيث لا يعلمون وسيلة الحكام في تأديب الجماهير ومنعها من التحرش بكيان الدولة الحديثة كما حصل في مصر والعراق والشام في النصف الثاني من القرن الماضي وما بعده وما حصل لجماعات تتجمع لتحاول قلب انظمة الحكم الى المنظومة الاسلامية في الحكم على هشيم كيان الدولة المعاصرة ولعل مرور اكثر من نصف قرن كافية لرؤية معالم اليأس في تحقيق النصر حتى وان كان بنسبة طموح متواضعة
المسلمون عنيدون في مسألة الجهاد وذلك متحصل من غيرتهم على الدين عند تفتت الدين سواء كان التفتت بالتحديات المعادية او من خلال التفتت الداخلي في الجسد الاسلامي من حيث الوهن الذي اصاب تطبيقات الاسلام الميدانية في موضات التبرج واعلان الخمر والربا كما شمل التفتت الداخلي هو الانفلات الجماهيري من الصفات الاسلامية فالمتحضرون في كل مكان متهمين بالانفلات من النظم الاسلامية كليا او جزئيا مما يثير حفيظة الملتزمين دينيا ويفعـّل الغيرة والحمية العقائدية على الدين الضائع عند كثير من الناس ..!!
سبل الجهاد التي تضمنها المسربان المسطوران اعلاه والمتصفان بصفة الاتكاء على (القوى) المعاصرة كالسلاح القاتل (البندقية والاسلحة الحديثة) او الاتكاء على قوة السلطوية الحاكمة عند استلام ناصية الحكم سواء بصفة ومسميات النظم الاسلامية او بصفة المؤسسات البرلمانية القائمة في الدولة الحديثة وكلا المسربان الجهاديان يشتركان بصفة واحدة هي استخدام وسيلة القوة المعاصرة في الجهاد من اجل الدين سواء في بناء دولة نظام اسلامي او في بناء مؤسسات الدولة المهيمنة على القوى او من خلال التدمير المباشر لممثلي العدو واركان قوته ..!!
لا تخلو ساحة الجهاد الاسلامي المعاصر من مسارب ثانوية سواء التصقت بالمسربين السابقين او في استقلالها الفئوي كما حصل في ايران وافغانستان والصومال او كما حصل في كثير من الاصوات المجاهدة التي ترمي الى توفير مقاومة فكرية للمد الحضاري الذي يهشم الدين او يضعف التطبيقات الاسلامية (طاعة الله ورسوله) فاصبحت ساحة الجهاد الاسلامي الفردي والفئوي في مسارب رئيسية او فرعية وسواء استخدمت القوة الساخنة (بندقيه) او القوة الباردة (سياسه) او القوة الايمانية (المقاومة الفكرية) وتلك الانشطة جميعها تشترك بقاسم مشترك اعظم الا وهو أن (الجماهير تصنع النصر) وتحت هذا الترشيد المعلن على استحياء او غير المعلن في مواطن جهادية كثيرة كما عند المتطرفين فان احتلاب ذلك الشعار من مجمل الصورة الجهادية القائمة هو مسرب حق ولن نسمع ان النصر من عند الله الا حين يريد ان يعلن المجاهدون بشكل غير مباشر انهم احباء الله وانهم مستوفون لشروط الجهاد وان الله ناصرهم لا محال اما حقيقة ما نرصده من نشاط جهادي مسلح وغير مسلح انما مبني على مستقرات فكرية ان المجاهدين يصنعون النصر للاسلام ويقع ذلك الترشيد الفكري الفعال في الميدان التطبيقي على نص قرءاني كثيرا ما يردده المجاهدون
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)
وفي اول محطة فكرية نعالج بها تلك المادة العقائدية يتسائل العقل (هل الله عاجز عن نصر ذاته الشريفة) ليجعل نصرته شرطا لنصرتنا ..!! ام ان الله يحتاج النصر وهو القائل ان الله غني عن العالمين ..؟؟ ذلك التساؤل يقيم كارثة عقل بل بركان عقل في حقيقة التبليغ الرسالي والمهنية التي يمارس بها المؤمنون نصرة الله وكيف وهو القادر على كل شيء وبيده ملكوت كل شيء وهو الموصوف بانه شديد القوى وانه لو شاء لاستبدل غيركم وانه لو شاء لزلزل الارض ومن فيها ... فاين تكمن ميكانيكية نصرة الله ...؟ كيف ننصر الله وفق المفهوم المعاصر (انتشار قيامة الدين في الناس) ... ؟ فهل تثبيت النصر (يثبت اقدامكم) هي هدية الله للمنتصرين لله ام ان الله يصنع النصر ابتداءا ..؟؟ فان صنع الله النصر ابتداءا فكيف نكون ناصرين لله ..!!
من الرجرجة الحرجة السابقة يتضح بشكل كبير ان هنلك اختلاف بين جنسي النصرين فتكون طبيعة وجنس نصرة الله تختلف عن طبيعة وجنس نصر المؤمنين وتثبيت الاقدام والا كيف تكون نصرة البديء ونصرة الثبات من جنس واحد ..!! ومن هذا المنحنى الفكري التذكيري الذي نواجه فيه الحقائق في فطرة عقل بشري نجد ان (لا إله إلا الله) هو عملية نصر لله في أرحام عقول المؤمنين وانشطتهم المرتبطة برحم العقل وهو رحم يولد المادة العقلية في (لا إله إلا الله) بحيث يكون الشعار عقلاني المولد ولن يكون نشيدا معترفا به من قبل حامله فكثير من المسلمين انما يتبنون شعار (لا إله إلا الله) من أرحام عقول نقلت الشعار ولن يكون الشعار التوحيدي من منبع عقلي (ولادة عقلية) وفي تلك الفارقة يتحول الشعار التوحيدي الى مجرد واجهة عقلانية لا يمتلك عمقا عقلانيا كما سنرى في هذه السطور ... ونتيجة لاحتظان الشعار التوحيدي بصفته الحرفية ينحسر مفهوم التوحيد في الخلق فيكون أي حيود فكري يحمله المؤمن في عقله او في نشاطه في ألوهية إله اخر انما يسجل ثلمة في وحدانية الله الاجمالية وينحسر التوحيد في الخلق فالله هو الخالق الواحد باعتراف وجداني جماهيري مطلق الا ان الانشطة البشرية الاخرى تخضع الى آلهة غير الله ولن تقوم في العقل نصرة الله بصفته الاله الاوحد فيموت الوعد الالهي بالنصر ولعل مثل هذا الترشيد يرفضه المسلمون جميعا لانهم يتصورون ان (لا إله إلا الله) فعالة في العقول المسلمة وان اولى الشهادتين هو توحيد الله سبحانه ولا يوجد مسلم واحد لا يوحد الله وهنا تبرز اهمية رقابة الانشطة الاسلامية للاستدلال على حقيقة تطبيق نصرة الله في (لا إله إلا الله) حيث يرى العقل الباحث ان المسلمين جميعا يتفقون على وحدانية الخالق فلا إله خالق غير الله وتلك ثابتة في عقول المسلمين جميعا خصوصا المسلمين الملتزمين بالاسلام روحا وتطبيقا ... الا ان عمق البحث سيرينا غير ما نتوقع وغير ما ذهب اليه الناس حيث نرى ان صفة الالهوية غير منحسرة حصرا في الخلق بل في كل ناشطة ينشط فيها الانسان يكون الله بيده ملكوت كل شيء فهو سبحانه إله كل شيء في الرزق والشفاء والامن والطمأنينة والانجاب و .. و ... وكثير كثير مما لايحصى من الانشطة تخضع لالوهية الاله الواحد الذي لا إله غيره وهنا سنجد ان انحسار الوهية الله في الخلق هي كارثة عقل لا تقيم نصرة الله ولن يكون للشعار التوحيدي تطبيقا الا في الخلق وذلك الرشاد الفكري قام القرءان بتذكيرنا به حيث يشير القرءان ان المشركين يقرون ويعترفون ان الله الخالق الاوحد
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت:61)
وعند رصد الكثير من الاديان القديمة نجد ان الالهة التي يعبدها الوثنيون هي ليست الخالقة في فقه دينهم الوثني بل هي الهة لانشطة وحاجات بشرية وهي كثيرة عندهم وتسجل حضورها عندما تسجل اهتمامات حاجات البشر في وقتها فهنلك اله للزرع واله للحب واله للري والمطر واله للانجاب ولكل نشاط بشري إله يتحكم بتلك الانشطة التي تشكل حاجات بشرية كانت تمثل قاموس الحاجات وقت نشوء تلك الآلهة والناس اتخذوها آلهة من غير الله فيتقربون اليها ..! وهنا نتسائل ... هل المسلمون ناجون من تلك الظاهرة التي تأله آلهة غير الله ..!!
من ذلك التثوير الفكري يبدأ العقل يبحث عن حال المجاهدين وعموم المسلمين ومن خلال انشطتهم وتصرفاتهم يحاول العقل ان يمسك بالمفاهيم المستقرة في عقولهم في حقيقة الشعار المسلم (لا إله إلا الله) وهل هو فعال في التطبيق عندهم في كل انشطة الانسان وحاجاته أم ان الشعار اختص بالخالق وانفلت في غيره ..؟؟!! اذا اردنا ان نجيب على ذلك التساؤل فان سطورنا ستكون متهمة بلوي الكلام كما اتهمها احد المتابعين الا ان طرح التساؤل على عقول المتابعين يفعـّل العقول ويقيم في العقل اجابات متخصصة في كل عقل حسبما لمسه الفرد من لمسات في العقل المسلم اجمالا او في الانشطة الجهادية خصوصا وبالتالي فان الالهة التي تتحكم بالانشطة البشرية كثيرة بين الناس ولا نستطيع ان نبريء انفسنا من الغفلة في التأليه فاصبح القابض على شعار (لا إله الا الله) كالقابض على جمرة من نار حيث تم تأليه النظم بشكل تام تقريبا فالصالح وغير الصالح يخضع الى معايير علمية ثبتت ورسخت في عقول الجماهير بدعم رسمي من قبل الدولة الحديثة والناس لها طائعون خاضعون لا يفقهون الوهية تلك النظم والكل يعرف كيف نفي بحاجاتنا حتى في الانجاب وتسجيل الاولاد في سجلات رسمية او في بناء مسكن حين يتحكم إله غير الله في حيثياتها الشكلية ومواد البناء ولا يستطيع اليوم صاحب مقهى ان يمارس حرفيته ما لم يباركه اله متأله غير الله يجب ان يسترخصه ويستصدر رخصة منه (اجازه) وحتى الزواج له إله رسمي ..!! فتصدع شعار (لا إله إلا الله) كثيرا كثيرا وانحسر في مفاهيم الخلق قليلا من حواشي الخلق حين يصف كثير من الناس ان الاسباب هي آلهة لها مؤثرها في الرزق او الشفاء او الامان حيث تشتهر ثقافة الاسباب التي تمتلك مسلسل (سبب ومسبب) وصولا الى الله الخالق فتكون الاسباب هي آلهة مؤثرة في النشاط في غير الخلق فاصبح المسلمون لا يعرفون كيف ينصروا الله لينصرهم ويثبت اقدامهم فاصبحت اقدامهم مصابة بالزلل فزلت الاقدام وتدهور الدين فاصبح النصر الالهي بعيد بعيد رغم انه قريب قريب
(وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف:13)
وذلك النصر قريب بصفته المطلقة سواء اراد المؤمنون القرب الزمني او ارادوا قرب الوسيلة لان الله لم يحدد صفة القرب جغرافيا او زمنيا او ميدانيا (وسيلة النصر) ويمكن ان يرى المسلمون ان وسيلتهم بعيدة وان زمن النصر بعيد ولا نصر ذلك لانهم لم ينصروا الله خصوصا في زمننا المعاصر الذي كثرت فيه الالهة اكثر من ذي قبل باضعاف اضعاف مضاعفة فللصناعة إله وللحرفة إله وللزراعة إله ولتربية الحيوان إله وللزواج إله وللانجاب إله وللملبس إله وللسكن إله وآلهة لا تنتهي ولا يمكن عدها لكثرتها والمسلمون يشهدون أن (لا إله إلا الله) في اليوم عشرات المرات وهم غير منصورين فاين الخلل ..؟ هل هو في الوعد الالهي او في الموعودين به ..!! ولا اظن ان احدا يتهم الله بالقصور في صفاته الشريفة اما من يكابر على ضياع النصر انما يريد ان يتملص من تأليه غير الله وكل الناس لم ينصروا الله وما كان الله ناصرهم وقد يكابر العقل فيجعل مثل تلك الموصوفات هي مواد تنظيمية ضرورية في الحياة المعاصرة وقد يكون العقل مصيبا عندما يركنها الى الجانب التنظيمي الا ان الحرج الفكري يقوم في العقل ليؤكد ان التنظيم هو ركن رئيسي من اركان المنظومة الشرعية وان النظم التنظيمية تمتلك هيمنة وسلطة فهي ليست نصائح بل هي عصا الهية الصفة وتمتلك غضبة كما يمتلكها الله على العباد فخروقات الشؤون التنظيمية تقيم الغرامة والسجن او الاعدام ذلك لان تلك النظم تألهت ولم تكن موصوفة بصفتها الموضوعية بل امتلكت صفة التأليه ..
تذكرة تنفع وهي لن تكون إله ايضا لان الله القائل
(وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدثر:56)
حتى في نشاط العقل (ذكرى) فهي لن تقوم الا ان يقيمها الاله الواحد الذي لا إله إلا هو في كل شيء يحتويه الخلق ... حتى في التذكر ..!!
(قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس:17)
اذا كانت البندقية إله النصر ... اذا كانت البرلمانية إله نصر .. إذا كان كرسي الحكم إله نصر .. اذا كان الجمهور اله نصر (الشعب مصدر السلطات) .. اذا كان القتال اله نصر (المجاهدون يصنعون النصر) ...
إله النصر هو نصرة الله في (لا إله إلا الله) فان انتصر الله على الالهة الكثيرة الاخرى في نفوس العباد (رحم العقل) حصل الوعد الالهي وثبتت الاقدام وتلك هي مركزية النصر تبدأ بالنفوس وترقى الى الاقاليم ...
عسى ان تنفع الذكرى فالذكرى تنفع المؤمنين
الحاج عبود الخالدي
تعليق