مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ
من أجل تطبيقات قرءانية معاصرة
{مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا } (سورة النساء 147)
النص الشريف قد لا يحتاج الى اداء فكري عالي لغرض الفهم العربي فهو يكاد يكون مفهوما دون عناء فكري الا ان الاشكالية تقع في فهم (الشكر) الذي يصدر من العبد يقابله ان الله يكون (شاكرا عليما) وبما ان معارفنا في الشكر انحسرت في الشكر (العقلاني) فان فهمنا لصفة (شاكرا) لله سبحانه تحتاج الى ترشيد قرءاني دستوري الصفة
{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } (سورة الإسراء 3)
فكيف يكون للشكر صفة مشتركة بين الخالق والمخلوق ؟؟ وما هي ..؟؟ رغم ان سطورنا لم تكن تبحث عن صفة الشكر الا ان فهم النص الشريف وعقلانيته لا يؤتى الا حين نفهم (الشكر المادي) الذي يلي (الشكر العقلاني) فالشكر العقلاني هو شكر معروف وكثير من الناس يشكرون ربهم على ما رزقهم من النعم التي لا تحصى الا ان (مانعات العذاب) او (موقفات العذاب) لا بد ان تكون من جنسها وتلك راشدة فطرية فلا يمكن وقف شيء مادي او تغييره الا من خلال نشاط مادي يعاكسه في النتيجة فحين يكون الشكر مانعا للعذاب فان عبادة من نوع غير معروف من العبادة لا بد ان تقوم الا وهي (عبادة الشكر) وهي عبادة خاصة (غير عامة) يحتاجها ذي الحاجة ولها منسك مبين , ونضرب لذلك مثلا , فلو ان شخصا اعطى لشخص ما تفاحة واتضح بعد حين ان ذلك الشخص لم يأكل تلك التفاحة بل اتلفها فذلك يعني ان ذلك الشخص لم يكن شاكرا لمن اعطاه التفاحة حتى وان قدم له الشكر بواسطة لسانه ... ذلك المثل يحتاج الى استقلال فكري لغرض قبوله فهو يخالف ما تعارفنا عليه في الشكر الا اننا لو امعنا بالمثل تضخيما سنرى الحقيقة بعين فطرية صادقة لا تؤثر بها متراكمات المعرفة فلو ان شخصا يمتلك جسد صحي الا انه تناول ما يتسبب في تصدع صحته وظهرت عليه اعراض مرضية تعذبه فهو اذن في عذاب !! وانه لم يكن شاكرا كالذي اخذ التفاحة واتلفها كما اتلف بعضا من جسده الا ان ذلك العذاب يمكن ان يتوقف اذا تحول من شخص (كافر بسبب اتلاف صحته) الا شخص (شاكر بسبب اصحلاح صحته) الا ان لاصلاح الجسد شرط وهو في تذكرة (وَءامَنْتُمْ) اي ان عملية الاصلاح للجسد تتم بواسطة (تأمين الهي) اي ان تأمين المؤسسة الصحية الحديثة (مثلا) والاتي نشاطها من اله غير الله لا يوقف العذاب ذلك لان الله (شاكرا عليما) وهو يعني ان الله سبحانه بقوانينه النافذة سيقابل (الشيء بمثله) فحين يكون العبد شكورا يكون الله شاكرا عند تأمين الاصلاح لجسد ذلك المريض المعذب اذا استكمل شرط الايمان (التأمين بنظم الله) ولفظ (عليما) لا يعني المعرفة بالشيء بل يعني (فاعلية تشغيل العلة) وهو رشاد من لسان عربي مبين فلا تصلح المقولة السائدة بيننا ان (الله الشافي وان الطبيب والدواء سبب) فلا يمكن ان يكون مع الله الله شريكا تحت ذريعة السبب الا ان يكون السبب مأتي من عند الله وليس من نشاط لم ينزل الله به من سلطان فسلطانه باجازة وتراخيص الحكومات وسلطويتها العلمية وليس فيها شيء من الله ابدا ... عند تشغيل علة الشيء السيء التي تسببت في تصدع صحة الشخص عندما يقوم بتأمين استشفائه بمنظومة الهية التكوين وهي تؤتى من شقين يتقلبان في عقل المتفكر (الشق الاول) ان يعود الشخص لنفسه باحثا عن اسباب تصدع صحته ليمتنع عن تكرارها وعندها نرى الله هاديا لعبده الى مرابط (علة) تغني المعلول حاجته فترى ذلك الشاكر المستغفر يتذكر اشياء لم تكن في ذاكرته بل حلت في ساحة فكره بادارة هدي الهي ليستكمل تصليح ما تصدع من جسده .... (الشق الثاني )عندما تقوم في العقل منهجية مستحدثة في عقل المكلف توصله للشفاء التام من خلال الهدي الالهي ويتم تفعيلها وهي مشغلات علة الله (شاكرا عليما) ... ذلك المثل له حضور دائم بين الناس وتتناقله قصص مجتمعية متواترة في زمن حدوثها او في زمن سبق الا انها تؤكد ان هنلك (اتصال) بين العبد العابد وربه , وربه يهديه سواء السبيل في حاجته التي قد تستعصي على مؤسسة الطب لو اجتمعت امميا . ... عبادة الشكر هي من اسمى العبادات وصفا في القرءان
{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } (سورة الإِنْسان 3)
فلا (عبادة وسط) بين الشكر والايمان الا الهفوات والاخطاء التي تعترض نشاط الانسان عن جبر او غفلة او خطأ من غير عمد فان عاد ذا الخطيئة من كفره فسيجد الله رحيما به
{ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا } (سورة النساء 110)
وما يؤكد تلك المراشد الفكرية ويرسخها في العقل نصا قرءانيا شريفا
{ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (سورة الأَنْفال 33)
فهو دستور قرءاني كبير فمن يستغفر وهو يحمل (العلة المحمدية الشريفة) وهو المخاطب (وانت فيهم) وللمكلف وصال مع تلك العلة المحمدية (يا ايها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وهي ليس قولا بل هي عملية وصال بعلة محمد اي الصلة بالعلة المحمدية وهو القرءان ومنه الاسلام الحق فانه سيكون مشمول بالذين هم (انت فيهم) وهو ما اطلقنا عليه في بعض بحوثنا بـ (القطب المحمدي الشريف) شرط ان يكون من المستغفرين (وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ويزداد رسوخ تلك المراشد القرءانية عندما يقرأ حامل القرءان (مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ ) فان شكر العبد واستغفر وقام بتأمين نفسه في نظم الله فـ (ما يفعل الله بعذابه) فان كان ذلك تساؤل عن فعل الله بعذابه فالجواب (وقف العذاب) وان استكمل العابد بالشكر والاستغفار (المادي) بعد (العقلي) فان فعل الله بذلك العذاب سيكون الاستبدال من السيء بالحسن
{ إِلَّا مَنْ تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا } (سورة الفرقان 70)
فاذا كان العذاب من سيئاتهم فانه يستبدل الى حسنات بموجب نص دستوري مبين لانه من قرءان مبين
عبادة الشكر عبادة مادية تستوجب العودة الى اسباب الكفر من خلال التبصرة بنتائج الكفر ومظاهره هي (الفساد) وهو ظاهر مرئي ينتج عن الكفر وله قانون دستوري يوجب على المكلف الرجوع الى اسبابه
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (سورة الروم 41)
فـ ظهور الفساد هو نظام تكويني في الخلق فطره الله عندما فطر السماوات والارض وسبب الفساد هو (بما كسبت ايدي الناس) وفيه عذاب (نذيقهم بعض الذي عملوا) ولذلك المذاق وظيفه هي (لعلهم يرجعون) ولفظ لعلهم لا يعني التمني لان الله لا يتمنى بل هو (الجبار) بل يعني لـ (علتهم يرجعون) وتلك الظاهرة تظهر حتى عند سائق السيارة (مثلا) فيظهر فساد سيارته وهي تسير فيرجع السائق لمفاصل السيارة ليعرف سبب فسادها الظاهر قبل ان يسري فسادها ويكبر حتى تكون خارج السيطرة
ذلك بيان قرءاني رشد من تدبر للنصوص والاستبصار فيها من اجل معالجة فساد ظاهر وعذاب ساري في زمننا الحضاري وما كان لنا ان نحتاج الى (كاهن) او (مفتي) او (خطيب) بل كان لحامل العقل حضورا في القرءان لتقوم الذكرى وهي لا تقوم الا عند مستحقيها
{ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } (سورة المدثر 56)
فـ مشيئة العبد لا تسبق مشيئة الله او تعلو عليها
الحاج عبود الخالدي
تعليق