التأمل في مراشد علوم الله المثلى
من اجل بيان موارد علوم العقل في القرءان
ورد بريدنا تساؤل عن التأمل في علوم الله المثلى ومدى ارتباط فعل التأمل بالصلاة المنسكية وفيما يلي نص الجواب :
التأمل ... دعوة قديمة مستحدثة يدعو اليها اطباء النفس ومن ورائهم اكاديميات تجعل من (التأمل) وسيلة علاج او وسيلة تطور العقل عند حامل العقل واذا عدنا الى تراث الرسالة المحمدية الشريفة لوجدنا جذور تلك الوصفة التأملية عند انفراد الرسول عليه افضل الصلاة والسلام قبل البعثة في (غار حراء) على اطراف مكة كما يذكر لنا تاريخ المكتشفين انهم كانوا ينقطعون عن الناس من أجل (التأمل) عندما يقتربون من (مخاض فكري مهم) وحين نقرأ القرءان نجد التأمل في النص التالي
{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي ءايَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } (سورة مريم 10)
كما جاء في القرءان امثلة كثيرة على التأمل منها { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } (سورة الأَعراف 142) .
(التأمل) في مراشد علوم الله المثلى يختلف عن التأمل في المدرسة النفسية ففي المدرسة النفسية دعاة التأمل يطالبون المتأمل بوقف التفكير تماما وهو امر مستحيل ذلك لان العاقل لا يمتلك كامل امارته على العقل ولو كان العاقل له امارة مطلقة على العقل لعرف العقل وتعرَّف عليه وعلى فاعليته وحجمه !! فامارة العقل على عقله امارة نسبية ليست مطلقة , فمهما حاول بارادته وقف العقل فانه يكون عاجز عن تمامية مطلبه حتى في النوم حين يتوقف المستوى العقلي الخامس عن العمل يتحرك المستوى العقلي السادس فتحصل الاحلام على شكل موجات متقطعة ...
(التأمل) في مراشد علوم الله المثلى الامر يختلف كثيرا ففي مثل زكريا مطلب محدد وهو ان يهبه الله غلام يرث ءال يعقوب فامتنع عن تكليم الناس ثلاث ليال سويا اي ان التأمل في مراشد علوم الله المثلى لا تعني وقف التفكير اجمالا بل تعني (حصر التفكير) في مطلب حاجة العبد فيحصل على اداة عقلانية وهي (ملتقى) اي لقاء مع (رب العقل) كما جاء في القرءان
{ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } (سورة طه 80)
حيث تتسع (مساحة العقل) في الحاجة التي يريدها العبد فيكون (التأمل) في علوم الله المثلى (وسعة في العقل) وليس كما هو التأمل في المدرسة النفسية الذي يتطلب تضييق العقل عند محاولة وقف التفكر ... هنلك وسعة كبيرة في مراشد علوم الله المثلى متخصصة بتطوير العقل وتوسيع طوره ونسمع النص الشريف
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا ءاتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (سورة البقرة 63)
فوقكم الطور تعني (فائقية نفاذية الطور) ومنه يأخذ باني الاسراء (بني اسرائيل) قابضة قوة (بقوة) وتلك القابضة تفعل فعلها بـ التقوية من خلال الارتباط بالعلة التي يسعى اليها الساعي لـ مأخذ الطور وهي من (لعلكم) (تتقون) فلفظ لعلكم يذكرنا بـ (مشغل ماسكة العلة) ولفظ تتقون يذكرنا بـ احتواء القوة (تتقون) والقوة هنا تكون عقلانية محض مرتبطة بالطور (السماء السابعة) مبنية على رابط عقلاني يقيمه باني الاسراء وهو (أشهد أن لا إله إلا الله) وهو ميثاق المصلي (باني الاسراء) فنعود بالدائرة الفكرية الى (الصلاة المنسكية) التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وتوسع دائرة (العقل) وتربطه بـ (الطور الشريف) وذلك لا يحصل الا بنفاذية (الميثاق) فمن يشهد أن لا إله إلا الله عليه ان لا يؤله وطن او عرق او مذهب ولا يذهب الى ممارسات هامان فرعون في السياسة او الطب او المستحدثات المتألهة في الوعاء الفرعوني لذلك نجد ان المسلمين في تراجع خطير بسبب نقضهم ميثاقهم الذي يرددونه في اليوم بضعة مرات الا انه ميثاق منقوض فما حصلوا على وسعة في عقولهم فتراه حين يصلي في الجامع او في منزله يخشع ويتناثر الدمع من عينيه الا ان جيوبه الفكرية مليئة بحزمة لا حصر لها من الالهة !!! فميثاقه منقوض من قبله قبل ان يصلي وبعد ان يصلي فما اقام الصلة بالطور ليتطور عقله
الافلام المنشورة عن التأمل والكتب والمقالات والتقارير المنشورة لا تفي حاجة المتأمل وسعة عقلية قوية ذلك لان النظام الكوني لخلق عقل الانسان يمتلك فاعلية تلقائية للتقوية العقلية وزيادة مديات العقل عند حامله ونقرأ
{ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } (سورة القيامة 14 - 15)
اما ما اطلق عليه المنشورات الحديثة عن التامل بـ (الجسم الاثيري او الجسم النجمي) فهو عملية خلط لعدة مدارس قديمة وحديثة فتلك الدراسات تأخذ من الروحانيين القدامى وتأخذ من منظري (اليوغا) وتؤخذ بعض الموصوفات من كهنة بعض الديانات القديمة في الهند حتى ان (مجلس التأمل) المروج له في الابحاث الحديثة مأخوذ من تلك الديانات في نوعية المجلس كما يتحدثون في تقاريرهم عن القوة المأتية في العقل فتراهم تارة يصفونها بترددات عالية ومن ثم يصفونها بطرق تفعيلية اخرى وانها (تتضاعف) تارة اخرى خصوصا عندما يكون المتأمل تحت شكل (الهرم) في بعض التقارير دون ان يبني كتاب تلك التقارير اي مورد لـ (الكم) في تلك الطاقة فالبحوث في التأمل نراها تعتمد على مزيج متعدد المصادر
اما الاستشفاء من خلال (التأمل) فهو ممارسة انتشرت في منتصف القرن الماضي وصنعت حولها هالة من الاهمية الا انها لم تستمر ولم نرى لها اثرا متسعا في واقع الاستشفاء والمدرسة الطبية الحديثة تتحدث عن قدرات نفسية خاصة قادرة على الاستشفاء فحين يتم اعلام احد المرضى بعلته بعد تشخيص المرض فـ يمتنع المريض عن تناول الادوية ويعتمد على (ذاته هو) في الاستشفاء ويحصل الاستشفاء الا ان تلك الحالات نادرة وقيل فيها انها تحتاج الى (قوة ارادة) فائقة ... حسب مراشدنا ان تلك الابحاث تتصف بصفة (ربحية) اي انها تجارية اكثر من ما هي علمية الا انها لا تخلو من فقرات مهمة قد يتلقفها المتابع فالباحثين في التأمل يدعون الى (الصفاء الذهني) وهو امر مهم في حياة الادمي خصوصا الادمي المعاصر فالمتعصب والمتوتر ومن هو في غضب او ارتباك يكون غير مؤهل بشكل رصين لـ الاستلام الصحيح لـ المدركات الفكرية (العقلانية) كما يكون غير مؤهل لاصدار قرارات فكرية صائبة استنادا لتلك المدركات فالصفاء الذهني كان دعوة موفقة من اكثر الكتاب الذين كتبوا في منافع التأمل
في المدرسة الاسلامية مساحة واسعة من (التأمل) الا ان اسمها ليس تأمل بل (تفكر) فالقرءان يدعو الى التفكر بشكل كثيف كما حملت الروايات المنقولة عن المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام الكثير من صفة التأمل ففي حديث منقول (التفكر في ءايات الله ساعة خير من عبادة شهر) واكثر الفرق الاسلامية تدعو الى التأمل هي فرقة (الصوفية) فـ فلسفة التصوف هو الانعزال من اجل التفكر بالله وءاياته
خاتمة المعالجة اعلاه تؤتى من خلال ممارسة ابراهيم أن وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين .. !! عدم الاشراك بالله يقع (في النظم) حين تقوم نظم متألهة تشترك مع نظم الله في الخلق فيسقط الميثاق ويتدهور العقل فيقول القائلون (انما نحن مصلحون) وهم (مفسدون)
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض هو التأمل بعينه وبخصوصيته ينمو العقل على منسك سمي في القرءان (ملة ابراهيم) ومن يرغب (عنها) لـ (غيرها) الا من رضي لعقله السفاهة وهنا دستور ربنا مقروء في قرءان الله
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } (سورة البقرة 130)
تلك الملة هي السر في الحرب على المسلمين من دون كل اديان الارض التي قد يزيد تعدادها على 600 دين الا ان الاسلام محارب لانه يدعو الى الابراهيمية لانها (تقوي العقل) وترفع (السفاهة عن العقل) فيكون العقل (حر) لا يمكن تغويمه وبما ان ابراهيم مصطفى اي انه (يتقدم الصف) فهو يكون (اماما) ويكون (امة من الناس)
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (سورة البقرة 124)
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (سورة النحل 120)
فابراهيم الامام يمتلك مكون يؤم الناس (كان أمة من الناس) وبما ان عقله لا يمتلك (سفه) فيكون عقل حر لا يتأثر بـ (ءال فرعون) ... !! ءال فرعون هذا الزمن يخشون من ظهور أمر (قائد محمدي) يهدم عليهم بنيانهم الذي بنوه ولهم بيانات معلنة من تلك المخاوف فكان ويكون الحرب على الاسلام بالشكل القاسي الذي نعرفه فعلى سبيل التأكيد لم نسمع اي هجوم فكري على دين غير الاسلام وعلى رموز دين من غير الاسلام حتى وان كانت بعض الديانات هزيلة المعتقد تثير السخرية الا ان احدا من الكيانات والمؤسسات المجتمعية والفكرية والاعلامية والافراد من اوربا والغرب عموما يحترم تلك العقائد ويعتبرها من اعمال الحرية الفردية ولم نسمع ان كتابا مقدسا لدين من اديان الارض يمزق او يحرق او يرمى بالرصاص او يتبول احدهم عليه !!!
الملة الابراهيمية (ابراهيم) هو حامل العقل الحر المرتبط بملكوت السماوات والارض وهو المرشح الاقوى لتقويض ءال فرعون زمننا اذا نجح ذلك الابراهيمي ان يؤم الناس فيقودهم نحو الخلاص وتلك الصفة تحتاج الى استحقاق مسطور في نظم الله متعلق بميثاق بناة الاسراء !!
{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } (سورة الأَنعام 75)
وللحديث بقية ان لم تفي السطور اعلاه او يراد لمفاصل هذه السطور رفعة بحثية تقع في رغبات الاخوة المتابعين
الحاج عبود الخالدي
تعليق