العقل والتنزيل القرءاني
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَا خَسَاراً) (الاسراء:82)
في النص القرءاني الشريف يقرأ العقل ان هنلك عملية تنزيل (من القرءان) وهذه العملية تمتلك خاصيتين فاعلتين (الاولى) شفاء للمؤمنين (الثانية) خسارة للظالمين مما يثير عقلانية الباحث في القرءان لمعرفة حقائق التكوين اللصيقة بالقرءان وحقيقة القرءان التكوينية التي تمتلك مثل تلك الفاعلية الاستشفائية وضديدها الخسران للظالمين ..!!
من المؤكد ان هذه السطور تمثل جانب من التحديات الفكرية التي يتبناها الفكر المستقل بعد مضغ فكري للقرءان طال امده لاكثر من 14 قرن من الزمن دون ان يحصل حملة القرءان على مرابط يقينية تربطهم بقرءانهم في اهم مفصل من مفاصل حياتهم وهو (الاستشفاء) بالقرءان مع انتشار متزايد للامراض وهيمنة علوم الطب على عقول الناس بصفة تتأله فيه تلك المنظومة في الزمن المعاصر مما جعل فكرة الاستشفاء بالقرءان مركونة مهجورة وقد يبحث المريض عن عملية الاستشفاء بالقرءان عندما يعلن إله الطب عجزه عن شفاء المريض .
من عربية فطرية نعلم ان هنلك تدخل الهي في عملية التنزيل (وننزل) والخطاب يعلن عن الفاعل لعملية التنزيل وهو المتكلم في القرءان (الله سبحانه) وبالتالي فان فاعلية التنزيل (من القرءان) تتم من خلال ادارة الهية ولن تكون عملية التنزيل تلقائية كما هي عملية انبات البذور او انسيابية الماء وفي عملية التنزيل الالهي من القرءان يتم بناء جدار فارقة عقلانية لا يمكن ان يقوم بتفريقها بشر وهي في فصيليتين من البشر (مؤمنين و ظالمين) بحيث يكون التنزيل لكليهما ويكون الفارق في نتيجة ذلك التنزيل فللمؤمنين شفاء وللظالمين خسران وتلك ثوابت تقرأ بفطرة عقل مبسطة متواضعة لا تحتاج الى صناعة الرأي او تفسير المفسرين بل تعتمد على المعالجة الفطرية للنص ومعرفة مقاصد
الخالق في النص بعربية بسيطة .
ماذا يمتلك القرءان من فاعلية لنرى من خلالها عملية التنزيل وصفات ذلك الفعل وعندما نعرف الصفات التفعيلية التي يضطلع بها القرءان نحاول ان نعرف من خلالها مواصفات عملية التنزيل لفهم تلك العملية بمراشدها العقلانية وليس المادية لان العقل يسبق المادة وان امسكنا بالفاعلية العقلانية والتي تسبق الفاعلية المادية فان الفعل العقلاني سيكون دليلنا للفعل المادي يقينا وهي فطرة عقل مؤكدة فلن يكون الفعل العقلاني متأخرا عن الفعل المادي بل يسبقه في كل شأن يمكن ان يعالجه الفكر الانساني حتى في مضغ لقمة او في شربة ماء ..!!
صفات القرءان المشهورة والتي لا تحتاج الى بحث وتنقيب هو انه (مذكر) يذكر العقل الحامل للقرءان وهو من نص قرءاني (ص والقرءان ذي الذكر) مع نصوص قرءانية اخرى (فذكر بالقرءان) وتلك الذكرى القرءانية مشروطة بادارة الهية لا مناص منها ولا يمكن عبور تلك الارادة الالهية ليتذكر الانسان ذكرى قرءانية من خلال فهلوة العقل او عبقريته بل عملية التذكر تخضع لسلطان الهي مباشر
(وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدثر:56)
وفي هذا المفصل المقروء في القرءان سنجد ان التذكرة ستكون لاهلها وليس لغيرهم وهم (المتقون والمستغفرون) والله هو الذي يؤهلهم لها فيتذكرون في مشيئة الهية تمثل اعمق وادق ادارة الهية يدير الله بها شؤون عباده فيذكرهم ولن يذكر غيرهم وهم الذين وضعوا عقولهم في (الظلام) فكانوا (ظالمين) فهم لا ذكرى لهم وتلك الادارة الالهية هي تأهيل المتقين (الذين يتقون غضب الله) وتأهيل (الذين يستغفرون) فحين يخطأ الأدمي انما يستغفر ربه خوفا من غضبته فالله هو الذي يؤهل للمتقين والمستغفرين بوابة عقل مفتوحة للذكرى وعندما تنفتح تلك البوابة العقلية يتم تنزيل ذكرى من القرءان كما يتم تنزيل برنامج الكتروني في حاسوب الكتروني ومن خلال عملية تنزيل الذكرى في العقل يتفعل العقل وصولا الى تغطية حاجاته المرضية من خلال السيطرة على النظم العقلية التي تسببت بالمرض فيحصل الاستشفاء وذلك في تمامية صفة التذكير القرءاني في انه يهدي للتي اقوم
(إِنَّ هَذَا الْقُرءانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الاسراء:9)
عندما تتنزل المادة القرءانية في عقل المؤمن لتقوم الذكرى يبدأ العمل في فاعلية عقلانية وهو نشاط يسبق الفاعلية المادية ونرى تلك المنهجية في مثل (أيوب) بصفته مفصل تذكيري
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (صّ:44)
مثل ايوب عليه السلام مثل مفصلي من منهجية الخطاب القرءاني وجاء فيه تكليف واضح لحملة القرءان (وأذكر عبدنا) وعلى حامل القرءان ان يتعامل مع النص تعاملا عقلانيا مباشرا في القرءان فلسوف يجد الباحث ان في عقلانية ايوب حضور عقلاني أن (مسني الشيطان بنصب وعذاب) فهو قد عرف (عقلا) سبب العذاب الذي هو فيه وهو من مس شيطاني فكان الله (اهل التقوى والمغفرة) قد اعاد اليه أهله (ووهبنا أهله ومثلهم معهم) وهو التأهيل الذي يحتاجه لاعادة بناء جسده المتصدع ولعل لفظ (تأهيل) لا يزال مفروضا في فطرة العربية وهي من برامجيات حفظ الذكر من قبل الله سبحانه والله يقول و (مثلهم معهم) وهو لكل المؤمنين على مسار برنامج الخليقة الاجمالي وهو اعلان قرءاني شريف بان العملية لم تختص بايوب حصرا بل هي لكل المؤمنين (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) ويتمم ربنا بيانه المبين لمصادقة هذا المسرب التذكيري فيقول (رحمة منا و ـ ذكرى ـ لاولي الالباب)
المرض يكون حين يخرج المريض عن الصراط المستقيم والخروج يتم بوسائل بشرية متعددة سواء في وعاء الكفر عندما يكون الكافر هو خارج الصراط المستقيم اصلا او يكون الخروج من الصراط بغفلة المؤمن وعدم درايته بمقومات الصراط ومنه الطلب العبادي (اهدنا الصراط المستقيم) او قد يكون الخروج من الصراط من خلال مس شيطاني افرغ في ساحة المؤمن كفعل يأجوج ومأجوج المفسد في الارض وما تفعله التقنيات المعاصرة من خارجات خطيرة على الصراط المستقيم وما تسببه تلك الخارجات من حالات مرضية اصبحت مشهورة تحت اسم (امراض العصر) ... من القرءان يتم تنزيل ذكرى في عقل حامله ليتخذ لنفسه طريقا للاستشفاء (فخذ بيدك ضغثا فاضرب ولا تحنث) وهنا تكون فاعلية مادية بعد ان تستكمل الفاعلية العقلانية دورها في عقل المتذكر فيأخذ بيده (ضغثا) والاخذ باليد هي فاعلية مادية وشرطها ان لا (يحنث) في ما اخذ من ضغث ويعتبر ما اخذه واحدا من الاسباب فيشرك مع امر الله شريكا فهو يذهب الى الطبيب ويأخذ من الطبيب وعقاقير الطب ويأخذ ما استذكره ربه فاينما اصابت فتح .. ذلك هو الحنث بما ياخذ وتلك هي خاسرة ظالم حين استذكر والله كان قد ذكره الا انه يهجر ما ذكر به ويحنث به فيزداد المرض فيزداد خسرانا ... كثير من المؤمنين عندما يمرضون انما يعالجون مرضهم بكل وسيلة متاحة بين ايديهم ويكون الاستشفاء بهدي القرءان واحدا من تلك المتاحات فيكون حامل القرءان قد ظلم نفسه فيما اتاه من قرءان ربه فيكون في خسران وعندما يضع ما اوتي من القرءان متساويا مع اوتي من نظم بشرية طبية او غير طبية انما يكون قد زاد ظلمه ظلما فازداد خسرانا في اضافة فاعلية للمرض ... !!
الطرح لا يحمل رأيا بل يحمل تذكرة ربما تقبل من متابع كريم فيتذكر وربما لا تفعل شيئا مع متابع اخر ولا يتذكر فيتصور ان ما نقوله هو رأي في القرءان يضاف الى قواميس الاراء الفكرية بل هو تذكرة تتفعل في عقل المؤمن وهي قد تتفعل في عقل المؤمن في وصف بغير الوصف الذي قلنا فيه وقد يقوم متابعنا الكريم بتذكيرنا ما لم نتذكره فان شاء ربنا ذكرنا وان لم يشأ ان نتذكر فان الامر لله جميعا .
الحاج عبود الخالدي
تعليق