هل الدين اختيار حر ..؟؟
من اجل عبور فلسفة الدين لقيام الدين
ورد بريدنا رسالة تحمل حزمة معالجات فكرية وعلى عرشها تساؤل هام كان يستوجب ان يفرد له بحث خاص وفي ما يلي نص التساؤل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في بداية التزامي بحثت عن معين لي أسمع منه عن الدين فالتجأت إلى الشيوخ فهم أفقه الناس واتبعت الرقيا علاجا لي وكيف لا و فيها قرآن . بعد فترة وجيزة أحسست أن عقلي يرفض هذا ...فهل صياح شيخ متحدثا عن أهوال يوم القيامة سيغيرني؟؟؟ ...قد يبكي المستمع لحظتها لكن هذا لا يعني أن إيمانه ازداد ...خطابهم موجه إلى مشاعر الناس مثلهم مثل القساوسة ...وسيلتهم واحدة رغم أن المتأسلمين يرفضون هذا التشبيه ..... تألمت وتألم عقلي فلا مكان للعقل معهم ....حملني عقلي للبحث بعيدا حيث لا يفترض أن أكون ....فالكل يتهرب من كلام ملحد أويهودي أو مسيحي لكي لا يؤثر على إسلامه ...فالأديان كثيرة و الآلهة كثيرة...والكل يظن أنه يمكنه أن يختار دينه ...فهل الدين اختيار حر؟؟؟؟
إن كان كذلك فلماذا يجد الباحث في طريقه أحداث تساعده على الاختيار؟؟؟ مجرد صدفة ..أليست الصدفة هي حقا تدبير أمر ؟؟ فلو سألت ملحدا لماذا أنت ملحد فسيستدل إما بأحداث عاشها أوفكر تأثربه... أو رغبة في الحرية المطلقة وهل هي حقا حرية أم أن عقله لا يريد سداد ماعليه من دين ...إنها ليست فلسفة بل واقع حال....كلنا نخلق بمعطيات فليس من ازداد في مكة أفضل ممن خلق في إسرائيل. فنحن لا نحمل معنا طهر أو خبث المكان... وكلنا نؤتى الوسائل فهل نحن أحرار في استخدامها ؟؟؟ أم هنالك من يقرر لنا .... هل إذا اخترت وسميت نفسي مسلم أكون بذلك قد حزت فعلا على هذا الوصف.... إن كانت ألقاب فقد يلقب الفقير نفسه ملكا وهو بعيد كل البعد عن ذلك .... ألفنا أن يعطونا شواهدنا فهذا مجاز وذاك دكتور و الآخر مهندس ... لكن من أين نأتي بشهادة تثبت ديننا أو من نحن ... !! عقلي يجيبني هي لدى الخالق حصرا ...فخالق الشيء وحده هو من يعلم لماذا خلقه...فلأدع البحث بعيدا و لأنظر في نفسي فلابد أن خالقي ترك بداخلي اسمي و تصنيفي وصلاحيتي
أنا أحتاج منكم الكثييييير سيدي... فالبيانات التي بحوزتكم ستضيء دربي. فنهاية مرحلة تعني بداية أخرى...وفي هذه المرحلة وجب استحضار القرآن معي...لأن الملاحظات و الاستنتاجات وإن كانت حميدة فلن تفي بالغرض..بل علي الإلتزام بكاتالوج الخالق ـ كما سميتموه ـ و أن لا أضيف أو أنقص منه بل احترامه كما هو وهذا هو الدين الذي علي سداده
السلام عليكم
نص الجواب :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان قديما من يتحدث بما يسمى (الفلسفة) يحكم عليه بالزندقة لذلك فان حاضرنا المليء بـ (الفلسفة) سوف لن يتهم الفيلسوف بالزندقة بل يقيم حكما عقلانيا مفاده ان الفلسفة لا توصل الباحث الى اليقين ولو عالجنا فكريا نتاج عمالقة الفلسفة لوجدنا ثغراتهم الفكرية اكبر من ان نصفها باشباه الحقيقة ذلك لان الحقيقة هي الـ (حق) وما علا الحق في البشرية يوما حتى في ايام المصطفى عليه افضل الصلاة ونرى حين نقرأ القرءان ان المنافقين كانوا الاكثر قدحا في الايات القرءانية التي نزلت في مكة ..!! .. اكبر الفلاسفة حضورا في العصر الحضاري الذي نعيشه هو الفيلسوف (ديكارت) الذي يلقب بـ (ابو العلوم) والذي وصل بفكره الى معيار ثبات الصفة العلمية وثباتها كحقيقة الا انه اغفل وبشدة كبيرة الحقيقة الاكبر وهي (معيار الامان في استخدام المادة العلمية) فاصبح الانسان ينتج ءالة العصر ومعها فساد كينوني يصيب أمان الناس واستقرارهم على حساب سرعة في سرعة حتى سمي زمننا بـ (عصر السرعة) وصار الانسان صنفين (عبيد ومعبود) فاستعرت صناعة السلاح بما هو اخطر بكثير من صناعة الامان وملأت مخازن الشعوب بالاسلحة الفتاكة وكلها في اختناقات فكرية قاسية ان (انسان يقتل انسان) بوفرة سلاح ءالي يزيد من مساحة القتل يوما بعد يوم حتى يتحول الانسان بكامل وجوده الى موصوف (قاتل) وان كان الموصوف انسان يمارس الفن الشفاف بعيدا عن ثقافة القتل فهو انما ينتسب الى امة (تصنع السلاح) او الى أمة (تستخدم السلاح) فلا تنفع شفافية فنه وتموت الالحان جميعا وتبقى الموسيقى العسكرية والموسيقى الجنائزية تعبيرا صارخا يدحض كل شفافية تقوم على الارض
وردا على تساؤل الاخ المتسائل (هل الدين اختيار حر ؟؟؟) فان الجواب لا بد ان يعبر سقف الفلسفة لان الفلسفة في تاريخها الطويل من فلاسفة الاغريق ليومنا المعاصر انما تعاملت مع جانب واحد من وجوه الحقيقة ذلك لان الحقيقة ان امسكها عقل واحد منا عليه ان يوفر حقيقة امانها في وجه ءاخر من استخدام الحقيقة فحشوة البندقية مبنية على حقيقة علمية قام العالم (نوبل) باكتشافها حين وصل الى التحلل السريع للمادة ليكون الانفجار الا ان تلك الحشوة التي تدفع بالرصاصة لتقتل انسان ءاخر هي حقيقة مفقودة عند (نوبل) يوم صنع المتفجر المادي وما تنفعه وما تنفعنا جائزته المزعومة لـ (السلام) لتكفير سيئته فجائزة نوبل للسلام تعني في عقل حامل العقل اننا نحتاج الى (الاسلام) وفيه السلام الا ان (حقيقة دين الاسلام) في يومنا المعاصر وفي ماضي حروب المسلمين لا تشير الى وجود (السلام) في (عنصر الاسلام) فتموت الفلسفة في اول خطوة لها ويبقى الاسلام دين (الاختيار الملزم) للفرد بعيدا عن المجموع فحراك (نوبل) في (جائزته للسلام) لم تنفع وقف صناعة الاسلحة الفتاكة فالفرد لا يغير المجموع وما استطاع سيد الخلق عليه افضل الصلاة والسلام ان يغير قومه والله القائل فيه
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ } (سورة آل عمران 144)
فاذا سقط الجمع عن (الاسلام) قام الفرد مقامه والله القائل
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (سورة آل عمران 85)
وهنا تكمن حرية الاختيار الملزم وهي (اختيار الفرد) سلبا او ايجابا مهتديا او ضالا واذا تدبرنا النص لوجدنا انه يحمل (خطابا فرديا) في اول الاية (من يبتغ غير الاسلام دينا) الا ان استكمال النص حمل خطابا جمعيا ليس فرديا (وهو في الاخرة من الخاسرين) ونرى التكليف الفردي في (السبيل) لـ قيامة الدين بوضوح بالغ العقل في النص الشريف التالي :
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (سورة الروم 30)
وذلك هو (سبيل) دين الاسلام فليس كل الناس يقرأون القرءان وان قرأوه لا يفقهون مقاصد الله فيه وليس كل الناس يسمعون روايات السلف الصالح وان سمعوها لا يملكون ميزان تعييرها ولكن (الفطرة) موجودة في الانسان (كل انسان) وهو حامل عقل مؤهل للدين وبنص شريف
{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } (سورة الرحمن 3 - 4)
فالدين ليس اختيار حر بل هو (فطرة خلق ملزمة) الا ان قيامة الدين فطرة (ذلك الدين القيم) لا يشمل من (ضل) ولا يمكن ان يقوم دين جمعي اسلامي مبني على رابط موحد وان اتينا بالدين من قرءان يقرأ الا ان الناس تدبروا امرهم ولا يريدون ان يكون ذكر الله من القرءان وحده
{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي ءاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرءانِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } (سورة الإسراء 46)
فهم تدبروا امرهم من مصادر خارج فقه القرءان وعندما تذكرهم بالخالق في القرءان (وحده) جعلوا ولاية ما تدبروه هو الحق (ولوا على ادبارهم) ونسوا ما ذكروا به لذلك فان (اختيار الدين) مشروطا بمنظومة خلق لا يمكن تغييرها فاذا كانت على قلوبهم اكنة ان يفقهون دستور الدين في قرءان الله وكان الله مضلهم فان الامر سيختلف في الرؤيا العقلية لاختيار سبيل الدين فردا لا جماعة !
{ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } (سورة النحل 37)
ولن يبقى امام الباحث عن السلام في الاسلام منفردا تطبيقا لقول الله في قرءانه
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } (سورة المدثر 11)
وعلى طالب السلام في الاسلام ان يعي تلك الحقيقة وعليه نفسه ولا يفكر بالملحد او النصراني او اليهودي او البوذي فلكل فرد يحمل عقيدة عرقوب متصل بالخالق وليس بالمهتدي
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (سورة المائدة 105)
فلو ضل كل من في الارض جميعا وبقي مهتدي واحد فقط فلن يضره ضلال الناس جميعا وهنلك دستور ءاخر يصف الخالق في المخلوق وهو وصف المعبود في العابد
{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (سورة يونس 107)
وذلك هو الخيار الملزم في الدين فلا يوجد حامل عقل على الارض لم تصله رسالة الله في الدين ابدا ولن نستثني انسان واحد يعيش معنا او عاش في بطن التاريخ الا وبلغته ءايات ربه
{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ءايَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (سورة الزمر 54 - 59)
وذلك الله الذي خلق الانسان و (علمه البيان) وهو القائل فيه
{ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } (سورة القيامة 14 - 15)
فلا اختيار في الدين ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه ولكن اي اسلام هو المقصود ؟؟ هل في مسمى المسلم ؟؟؟ او في موضوعية اسلامه !!! انها الوجه الثاني للحقيقة في (معيار الامان في الاستخدام) فليس كل من ولد من اب مسلم صار مسلما وليس كل من قال ان محمدا رسول الله صار مسلما وهل قوم محمد عليه افضل الصلاة والسلام ما قالوها شاهدين برسالة محمد وهو فيهم الا ان محمد ان مات او قتل حصل الانقلاب على الاعقاب وبنص قرءاني دستوري وليس من رأي
سلام الاسلام هو معيار الامان الذي يمثل حقيقة الفلسفة المفقودة في اجيال فلاسفة التاريخ او في فلاسفة العصر فالحقيقة لا تؤتى عند اكتشافها بل تؤتى عند الامان في استخدامها ومثله (الاسلام) فمن منا يرى الامان في الاسلام سواء كان الامان من الفتن او من الامراض او سوء الخاتمة !!!؟؟ انه (الخيار الالزامي) اذن فهو الخيار الاوحد فهو الزامي التكوين (غير الاسلام دينا ــ لا يقبل منه) اما الضلالة فهي مفتوحة الابواب ويرينا القرءان ءاية مقومات العقل الموسوي (المستوى العقلي السادس) ان الكفر لو اجتمع في كل البشر فلن يضر الله شيئا
{ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } (سورة إِبراهيم 8)
فالخيار في الدين هو خيار الزامي اما ان يكون الانسان كفورا فانه الخيار الاسوأ الذي يصيب الانسان لان الله (يهدي ويضل) وهو يهدي لسبيل مزدوج (شاكرا او كفورا) وفي ذلك الخيار المزدوج هو (خيار الخروج من الدين) يقابله (خيار الدخول في الدين)
{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } (سورة الإِنْسان 3)
السلام عليكم
تعليق