ايدلوجية المدرسة العقائدية
الحديث عن ايدلوجية المدرسة العقائدية يمتاز بالحساسية الكبيرة وذلك لقدسية تلك الايدلوجية ومنهجيتها المتصفة بالقدس المستقر في وجدان المسلمين مما يجعل الباحث في علوم القرءان في موقف حرج بل على درجة كبيرة من الحرج لان الخروج على النظم العقائدية قد يفهم بانه تحطيم للنهج المستقر منذ اكثر من اربعة عشر قرن
عندما تختلف الغاية بين الفقيه والعالم بعلوم القرءان تختلف النظم الحاكمة في مدرسة الفقيه مع النظم الحاكمة في مدرسة علوم القرءان
اختلاف الغاية يؤدي الى اختلاف النظم
عندما يمارس صانع القماش صناعته فان فنون صناعة القماش تتطلب نظم محددة في سماكة الخيط ونوعية الالياف المستخدمة كذلك عدد الفتلات الذي يلتف فيها الخيط حول نفسه وهل ذلك الالتفاف باتجاه عقرب الساعة او بما يعاكسه ... تفاصيل كثيرة وكثيرة تخص صانعي القماش
صناعة القماش تغطي حاجة انسانية مركزية الا وهي الالبسة
توفير الالبسة لبني البشر هي الحاجة الرئيسية التي اوجدت نشاط صناعة الاقمشة حصرا
الخياطة نشاط حرفي تصنيعي مرتبط ارتباطا وثيقا بنشاط صناعة القماش
النظم التي يعمل عليها صانع القماش تختلف عن النظم التي يعمل عليها خياط الملابس
اختلاف النظم اختلافا جوهريا وهو في بعض المفاصل الفنية يعاكس النظم التي يعمل عليها الطرف الاخر
صانع الاقمشة يعمل على نظام الانتاج المستمر ( المتصل ) للخيوط للحصول على مترية مستمرة للقماش
تقطيع الخيوط وقص القماش مهمة رئيسية من مهام حرفة الخياطة فتكون حرفة الخياطة وكأنها تدمر مستقرات رئيسية في حرفة صناعة القماش .. ما يسعى اليه صانع القماش من استمرارية طول القماش يتم تقطيعه بين يدي الخياط ...!!
...اختلاف معاكس تماما بين منظومتين تعمل لحاجة واحدة الا وهي حاجة الانسان للملبس الا ان الغاية بين صانع القماش والخياط مختلفة رغم انهما يعملان لحاجة واحدة
الاثارة الفكرية المطروحة على شكل (مثل) لها مداليل واضحة في رصدنا للحاجة المشتركة (الواحدة) بين الفقيه والمتفكر بعلوم القرءان ..
تلك الحاجة هي
( تطبيق القرءان )
عندما يطبقه الفقيه فهو في الاحكام
عندما يطبقه الباحث في علوم القرءان انما يسعى للتطبيق العلمي ولا شأن له بالاحكام الا من خلال الفقيه
(مثال)
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)(البقرة: من الآية228)
اختلفت المدرسة العقائدية في فهم لفظ (قرء) والاختلاف نشأ منذ العهد الراشد فمنهم من اعتبر القرء هو الطهر ومنهم من اعتبره حيض ...
منهجية البحث في علوم القرءان اوضحت ان (القرء) هو البيان وبما ان موضوع البيان هو ما خلق الله في ارحامهن فان النص الشريف اوفى بمقاصده في ان المطلقة عليها ان تتربص من زيجة اخرى حتى تستقرء ثلاث بيانات في خلو رحمها من خلق الله من طليقها ..
اليوم وفي عصرنا فان استقراء البيان العلمي له مداليل قاطعة فان بيان تحليل الدم مختبريا وبيان تحليل الادرار مختبريا يمكن ان يشكلا قرئين وان حيضة اخرى تفي بالغرض ليجتمع للمطلقة ثلاث بيانات في خلو رحمها من جنين محتمل
الباحث في علوم القرءان عندما يطرح نتاجه العلمي فهو لا يمتلك حق الافتاء بل يترك حق الافتاء وشروطه الى المدرسة العقائدية لا لان العالم بعلوم القرءان غير واثق من النتاج العلمي بل لان الايدلوجية في العقيدة تلعب دورا فاعلا في ترابط جمهور المسلمين برجال الدين وان نتاج العالم بعلوم القرءان غير ملزم لعموم المكلفين الا اذا تم ترشيحه من خلال الدائرة القدسية لرجل الدين الذي قد يرى ان المطلقة عليها ان تصبر ثلاثة اشهر عسى ان يراجعها زوجها الاول خير لها من ان تتعجل في زيجة جديدة وعلى عجل خوفا من ان تستخدم المرأة ذلك النتاج العلمي ذريعة للافلات من عقد الزوجية للارتماء في زواج ثاني مما يعرض المجتمع الاسلامي الى مشاكل جانبيه اساسها وجوهرها اختلال في استقرارية عقود الزواج نتيجة التطور الكبير في الحضارة الذي صاحبه تفسخ خلقي في المجتمعات التي ابتعدت عن التعاليم السماوية ... مثل تلك المعالجات لا يمكن للعالم بعلوم القرءان ان يقرها او يرفضها لانها خارج دائرة غاياته لان غايته هي الامساك بالمادة العلمية اما استخدامها فمتروك للجهة القطاعية التي تصب المادة العلمية في دائرتها ..
لو ان الباحث بعلوم القرءان اثبت من خلال نتاجه العلمي ان الفايروس هو نتاج لاختلال في التوليفة بين الحقول المغناطيسية وعقل الخلية وان نسخة الفايروس الاولى ستكون وليدة ذلك الاختلال وان طرق الوقاية منها هو انضباط منسك الوضوء فان الباحث في علوم القرءان سوف لن يحلل او يحرم انما سيقوم باعلان نتاجه ونتيجة لذلك فان رجال الدين سيطلبون من المكلفين الاهتمام بالمنسك الصحيح للوضوء للوقاية من الفايروس
منهجية المدرسة العقائدية تفيد ان العلم يتحقق بالخبر الصادق .. معايير الخبر الصادق في المدرسة العقائدية هي الاخبار الوارد من شاهدين من الرجال او شاهد واحد وامرأتان ... اعتمدت صحاح الحديث من الاخبار الصادقة .. اعتمدت بعض الشخصيات الاسلامية صادقة في اخبارها
لو ان شخصا عرض بيده ذبيحة واراد ان يعرف مدى صلاحيتها فان المدرسة المعاصرة تضع معايير الصلاح بموجب التلوث البكتيري .. اما في الاحكام الشرعية فان معايير الصلاح تقع في دائرة ( الحلال والحرام ) وهي في منسك الذبح او النجاسات او ملكية الذبيحة شرعا
لو عرضت (الذبيحة) على مختبرات الارض كلها فان تلك المختبرات تستطيع ان تحدد صلاحية الذبيحة للاستهلاك وبموجب قائمة تفصيلية من البيانات مع مسببات الاستخدام او منع الاستخدام ... اما حيازة الذبيحة فلا شأن للمختبر بها وهل هي مسروقة او لمالكها فان صلاح ذلك يخضع للنظم القانونية خارج المختبر
العقائديون يحددون صلاح او عدم صلاح الذبيحة ( في مثلنا ) تحت عناوين الحلال والحرام في منسك الذبح وفق اصوله وبالتالي يحتاج الى ( الرواية ) في الرجوع ( روائيا ) الى عملية الذبح وانضباطها ... ملكية الذبيحة تدخل في اختصاص العقائدي ايضا ..عقيدة الذابح وعمره تدخل في اختصاص اهل العقيدة ..
لا يمتلك العقائدي أي وسيلة يستطيع ان يقرر الحلال والحرام الا من خلال ( الرواية ) وسماعة الشهود العدول ... اذا لم تتحقق لديه ( الرواية) فان فتواه ستكون على الاحتمال في حلية او حرمة الذبيحة ...
المدرسة التقليدية للدين الاسلامي تعتمد بشكل اجمالي على الرواية عدا امران
الاول : القرءان العظيم الذي وردنا متواترا بين دفتيه اجمع على متنه الرعيل الاقرب الى عهد الوحي
الثاني : المنسك المشهور الواجب المتواتر عبر الاجيال دون انقطاع وهي حصرا الوضوء والصلاة والحج والصيام والذبح
القرءان بالفاضه الشريفة قرء على لسان عرب الرساله ... بيننا وبينهم اكثر من 14 قرن من الزمن .. مقاصد الالفاظ انتقلت بشكل مرسل ( دون تواتر ) من عرب الرسالة الى منتصف القرن الثالث الهجري دون ان توثق في مصدر مكتوب ... اول تأريخ لمقاصد تلك الالفاظ تحصل في كتاب (العين) للخليل الفراهيدي .. قرابة 250 سنه تقلب اللفظ بين العرب دون ان تسجل او تكتب طرق انتقال اللفظ بمقاصده ...
الشعوب والمجتمعات تتعارف على بعض الالفاظ التي يصعب ان تشكل فهما مشتركا بين الاجيال
لو اننا استطعنا ان نخبر احدا مات قبل بضع مئات من السنين ان فلانا يمارس عملية غسيل العملة او عملية تبييض العملة فان ما نقوله سوف لن يكون مفهوما لذلك الجيل الذي لم يتعارف على ماهية غسيل العملة او تبييض العملة ... ان عدم الفهم لذلك المصطلح سوف لن يكون مشكلة كبرى الا ان الفهم الخاطيء هو الذي سيشكل عقدة فكرية كبيرة ... ان ذلك الجيل سيدرك ان غسيل العملة هو عملية تنضيفها من الاوساخ او ان تبييض العملة يعني ان احدهم يصبغ العملة باللون الابيض ... ان الفهم الخاطيء هو الاخطر من عدم الفهم ..
ان عملية الوصول الى مقاصد الالفاظ لا يمكن ان تتحصل باليقين المطلق بل باشباه اليقين وهو ما يطلق عليه باليقين النسبي ....
النقطة الاكثر جوهرية هي في اننا ملزمون ان نصادق على ما فهمه جيل الرسالة من الفاظ القرءان وان فهمهم لتلك الالفاظ هو ملزم للاجيال اللاحقة دون ان يحكم ذلك نص شرعي ملزم ...
اكثر البؤر حرجا في الحروف المقطعة في بدايات بعض السور حيث تمنح عقولنا ضابطة فكرية في عجز جيل الرسالة من وضع فهم محدد لتلك الحروف ولا حتى ما يساعد على فهمها لتلك وبقيت ليومنا المعاصر خارج اسوار الفهم ولم تسجل أي محاولة تاريخية او معاصرة لمعرفة اسرار تلك الحروف وكل ما جرى من الاجيال اللاحقة على جيل الرسالة بعض المحاولات التي لاتمتلك مداليل اثبات الا ما افاض به حملة الاراء التي لم تغني الموضوع الا تعقيدا او اضافة مختلف جديد الى المختلفات
الاكيد المؤكد ان الحروف المقطعة لم تكن من سنن العرب الكلامية ... فهل العجز الذي تحصل في جيل الرسالة او الاجيال اللاحقة ارثا لازما لكا اجيال المسلمينولايمكن تغيره كأسم الاب واسم العشيرة ... الابن و الحفيد لايستطيع ان يغير اسم ابيه اوجده .. فهل دائرة العجز هي نفسها دائرة اليأس ونحن ملزمون بها ...
الايدلوجية الدينية لا تسمح باي تغيير في ثوابت اقرها السلف الصالح ... الباحث في علوم القرءان سوف يتعرض الى الحرج كلما تفرد بمسالكه البحثية حتى يتصف بصفة الخروج من المدرسة التقليدية وربما سيتهم بالبدعة او باي مرادف مشابه ...
المدرسة التقليدية تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة تعبر فيها الجماهير عن عمق طاعتها للاحكام الشرعية من خلال الامتثال الى ما يقره رجال الدين .. رجال الدين لا يطالبون بطاعتهم الشخصية بل تتمركز طلباتهم في طاعة الله ... تلك الايدلوجية ستكون حاجزا كبيرا في عملية البحث في علوم القرءان وسوف تسبب الحرج الكبير للباحث القرءاني ربما يصل الى حد الهجوم لان من واجب رجل الدين ان يقاوم أي مطلب يغير من النصوص الشرعية التي استقرت في المدرسة والتي اصبحت ثوابت لا يحق لاي شخص ان يحيد عنها ... رجل الدين يمتلك حق مهاجمة الباحث في علوم القرءان اذا كان بحثه بمنهجية لا تعترف بها المدرسة التقليدية ..
الحاجة والفضول
القرءان العظيم غطى ويغطي وسوف يغطي حاجات الانسان من تاريخ نزوله لغاية انتهاء البرنامج الانساني وقيام الساعة ...
لابد من تمحيص حاجات كل جيل ويكون الخيار الفكري لكل جيل وليس لكل مجتمع ... حاجة الجيل هي اكبر من حاجة المجتمع ... جيل الرسالة كانت له حاجات تم تغطيتها وبما ان مبلغ الرسالة عليه افضل الصلاة والسلام كان فيهم فان التساؤلات في المتن الشريف تخطت دائرة الحاجة الى دائرة الفضول
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرءانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) (المائدة)
قد سألها قوم قبلكم فاصبحوا بها فاقدين ماسكة وسيلتها ... ذلك هو النص القرءاني في الفهم بعربية بسيطة .. فلو ان احدهم سأل المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام عن مقاصد الله في نص مثل ( لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ) فالمصطفى عليه افضل الصلاة والسلام لا يستطيع ان يقول ان (القمر تابع ارضي) ذلك لان مفهوم الجاذبية ومعارف الفلك لم تكن معروفة وبالتالي فان الماسكة الفكرية لجواب السؤال غير متحصلة (كفر) بالبيان ولا يستطيع رعيل الرسالة ان يفقهوا مفردات كثيرة من الذكر المبارك وقد احكم الله امره بان (عفا عنها ) حين ينزل القرءان ... فهل ذلك الاعفاء من السؤال يستمر الى يوم القيامه ...؟ الجواب و(بلا ريب) ... كلا ..
لان التساؤلات لو بقيت ابد الدهر في دائرة (عفا الله عنها) فمن اين تؤتى حكمة تنزيلها ...! ولكن النص الشريف احكم ان ( العفو عنها) عند نزول القرءان وهو يخص رعيل الرسالة ومنهم تم تثبيت معالم المدرسة الدينية فبقي ما (تم العفو عنه) عند نزول القرءان مستمرا ما دامت المدرسة التقليدية مرتبطة بثوابت رعيل الرسالة
نحن اذن امام ايدلوجية متوارثة ولم تستطع الاجيال ان تسجل اي استقلالية في فكرها ذلك لان (الرواية) تم توارثها وهي العمود الرئيس لقيام المدرسة العقائدية ..
نحن لسنا امام مفارقة فكرية لغرض بيان نقطة ضعف بل نحن امام حقائق يحتويها مفهوم (اللاريب) بشكل يجبر الباحث نفسه على قبول المبدأ الفكري الذي يتوجب ان يسلخه من ايدلوجية تقليدية احكمت نظمها بشكل لايمكن تغييره ... التغيير غير مطلوب .. بناء الدائرة المستقلة (علوم القرءان) هو المطلوب وبدون ان يسجل الباحث في علوم القرءان تقاطعا مع نظم المدرسة التقليدية اذا ما ضمن الباحث عدم هجوم قادة المدرسة على نظم المدرسة الجديدة
من الامور الجوهرية في بناء المساكن والبيوت امر يتعلق بمساحة الدار او الارض التي يبتنى عليها الدار
السؤال عن مساحة الدار سؤال يتكرر في أي حديث عابر من صديق او زميل او متحدث طارئ تتحد غاياتهم في السؤال تحت عنوان الفضول ... لو كانت مساحة دارك 100 متر مربع واعلنت للفضولي انها 150 او 200 متر مربع فان أي خللا لن يحدث .. الفضولي سوف لا يتعرض ولن يـُعرض الغير لاي نتيجة سالبة من خلال اعلامه بمساحة الدار وان كان رقما غير غير حقيقيا ذلك لان السائل (فضولي) ولا يمتلك (حاجة) في معرفة مساحة دار فلان من الناس ..!!
السائل اذا كان ذا حاجة جوهرية كأن يكون راغبا بشراء الدار او ايجارها فان حاجته للسؤال حاجة جوهرية تقيم التزاما او تنقص التزام فصاحب الحاجة في موقف يختلف عن الفضولي الذي لا يتأثر بالحقيقة من عدمها ... المشتري او المستأجر انما يعلن عن حاجته لمعرفة مساحة الدار لغرض ان تكون مساحة الدار لها دورا رئيسيا في غايته من السؤال ...
السائل عن ( لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ) في عصر الرسالة سيكون تحت عنوان الفضولي ... السائل عن تلك الاية في زمن العلم سيكون تحت عنوان غايته الجوهرية من السؤال لانه يحتاج الى ترسيخ نظم علمية من القرءان لان القرءان دستور علم ولان المسلم يجب ان يكون عارفا بدستوره العلمي قبل ان يفكر باستيراد العلوم من مصادر غير مستقرة علميا ...
من ذلك المنطلق نجد ان الباحث في علوم القرءان سوف لا يمتلك معولا ليهشم نظم المدرسة التقليدية بل بدلا من ان يكون (كافرا) بنص الاية 102 من سورة المائدة يكون
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا )(آل عمران: من الآية7)
فلو اردنا ان نكون جزءا من المدرسة التقليدية فان نصوص القرءان ( بلا ريب ) ستكون معنا وبما ان مهمة الباحث في علوم القرءان ستكون مكملة للنهج المعطل ( عفا الله عنها عند تنزيل القرءان) فان توفيقا حسنا سيحصل للباحث في علوم القرءان والمدرسة التقليدية لان النهج الجديد سوف يلغي اكبر فتنة اصابت الاسلام الا وهي ( المذهبية) والمذهبية ما كانت وما تأسست الا على اختلاف الرواية والتي تعتبر عماد الفكر الاسلامي
اختلفت الرواية فاختلفت الاحكام فقامت المذاهب ... الانتماء المذهبي هو انتماء روائي ولا يمكن ان يكون غير ذلك ولو وضع تحت أي عنوان مهما اتصف واضع العنوان بالذكاء ...
الحق الذي يقال لاصحاب القرار في مدرسة العقيدة ان كل مسلم يحق له ان يتمسك بالقرءان كوسيلة لهدايته الى الحق
لا يحق لاجيال سابقة ان تحجم اجيال لاحقة في حقها بماسكات نظم القرءان التي افلتت من عقولهم
واكبر دليل ساطع كالشمس تطرحه سطورنا في تساؤل وهو (هل اسقط السابقون حقنا في معرفة معنى الحروف المقطعة ..؟!!) بل (هل كان للسلف الصالح الحق في تحديد مسيرتنا الفكرية ..؟)
هل يحق للاب ان يحدد مسيرة الابن ( فكريا ) من بعده ... هل استطاع احد الاباء ان يضع على عقول اولاده سلطانا من عقله .. هل الاستاذ له سلطوية على التلميذ فكريا ..؟ ام ان استمرار التلميذ على نهج استاذه استمرار طوعي غير الزامي ..؟
كم من التلاميذ تمردوا على افكار اساتذتهم ومعليميهم ...!!
نستطيع ان نضع عقولنا على مسرب فكري متوازي مع الايدلوجية العقائدية بشروط نسطرها بتحديد حذر
1-الالتزام بنظم المدرسة التقليدية في كل ما تنتجه من فيض شرعي يحتظنه المكلف في حياته اليومية على ان لا يؤثر في مساره البحثي في القرءان أي ان الاستقلالية تقع حصرا على طاولة البحث القرءاني .
2-التقيد بالبحث عن البيان العلمي دون الخوض بالحكم الشرعي الصادر من المدرسة التقليدية لان اسانيد البحث مختلفة ولا يوجد ترابط علمي بين مصدرية الحكم الشرعي في الفكر العقائدي ومصدرية العلم القرءاني .. أي ان علوم القرءان لا تصنع الاحكام الشرعية بل تقيم مادة علمية .
3-لا تعتبر المادة العلمية المنتجة في طاولة البحث المستقل تفسيرا للقرءان وانما تمثل رابطة علمية قرءانية في فهم خارطة الخالق في القرءان وذلك للاختلاف الجوهري بين التفسير والنتاج العلمي فالتفسير يتعلق باية او بضع ايات اما المادة العلمية فهي تتعلق بالقرءان باكمله .
4-استقلال اللفظ في عربية اللسان
الفصل بين الايدلوجية العقائدية وعربية المعالجة حيث لا تشكل المعالجات العربية على مر اجيال الناطقين بالعربية ولادة نظم عربية مضافة بل وجد ان الفيض اللفظي يتغير من جيل لاخر
لو طلب من احد الاجيال السابقة ان يقرأ صحيفة من صحف اليوم فان نسبة الفهم للالفاظ المفهومة لديه ستكون منخفضة جدا للفوراق الكبيرة في فيض لفظي طرأ على اجيال الناطقين بالعربية
( الضرورة ) لفظ معاصر لا وجود له في الذكر الحكيم والضرورة دليل قصد يفيد المنفعة في حين اصلها غير نافع وجيء به من لفظ ( الضرر) وهو ما يعاكس الضرورة
المعالجة اعلاه من موارد ( العربية والعقل ) والتي سترد في مقامات متقدمة على صفحات المعهد الاسلامي للدراسات الاستراتيجية المعاصرة
من مستحكمات عقلية ( بديهيات) يضع الباحث المتفكر نفسه في وعاء فكري لا يخضع لتأثيرات ملزمة من وعاء اللاالزام .. عربية العرب لم تكن في ماضيها واجيالها وحاضرها موحدة الانضباط اللفظي وذلك يؤكده مؤرخي لغة العرب في ان اللفظ يختلف بين
قبيلة وقبيلة
مصر ومصر
جيل وجيل
فلماذا الالزام العربي اللفظي خارج القرءان ..؟
ما يلزمنا به الرازي او سيباويه او الفراهيدي رحمهم الله لا يمكن ان يسجل على نظم المدرسة التقليدية في الدين ذلك لان اقوال اللغويين هي في مستدلات تاريخية (قال العرب) ولا تمتلك صفة المادة العقائدية الا حين تسجل مدركات لغوية عند الفقيه وعلى سبيل المثال قال سيباويه ان اللفظ الشريف لاسم الجلالة ( الله ) من اصل لفظ (لاه) معرف بالالف واللام ولو قرأنا القرءان لوجدنا لفظ لاه في القرءان يعني اللهو
)وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (الجمعة:11)
لو اختلفنا مع سيباويه فاننا سنختلف مع العقائديين لان العقائديون يعتمدون العربية التاريخية كما حملته الفاظ الروايات ولا يحيدون عن ذلك النهج ويعتبرون معنى اللفظ (القصد) ملزم ولا يفترق عن الرواية ولا يفارقها رغم ان الفاظ العرب في تغير مستمر
تلك هي ايدلوجية عقائدية وليست نهجا ملزما كالحكم الشرعي بل هي عرف فقهي تعارف عليه فقهاء الحقبات الزمنية السابقة فاصبح عرفا مفروضا علينا من غير ان نمتلك فرصة لمناقشته بسبب انغلاق الدائرة الفقهية في قيادات عقائدية تمثل (القوامين) على العقيدة فهم لا يسمحون بمناقشة ثوابتهم الا في دائرة خارج دائرتهم .
عندما نكون في خامة الخطاب القرءان (لسان عربي مبين) ومن خلال نظم استقراء نصوصه بلسانه المبين فان (مثل) ما قاله سيباويه لم يكن الا رأيا بشريا قاله من بنات افكاره ولم يأتي بمستند عقائدي فكيف يكون مثل قولهم قرين عقائدي ملزم لحملة العقيدة .. الباحث المتفكر في علوم القرءان سيجد ان سيباويه قد كفر لان صفة (لاه) لايمكن ان تلتصق بالله سبحانه وتعالى لان (لاه) من (اللهو) وحاشى الله ان يكون كذلك .. القرءان فيه (بيانه) ( فاذا قرءناه فاتبع قرءانه * ثم ان علينا بيانه ) من سورة القيامة تلك المعالجة ستكون مخالفة لرأي ( سيباويه ) ولن تكون مخالفة للمدرسة التقليدية الا ان التصاق العربية بالمدرسة التقليدية جعل منها ما يصلح ان يسمى (ايدلوجية المدرسة العقائدية ) وهو عرف فقهي غير ملزم شرعا ومنه يتوقع ان يعارض نداء دستورية علوم القرءان لان قوالب فكرية قد تم الاجماع عليها ولا يمكن الحيود عنها
من ذلك يتضح ان كثيرا من اعراف الفقهاء تحولت الى ركائز في الفكر العقائدي واصبحت تتحكم بمستقبل اجيال المسلمين الى يوم القيامة ولا يوجد فريق مستقل يقوم بفرز ما هو دستوري من حكم الله وما هو اصبح دستورا في اجماع فقهي وضاعت على المسلمين الحقيقة بين منهجية سماوية ومنهجية فقهية من اراء بشرية لان المنهجيتيان اختلطتا بعجينة كثر عجنها حتى تشابكت مكوناتها ولم يستطع احد ان يفرزها الا من خلال الاستقلال الفكري … هل يعرف الجمهور المسلم ان كثيرا من الاحكام قامت على معالجة لغوية وليس من نص قراءني فسببت اختلافا مذهبيا .. اذا كانت النصوص نازلة من السماء فهل المعالجات اللغوية نازلة من السماء ايضا … منسك الوضوء خضع للمعالجة اللغوية فاختلف حكم المنسك بين المسلمين وما كانت معالجات اللغة حكما سماويا !!!
ذلك هو ما يسميه اهل الكلام (ايدلوجية) عقائدية تمثل الكيان الفكري الاسلامي وتتصف بصفة البقاء قائمة لاتفاق الناس عليها ويبقى الفكر المستقل في القرءان يبحث عن المادة العلمية بعيدا عن الحكم الشرعي ويوم يكون للعلم حضورا ميدانيا فان بطاقة تفعيله ترتبط بفاعلية الهيمنة العلمية وليس بفاعلية انتساب مذهبي محدد او رأي يقول به شخص متفقه .
الحاج عبود الخالدي
تعليق