يوم القيامة في ثقافة الدين
من أجل بيان روابط ثقافة الدين في زمن المتحضرين
لا يختلف اثنان من المسلمين ان (يوم القيامة) هو يوم تقوم قيامته بعد الموت وهنلك طروحات دينية تؤكد ان الناس حين يموتون يبقون في دائرة انتظار زمني حتى يأتي ميقات يوم القيامة المزعوم وان هنلك برزخ يعذب المخالفين بعد الموت او ما يسمى بعذاب القبر حتى يأتي ميقات ذلك اليوم
واضح في ثقافة الدين منذ انطلاقته في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حيث ظهر فيه (الفقهاء) الذين روجوا لـ الفكر الديني وتم جمع الاحاديث النبوية بعد قرابة 150 سنه من الهجرة الشريفة وكل الفقهاء يؤكدون ان عهد الخلفاء الراشدين اعتمد على تحريم كتابة الحديث او نشره وكان يعاقب من يتحدث بحديث رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام والسبب المعلن هو المخاوف من اختلاط القرءان بالحديث فيضيع القرءان او تتصدع متونه بين المسلمين !!
ورد لفظ القيامة او يوم القيامة في القرءان قرابة 70 مره حسب الاحصاء الالكتروني لـ المصحف الالكتروني وهو رقم مميز في كثرة ذكر ذلك اليوم المسمى بصفته يوم القيامة
الازمة الثقافية التي روج لها فقهاء الدين هو انهم جعلوا من لفظ (يوم) هو ظرف زمني اي ان وعاء الـ (يوم) هو وعاء زمني ويحتاج الى عداد زمني بعد الموت وليس في زمن الحياة وهو يستوجب الانتظار بعد الموت وليس قبله لكي يأتي يوم القيامة وهم وان خلطوا بين يومنا الذي نعرفه في تعاقب الليل والنهار الا انهم عجزوا عن وصف الزمن في (يوم القيامة) ولن يكون لـ الشمس وجودا حسب وصفهم مستندين الى روايات والى نص قرءاني
{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } (سورة إِبراهيم 48 - 50)
ورغم ان النص لا يصرح بوصف يوم القيامة الا ان الحراك الفكري الفقهي بنى نتاجه على ثقافة رسخت في مفاهيم الناس والفقهاء منهم ان يوم القيامة يقع في الزمن التالي لزمن الحياة الذي نعرفه الا ان الازمة الفكرية التي صاحبت تلك الثقافة والتي نستحضرها في احشاء هذه المعالجة تحمل اعلى درجة من الاستغراب الفكري لتلك الثقافة فكيف يقاس وصف لـ (يوم) من أيام حياتنا لرؤى تخص يوم في زمن ءاخر لا نعرفه وفيه (الارض غير الارض) والسموات غير السماوات وذلك يعني لا يوجد تعاقب بين الليل والنهار ليكون (يوم) كالذي نعرفه !!!
لفظ (يوم) في علم الحرف القرءاني يعني (مشغل حيز رابط) وعند ترشيد عقولنا لتلك الترجمة سنجده في الارض التي تدور حول نفسها فهي (مشغل حيز) وعندما ارتبط دوران الارض بالشمس اصبح (مشغل دوران الارض ذا رابط مع الشمس) وهو اليوم بكينونته التي نراها في ما كتبه الله في الخلق فيوم القيامة في (علمية النص) هو ايضا (مشغل حيز رابط) الا ان (مشغل الحيز) لا يشترط ان يكون هو الكرة الارضية الدوارة مع رابطها بالشمس بل هو (نشاط الانسان وافعاله) فنشاط الانسان عموما يمتلك صفة (مشغل حيز) حتى وان كان يقوم بتشغيل عقله (يتفكر فقط) فهو انما يشغل حيز عقلانيته اثناء التفكير مرتبط بموضوعية التفكير فرابط مشغل حيز الفكر قد يرتبط بالسياسة او الصناعة فيقوم مفهوم اليوم (العلمي) وليس (الزمني الحصري)
عندما يستكمل (مشغل الحيز الرابط) فاعليته في يوم (علمي) وليس يوم (فلكي حصري) فان استكمال مشغل الحيز في رابطه في صنع او بناء او اي عمل يكون عند انتهاء الفعل (فتقوم قيامة الفعل) في نتاجه
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } (سورة الزلزلة 7 - 8)
ونحن نرى (اليوم) الفلكي حين تستكمل الارض دورتها حول نفسها واي عمل نعمله خيرا كان او شرا ويستكمل فاعليته فنراه كما استنبتناه في افعالنا فقامت قيامته (خير) او (شر) وذلك هو يوم القيامة فهو يوم قائم في حياتنا يمثل استكمال (قيمومة النشاط) فتظهر نتيجته في حراك (مشغل حيازة رابط) وهو (يوم) يحمل صفة علمية رغم انه يمتلك عداد زمن الا ان الزمن فيه ليس بعد الموت ولا يمتلك ابعاد زمنية محددة باليوم الفلكي واجزائه الساعة والدقيقة والثانية بل في حجم الخادم الزمني للفعل فمن ينشط في بناء منزل فان الزمن الذي يخدم فعله يتحدد بكثير من المرابط تخص حجم المنزل ودرجة البناء ومواد البناء والعمالة المتوفرة للبناء فالنشاط عموما (اي نشاط) يحتاج الى زمن الدنيا لغرض الوصول الى نتيجة الفعل وهو يوم القيامة (قيامة نتيجة الفعل) وقد جاء له وصف ءاخر في القرءان تحت نص (اليوم الاخر)
{ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } (سورة آل عمران 114)
قيل فقهيا ان اليوم الاخر هو يوم القيامة ايضا الا ان تأمين اليوم الاخر يعني انضباط الفعل ليكون (اليوم الاخير) أمينا فهي في لوي اللسان تقرأ (اليوم الاخـِر) بكسر الخاء وليس فتحها للدلالة على اليوم الاخير من النشاط فالسارق عندما يسرق انما يفكر بما قام بتفعيله من فعل السرقة الا ان نتيجة فعله ستكون (شر) فالعبرة في اليوم الاخير وليس يوم سرق وقد يكون فرحا بما سرق
لفظ (قيامة) من جذر (قم) وهو في البناء العربي الفطري البسيط (قم .. قام .. يقوم .. قيام .. قيامة .. قوم .. قيمومة .. قيم .. قائم .. قمة .. قمقم .. و .. و .. ) .. لفظ (قم) في علم الحرف يعني (مشغل فاعلية ربط متنحية) فالقائم لا يقوم ذلك لان فاعلية الربط متنحية فتستوجب القيامة من وضع جلوس او من وضع نوم فيكون منه القيام ومنها (القيامة) التي تقوم في وعاء فاعلية ربط متنحي عن الفاعل لان فعله لم يستكمل نتيجته بعد
لفظ (ألقيامة) في علم الحرف يعني (حاوية مكون) لـ (مشغل نقل ـ حراك) لـ (فاعلية فعل ربط متنحي) (الحيازة) ... اذا تم ادراك ذلك المعنى فهو ينطبق على نتائج الفعل والنشاط وهو (حاوية مكون) مثل بناء او صنع او اي سعي (ساعة) فهو (حاوية مكون) في انشطة البشر وتلك الحاوية للمكون تمتلك (مشغل حراك) اي مشغل متنقل لفاعلية او فاعليات ربط مع النتيجة التي تبقى متنحية لحين استكمال السعي لتكون (حيازة النتاج) في (مشغل حيازه رابطه) اي (يوم) يتم فيه ربط الفعل بنتاجه الاخير فيكون يوم القيامة
لكل فعل او عمل او اي مكون يمتلك حراك (سعي) في (ساعة) له قيامة في مشغل رابطه التكويني فقيامة النتيجة في الافعال مختلفة في مساحتها الزمنية فـ بناء منزل ليس كبناء مدينه وبناء زورق ليس كبناء باخرة ومن يتناول السم تقوم قيامته بعد زمن قصير ومن يتناول الخمر تقوم قيامته بعد زمن مختلف عن تناول السم وذلك الرشاد الفكري ورد في القرءان تحت صفة الاجل فجاء النص الشريف مبينا
{ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ } (سورة هود 104)
{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (سورة الأَنعام 60)
ونصوص كثيرة حملتها نصوص قرءانية شريفة تبين حاكمية الاجل بين الفعل ونتيجته (قيامة) وهي (قيامة المقومات) التي ترابطت مع الافعال ان كانت خيرا او شرا ... كل الاجال تحدث في يوم (قيامة) متكرر في حياة الانسان فلكل نشاط كما قلنا يوم قيامة حتى نهاية النشاط عندما تتوقف اعمال الانسان ويحصل الموت فيكون يوما مختلفا عن يوم القيامة لانه يوم تجتمع فيه كل (القيامات) والتي قام اجلها او لم يقوم بعد الا ان (أجل الموت) يقيمها قيامة واحدة وقد جاء رشاد تلك التذكرة في نص شريف
{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } (سورة ق 19 - 22)
يوم الوعيد ... يوم اي انه (مشغل حيازة ربط) .. ألوعيد .. لفظ يعني في علم الحرف القرءاني (منقلب مسار مكون) لـ (حيز متنقل) (انتج رابط) ففي الموت تتوقف كل حركة وتناقل فيكون يوم الوعيد وقد انتج رابط مع مصير الميت في (وعاء الموت) اي ان الانسان يموت بـ (طيفه) الذي صنعه هو لنفسه في دورة حياته فيموت كما هو طيفه من (مرابط النتاج) التي انتجها هو وهو يعرفها كما عرف ابنائه وما تبناه من عمل فكشف عنه الغطاء فيبصر ما فعل وتكون مرابطه في وعاء الموت كما فعل .. اي ان الانسان حين يموت يموت بـ (هويته) التي خط هو مفاصلها بنفسه فيدخل مداخل طيفه !! وذلك يعني ان (شكل ما بعد الموت) (يساوي) (شكل ما كان عليه في الحياة) من حيث الرابط الذي ربط العبد بنظم الله خيرا او شرا او (من خليط) له ميزان موزون في طيف الميت قبل موته ينتقل معه في وعاء الموت ونقرأ
{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } (سورة الواقعة 83 - 95)
ما كان لتلك السطور ان تقوم الا لسبب (ثقافي) يحتاجه المتدين فكثير من المنفلتين من دينهم يتصورون ان المخالفة تتبعها توبة فليخالف اليوم ويتوب غدا خصوصا العنصر الشبابي الذي لا ينتبه ان (مثقال ذرة خير) او (مثقال ذرة شر) لها يوم قيامة وهو حي يرى ثوابه او عقابه اما عند الموت فان (هوية الميت) مصطبغة بصبغة ما فعله ولا عودة للماضي ليصلح الانسان اخطاء مضت لان عناصرها قد تكون هلكت او اختفت فالسارق لا يضمن ان يأتي يوما ليعيد ما سرق الى صاحبه وهو قد لا يعرفه او لا يكون حاضرا لاستبراء الذمة منه
ثقافة تأجيل العقوبة الى يوم قيامة يأتي بعد الموت ثقافة روج لها خطباء الدين فانفلت كثير من الناس من دينهم لانهم (أمنوا عدم العقاب) في يومهم فهم يخافون من قانون الدولة ولا يخافون قوانين الله لان (ثقافة العقوبة) في نظم الله مختفية عن مدارك الناس خصوصا في جيل الحضارة الذي حصر الثقافة في (المرئيات) حين كشف مرابطها وتثقف بموجبها اما مرابط الدين فبقيت في خفاء فضمرت ثقافة الدين في مجتمع المتحضرين
الحاج عبود الخالدي
تعليق