بيان في الذكرى وعلوم العقل
من أجل تحديد معالم الذكرى في فاعليات العقل
من أجل تحديد معالم الذكرى في فاعليات العقل
ورد لفظ (ذكر) وتخريجاته اللفظية في القرءان قرابة 280 مره مما يدفع الباحث في القرءان على مزيد من البحث والتقصي عن ذلك المفصل التكويني المهم فلو لم تكن (الذكرى) مفصل من مفاصل فاعليات العقل البشري لما حفظ الانسان مهنيته او زرعه او قام بصنع ادواته او اختص في اختصاص ما كـ المهندس والطبيب وغيرهم
لفظ (ذكر) في علم الحرف القرءاني يعني (وسيلة سريان حيازة ماسكة) فهي صفة (خلق) لان الذكر (وسيلة) والوسيلة تقع حصرا في خلق مخلوق سواء كان في العقل او في المادة فلا تقوم وسيلة من بشر فهي وسيلة في (حيازة سارية) ولها ماسكة يمكسها المخلوق ونحن انما نسمي (وسيلة السفر) في منطقنا عند صناعة وسائل النقل لا يعني اننا خلقنا تلك الوسائل بل هي من (وسائل الخلق) في مكونات اداة السفر والوقود وحزمة لا حدود لها من فيزياء وكيمياء فالوسيلة تقع حصرا في الخلق كصفة (سارية الحيازة) لها ماسكة يمسك بها من يقوم بتفعيلها !
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (سورة المائدة 35)
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } (سورة الإسراء 57)
فالوسيلة هي (بغية) الانسان وهي من لسان عربي مبين في (وابتغوا .. يبتغون) التي وردت في النص الشريف وهي (حاوية خلق) في اوكسجين وماء وتربة وزرع وغيرها وكل ناشط ينشط في حياته انما يسبح في (خلق الله) الذي يمثل محتوى الوسيلة في أول اوليات وجوده على الارض ...
استخدام الوسيلة في الخلق واستثمارها عندما (لا يكن) لـ (الله) او لـ (رب العبد) انما يظلم العبد نفسه لان وسائل الخلق الالهي تمتلك نظم ارتدادية تنقلب على فاعلها
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } (سورة الزلزلة 7 - 8)
الذكرى كـ (وسيلة خلق) تنحى نفس المنحى فإن قامت في (كيان صادق) نفعت المتذكر وإن قامت في كيان كاذب فانها تنقلب على المتذكر سوءا وفسادا على الفاعل الا ان الناس لا يدركون المسار الامثل في استدراج الذاكرة الى وعيهم فلا يهم عند الناس اي ذكرى تنفعهم او اي ذكرى تضرهم ويتصورون ان (التذكر) هو (حق طبيعي) يمارسه المتذكر فان تذكر ذاكرة (غير حميدة) او تذكر (ذاكرة حميدة) فالامر سيان عند كل الناس الا ان علوم القرءان ترفع الغطاء
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (سورة التوبة 119)
تقوى الله تعني (التقوية بنظم الله) وهي وسائلة في الخلق ومنها (الذكرى) وان اي (كيان غير صادق) يتسبب في ضرر عقلاني فيضعف العقل وهو ضديد (التقوية)
وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ..! فمن هم الكاذبون ..؟
ومن اجل رسم مجسم فكري توضيحي ندرج بعض الامثلة ... فمن يتذكر اغنية ويدندن بها او يستعيد ذكريات لمسلسلات تلفزيونية او يتذكر مشاهد جنسية لافلام او صور او مثيلاتها انما تقوم عنده الذكرى مع كيان غير صادق (كاذب) فتضعف عنده مقومات الذكرى فيكون (ضعيف العقل في التذكر الصادق) وتقوى لديه الذكرى (غير النافعة) فيتدهور كيانه في حياته وقد يؤدي به الحال الى سفاهة عقل تجعل من حياته مضطربة غير موفقة
من يتفعل في تذكرته في ومع (مكون صادق) فان نموا عقلانيا يتنزل في ساحة عقله فتصبح (الحكمة) متحالفة معه في قراراته وتصرفاته فمن يتذكر (البيان القرءاني) او يتذكر مفصل في عمل طاهر او يتذكر اقامة كيان يرضي الله او تصرف يرضي الله يكون قد استثمر (وسيلة الذكر) في فاعلية قوية فيكون من (المتقين) فيحصل على (وعود صادقة) من الله اودعها الله في نظمه
{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } (سورة الزمر 74)
الوعد الصادق في النص المبين يبين ان هنلك (ارث ارض) فيه جني ثمار (حيث يشاؤون) وهو اعلى درجة من (الاجر) الذي يحصل عليه من يرث (الرضا) عندما يرتبط بمشيئة العامل المستثمر لـ عقله استثمارا ايجابيا حميدا
الذكرى تقوم لسبب مادي او سبب عقلاني وهي تقع في (الصحو) حصرا ففي النوم والغيبوبة لا تقوم ذكرى وذلك يعني ان للذكرى (مستويين في العقل) وهو المستوى العقلي السادس (موسى) و المستوى العقلي الخامس (هرون) وعندما (يقوى العقل) فان البنية التكوينية حين تكون في رضوان الله يكون المتقوي بنظم الله في رضوانه عالية الغلة حميدة النتائج
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (سورة التوبة 109)
رضوان الله يقع حصرا في استثمار وسائله في الخلق استثمارا لا يخرج من صراطه المستقيم والعقل البشري (القوي) يدرك صراط ربه المستقيم ذلك لان التقوية بالكيانات الصادقة تبدأ بـ (الذكرى) وعندما يتذكر حامل العقل حاجته فانه سوف تتفعل بين يديه نظم الهية الخلق تبدأ في عقله وتتفرع الى تصرفاته وقراراته النافذة فيكون في بناء اساس مبني من لبنات ترضي الله فيحصد خيرا ومن يبدأ اساس بنيانه على شفا جرف هار فينهار به في نار جهنم والانهيار يحصل بشكل يفقد المنهار اي قدرة على معالجة الانهيار ويستطيع كل حامل عقل ان يرى الانهيار في غيره من الناس من حوله ويعود الى (اسس البناء) الذي كان عليه كيان الذي انهار فلسوف يجده محروم من الذكر الحق (النافع) لان الذكرى في غير رضوان الله اضعفت قدراته العقلية في الاتجاه الحميد
{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } (سورة النمل 69)
فمن يرى (عاقبة) المتعرض للانهيار يعني انه (عرف العقوبة) وبالتالي يستطيع ان يعدل من مقومات حياته اذا وفق لـ (الذكرى النافعة) وكان مؤهلا لها ذلك لان (الذكرى النافعة) هي أول اوليات اساس البنية الشخصية لكل حامل عقل وبما ان (الذكرى) هي (محرك) الانشطة والافعال فان ذكرى الكيانات الكاذبة سيعمل عمل مخالف لمسارب تنمية الذكرى النافعة فيفقد حامل العقل كثيرا من قدراته العقلية بالتدريج
{ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } (سورة القيامة 14 - 15)
تلك البصيرة هي التي تحدد (فاعلية العقل) وأول اوليات بنية العقل هي (الذكرى) فـ حامل العقل الذي لا يتذكر فلا يستطيع ان ينشط او يعمل في امر ما وبالتالي فان (إمارة العقل) هي التي تتحكم ببصيرة حامل العقل وان انفلتت من الذكرى النافعة الى الذكرى غير النافعة فان الافعال والانشطة التي تكون من حصة (الغافل) تجعله في صفة غير حميدة في ما يتصل بـ (جذور) وجود الانسان على الارض في دورة حياته فكثير من الناس قد يتصورهم صاحب الحاجة انهم ناجحين رغم انحرافهم عن رضوان الله الا ان ذلك النجاح المفتعل ما هو الا حالة غير مستديمة
{ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة آل عمران 188)
وعذابهم مرئي وله اجل ومنه يتم التعرف على نظم الله العقابية فمن يبرأ منها فان الذكرى تقوم بين يديه لينفي خطيئته بالتوبة فيتحول من حال الى حال وتتغير مرابطه في الخلق فينجو من الانهيار ذلك لان الله سبحانه كتب على نفسه الرحمة وهو غفار ونظم المغفرة تسير رديفا مع نظم العذاب والله القائل
{ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (سورة الأَنْفال 33)
{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } (سورة هود 52)
لا يتحرك الانسان حركة او ينشط في نشاط او يفعل فعلا الا والذكرى تسبق حراكه ونشاطه وفعله فان قامت (قوة) في فاعلية الذكرى فان المتذكر في مفازة وضديده في خسران
الحاج عبود الخالدي
تعليق