الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ .. كيف ؟!
من أجل ثقافة فكرية من دستورية قرءانية
من أجل ثقافة فكرية من دستورية قرءانية
{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (سورة العنْكبوت 64)
لفظ (الحيوان) راسخ في منطق الناس في تسمية المخلوقات ذات الدم والتي تعيش في البر من مواشي وانعام ولا يشمل بقية المخلوقات من نبات وحشرات او خمائر فاختص منطق الناس بالحيوانات ذوات الدم عموما وذات الدم الحار خصوصا وذوات الاربع في البر وليس البحر فالسمكة لا تسمى حيوان ومثلها السلحفات والافعى والديدان وغيرها ..
لفظ (حيوان) من جذر (حي) وهي ترتبط بمقدمة الاية الشريفة (وما هذه الحياة الدنيا) وهي تكتب في الرسم القرءاني (حيوة) ويضاف اليها الف مصغرة فوق حرف الواو والرابط بين (هذه الحيوة الدنيا) و (الدار الاخرة) حملت على محمل بيان قرءاني عظيم بوصف (لهي الحيوان) ولفظ (لهي) يرتبط بمقدمة الاية الشريفة (لهو) وكلا اللفظين من جذر واحد (لهو .. لهي) ..
ثقافة البيان القرءاني اصبحت واجبة النفاذ في حملة القرءان بسبب الانتشار المفرط لـ الثقافات المعاصرة في مجمل الانشطة البشرية في السفر والاتصالات والملبس والمسكن والمأكل والمشرب فالعلم الحديث لم يبق جامدا في صومعته العلمية بل تحرك في نفاذية تطبيقية خلقت ثقافة عامة بين الناس وبقي البيان القرءاني حبيس دفتي المصحف الشريف دون ان تقوم له ثقافة تطبيقية بين حملته وذلك امر كبير وكأن القرءان مغيب ومهجور فيندفع المثقفين بثقافة غير قرءانية الى الغفلة والضلال
كل مأتي من عند الله أمين مؤمّن وما هو مأتي من غير الله لا يتصف بالامان بل بالشك والريبة وتلك فطرة عقل فلو رصدنا اي تحوير يجري على ماكنة او سيارة فان من يمتلك صلاح صفة الامان في (التحوير) هو المصمم والمنفذ لصناعة الماكنة او السيارة واي تحوير يجريه المستهلك او شخص غير صانع الماكنة يكون مشوبا بالريبة والشك فـ (هذه الحياة الدنيا) تم تحويرها عن سنة الاولين (سنة الله) كثيرا كثيرا وان ذلك التحوير في الاستطباب وفي المشرب والملبس والمأكل والمسكن والتعليم والسفر والحضر وكل شيء حصل من البشر انفسهم ولم ينزل به سلطان الله سبحانه الا في (العقاب) والناس لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ فهم في غفلة بسبب بريق وزخرف وسرعة فائقة في كل شيء مما يزيد الغفلة غفلة جيل بعد جيل .. سطورنا لا تدعو الى شطب الممارسات الحضارية بل تدعو الى تعييرها بموجب ثقافة قرءانية
هذه حيوة دنيا (دانية)
عنوانها : لهو ولعب
دار ءاخرة
عنوانها : لهي الحيوان
لفظ (دار) من جذر (در) ومنها الدوران والاستدارة
لفظ (لهي) .. يعني (لاهية) فهي (لهو) انقلب الى (لهي) بفتح حرف اللام ففي الحياة الدنيا (لهو) وهو لهو مرتبط بدلالة حرف الواو وفي الاخرة يكون لهو في الحيازه فيكون (لهي) بدلالة حرف الياء وصفته (الحيوان) فما هو القصد الشريف في لفظ (الحيوان)
كما قلنا لفظ حيوان من جذر (حي) وهو في البناء العربي الفطري (حي .. حيا .. حيو .. حيوان ..)
لفظ (حي) في علم الحرف القرءاني يعني (حيازة فائقة) فيكون لفظ (الحيوان) في ترجمة الخارطة الحرفية لـ اللفظ في قصد (تبادلية مكون) لـ (فاعلية ناقل) اي فاعلية حراك لـ (رابط فائق الحيازة)
رابط (الحيوة الدنيا) يتحول الى (حيازة فائقة) في الدار الاخرة وعندها سيكون من الصعب التحلل من تلك الحيازة الفائقة ونضرب على ذلك مثلا :
عندما يكون في مقتبل عمره في الريف ويسعى لتكوين عائلة من زوجة واولاد فتغره المدينة وزخرفها وقرب متطلبات الحياة من بعضها ففي الريف لا توجد اسواق ولا توجد صيدليات ولا توجد مراكز للترفيه فتستهويه حياة دانية منه في المدينة على حياة ليست دانية في الريف فيقرر الهجرة من الريف الى المدينة فـ (يرتبط) باعراف المدينة وانسيابية حياتها فتكون (مرابطه) قد تم ربطها في حيازته بالمدينة وتسهيلاتها (الدانية منه) فيلهو بها ويلعب بها كيفما يشاء حسب امكانياته وبعد ان يقضي من المدينة وطرا وتأتي فاعلية (الدار الاخرة) لنشاطه المؤسس اساسه على اعراف المدينة فان (رابط الحيازة بالمدينة) يدور بدورة تكوينية مختلفة عن بداية سكنه بالمدينة فيكون في صفة (لهي الحيوان) وليس (لهو الحيوة) وبذلك يفقد الناشط اختياره بالعودة الى الريف لان مرابطه بالمدينة تحللت من اختيارها الاول فاصبحت في (حيازة فائقة) لا يمكن تفكيكها
تلك الصفة تنطبق على مخلوق الحيوان عند تدجينه فهو في (حيازة فائقة) ايضا في زريبة او موقع لا يستطيع مفارقته لان حيازته فائقة في مأكله ومشربه وسقف يأويه وراعي يرعاه ويوفر له مستلزماته فهو (الحيوان) حيازته لـ الحيوة تحولت الى حيازة فائقة كما يكون الطير في القفص !!! لذلك سمي بـ (الحيوان) في منطق فطري انطقه الله فينا ليكون حافظا للذكر !! وكل انسان يصنع لنفسه قفصا يفرضه على نفسه من منشأ البدايات (حياة دانية منه) تكون اساس بنيانه عند شبوبته الاولى وهو يرسم مسارا يؤدي به الى (قفص حياته) كما قيل في فطرة الناطقين حين اسموا الزواج بـ (قفص الزوجية) لان بداية المسار تعني دار ءاخرة يكون (مدارها) حيازة فائقة لا يمكن الافلات منها .. نفس المثل ينطبق لو اردنا قلب مسار المثل من شخص ولد في المدينة واختار ان يكون الريف سكنا له فان (اعتاد الريف) بعد شوط طويل يكون من الصعب عليه ان ينتقل الى المدينة ويعيش فيها لان الريف كان في مكون (ذا علة) يحمل حراك رابط (ناقل رابط) في (لو) وذلك المكون (كانوا) (يعلمون) وهي في بيان لـ علة في (طبع بشري) طبعه الله في مخلوقاته حتى في (الحيوان) فلو قضى الطير في قفصه ردحا من الزمن فهو لن يطالب بحريته في داره الاخرة ويبقى في قفصه حتى لو فتحوا له ابواب القفص
لهي الحيوان (لو كانو يعلمون) .. دستور قرءاني عظيم يوجب على حامل القرءان المؤمن بمصدريته الالهية الحكيمة ان لا يصنع من حياته الدانية منه قفصا يقفص فيه خياراته التكوينية في (صفة سوء) وعليه ان يبني اساس رابط حياته في مربط أمين لان حين تدور الاخرة على الاولى يفقد الفرد خياراته ويكون حبيس ما اختار في يومه الاول (الداني منه) ونقرأ
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (سورة التوبة 109)
فـ (هذه الحيوة الدنيا) الدانية من العبد هي في خيار خطير لانه (اساس) وعلى حامل القرءان ان يقوم بتعيير ذلك الاساس والمعيار هو (رضوان الله) فان كان في غير رضوان الله فان الدار الاخرة ستكون صعبة جدا ويفقد الانسان اختياره تحت صفة الانهيار
تلك الفطرة موجودة في طبائع الناس فيختارون لانفسهم او لاولادهم خيارات واضحة النتيجة فذلك يسعى ليكون ابنه طبيب وءاخر يسعى ليكون مهندس او يسعى ليكون هو او ابنه تاجرا الا ان الخطيئة تقع في البدايات في (الاساس) الذي اسس بنيانه فان كان في رضوان الله فهو في خير دائم وان كان الاساس خارج رضوان الله فهو في صفة (الانهيار) وهي في وصف عام شامل ان يفقد الانسان خياراته في مرحلة متقدمة من نشاطه وفقدان الخيار هو (انهيار) البنية العقلية لحامل العقل فيكون (مجبرا) ملزما بما الزم به نفسه ويفقد اختياره فيكون (انهيارا) وصفته الموصوفة قرءانيا انه يفرق الصفات التي كانت في اساسه في البداية
تعيير البدايات هو فطرة عقلية نافذة في العقل البشري ونجدها في ما يطلق عليه بـ (التخطيط المسبق) لاي نشاط الا ان الثقافة المتدهورة فينا كأمة تحمل القرءان ان (التخطيط) المسبق للنشاط لا يتم تعييره بموجب ضابطة عقدية عقائدية دينية وهو (تخطيط في رضوان الله) فاكثر الناس يخططون لـ تخطيط في ثقافة عصرية لا تعرف الله ونظمه وقوانينه المودعة في قرءان ان تمسكنا به لن نضل ابدا .. العقل البشري لا (يربي) نفسه ربوة حق فهو مرشح لـ الضلال اكثر ما هو مرشح لـ الهدي (قتل الانسان ما أكفره) وهو ذو نفس لوامة وطبائعه الفطرية النقية امينة الا ان محيطه واعراف قومه غير أمينة وبالتالي فان الباحث عن (الامان) عليه ان يستنفر عقله ليأمن من يوم يخسر فيه اختياره ويفقد سلطانه على ادارة شأنه عندما يكون في صفة (لهي الحيوان) وكأنه في قفص حيواني لا يمتلك اي خيار وعلى حامل العقل ان يعترف بربوية ربه في كل امر ونسمع القرءان
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (سورة الأَحقاف 13)
الحاج عبود الخالدي
تعليق