كيف يؤثر تصفحك المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي على عقلك !
في عصر البريد الإلكتروني والفيسبوك وتويتر، مطلوب منا جميعًا أن نقوم بإنجاز مهام مخلفة في نفس الوقت. ولكن تعدد المهام المستمر يقرع ناقوس الخطر. يشرح لنا هنا عالم الأعصاب دانيل ج.ليفيتين كيف يؤثر إدماننا للتكنولوجيا على كفاءتنا.
أدمغتنا مشغولة عن أي وقت مضى. نحن منهمكون بالحقائق والحقائق الزائفة والشائعات والتي تأخذ جميعها شكل المعلومات. مرهقة هي محاولة معرفة ما يتوجب عليك معرفته وما يمكنك إهماله. بينما في نفس الوقت جميعنا يعمل المزيد فوق طاقته. منذ ثلاثين عامًا، قامت شركات السفر بحجز تذاكر الطيران والقطارات لنا، كان البائعون يساعدوننا في الوصول إلى ما نريد أثناء التسوق، كما ساعد السكرتير أو الكاتب في إدارة أعمال من كان لديهم أعباء في عملهم. أما الآن، فنحن نفعل كل ذلك بمفردنا. نقوم بعمل كان يقوم به 10 أفراد مختلفين بينما نحاول في نفس الوقت أن نعيش حياتنا مع الأبناء والآباء والأصدقاء والوظيفة والهوايات وبرامجنا التليفزيونية المفضلة.
أصبحت هواتفنا الذكية مثل “سكين الجيش السويسري” بكثرة تطبيقاتها التي تشمل القاموس، والآلة الحاسبة، وبرامج التصفح، والبريد الإلكتروني، والألعاب، وجدول الأعمال، ومسجل الصوت، ومنظم الصوتيات، والتنبؤ بحالة الطقس، وبرنامج تحديد الموقع، والبرامج الكتابية، وتويتر وفيس بوك، وحتى تطبيق مصباح الإضاءة. أصبح الهاتف الذكي أكثر قوة وتطورًا من أكثر أجهزة الحاسب الآلي تطورًا منذ 30 عامًا لدى شركة آي.بي.إم IBM. نقوم باستخدام جميع تلك التطبيقات في كل وقت، كجزء من الشغف بمعرفة كل شيء في كل لحظة فراغ في حياتنا في القرن الحادي والعشرين. نكتب في برامج المحادثات أثناء عبورنا الطريق، نرد على بريدنا الإلكتروني أثناء فترات الانتظار في الطوابير، حتى عندما نجتمع مع الأصدقاء لتناول وجبة الغداء، نبدأ في اختلاس النظر في هواتفنا لنرى ماذا يفعل أصدقاؤنا الآخرون. نكتب أمام دفء وأمان أجهزة المطبخ في مساكننا قائمة التسوق على هواتفنا الذكية أثناء استماعنا للمعلومات المذاعة.
يعتبر ذلك مثل السم في العسل. بينما نعتقد أننا نقوم بعمل أكثر من عمل في نفس الوقت، يعد ذلك قوة ووهمًا شيطانيًّا. يقول “إيرل ميلر”، أحد علماء الأعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد خبراء العالم في تشتت الانتباه؛ “إن أدمغتنا ليست مصممة لتعدد المهام جيدًا… عندما يظن الناس أنهم يقومون بالعديد من المهام في نفس الوقت، فإنهم في حقيقة الأمر يبدلون بين المهمة والأخرى في وقت سريع جدًا. تكلف تلك الطريقة إدراكهم في كل مرة يقومون بها”. في حقيقة الأمر، إننا لا نقوم بترك الكثير من الكرات معلقة في الهواء مثل البهلوان، بينما نفعل مثل أحد هواة لعبة إدارة الأطباق، ننتقل بجنون من مهمة إلى أخرى، مهملين بذلك المهمة التي ليست أمامنا في تلك اللحظة، ولكن في نفس الوقت قلقون أن تنهار في أي وقت. يجعل تعدد المهام في آن واحد منا أقل كفاءة بشكل واضح، بالرغم من اعتقادنا بأننا نقوم بالكثير من الأعمال.
** وجِد أن طريقة تعدد المهام تزيد من إنتاجية هرمون الضغط الكورتيزول وهرمون الأدرينالين، والذي يقوم بإثارة الذهن ويسبب التشتت الذهني وتشوش التفكير. يخلُق تعدد المهام إدمان رد فعل الدوبامين، والذي يبدأ في مكافأة المخ على فقد التركيز وعلى البحث المستمر عن المثيرات الخارجية. الأسوأ من ذلك، لدى القشرة المخية قبل الجبهية انحياز مستجد، بمعنى إمكانية سرقة الانتباه بسهولة عن طريق أي شيء جديد – مثلما تحاول لفت انتباه الأطفال أو الجرو أو الهرة بشيء لامع. ما يدعو للسخرية ممن يحاولون منا التركيز وسط الأنشطة التنافسية واضح: الجزء من المخ الذي نحتاج الاعتماد عليه من أجل أن نُبقي تركيزنا على مهمة واحدة أصبح سهل التشتت. نرد على الهاتف، نتصفح شيئًا على الإنترنت، نفحص بريدنا الإلكتروني، نبعث برسالة نصية، وكل من تلك الأشياء يُعدل على مراكز المخ التي تطلب المكافأة وتطلب التجديد، متسببة في انفجار الأفيونيات الذاتية (لا عجب أنها تبدو جيدة!)، كل ذلك على حساب بقائنا منتبهين في مهمة واحدة. إنها أقصى حلوى مخية خالية من السعرات الحرارية. بدلًا من جني المكافآت الكبيرة الآتية من المجهود المُركز المؤدى ببراعة، نجني المكافآت الفارغة من آلاف المهمات المغلفة بحبات السكر الصغيرة.
عندما كان يرن جرس الهاتف قديمًا ونحن مشغولون، كنا إما نتجاهل الاتصال ولا نرد، وإما نغلق صوت الهاتف. عندما كانت الهواتف سلكية وموصلة بالجدران، لم يكن من المتوقع الوصول لنا في أي وقت، وبالتالي فإنه كان من الطبيعي أن لا يستطيع أحدهم الوصول إليك أو أن لا ترغب في الرد. أما الآن، فالناس يمتلكون الهاتف قبل دورة المياه. أعطى ذلك توقعًا باستطاعتك الوصول لمن ترغب إليه وقتما تريد أن تصل إليه، بغض النظر عن كون ذلك التوقيت مناسبًا لمن تحاول الوصول إليه أم لا. رسخ ذلك التوقع عند الناس فكرة أن يقوموا بالرد علي هواتفهم المحمولة أثناء الاجتماعات فقط لقول “عفوًا، أنا في اجتماع ولا يمكنني الرد الآن”. اختلفت كثيرًا توقعات سهولة الوصول لوسائل الاتصالات عما كانت عليه منذ عقد أو اثنين، نفس هؤلاء الأشخاص كانوا سيتركون الهاتف بدون رد أثناء الاجتماعات.
وجود الفرصة لتعدد المهام مضر للأداء الإدراكي. يسميها “جلين ويلسون”، الأستاذ السابق لعلم النفس من كلية جريشام؛ بالهوس المعلوماتي. وجد في أبحاثه أن في حالة محاولتك للتركيز في مهمة بينما توجد رسالة في صندوق الوارد غير مقروءة قد تقلل من كفاءة معدل ذكائك بـ10 نقاط. بالرغم من أن الناس ينسبون الكثير من الفوائد للماريجوانا، منها تحسين الإبداع وخفض الآلام والضغط، وثق أن “القنب”، وهو المكون الأساسي للماريجوانا، يُنشط المستقبلات المُخصصة للقنب في المُخ ويتداخل بشكل كبير مع الذاكرة ومع قابليتنا على التركيز في أشياء مُختلفة في نفس الوقت. كشَف “ويلسون” أن فقد الإدراك والتركيز من تعدد المهام أكبر من فقد التركيز بسبب تدخين الشيشة.
وجد “روس بولدتراك”، أحد علماء المُخ والأعصاب في ستاندفورد، أن أخذ المعلومات أثناء تعدد المهام يُسبب تخزين المعلومات الجديدة في المكان الخاطئ في المخ. على سبيل المثال، مُذاكرة الطلاب ورؤيتهم للتلفاز في نفس الوقت تُذهب المعلومات الدراسية إلى السترياتوم (الجزء المُخطط)، وهو جزء في المخ مخصص لتخزين المهارات والإجراءات الجديدة ولا يستخدم لتخزين الحقائق والأفكار. أما بدون تشتيت التلفاز، تذهب المعلومات إلي الهيبوكامبوس (الجزء الحصين)، حيث يتم تنظيمها وتقسيمها بمختلف الطرق، مما يجعل استرجاعها أسهل. يضيف “إيرل ميللير” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “لا يستطيع الناس القيام بمهام متعددة في نفس الوقت بطريقة جيدة، حتى عندما يقولون أنهم يستطيعون، فإنهم يخدعون أنفسهم”. والمخ مُخادع جيد.
ثم يأتي دور الأيض. طلب نقل الانتباه من نشاط لآخر من المخ يتسبب في حرق الجلوكوز المؤكسد من قبل قشرة الفص الجبهي والسترياتوم، وهو نفس ما يحتاجونه لتكملة مهمة واحدة. يتسبب التنقل المستمر الذي نقوم به عند تعدد المهام في جعل المخ يحرق الكثير من وقوده بسرعة حتى نشعر بالتعب والإرهاق بعد وقت قليل. لقد استنزفنا العناصر الغذائية في المخ. يؤدي ذلك إلى خلل في التركيز والكفاءة البدنية. يؤدي التنقل المستمر بين المهام إلى القلق، والذي يرفع درجة هرمون الكورتيزول المسؤول عن الإجهاد في المخ، والذي قد يؤدي إلى تصرفات عنيفة ومندفعة. على الجانب الآخر، تتحكم الحزامية الأمامية والسترياتوم في البقاء بتركيز على مهمة واحدة، ويؤدي التركيز على مهمة واحدة إلى استهلاك طاقة أقل وتقليل احتياج المخ من الجلوكوز.
يتطلب تعدد المهام في آن واحد القدرة على اتخاذ القرار: هل يجب أن أرد على تلك الرسالة النصية أم تركها؟ كيف أرد عليها؟ كيف أقوم بترتيب تلك الرسالة البريدية؟ هل يجب أن أستكمل ما أقوم بعمله الآن أم أحصل على استراحة؟ يتضح أن اتخاذ القرار صعب على الموارد العصبية وأن القرارات الصغيرة تتساوى في استهلاك الطاقة مع القرارات الكبيرة. التحكم في الانفعالات هو أول الموارد التي نفقدها. من الممكن أن ينتهي بنا الحال باتخاذ قرارات سيئة للغاية بخصوص مواضيع مهمة. لماذا إذًا يرغب أحدهم في إضافة أعباء على المعلومات التي يستقبلها يوميًا بسبب تعدد المهام؟
عند مناقشة موضوع عبء المعلومات الزائدة مع القادة الـ500 من مجلة “فورتشن” Fortune ومع العلماء والكتاب والطلبة ورواد الأعمال الصغيرة، تأتي مشكلة البريد الإلكتروني مرارًا وتكرارًا. ليست المشكلة في البريد الإلكتروني كفلسفة في تضيع الوقت، ولكن المشكلة تكمُن في الأعداد الجنونية للرسائل الواردة. عندما سُئل ابن زميل لي في دراسة علم الأعصاب يدعى “جيف كوجيل” (رئيس معمل الجينات المؤلمة في جامعة ماكجيل) عن عمل والده، قال “إنه يجيب على رسائل البريد الإلكتروني”. أقر “جيف” بعد التفكير أن ما قاله ابنه مقارب للحقيقة. يشكو العاملون بالحكومة والصناعة أن العدد الهائل من رسائل البريد الإلكتروني التي يستقبلونها تأخذ وقتًا كثيرًا من يومهم. نحن نشعر بأننا مجبرون على الرد على تلك الرسائل، ولكن يبدو أمر عدم الرد والإهمال مستحيلًا.
كان يتوجب عليك بذل بعض الجهد لإرسال رسالة لأحد قبل وجود البريد الإلكتروني. كنت لتجلس منتبهًا معك قلمك وورقة أو ربما آلة كاتبة لتقوم بكتابة رسالة. لم يكن هناك ذلك الوسط الذي يجعلك تقوم بتسجيل الملحوظات بدون إعطائها التفكير والانتباه اللازم، كان من قبل يتوجب عليك القيام ببعض الطقوس لكتابة الملحوظات وإيجاد وإرسال جواب وإضافة الطوابع البريدية وأخذ الجواب إلى صندوق البريد. بسبب تلك الخطوات الطويلة التي وجدت والوقت الذي تستهلكه، كنا لا نذهب لذلك الاختيار إلا عند الحاجة الملحة والضرورية. أما رسائل البريد الإلكتروني، فبسبب فوريتها ومجانيتها، نقوم بكتابة كل ما يخطر على بالنا ونرسل فورًا.
بالطبع أنت قُمت بتسديد فاتورة اتصالك بالإنترنت وقُمت بشراء الحاسوب الشخصي، ولكن لن يُكلفك البريد الإلكتروني الذي سترسله أي أعباء مادية إضافية. بالمقارنة بالجوابات البريدية، والتي كانت تتكلف لكل جواب قيمة الظرف والطوابع البريدية وربما الذهاب إلى مكتب البريد، فإنه كان يتطلب منك التفكير مليًا قبل إرسال جواب. سهولة إرسال رسائل البريد الإلكتروني، قلل من اللباقة المستخدمة عند طلب شيء ما من الآخرين. يقول أحد الأساتذة: “الكثير من رسائل البريد الإلكتروني التي أستقبلها تكون من أشخاص ربما لا أعرفهم يطلبون أشياء ربما تكون غير مرتبطة بمجال عملي أو بعيدة عن العلاقة التي تربطني بهم. جَعَل البريد الإلكتروني السؤال أمرًا سهلًا ظاهريًا حتى وإن استحال ذلك السؤال في مكالمة هاتفية أو وجهًا لوجه أو بالبريد العادي”.
توجد اختلافات مهمة بين البريد العادي والبريد الإكتروني من حيث جهة الاستقبال. قديمًا، كنت تقوم بفحص صندوق البريد الوارد ربما مرة واحدة يوميًا، ولم يكن من المتوقع أن ترد على الفور لأن عملية الإرسال كانت تستغرق أيامًا، فإذا كنت تقوم بعملٍ ما، كنت لتكمله قبل التفكير في الرد على الرسالة، وربما تركت البريد الوارد في الصندوق خارج المنزل أو على المكتب. أما الآن، تتطلب معظم رسائل البريد الإلكتروني القيام برد فعل معين، مثلًا أن تقوم بالنقر على الرابط لترى فيديو لدبة صغيرة، أو يجب عليك أن تقوم بالرد على استبيانٍ ما من أحد العاملين معك، أو وضع خطة لمقابلة صديق، أو حذف الرسائل غير المرغوب بها. كل تلك الأنشطة تُعطينا إحساسًا زائفًا بالإنجاز، وربما نحن حقًا نقوم بإنجاز، ولكنه غير دقيق، نحن نفقد الدقة والتركيز عند تشتيت أولوياتنا برسائل البريد الإلكتروني.
حتى وقت قريب، كانت وسائل الاتصالات التي نستخدمها لها جميعًا أهميتها وسبب وجودها. كان إذا أرسل لك شخص يحبك قصيدة أو أغنية، كنت لتسعَد حتى قبل رؤية الرسالة، كُنت لتتوقع المحتوى والتأثير العاطفي للرسالة. بينما إذا أرسل لك نفس الشخص استدعاء من محكمة، كُنت لتتوقع محتوى مُختلفًا تمامًا حتى قبل قراءة الدعوة. كانت وسيلة الإرسال دليلًا على محتواها. تغيير كل ذلك بسبب رسائل البريد الإلكتروني، حيث أنه يستخدم في كل شيء، ويُعد ذلك من سلبياته. قديمًا، كان بإمكانك تقسيم بريدك إلى قسمين، رسائل وفواتير. وإذا كنت مدير شركة، فربما تقوم بتقسيم رسائل هاتفك لمعاودة الاتصال. بينما رسائل البريد الإلكتروني تُستخدم لجميع أنواع الرسائل. لذلك نقوم بفحص رسائل بريدنا الإلكتروني باستمرار، لأننا لا نعلم أتحمل تلك الرسالة سؤالًا أو فاتورة أو قائمة أعمال، وهل تتطلب تلك الرسالة ردًا فوريًا أم تأجيلًا، وهل سيترتب عليها تغييرًا جذريًا في الحياة!
تُشيع تلك الشكوك وعدم التأكد من محتوى الرسائل بعض الخسائر في نظامك، كما تسبب الضغط وتؤدي إلى عبء اتخاذ القرار. كل رسالة بريد إلكتروني تحتاج إلى قرار! هل يجب أن أقوم بالرد؟ الآن أم لاحقًا؟ هل هي حقًا مهمة؟ ما التأثير الاجتماعي أو الاقتصادي أو العملي المترتب على عدم الرد إطلاقًا أو عند تأجيل الرد؟
يرى الشباب تحت سن الثلاثين أن البريد الإلكتروني صار وسيلة اتصالات قديمة، حل محلها الرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أتاحت تلك المواقع إضافة الملفات والصور والفيديوهات والروابط إلى الرسائل النصية والمشاركات على الفيسبوك، بنفس الطريقة التي يتعامل بها من هم فوق الثلاثين مع البريد الإلكتروني. حتى أن بعض من هم دون العشرين الآن يرون الفيسبوك هو وسط تواصل الأجيال القديمة.
صارت لديهم الرسائل النصية على تطبيقات التواصل الاجتماعي هي وسيلة الاتصال. حيث ستحصل على خصوصية لن تحصُل عليها من المكالمات الهاتفية، وفورية لن تحصل عليها من البريد الإلكتروني.
تظهر أيضًا بعض العيوب لدى الرسائل النصية على تطبيقات التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال فهي تفتقد عند النقاش إلى التفاصيل والنقاش المُثمر. تأخذ رسائل البريد الإلكتروني بعض الوقت حتى يتم إرسالها وتحتاج لفتحها إلى الدخول على البريد، أما رسائل تطبيقات التواصل الاجتماعي، فتظهر على الفور على شاشة هاتفك لتجذب انتباهك. أضف إلى ذلك أن ذلك النوع من الرسائل يُضاف إليه بُعد اجتماعي يلزمك بالرد عند رؤيتك للرسالة. أنت تقوم بالرد، وتشعر بأنك أزحت مهمة من عليك وأنهيتها (حتى ولو كانت تلك المهمة غير مخطط لها منذ 15 ثانية فقط). ينطلق الدوبامين مع كل إنجاز من تلك الإنجازات الزائفة صائحًا “أنا أريد المزيد! أريد إنجاز المزيد من تلك المهمات”.
في تجربة شهيرة قام بها الزملاء من علماء الأعصاب، بيتر ميلنر وجايمس أولدز من جامعة McGill، حيث وضعوا قطبًا كهربائيًّا في مخ فأر، على هيئة الجهاز الطرفي المسمى بالنواة المتكئة. يقوم ذلك البناء بتنظيم إنتاج الدوبامين وهي المنطقة التي تُنير عندما يفوز المقامرون في الرهان، وينير عندما يتعاطى مدمنو الكوكايين، أو عند النشوة كما سماها أولدز وميلنر “مركز السعادة”. وجدت رافعة في القفص لتسمح للفئران بإرسال إشارة كهربية صغيرة مباشرة تجاه النواة المتكئة. أتظنون أنها أعجبتهم؟ لقد أحبوها لدرجة أنهم لم يقوموا بفعل أي شيء آخر. حتى أنهم نسوا الأكل والنوم. عند الجوع، كانوا يتجاهلون الأكل الموجود ويقومون بالضغط على قطعة الكروم، حتى أنهم تجاهلوا ممارسة الجنس. قامت الفئران بالضغط مرارًا وتكرارًا على الرافعة، حتى ماتوا من الجوع والإرهاق. ألا يذكرك ذلك الموقف بشيء؟ توفي رجل يبلغ ثلاثين عامًا في الصين بعد لعب ألعاب الفيديو لمدة ثلاثة أيام متواصلة. ورجل آخر في كوريا بعد لعب ألعاب الفيديو لمدة 50 ساعة متواصلة، توقف فقط عند الإصابة بالسكتة القلبية.
في كل مرة نقوم بإرسال بريد إلكتروني بطريقة أو بأخرى، نشعر بالإنجاز، وتأخذ أدمغتنا جرعة من هرمونات التكريم لتقول لنا أننا أنجزنا شيئًا. في كل مرة نتفقد تحديثات تويتر أو فيسبوك نشعر بأننا قمنا بالتواصل الاجتماعي ونأخذ جرعة أخرى من هرمونات المكافأة. ولكن تذكر، أن الذي يصدر ذلك الشعور بالسعادة هو الجزء المغفل من المخ، والذي يتحكم في الأعصاب الطرفية، وليس جزء التخطيط أو جزء الأفكار في قشرة الفص الجبهي.لا تقع في خطأ المتابعة المستمرة للبريد الإلكتروني وتويتر وفيسبوك، إنه يسبب الإدمان.
يشار الى ان هذه الدراسة مترجمة سابقا عن الغارديان بعنوان:
Why the modern world is bad for your brain/byDaniel J Levitin
المصدر: صحف ومواقع اخبارية
في عصر البريد الإلكتروني والفيسبوك وتويتر، مطلوب منا جميعًا أن نقوم بإنجاز مهام مخلفة في نفس الوقت. ولكن تعدد المهام المستمر يقرع ناقوس الخطر. يشرح لنا هنا عالم الأعصاب دانيل ج.ليفيتين كيف يؤثر إدماننا للتكنولوجيا على كفاءتنا.
أدمغتنا مشغولة عن أي وقت مضى. نحن منهمكون بالحقائق والحقائق الزائفة والشائعات والتي تأخذ جميعها شكل المعلومات. مرهقة هي محاولة معرفة ما يتوجب عليك معرفته وما يمكنك إهماله. بينما في نفس الوقت جميعنا يعمل المزيد فوق طاقته. منذ ثلاثين عامًا، قامت شركات السفر بحجز تذاكر الطيران والقطارات لنا، كان البائعون يساعدوننا في الوصول إلى ما نريد أثناء التسوق، كما ساعد السكرتير أو الكاتب في إدارة أعمال من كان لديهم أعباء في عملهم. أما الآن، فنحن نفعل كل ذلك بمفردنا. نقوم بعمل كان يقوم به 10 أفراد مختلفين بينما نحاول في نفس الوقت أن نعيش حياتنا مع الأبناء والآباء والأصدقاء والوظيفة والهوايات وبرامجنا التليفزيونية المفضلة.
أصبحت هواتفنا الذكية مثل “سكين الجيش السويسري” بكثرة تطبيقاتها التي تشمل القاموس، والآلة الحاسبة، وبرامج التصفح، والبريد الإلكتروني، والألعاب، وجدول الأعمال، ومسجل الصوت، ومنظم الصوتيات، والتنبؤ بحالة الطقس، وبرنامج تحديد الموقع، والبرامج الكتابية، وتويتر وفيس بوك، وحتى تطبيق مصباح الإضاءة. أصبح الهاتف الذكي أكثر قوة وتطورًا من أكثر أجهزة الحاسب الآلي تطورًا منذ 30 عامًا لدى شركة آي.بي.إم IBM. نقوم باستخدام جميع تلك التطبيقات في كل وقت، كجزء من الشغف بمعرفة كل شيء في كل لحظة فراغ في حياتنا في القرن الحادي والعشرين. نكتب في برامج المحادثات أثناء عبورنا الطريق، نرد على بريدنا الإلكتروني أثناء فترات الانتظار في الطوابير، حتى عندما نجتمع مع الأصدقاء لتناول وجبة الغداء، نبدأ في اختلاس النظر في هواتفنا لنرى ماذا يفعل أصدقاؤنا الآخرون. نكتب أمام دفء وأمان أجهزة المطبخ في مساكننا قائمة التسوق على هواتفنا الذكية أثناء استماعنا للمعلومات المذاعة.
يعتبر ذلك مثل السم في العسل. بينما نعتقد أننا نقوم بعمل أكثر من عمل في نفس الوقت، يعد ذلك قوة ووهمًا شيطانيًّا. يقول “إيرل ميلر”، أحد علماء الأعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد خبراء العالم في تشتت الانتباه؛ “إن أدمغتنا ليست مصممة لتعدد المهام جيدًا… عندما يظن الناس أنهم يقومون بالعديد من المهام في نفس الوقت، فإنهم في حقيقة الأمر يبدلون بين المهمة والأخرى في وقت سريع جدًا. تكلف تلك الطريقة إدراكهم في كل مرة يقومون بها”. في حقيقة الأمر، إننا لا نقوم بترك الكثير من الكرات معلقة في الهواء مثل البهلوان، بينما نفعل مثل أحد هواة لعبة إدارة الأطباق، ننتقل بجنون من مهمة إلى أخرى، مهملين بذلك المهمة التي ليست أمامنا في تلك اللحظة، ولكن في نفس الوقت قلقون أن تنهار في أي وقت. يجعل تعدد المهام في آن واحد منا أقل كفاءة بشكل واضح، بالرغم من اعتقادنا بأننا نقوم بالكثير من الأعمال.
** وجِد أن طريقة تعدد المهام تزيد من إنتاجية هرمون الضغط الكورتيزول وهرمون الأدرينالين، والذي يقوم بإثارة الذهن ويسبب التشتت الذهني وتشوش التفكير. يخلُق تعدد المهام إدمان رد فعل الدوبامين، والذي يبدأ في مكافأة المخ على فقد التركيز وعلى البحث المستمر عن المثيرات الخارجية. الأسوأ من ذلك، لدى القشرة المخية قبل الجبهية انحياز مستجد، بمعنى إمكانية سرقة الانتباه بسهولة عن طريق أي شيء جديد – مثلما تحاول لفت انتباه الأطفال أو الجرو أو الهرة بشيء لامع. ما يدعو للسخرية ممن يحاولون منا التركيز وسط الأنشطة التنافسية واضح: الجزء من المخ الذي نحتاج الاعتماد عليه من أجل أن نُبقي تركيزنا على مهمة واحدة أصبح سهل التشتت. نرد على الهاتف، نتصفح شيئًا على الإنترنت، نفحص بريدنا الإلكتروني، نبعث برسالة نصية، وكل من تلك الأشياء يُعدل على مراكز المخ التي تطلب المكافأة وتطلب التجديد، متسببة في انفجار الأفيونيات الذاتية (لا عجب أنها تبدو جيدة!)، كل ذلك على حساب بقائنا منتبهين في مهمة واحدة. إنها أقصى حلوى مخية خالية من السعرات الحرارية. بدلًا من جني المكافآت الكبيرة الآتية من المجهود المُركز المؤدى ببراعة، نجني المكافآت الفارغة من آلاف المهمات المغلفة بحبات السكر الصغيرة.
عندما كان يرن جرس الهاتف قديمًا ونحن مشغولون، كنا إما نتجاهل الاتصال ولا نرد، وإما نغلق صوت الهاتف. عندما كانت الهواتف سلكية وموصلة بالجدران، لم يكن من المتوقع الوصول لنا في أي وقت، وبالتالي فإنه كان من الطبيعي أن لا يستطيع أحدهم الوصول إليك أو أن لا ترغب في الرد. أما الآن، فالناس يمتلكون الهاتف قبل دورة المياه. أعطى ذلك توقعًا باستطاعتك الوصول لمن ترغب إليه وقتما تريد أن تصل إليه، بغض النظر عن كون ذلك التوقيت مناسبًا لمن تحاول الوصول إليه أم لا. رسخ ذلك التوقع عند الناس فكرة أن يقوموا بالرد علي هواتفهم المحمولة أثناء الاجتماعات فقط لقول “عفوًا، أنا في اجتماع ولا يمكنني الرد الآن”. اختلفت كثيرًا توقعات سهولة الوصول لوسائل الاتصالات عما كانت عليه منذ عقد أو اثنين، نفس هؤلاء الأشخاص كانوا سيتركون الهاتف بدون رد أثناء الاجتماعات.
وجود الفرصة لتعدد المهام مضر للأداء الإدراكي. يسميها “جلين ويلسون”، الأستاذ السابق لعلم النفس من كلية جريشام؛ بالهوس المعلوماتي. وجد في أبحاثه أن في حالة محاولتك للتركيز في مهمة بينما توجد رسالة في صندوق الوارد غير مقروءة قد تقلل من كفاءة معدل ذكائك بـ10 نقاط. بالرغم من أن الناس ينسبون الكثير من الفوائد للماريجوانا، منها تحسين الإبداع وخفض الآلام والضغط، وثق أن “القنب”، وهو المكون الأساسي للماريجوانا، يُنشط المستقبلات المُخصصة للقنب في المُخ ويتداخل بشكل كبير مع الذاكرة ومع قابليتنا على التركيز في أشياء مُختلفة في نفس الوقت. كشَف “ويلسون” أن فقد الإدراك والتركيز من تعدد المهام أكبر من فقد التركيز بسبب تدخين الشيشة.
وجد “روس بولدتراك”، أحد علماء المُخ والأعصاب في ستاندفورد، أن أخذ المعلومات أثناء تعدد المهام يُسبب تخزين المعلومات الجديدة في المكان الخاطئ في المخ. على سبيل المثال، مُذاكرة الطلاب ورؤيتهم للتلفاز في نفس الوقت تُذهب المعلومات الدراسية إلى السترياتوم (الجزء المُخطط)، وهو جزء في المخ مخصص لتخزين المهارات والإجراءات الجديدة ولا يستخدم لتخزين الحقائق والأفكار. أما بدون تشتيت التلفاز، تذهب المعلومات إلي الهيبوكامبوس (الجزء الحصين)، حيث يتم تنظيمها وتقسيمها بمختلف الطرق، مما يجعل استرجاعها أسهل. يضيف “إيرل ميللير” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “لا يستطيع الناس القيام بمهام متعددة في نفس الوقت بطريقة جيدة، حتى عندما يقولون أنهم يستطيعون، فإنهم يخدعون أنفسهم”. والمخ مُخادع جيد.
ثم يأتي دور الأيض. طلب نقل الانتباه من نشاط لآخر من المخ يتسبب في حرق الجلوكوز المؤكسد من قبل قشرة الفص الجبهي والسترياتوم، وهو نفس ما يحتاجونه لتكملة مهمة واحدة. يتسبب التنقل المستمر الذي نقوم به عند تعدد المهام في جعل المخ يحرق الكثير من وقوده بسرعة حتى نشعر بالتعب والإرهاق بعد وقت قليل. لقد استنزفنا العناصر الغذائية في المخ. يؤدي ذلك إلى خلل في التركيز والكفاءة البدنية. يؤدي التنقل المستمر بين المهام إلى القلق، والذي يرفع درجة هرمون الكورتيزول المسؤول عن الإجهاد في المخ، والذي قد يؤدي إلى تصرفات عنيفة ومندفعة. على الجانب الآخر، تتحكم الحزامية الأمامية والسترياتوم في البقاء بتركيز على مهمة واحدة، ويؤدي التركيز على مهمة واحدة إلى استهلاك طاقة أقل وتقليل احتياج المخ من الجلوكوز.
يتطلب تعدد المهام في آن واحد القدرة على اتخاذ القرار: هل يجب أن أرد على تلك الرسالة النصية أم تركها؟ كيف أرد عليها؟ كيف أقوم بترتيب تلك الرسالة البريدية؟ هل يجب أن أستكمل ما أقوم بعمله الآن أم أحصل على استراحة؟ يتضح أن اتخاذ القرار صعب على الموارد العصبية وأن القرارات الصغيرة تتساوى في استهلاك الطاقة مع القرارات الكبيرة. التحكم في الانفعالات هو أول الموارد التي نفقدها. من الممكن أن ينتهي بنا الحال باتخاذ قرارات سيئة للغاية بخصوص مواضيع مهمة. لماذا إذًا يرغب أحدهم في إضافة أعباء على المعلومات التي يستقبلها يوميًا بسبب تعدد المهام؟
عند مناقشة موضوع عبء المعلومات الزائدة مع القادة الـ500 من مجلة “فورتشن” Fortune ومع العلماء والكتاب والطلبة ورواد الأعمال الصغيرة، تأتي مشكلة البريد الإلكتروني مرارًا وتكرارًا. ليست المشكلة في البريد الإلكتروني كفلسفة في تضيع الوقت، ولكن المشكلة تكمُن في الأعداد الجنونية للرسائل الواردة. عندما سُئل ابن زميل لي في دراسة علم الأعصاب يدعى “جيف كوجيل” (رئيس معمل الجينات المؤلمة في جامعة ماكجيل) عن عمل والده، قال “إنه يجيب على رسائل البريد الإلكتروني”. أقر “جيف” بعد التفكير أن ما قاله ابنه مقارب للحقيقة. يشكو العاملون بالحكومة والصناعة أن العدد الهائل من رسائل البريد الإلكتروني التي يستقبلونها تأخذ وقتًا كثيرًا من يومهم. نحن نشعر بأننا مجبرون على الرد على تلك الرسائل، ولكن يبدو أمر عدم الرد والإهمال مستحيلًا.
كان يتوجب عليك بذل بعض الجهد لإرسال رسالة لأحد قبل وجود البريد الإلكتروني. كنت لتجلس منتبهًا معك قلمك وورقة أو ربما آلة كاتبة لتقوم بكتابة رسالة. لم يكن هناك ذلك الوسط الذي يجعلك تقوم بتسجيل الملحوظات بدون إعطائها التفكير والانتباه اللازم، كان من قبل يتوجب عليك القيام ببعض الطقوس لكتابة الملحوظات وإيجاد وإرسال جواب وإضافة الطوابع البريدية وأخذ الجواب إلى صندوق البريد. بسبب تلك الخطوات الطويلة التي وجدت والوقت الذي تستهلكه، كنا لا نذهب لذلك الاختيار إلا عند الحاجة الملحة والضرورية. أما رسائل البريد الإلكتروني، فبسبب فوريتها ومجانيتها، نقوم بكتابة كل ما يخطر على بالنا ونرسل فورًا.
بالطبع أنت قُمت بتسديد فاتورة اتصالك بالإنترنت وقُمت بشراء الحاسوب الشخصي، ولكن لن يُكلفك البريد الإلكتروني الذي سترسله أي أعباء مادية إضافية. بالمقارنة بالجوابات البريدية، والتي كانت تتكلف لكل جواب قيمة الظرف والطوابع البريدية وربما الذهاب إلى مكتب البريد، فإنه كان يتطلب منك التفكير مليًا قبل إرسال جواب. سهولة إرسال رسائل البريد الإلكتروني، قلل من اللباقة المستخدمة عند طلب شيء ما من الآخرين. يقول أحد الأساتذة: “الكثير من رسائل البريد الإلكتروني التي أستقبلها تكون من أشخاص ربما لا أعرفهم يطلبون أشياء ربما تكون غير مرتبطة بمجال عملي أو بعيدة عن العلاقة التي تربطني بهم. جَعَل البريد الإلكتروني السؤال أمرًا سهلًا ظاهريًا حتى وإن استحال ذلك السؤال في مكالمة هاتفية أو وجهًا لوجه أو بالبريد العادي”.
توجد اختلافات مهمة بين البريد العادي والبريد الإكتروني من حيث جهة الاستقبال. قديمًا، كنت تقوم بفحص صندوق البريد الوارد ربما مرة واحدة يوميًا، ولم يكن من المتوقع أن ترد على الفور لأن عملية الإرسال كانت تستغرق أيامًا، فإذا كنت تقوم بعملٍ ما، كنت لتكمله قبل التفكير في الرد على الرسالة، وربما تركت البريد الوارد في الصندوق خارج المنزل أو على المكتب. أما الآن، تتطلب معظم رسائل البريد الإلكتروني القيام برد فعل معين، مثلًا أن تقوم بالنقر على الرابط لترى فيديو لدبة صغيرة، أو يجب عليك أن تقوم بالرد على استبيانٍ ما من أحد العاملين معك، أو وضع خطة لمقابلة صديق، أو حذف الرسائل غير المرغوب بها. كل تلك الأنشطة تُعطينا إحساسًا زائفًا بالإنجاز، وربما نحن حقًا نقوم بإنجاز، ولكنه غير دقيق، نحن نفقد الدقة والتركيز عند تشتيت أولوياتنا برسائل البريد الإلكتروني.
حتى وقت قريب، كانت وسائل الاتصالات التي نستخدمها لها جميعًا أهميتها وسبب وجودها. كان إذا أرسل لك شخص يحبك قصيدة أو أغنية، كنت لتسعَد حتى قبل رؤية الرسالة، كُنت لتتوقع المحتوى والتأثير العاطفي للرسالة. بينما إذا أرسل لك نفس الشخص استدعاء من محكمة، كُنت لتتوقع محتوى مُختلفًا تمامًا حتى قبل قراءة الدعوة. كانت وسيلة الإرسال دليلًا على محتواها. تغيير كل ذلك بسبب رسائل البريد الإلكتروني، حيث أنه يستخدم في كل شيء، ويُعد ذلك من سلبياته. قديمًا، كان بإمكانك تقسيم بريدك إلى قسمين، رسائل وفواتير. وإذا كنت مدير شركة، فربما تقوم بتقسيم رسائل هاتفك لمعاودة الاتصال. بينما رسائل البريد الإلكتروني تُستخدم لجميع أنواع الرسائل. لذلك نقوم بفحص رسائل بريدنا الإلكتروني باستمرار، لأننا لا نعلم أتحمل تلك الرسالة سؤالًا أو فاتورة أو قائمة أعمال، وهل تتطلب تلك الرسالة ردًا فوريًا أم تأجيلًا، وهل سيترتب عليها تغييرًا جذريًا في الحياة!
تُشيع تلك الشكوك وعدم التأكد من محتوى الرسائل بعض الخسائر في نظامك، كما تسبب الضغط وتؤدي إلى عبء اتخاذ القرار. كل رسالة بريد إلكتروني تحتاج إلى قرار! هل يجب أن أقوم بالرد؟ الآن أم لاحقًا؟ هل هي حقًا مهمة؟ ما التأثير الاجتماعي أو الاقتصادي أو العملي المترتب على عدم الرد إطلاقًا أو عند تأجيل الرد؟
يرى الشباب تحت سن الثلاثين أن البريد الإلكتروني صار وسيلة اتصالات قديمة، حل محلها الرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أتاحت تلك المواقع إضافة الملفات والصور والفيديوهات والروابط إلى الرسائل النصية والمشاركات على الفيسبوك، بنفس الطريقة التي يتعامل بها من هم فوق الثلاثين مع البريد الإلكتروني. حتى أن بعض من هم دون العشرين الآن يرون الفيسبوك هو وسط تواصل الأجيال القديمة.
صارت لديهم الرسائل النصية على تطبيقات التواصل الاجتماعي هي وسيلة الاتصال. حيث ستحصل على خصوصية لن تحصُل عليها من المكالمات الهاتفية، وفورية لن تحصل عليها من البريد الإلكتروني.
تظهر أيضًا بعض العيوب لدى الرسائل النصية على تطبيقات التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال فهي تفتقد عند النقاش إلى التفاصيل والنقاش المُثمر. تأخذ رسائل البريد الإلكتروني بعض الوقت حتى يتم إرسالها وتحتاج لفتحها إلى الدخول على البريد، أما رسائل تطبيقات التواصل الاجتماعي، فتظهر على الفور على شاشة هاتفك لتجذب انتباهك. أضف إلى ذلك أن ذلك النوع من الرسائل يُضاف إليه بُعد اجتماعي يلزمك بالرد عند رؤيتك للرسالة. أنت تقوم بالرد، وتشعر بأنك أزحت مهمة من عليك وأنهيتها (حتى ولو كانت تلك المهمة غير مخطط لها منذ 15 ثانية فقط). ينطلق الدوبامين مع كل إنجاز من تلك الإنجازات الزائفة صائحًا “أنا أريد المزيد! أريد إنجاز المزيد من تلك المهمات”.
في تجربة شهيرة قام بها الزملاء من علماء الأعصاب، بيتر ميلنر وجايمس أولدز من جامعة McGill، حيث وضعوا قطبًا كهربائيًّا في مخ فأر، على هيئة الجهاز الطرفي المسمى بالنواة المتكئة. يقوم ذلك البناء بتنظيم إنتاج الدوبامين وهي المنطقة التي تُنير عندما يفوز المقامرون في الرهان، وينير عندما يتعاطى مدمنو الكوكايين، أو عند النشوة كما سماها أولدز وميلنر “مركز السعادة”. وجدت رافعة في القفص لتسمح للفئران بإرسال إشارة كهربية صغيرة مباشرة تجاه النواة المتكئة. أتظنون أنها أعجبتهم؟ لقد أحبوها لدرجة أنهم لم يقوموا بفعل أي شيء آخر. حتى أنهم نسوا الأكل والنوم. عند الجوع، كانوا يتجاهلون الأكل الموجود ويقومون بالضغط على قطعة الكروم، حتى أنهم تجاهلوا ممارسة الجنس. قامت الفئران بالضغط مرارًا وتكرارًا على الرافعة، حتى ماتوا من الجوع والإرهاق. ألا يذكرك ذلك الموقف بشيء؟ توفي رجل يبلغ ثلاثين عامًا في الصين بعد لعب ألعاب الفيديو لمدة ثلاثة أيام متواصلة. ورجل آخر في كوريا بعد لعب ألعاب الفيديو لمدة 50 ساعة متواصلة، توقف فقط عند الإصابة بالسكتة القلبية.
في كل مرة نقوم بإرسال بريد إلكتروني بطريقة أو بأخرى، نشعر بالإنجاز، وتأخذ أدمغتنا جرعة من هرمونات التكريم لتقول لنا أننا أنجزنا شيئًا. في كل مرة نتفقد تحديثات تويتر أو فيسبوك نشعر بأننا قمنا بالتواصل الاجتماعي ونأخذ جرعة أخرى من هرمونات المكافأة. ولكن تذكر، أن الذي يصدر ذلك الشعور بالسعادة هو الجزء المغفل من المخ، والذي يتحكم في الأعصاب الطرفية، وليس جزء التخطيط أو جزء الأفكار في قشرة الفص الجبهي.لا تقع في خطأ المتابعة المستمرة للبريد الإلكتروني وتويتر وفيسبوك، إنه يسبب الإدمان.
يشار الى ان هذه الدراسة مترجمة سابقا عن الغارديان بعنوان:
Why the modern world is bad for your brain/byDaniel J Levitin
المصدر: صحف ومواقع اخبارية
تعليق