تفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ
وردت هذه الكلمة (تفْتَأُ)في القرءان الكريم مرة واحدة في سورة يوسف في قوله تعالى:
(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أو تكون من الهالكين)
قال المفسرون في معنى الآية أي لا تزال تذكر يوسف ولا تفتر من حبه وهذا التفسير هو اعتبار تفتأ بمعنى تزال والنفي(لا) قبلها محذوف وهي كما قالوا مرادة من الكلام.
هذه الكلمة هي وصف لحالة يعقوب عليه السلام بعد أن تولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم فوصف أبناؤه حالته هذه بقولهم (تفتأ تذكر يوسف) فهم يريدون من أبيهم أن تثبت عنده فكرة ضياع يوسف وانتهاء أمره إلا أن أباهم لم يتفعل في نفسه هذا المحتوى ولم يسلم لهم بضياع يوسف بل استبدل هذا المحتوى الذي أرادوه بمحتوى آخر وهو الأمل بعودة يوسف سالما ويؤيد هذا الفهم قولهم (تذكر) وهو ليس تذكرا لأحداث طفولة يوسف وإنما هو دوام الأمل بعودته سالما
فكلمة تفتأ تعني استبدال يعقوب الفاعلية النفسية والعقلية التي أراد أبناؤه ترسيخها في نفسه وهي ضياع يوسف بفاعلية بديلة عنها وهي الأمل في عودته. وهذا المعنى يقتضي رسم الكلمة على القياس(تفتا) إلا أن الكلمة رسمت في القرءان الكريم على غير القياس بحيث استبدلت الألف بالواو وتأخرت الألف(تفتوا) ، وهذا يدل على معنى زائد على معنى الكلمة فهي ليست مجرد استبدال محتوى فاعلية بمحتوى فاعلية بديلة بل هناك معنى آخر مستفاد من حرف الواو وهو امتلاك يعقوب عليه السلام رابط الاستبدال مما فعل عنده الأمل بعودة يوسف سالما وهذا الرابط ظاهر في قوله (وأعلم من الله ما لا تعلمون)
قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (سورة يوسف 85 - 86)
وفي هذه الآية بهذا الرسم علم كبير وهو أن من يستبدل محتوى فاعلية عقلية أو نفسية بمحتوى فاعلية بديلة دون امتلاك رابط الاستبدال سوف ينتهي به الحال إلى أن يكون حرضا أو يكون من الهالكين.
الـ(حرض) قالوا هو فساد الجسم والعقل ، والمعنى الأدق للحرض هو الخروج الفائق عن حيازة الصحة والعقل بحيث يهده المرض هدا حتى يفقده عقله. وهذا فيه بيان أن تغيرات بيولوجية تحدث في جسمه تؤدي به إلى هذه الحالة.
من الـ (هالكين) من روعة الرسم القرءاني أن رسمت هذه الكلمة من غير ألف (هلكين) وهي وإن كانت كلمة (الهالكين) بالألف تعني الميتين إلا أن حذف الألف من الرسم تفيد نقصا في المعنى أي ما دون الموت فالآية لا تقول (حتى تكون حرضا أو تكون هالكا) مع أن السياق يقتضي ذلك لو كان القصد هو الموت ، إلا أن حذف الألف أدى إلى معنى آخر هو وصف الحالة ما قبل الموت ، وهذه الحالة يمكن تصورها عند تصور حالة الحرض وهي الفقدان شبه التام للصحة والعقل فيمسك جسم صاحب هذه الحالة بعملية تبادلية دائمة بين فقدان العقل وفقدان الصحة وهي حالة أشبه ما تكون بالموت السريري .
تعليق