نزول القرءان في رمضان .. كيف يكون ؟
تاريخ تسمية رمضان فيه اختلاف حاد فمنهم من قال انه مسمى سماه الجد الخامس للرسول عليه افضل الصلاة والسلام بـ (شهر رمضان) لاشتهار شدة الحر فيه وءاخرون قالوا ان اسمه كان (شهر ناتق) واكثر المؤرخين ذكروا ان (الرمضاء) تعني الارض الساخنة وهو سبب تسمية رمضان الا ان ذلك التخريج يتجافى مع حقيقة الاشهر القمرية لانها تدور على الفصول الاربعة بسبب الفارق الزمني بين دورة القمر حول الارض ودورة الارض حول الشمس فـ 12 شهر قمري لا تساوي 12 شهر شمسي وبينهما فارق سنوي قرابة 11 يوم .. الوصول الى مقاصد التسمية يجب ان تقوم في القرءان نفسه فالتاريخ يحمل ما لا يركن اليه
لفظ (رمضان) في لسان عربي مبين مبني على عربة نطق معروفة فنقول (سعف .. سعفان) (نعس .. نعسان) (عطش .. عطشان) (غضب .. غضبان) فاضافة (الالف والنون) على الصفة هو منطق مستخدم في اللسان العربي (المبين) وعلينا ان نتدبر بيانه فالقرءان معنا وفطرة النطق فينا
رمض .. رمضان .. قيل في رمض انها الحرارة الا ان ذلك القول لا يركن له لانه غائب عن فطرة النطق في الناس فهو (قصد تاريخي) اختص باهله الا ان (المنطق الفطري) يبقى ساريا عبر الاجيال ولا يتوقف نتيجة لـ التقادم الزمني ... منهج البحث في القرءان والمنشور في المعهد قائم على قيمومة ان يكون لـ بيان الحرف مخرجا فكريا في معرفة المقاصد الالهية الشريفة في الالفاظ القرءانية عندما تتغيب الفطرة في منطق محدد وهو ما اطلق عليه (علم الحرف القرءاني) فلفظ (رمض) في علم الحرف يعني (خروج حيازة وسيلة تشغيليه) اي ان الحيازة لوسيلة تشغيل غائبة (خارج الصفه) فاذا عرفنا ان النهار معاشا بنص قرءاني { وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } واذا ادركت عقولنا ان المعاش له (وسيلة تشغيل) في النهار فان الوسيلة التشغيلية حين تستبدل الى وعاء الليل فهو يعني ان تلك الوسيلة التشغيلية في المأكل خرجت من الحيازة فكان كتاب الصيام (كلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود) فهو اذن (شهر رمضان) لاشتهاره بالصوم
بنفس التفصيل الفكري فان نزول القرءان في العقل البشري وليس نزوله كمصحف كما يتم تنزيل برنامج الكتروني في الحاسبة (مثلا) يحتاج الى (خروج وسيله) من الحيازه لاستبدالها بـ وسيلة اخرى وهي راشدة مبنية على دخول حرف النون على لفظ رمضان (رمض .. رمضان) فحرف النون في علم الحرف القرءاني مبني على قصد (التبادل) سواء كان استبدال او تبادل الصفة المتكرر مثل لفظ (نوم) ففيه تبادل صفة تشغيلية بين الصحو والنوم بشكل متكرر واذا افتقد التكرار الدائم فهو استبدال فوعاء المأكل في رمضان يستبدل من وعاء النهار بوعاء الليل في المأكل وفي القرءان يتم استبدال (المقاصد) من لسان الناس الى لسان القرءان العربي المبين فمن يقرأ القرءان بلسان قومه لن يتم تنزيل القرءان في عقله وان (استبدل) لسان قومه بـ مقاصد الالفاظ برسمها المسطور في القرءان فان عملية تنزيل القرءان في العقل البشري تنساب انسيابا تكوينيا مبينا وتنهي ازمة الاختلاف في القرءان ذلك لان توحيد طيف معالجة النص القرءاني تتوحد ضمن خامة خطاب قرءاني ثابت
شهر .. لفظ في مقاصد (الشهرة) فشهر ذي الحج هو وعاء زمني فيه الحج فاشتهر بين الناس باسمه الموصوف بشهرته ومثله شهر رمضان المشهور باستبدال المأكل من وعاء نهاري الى وعاء ليلي فكان شهر رمضان واذا اردنا ان نرسخ تلك الراشدة الفكرية في عقولنا فان حضورا مبينا لفطرة العقل تستحضر معنا في تسمية الاشهر بـ تسمية تختص في طورها التسلسلي من (1 ـ 12) عند دورة القمر حول الارض في الاشهر القمرية او الاشهر السنوية وتعتمد التسلسلية على بدء السنة فاذا ثبت الانسان بديء السنة في تموز (مثلا) فيكون مشهور بانه (شهر 1) ومثل تلك الصفة قائمة (الان) ففي الدولة المدنية يعتبرون بداية السنة تبدأ من (شهر كانون الثاني) وهو (شهر 1) وتبدأ التسلسلية منه الا ان ايران واقاليم الشرق قديما يعتمدون تقويما يبدأ بتعداد مختلف وبداية سنة مختلفة ويطلق عليها اسم (التقويم الشرقي) وهو يعتمد في مواقيت الزراعة ويرتبط بدورة الارض حول الشمس .. كل امة تسمي الاشهر بما (اشتهر) في صفة محددة ولا يوجد قانون ينضبط في تسمية الاشهر سوى (شهرة صفة) فيه فيكون (شهر) مشهور بصفته فيقوم اسمه من تلك الصفة المشهورة وهي معالجة تتطابق مع فطرة النطق وواقع حال تسمية الاشهر وهي من تخريجات اللسان العربي المبين الذي يمثل خامة الخطاب القرءاني الشريف
لفظ (شهر) في علم الحرف القرءاني يعني (وسيلة فاعليات متعددة متنحية دائمة) ودوام تلك الفاعليات المتنحية بوسيلتها تقيم مبدأ الشهرة فمن يمارس وسيلة فاعليات متعددة متنحية عن غيره يكون مشهورا مثل (كاتب القصة) او (الشاعر) فمن يكتب قصة واحدة او اثنين لا (يشتهر) بصفته كاتب قصصي لان وسيلته تلك ليست دائمة الحضور ومن يشتهر في بعض ابيات الشعر لا يشتهر كـ (شاعر) ومثلها مسميات الاشهر اشتهرت لانها حملت وسائل لفاعلية متعددة دائمة مثل ذي الحج وفيه موسم الحج وشهر محرم الذي حرموا فيه القتال بل هي (غزوات) اما بقية الاسماء مجهولة الشهرة والتاريخ لا ينفع في معرفة حقيقة ما اشتهر فيها الا ان مسمياتها (اليوم) هي (مشهورة) بين الناس الا انها لا ترتبط بالبيئة لان الاشهر القمرية تدور على الصفات البيئية فهي غير ثابتة الشهرة بيئيا بما يختلف عن الاشهر الشمسية التي تثبت فيها دورة البيئة فتبقى اسماء الاشهر القمرية قائمة بما اشتهرت بها عند نشأت مسمياتها ونحن نسميها على مبدأ مناقلة المقاصد من تاريخها عدا شهر (رمضان) فهو ثابت بثبوته في نص قرءاني ومسمى قرءاني لا يمكن ان يكون لفظ اصطلاحيا او مجازا لانه ثابت ثبوت القرءان .. في شهر رمضان شهرتان (الاولى) استبدال مشغل الاكل من وعاء نهاري الى وعاء ليلي وفيه الصوم و (الثاني) استبدال المقاصد من مقاصد الناس الى مقاصد الله في خامة الخطاب (لسان عربي مبين) ومن تلك الفاعلية يتم تنزيل القرءان وهو ليس التنزيل الاوحد ففي القرءان (انا انزلناه في ليلة القدر) وهي عملية تنزيل قرءاني ايضا وهو تنزيل تكويني وليس تنزيل مقيد بميقات زمني
ليلة القدر في التكوين
القرءان (لايمسه الا المطهرون) وهو لا يعني التطهير من النجاسات كما قيل في ذلك لان من يتطهر جسديا لا يضمن مساس القرءان بل يعني التطهر من (الشوائب) التي تدخل على فطرة النطق فتشوه المقاصد الالهية فلا يدرك العقل مقاصد الله فهو التطهر من شوائب مقاصد الالفاظ ليتم تنزيل القرءان في العقل البشري لان القرءان للبشر وليس لغيرهم من المخلوقات والكلام كلام الله مرتبط ربطا مباشرة بفطرة النطق لذلك لا يمكن ترجمة القرءان وعلى غير العربي تكليف ملزم ان يقرأ القرءان بعربيته دون تحريف وهي مذكرات ترسخ المراشد الفكرية المسطورة اعلاه ويضاف اليها ان التطهر يشمل ايضا صفاء العقل من رجس الشك بالقرءان فالقرءان ان اخذ على محمل (الظن) فلا يقوم الطهر ولا يقوم المساس العقلي مع القرءان
يقع التنزيل القرءاني في العقل عند التطهر من علقات المقاصد البشرية وشوائب الظن به وعند استبدال تلك المقاصد بمقاصد الله في القرءان وحين يرسخ عند القاريء يقين عقلاني (انه كل من عند ربنا) فيكون تنزيلا تكوينيا يقع في (صفة رمضان) كـ (شهر) له شهرة دائمة لا ترتبط بوعاء زمني وهي شهرة الزامية مثل (الحروف المقطعة) فهي في باب من بوابات العقل (اختصاص قرءاني) يعلن انفراد القرءان بما هو (خارج حيازة سنن الكلام عند العرب) وينطبق عليه قصد الحرف (ض) في رمضان الصفة بشكل دائم (مشهور) في (شهر رمضان) وهو شهر لا يقع في وعاء زمني بل في (حاوية بيان) اي (اشتهار الصفة الرمضانية) في (تنزيل القرءان) الا ان المشهور عند الناس هو (التفسير) وليس (التنزيل القرءاني) وذلك بسبب (هجر القرءان) واحتظان كلام المفسرين المبني على (لسان العرب) ومعاجم اللغة وقواميسها فلا يوجد تفسير الا وهو مبني على (رواية) وهو قول منقول او مبني على نقل مقاصد الالفاظ من لسان العرب ..
شهر ذي الحج مثلا لا يشترط ان يكون في قول لـ قصد بل (صفة ذي الحج) هي مركز الصفة وليس وعاء الزمن لشهر ذي الحج ومثلها (شهر رمضان) فهو في تنزيل القرءان (شهرة صفة التنزيل) وفي الصيام (شهرة الصيام) وهما لا يقعان في وعاء زمني محدد فـ صيام المريض يكون عدة من ايام اخر خارج وعاء هلال رمضان وكذلك صوم الكفارات او صوم النافلة لا يقع في زمن محدد الا ان هنلك وعاء زمني لدورة قمرية لـ الصوم الا انها ليست شرطا حكاما في كينونة الصوم بل هو (اختيار) يجمع عليه الصائمين يقع بين هلالين وعاء زمني يتم دورة قمرية كاملة حول الارض مثله (التنزيل القرءاني) فهو لا يرتبط بهلال شهر رمضان الزمني اذي اشتهر بالصوم بل يرتبط بـ (صفة رمضان) التي تستبدل المقاصد عند قراءة القرءان من مقاصد البشر الى مقاصد الله في الفاظ القرءان ولعل اكبر الدلائل نورا في العقل هي الحروف المقطعة في القرءان لانها (خارج سنن كلام العرب) بشكل تام
تلك المعالجات قامت على تكليف الهي ورد في القرءان
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (سورة محمد 24)
الحاج عبود الخالدي
تعليق