الحاقة * ما الحاقة * وما ادراك ما الحاقة
من أجل قرءان يقرأ يوم الحاجة اليه
من أجل قرءان يقرأ يوم الحاجة اليه
{ الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } (سورة الحاقة 1 - 6)
من المستقرات الفكرية عند المسلمين ان اي عقوبة إلهية موجهة الى فئوية بشرية يحملون صفات الكفر او تكذيب الرسل او عدم طاعة الله ورسوله قال بها القرءان يتم إيكال زمنها الى يوم القيامة (بعد الموت) اما اذا كانت جماعية لـ (قوم) موصوفين بمسميات قرءانية خاصة فيتم ايكالها الى زمن وقع في بطن تاريخ مضى وانها تخص قوم عاشوا في الماضي اهلكهم الله عقابا لهم بموصوفات تاريخية مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم صالح وغيرهم وسبب تلك المستقرات الفكرية هو من مصدر واحد وهو (مدرسة التفسير) التي ءإتلفت في ما بينها ءإتلافا سرى على محمل تقليد الاخرين في لغة مادة التفسير وقد سجل ذلك المسار الفكري ثباتا مركزيا في الفكر الاسلامي وانتقل الى ثقافة مجتمعية اسلامية على ان تلك العقوبات الالهية لـ الاقوام السابقة هي بيانات انذارية ان الله يعاقب الاقوام التي سبق وان خرجت عن طاعته او طاعة الرسل وذلك المسرب الفكري ضيع على المسلمين فرصة اقامة (الذكرى) من القرءان يوم حاجتهم اليه اما محاولات اقامة الذكرى في التاريخ والبحث عن قوم نوح وعاد وثمود ولوط وفرعون تاريخيا فقد قوضه الاختلاف في تاريخهم وكثير من صفاتهم ايما اختلاف وضاعت الصفة الدستورية التي يتميز بها القرءان كدستور دائم لـ المسلمين لينذر من كان حيا
من تلك العقوبات التي بينها القرءان وقيل انها اختصت لاقوام في التاريخ هي عقوبة سماها الله سبحانه بـ (القارعة) مرتبطة بمسمى سمي في قرءانه بـ (الحاقة) ففي الاية 4 من سورة الحاقة نقرأ (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) فالقارعة هي نتيجة لـ (الحاقة) حسب النص الشريف وفي (الحاقة) استفزاز فكري حيث جعلها الله سبحانه ءاية مستقلة اي ان لـ (الحاقة) بيان مستقل في ءاية مستقلة (منفصلة) تحمل رقم (1) من سورة الحاقة وبعدها ءاية مستقلة (ما الحاقة) وكأنها سؤال استفهام يليها استفهام ءاخر (وما ادراك ما الحاقة) ولذلك المنهج القرءاني دلائل تمنح الباحث (ادوات) بحث قرءاني متقدم في معرفة (مكونات الحاقة) كـ حاوية مستقلة ومفصلة في القرءان تفصيلا والتفصيل يقيم راشدة فكر ان هناك مصدرية ثلاثية في كشف كينونة الحاقة
الاول ـ هو كاشف يكشف مقاصد اللسان العربي المبين ـ الحاقة
الثاني ـ هو كاشف يكشف مصدرية قيام كينونة الحاقة ـ ما الحاقة
الثالث ـ هو كاشف يكشف رابط ماسكة الدراية بالحاقة وهو ادراكها ـ وما ادراك ما الحاقة
تلك الادوات الثلاث المستحلبة من منهج القرءان العظيم في بيانه قامت من معالجة (الايات المفصلات) التي تعتبر منهج قرءاني يديم زخم العلم القرءاني عند عقلانية الباحثين في ءاياته
{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (سورة الأَعراف 52)
القرءان حين يتم تدبره وتبصرة نصوصه يتحول الى (كتاب) فيه مكنونات خلق ترتبط بين عقل الانسان والقرءان لان القرءان مخصص لـ العقل البشري حصرا مرتبط بكتاب كتبه الله في خلق عقل الانسان ونشأة القرءان بحروفه والفاظه اي ان هنلك (مرابط تكوينية) وتلك المرابط التكوينية لها (مشغل) في كل من العقل والقرءان يقيم بيانه ومنها (التفصيل) لايات الله في القرءان على شكل (فصل) (منفصل) له (علة) تشغيلية في (علم) وهو موصوف بـ (هدى) ورحمة لمقومات تأمينية (لقوم يؤمنون) يقولون ءامنا به كل من عند ربنا !! فتفصيل الايات منهج قرءاني يرتبط بالعقل البشري كان لا بد من حضوره على هذه السطور استكمالا لبيان منهج علوم الله المثلى الذي حمله مشروعنا الفكري عموما
1 ـ الحاقة ... في لسان عربي مبين بنيت من جذر (حق) وهو في البناء العربي (حق .. حاق .. حاقة ... و .. و .. ) مثله في البناء العربي (عد .. عاد .. عادة .. سع .. ساع .. ساعة .. كف .. كاف .. كافة .. هل .. هال .. هالة .. و .. و .. ) .. لفظ حاق جاء في منطق الناس فنقول مثلا ان فلان حاق به مصاب كبير وفي القرءان
{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } (سورة الأَنعام 10)
لفظ (حاقة) في علم الحرف القرءاني يعني (حاوية فائقة لـ فاعلية ربط متنحية الفاعلية) فهي (حاوية فائقة السبب) لان السبب دائما يمتلك (فاعلية ربط متنحية الفعل) فاذا شاهدنا جدارا (حاق به) تصدع خطير مثلا فذلك يعني ان (ورائه سبب فيزيائي) ادى الى تصدع الجدار وانهياره وسبحانه اشار الى تلك الصفة الفائقة كمركز من مراكز الخلق
{ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } (سورة العنْكبوت 44)
لفظ (الحاقة) في علم الحرف القرءاني يعني (حاوية مكون) لـ (فاعلية ربط متنحية النشاط) لـ (فعل فائق) وهي (اسباب) ترتبط بـ التكوين في الخلق الذي خلقه الله فنحن نرى الخلق في صورته المجسمة المادية الا ان (اسباب التكوين) ذات الفاعلية الفائقة (متنحية عنا) ولعل ابرز ما يمكن طرحه للتوضيح هو العجز العلمي الكامل في عبور (سرعة الضوء) او تقليل سرعة الضوء لان من ورائه (فاعلية ربط متنحية النشاط لـ فعل فائق) لم يستطع علماء العصر رؤيته والتحكم به لانه (فعل فائق) يتمتع بفائقية تكوين لا يمكن تغييرها او اضعافها
2 ـ ما الحاقة .. وهي الاداة الثانية من منهج تفصيل الايات (الاية رقم 2 من سورة الحاقة) فاذا عرفنا الحاقة فهي لابد ان ترتبط بمشغل كوني يشغلها وقد جاء ذكره في الاية 2 من سورة الحاقة وهو لفظ (ما) (الحاقة) فهي ليست (ما) تساؤلية عقلانية محض بل هي جواب لقيام الحاقة في (فاعلية مشغل) وهي الترجمة الحرفية لـ لفظ (ما) وتلك الفاعلية التشغيلية هي التي تحرك (الاسباب) التي تقيم الحاقة بصفتها التشغيلية التي تشغل فاعلية الربط المتنحية الفائقة اي ان الاسباب تتفعل كينونة بشكل فائق عندما تقوم مصدريتها في قيمومتها (ما) فحمل بيانها (ءاية مستقلة) فقال ربنا (ما الحاقة) فعندما تحيق بهم قارعة فهي لن تكون عشوائية التشغيل بل تمتلك رابط تشغيلي يقيم الحاقة (ما الحاقة) حمله تفصيل ءاية منفصلة تحمل رقم من سورة الحاقة (ما الحاقة) وهي جزء لا يسقط من القرءان ولا يحق لاحد ان يدمجه بالاية التي قبلها او الاية التي بعدها لان تفصيل الايات (انفصالها) هو جزء من دستورية النصوص القرءانية لغرض بيانها لعقل يحمله البشر حصرا
3 ـ وما أدراك ما الحاقة ... من النص الشريف بصفته ءاية مستقلة يظهر ان علم الدراية اي (ادراك) الحاقة اي معرفة اسبابها يحتاج الى رابط فعال لتشغيلها (وما ادراك) فلفظ (وما) يعني في علم الحرف (فاعلية رابط تشغيلي) لا يقوم بتشغيل مكون الحاقة كما في الاية 2 من السورة بل يختص بتشغيل صفة ادراك قيامها وهو (معرفة اسباب الحاقة) بماسكات عقلانية ومادية بدلالة ظهور حرف (ك) في لفظ (أدراك) وهي الماسكة التي تقوم في العقل وتنقلب الى المادة فـ (الادراك الفكري) يرتبط بـ (الادراك المادي) لقيام الحاقة عند فاعلية تشغيل اسبابها وذلك الشأن مطلوب من العابد المكلف بدستور قرءاني
{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } (سورة فاطر 44)
ذلك التكليف لا يعني ان نسير في الارض لنرى عصر الفراعنة او البابليين بل ننظر حال شخص يعيش بيننا وهو يمارس الربا (مرابي) مثلا وما (حاق به) وننظر شخص ياخذ الادوية وكأنها ءالهة شفاء وننظر ماذا حاق به من تدهور صحي وننظر ايضا على سبيل المثال لظالم نعرف ظلمه وكيف حاق به العذاب في ماله او اولاده او كيانه فنقرأ قوانين الله النافذة (الاسباب غير المرئية) التي اوجبت العقوبة (العاقبة) ذلك لان قوانين الخلق التي رسخها الله (بالحق) تمتلك فاعلية ربط متنحية لا ترى الا انها فعالة وهي (تلقائية) التفوق وليس مثل قوانين البشر فان سرق السارق مثلا ولم يراه احد نجا من عقوبة السلطان الا انه لا ينجو من عقوبة الرحمن لان من وراء فعله (فعالية فائقة) تقوم بتشغيل الاسباب فتعاقب السارق وان لم يره احد حتى وان كان صاحب المال المسروق لا يدري انه سرق !! لان قيمومة العقوبة تقوم في منظومة خلق كبرى بنيت بالحق وهي متنحية لا يمكن التلاعب بها وفيها فاعلية تشغيل الحاقة .. تلك الفاعلية يمكن ربطها بالفعل المخالف الذي اقام الحاقة فالحاقة هي (حاوية حق فعال)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } (سورة الحاقة 1 - 6)
الايات الشريفات 4 و 5 و 6 ربطت الحاقة بعذاب حاملي صفات (ثمود , عاد ) وبينت في الاية 4 بتكذيبهم بالقارعة وحملت الاية 5 و 6 بنوعية العقوبة فعاد (اهلكوا بالطاغية) وثمود (اهلكوا بريح صرصر عاتية) وبذلك نحتاج الى ادراك حاوية العقاب (القارعة) ومن ثم نقوم بتفصيل بيان القرءان في نوعي العذاب (الهلاك بالطاغية والهلاك بريح صرصر عاتية)
{ الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ } (سورة القارعة 1 - 3)
وهو نفس منهج (ادوات الحاقة) الا انه يتخصص في ربط السبب بالمسبب من حيث النتيجة فـ (القارعة) هو المظهر المادي لـ (الحاقة) فيكون الدليل الى ربط سبب الحاقة الخفي بمظهرها المادي وهو القارعة فما يحيق بالمرابي من قارعة يختلف عن ما يحيق بالسارق من قارعة وعند الامساك بتفصيل الايات تلك وربطها بمشغلها التكويني بذكرى قرءانية يقوم بين يدي حملة القرءان ليتقوا ربهم (حق تقاته) ولا يكذبوا القارعة لانها تقرع جرس انذار مبكر !!
لفظ (قارعة) في اللسان العربي المبين من جذر (قرع) وهو في البناء العربي البسيط (قرع .. يقرع .. قارع .. قارعة .. و .. و ..) .. عندما (يقرع جرس المدرسة) يعني بدء حصة الدرس او نهايتها فـ فعالية القرع هي لـ تنبيه محدد الصفة من قبل الـ (القارع) ومثلها القرع على الطبول ايذانا بالحرب او بدء سباق او اعلان سلطاني كما في الاعلام الفرماني القديم ... وذلك القرع يعتمد على عنصرين الاول (زمني) والثاني (مادي تفعيلي) ويحدد ذلك التفعيل بزمنه هو القارع مثله مثل قارع جرس الهاتف او جرس المنزل فمشغل الزمن بيد القارع اما مطلب القارع يظهر من خلال فاعليته فقارع جرس الهاتف قد يطلب ميعاد لقاء او قضاء حاجة ومثله قارع جرس المنزل فقد يكون زائر او احد مرتادي المنزل ومن اهله وهكذا يكون (القارع) بادراته لعنصري الزمن وموضوع قارعته
لفظ (قارع) في علم الحرف القرءاني يعني (نتاج فاعيلة ربط متنحية الفعل) واذا ربطنا بذلك الترشيد الحرفي لفظ (حاق) والتي تعني في علم الحرف (فاعلية ربط متنحية فائقة الفعل) فندرك ان (نتاج فاعلية الربط المتنحية الفعل) تظهر عند صفة (نتاج الفعل المتنحي) في الحاقة ليظهر في القارعة حيث يظهر على شكل نتاج فعل مرئي كما هو قرع الطبول ايذانا بالحرب !!
حاويتان تكوينيتان دستوريتان (حاقة) (قارعة) لكل واحدة منها ثلاث ادوات تشغيلية رابطة مع نظم التكوين التي خلقها الله ان عرفت اي (ادركت تشغيليا) في وصفين حملهما القرءان (ما الحاقة) + (ما القارعة) فيقوم عندها رابط تشغيلي عقلاني في وصفين هما (وما ادراك ما الحاقة) + (وما ادراك ما القارعة) فيترابط الرشاد الفكري مع الدستور القرءاني في كشف ازمة الانسان المعاصر في كل ما يراه الباحث القرءاني من فساد ظاهر هو نتاج فاعلية ما فعله البشر المتحضر ولعل (جرس البيئة) يقرع (قارعة) منذ زمن ليس بقليل وعلى البشرية ان تعي تلك الدستورية الا ان المسلمين مرشحون لادراكها قبل غيرهم من البشر لانهم يحملون القرءان الكريم في كتاب مكنون فيه ذكرهم !! على ان لا يشاركوا غيرهم في تكذيب القارعة فالامم التي تقود التحضر لا تزال تكذب بالقارعة وتعتبرها مشاكل يمكن معالجتها بالحلول !!
القارعة الكبرى قائمة اليوم وهي شاملة عامة في تدهور بيئي وتدهور صحي ينذر بيوم عبوس جدا سيكون على الناس كارثيا الا من يكتب لهم ربهم النجاة فيحذروا ذلك اليوم
ما كان لتلك السطور ان تبحث في فضول معرفي بل لحاجة عصرية نحتاجها لتحصين انفسنا من الوقوع في الحاقة وما يرتبط بها من قارعة
الحاج عبود الخالدي
تعليق