الصلاة في القرءان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لفظ الصلاة ورد في القرءان سبعا وستين مرة معرفا بالألف واللام. وقد ورد مرسوما بالواو بدل الألف (الصلوة) وهو لفظ يلفت النظر بهذا الرسم المخالف لقواعد الإملاء ولا خلاف في قراءته بالألف إلا أن ورشا يغلظ اللام لوقوعها بعد الصاد فيكون النطق بها كلام لفظ الجلالة إذا سبقه فتح أو ضم. فما هو السر في رسم الصلاة بالواو بدل الألف.
الصلاة عند المسلمين معروفة بأفعالها وأقوالها وتفاصيلها كعبادة مفروضة بل ومعروف عنها إنها عماد الدين.
لفظ الصلاة في أصل النطق يدل على الصلة ومنه قوله تعالى( والذين يصلون ما امر الله به أن يوصل) والصلاة صلة بين العبد وربه فيرتبط العبد بالله عند قيامه بعبادة الصلاة، وهذه الصلة (الرابط) هي دلالة حرف الواو في رسم (الصلوة) فعندما نقول جاء زيد وعمرو فان مجيء كل واحد منهما قد ارتبط بمجيء الآخر من غير تفاضل في المجيء وهو ليس كقولنا جاء زيد فعمرو أو جاء زيد ثم عمرو فالمجيء حصل منهما برابط التساوي وليس التفاضل فارتبطا معا في المجيء، فحرف الواو يدل على الربط بين أمرين أو أكثر، فالصلاة لا بد أن تحصل فيها عملية ربط، وهذا سوف يظهر لاحقا عند بحث لفظ الصلاة الذي اختفى منه حرف الواو وظهر مكانه حرف الألف في بعض مواضع القرءان. فما هو الربط الذي يحصل في الصلاة:
1- ارتباط المصلي بالقبلة(فول وجهك شطر المسجد الحرام) فمن كان في حضرة الكعبة فإنه يتوجه إليها مباشرة ومن كان بعيدا عنها فانه يتوجه نحو جهتها، والقبلة من جذر قبل وفيه معنى القبول فإن حصل هذا الربط بين المصلي والقبلة فان صلاته تكون مقبولة وان أخطأ في التوجه(ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)، (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن ...) وان لم يحصل هذا الارتباط فان الصلاة غير مقبولة.
2- ارتباط الصلاة بالوحي أي أن تكون صلة مضبوطة بالوحي قال تعالى (وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها) فهو امر للنبي بتأهيل أهله بالصلاة وأمر لمن بعده ومن بعده حتى وصلت إلينا نقلا متواترا كما أوحى الله تعالى بها إلى نبيه ومنه قول النبي: صلوا كما رأيتموني أصلي.
3- ارتباط الصلاة بالوقت(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وفي ذلك دلالات عظيمة لمن يتأمل ارتباط الصلاة بالأوقات الناتجة عن دورة الأرض حول الشمس أي أن الصلاة المفروضة تبدأ بظهور أول اثر للشمس (الفجر) وتنتهي بانتهاء آخر أثر للشمس(العشاء) يقول تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر)
4- ارتباط المصلي بالإسراء: الصلاة فرضت على المسلمين ليلة الإسراء وقد أخبر سبحانه في القرءان العظيم انه أسرى بعبده فقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( فالمسجد الأقصى هو القبلة الأولى والمسجد الحرام هو القبلة الثانية وقد ارتبطا بالإسراء الذي فرضت فيه الصلاة فلا بد أن يكون ثمة رابط بينهما يربطهما بالصلاة سيما انه روي عنه عليه السلام أنه أم الأنبياء في هذه الرحلة.
5- ارتباط قوي ومتين بين المصلي ومحمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهو رابط الشدة على الكفار والرحمة بينهم، قال تعالى:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) وهذا الرابط وارد في قول الله تعالى: وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ. وانه وان كان الرابط المادي متوقف مع النبي عليه السلام لأنه قد مات بجسده، إلا أن هذا الرابط موجود في العقل.
6- ارتباط الصلاة بالنهي عن الفحشاء والمنكر: يقول تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإنه يفقد رابط الاستقامة،لأن الروابط القائمة في الصلاة تبرمج عقل المصلي بحيث ينهاه عقله عن كل فحشاء وعن كل منكر، فلا يحتاج إلى شرطي يمنعه من السرقة ولا إلى رقيب يمنعه من الغش وأكل أموال الناس بالباطل لأن الشرطي والرقيب قد تكونا في عقله فمنعاه من الحرام.
بذلك تظهر عظمة هذا الرسم للفظ الصلاة بالواو بدل الألف، إلا أن هذا اللفظ ورد في القرءان مفردا من غير ألـ(التعريف) في ثمانية مواضع مرسوما بالألف وليس الواو، فما السر وراء هذا الرسم:
1- قوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) في سورة الإسراء. والمطلوب في الآية الانتقال من حالتي الجهر والمخافتة إلى (سبيلا) بين ذلك، وهو فعل يقوم به المصلي يغلب فيه الانتقال من الجهر والمخافتة إلى حيازة البينية بينهما وهو المعنى الحرفي لكلمة (سبيلا) ولذلك ظهرت ألف الفاعلية في(صلاتك).
2- قوله تعالى(كل قد علم صلاته وتسبيحه) في سورة النور. ومعنى النص الشريف أن كل الخلق قد حصلت عنده حقيقة العلم بصلاته وتسبيحه فالله تعالى قد أودع في خلقه ذلك(وان من شيء إلا يسبح بحمده) وكل الخلق يقوم بهذه الفاعلية سواء علمناها أو لم نعلمها، وفي الآية إشارة لعقلانية جميع الخلق فهو خلق عاقل له صلاة وله تسبيح يفعلهما بما علمه الله لذلك ظهرت ألف الفاعلية في هذا اللفظ.
3- ستة مواضع وردت فيها كلمة صلاتهم وهي:
الأنعام (وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
الأنفال(وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)
المؤمنون(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون)
المعارج (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)
المعارج(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
الماعون(الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)
موضوع هذه الآيات الستة ليس الصلاة وإنما هو فعل آخر مرتبط بها وهو المحافظة عليها والخشوع فيها وديمومتها وعدم السهو عنها، أما آية الأنفال فليس موضوعها الصلاة المنسكية وإنما فعل المكاء والتصدية. لذلك رسمت الألف في هذه اللفظة.
4- قوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي في الأنعام: أيضا ا فان موضوع الآية ليس الصلاة عينها وإنما امر يتعلق بها وهو القول بأن صلاتي لله رب العالمين سواء كان معنى القول هنا هو قول اللسان أو التصرف في الحياة بناء على ذلك فكلاهما فعل آخر غير الصلاة لذلك رسمت الألف في هذه اللفظة.
وقد يكون ظهور ألف الفاعلية في صلاتهم .. صلاتك .. صلاتي لان أركانها قائمة (عندهم .. عنده .. عندك .. عندي) فتظهر ألف الفاعلية في اللفظ وظهور ألف الفاعلية في اللفظ له حاكمية تفعيل الصلة أي (قيام الصلوة)
وهناك مواضع أخرى في القرءان وردت فيها كلمة الصلاة بصيغة الجمع وقد رسمت بالواو من غير ألف بعدها وهذه المواضع هي: (صلوات، الصلوات في سورة البقرة ) و(صلوات في التوبة والحج) و(صلواتهم في المؤمنون)
أما الموضع الأول من سورة البقرة فقد جاء في سياق ذكر الصابرين فقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فالصلوات عليهم من الله تعالى وليس من فعلهم فهي رابط مع الله تعالى وهو مستغن عن الفعل حين يصلي على عباده لذلك ظهر حرف الواو الذي يفيد الربط ولم يظهر حرف الألف الذي يفيد الفاعلية. أما فعلهم هم فإنهم إذا إصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون وهو ليس قول بل (رابط) يربطونه بما حصل لهم من مصيبة أصابتهم فالمصيبة لا تعني الحدث غير الحميد بل تعني الحميد أيضا من الـ (صواب) ومنه (مصيبة) والحدث غير الحميد هو أيضا مصيبة إلا أن الذي يتصور انه سوء حظ فلا يدرك الخطأ الذي فعله فتصيبه منه مصيبة غير حميدة أما الذي يدرك ما حصل له من إصابة انه نتيجة خطئه فيصلح الخطأ في الرجوع إلى نظم الله أي أن (الصلوات) عند المعترفين بأنها من نظم الله فإلى الله يرجعون لإصلاح الخطأ فتكون صلوات الله عليهم لأنها مستكملة لأركانها في (علة الرابط) التكويني .. كذلك من كانت مصيبتهم في إصابة صواب حميدة ولا يوجد خطأ فيعرفون أنهم إنما ربطوا أنفسهم في فاعلية نظم الله فكانت النتيجة حميدة في شأنهم فتمسكوا برابطهم وحافظوا على صلواتهم، لذلك ظهرت الواو في الرسم ولم تظهر الألف.
أما الموضع الثاني من سورة البقرة فهو طلب من الله تعالى للمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلوات منسكية { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فهي صلوات يستوجب المحافظة عليها لذلك ظهرت ألف الفاعلية في حافظوا ولم تظهر في الصلوات والقاعدة الحرفية في تلك الألفاظ جميعا مبنية على أن (الصلوة) هي صفة غير قائمة بعد فلا تظهر ألف الفاعلية في (صلوات)
أما موضع التوبة (صلوات الرسول) فإن الصلوات قائمة في الناس لان (الرسالة) هي بحد ذاتها (وصلة) تتصل بالمرسل إليهم فكانت (صلوات) مترابطة في رسالته (معلولة الرابط بمعلولها في الرسول) فظهر حرف الواو في (صلوات) ولم يظهر حرف الألف لان أركان الصلاة قائمة فيهم من قبل الرسول وليس من فعلهم
أما موضع الحج (لهدمت صوامع وبيع وصلوات) تنحى نفس المنحى في عدم ظهور ألف الفاعلية وظهور حرف الواو لان الصلوات فقدت فاعليتها فتهدمت.
ولتتمة الموضوع فان هناك ثلاثة مواضع في القرءان اتفقت رسما واختلف في قراءتها وهي:
(إن صلواتك سكن لهم) في التوبة، و(قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك) في هود، و(على صلواتهم يحافظون) في المؤمنون. هذه المواضع سواء قرئت بالجمع أم بالإفراد فان رسمها واحد بالواو من غير ألف. وهي لا تخرج في التحليل عن القاعدة السابقة ففي موضعي التوبة وهود ظهر حرف الواو ولم يظهر حرف الألف لان أركان الصلاة قائمة فيهم من قبل الرسول وليس من فعلهم. أما موضع المؤمنون فهي صلوات يحافظون عليها لذلك ظهرت ألف الفاعلية في يحافظون ولم تظهر في صلواتهم.
السلام عليكم
تعليق