أزمة اليقين بين الدين واللادين
من اجل ثقافة دينيه معاصرة
{ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } (سورة الأَنعام 29)
الازمة التي تعاني منها المجتمعات البشرية عموما ومنها الكثير من الامة الاسلاميه هي في (اليقين) الذي يحمله المتدين و (اليقين) الذي يحمله اللاديني ففي الغالبية الساحقه لـ المسلمين تفرق اليقين على عدد كبير من (الثقاة) و (المفتين) على تناقض كبير واختلاف كبير مما جعل مصدرية الدين هشة اليقين وكل حزب بما لديهم فرحون فعلى سبيل المثال اعلن داعية اسلامي معروف قبل بضعة سنين بـ جواز زواج المسلمة من الكتابي (مسيحي او يهودي) فلو كان على يقين لما افتى بذلك , ومثلهم اللادينيون حيث تختلف سبل الرشاد الى اليقين المزعوم عندهم وكلا المنهجين في الدين واللادين يعانون من نفس الحاله الا من رحمه الله من المسلمين ومنحه اليقين فـ حين نرصد يقين كل مدعي لليقين نرى المروجين له لهم ادلتهم التي يتمسكون بها ويعتمدون عليها ويدافعون عنها الا ان (اليقين) عند الاكثرية الساحقة هش غير متين سواء كانوا متدينين غير متطرفين او ملحدين غير متطرفين فكثير من المتدينين يتجهون الى (اللادين) وكثير من الملحدين يعودون الى الدين فتبرز لدى الباحث صفة (الازمة) في اليقين الذي عليه مدعي اليقين سواء كان يقينا مزعوما او يقين قائم تاريخيا مثل اهل الديانات القديمة
التطرف في الدين او اللادين لا يعني ان (اليقين) عند المتطرفين حاسم حاكم ذلك لان كلا الطرفين غير موحدي الطيف في قناة الدين التي عليها الاكثرية العظمى من البشر او معتنقي الالحاد عند غالبية كبرى في الدول المتمدنة وغيرها حيث تظهر عند المتطرفين ممارسات وصفات غير حميده واحيانا غير انسانيه تثبت ان التطرف لن يولد من يقين ديني , واذا اردنا ان نتهم فئة اللادين بهشاشة اليقين لديهم فان نفس الاتهام وبنفس الدرجة يقع في غالبية كبيرة من المتدينين سواء كانوا متطرفين او يمارسون الدين (الوسطي) كما يسمى حديثا بين الناس فالدين (الوسطي) دلالة مؤكدة من دلائل هشاشة اليقين سواء في الدين او اللادين وما يقع وسطا بينهما !!
تلك الصفة المترجرجة في رصد (اليقين الهش) لدى مدعي اليقين يوصلنا الى قاسم مشترك يلتقي فيه حملة الاديان او الرافضين للدين جملة وتفصيلا حيث نشهد ان المتدينين عجزوا عن تثبيت اليقين في انفسهم ليكونوا مثلا اعلى لغير المتدينين وبالعكس فلو كان اليقين عند اللادينين منتجا نتاجا مرئيا وثابتا وراسخا لاصبحت البشرية كلها بلا دين والعكس صحيح وذلك يوصلنا الى نتيجة قاسية تصف تلك الازمة ان الازمة ليست في الدين او في اللادين بل هي ازمة العقل البشري عموما والتي نرى صورتها قرءانيا بوضوح بالغ لا يحتاج الى فقه عميق لـ ادراكه
{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } (سورة الأَنعام 75)
اليقين يقع في (العقل) وليس في غيره والعقل هو ما يميز الانسان عن بقية المخلوقات مهما كان دينه وبذلك فان البراءة الابراهيمية لا تشمل طرف واحد من اطراف ازمة اليقين في الدين واللادين بل تشمل الطرفين بسبب هشاشة اليقين لدى كليهما وذلك ما يؤكده نص القرءان
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } (سورة البقرة 130)
سفاهة العقل هي التي تهشم اليقين لذلك فان الملة الابراهيمية لا تعني البراءة من (الدين واللادين) لان ابراهيم يقيم الدين على يقين وغيره لا يقيم الدين على يقين ونحن لا نقصد بالدين الاسلامي حصرا بل مراجعتنا الفكرية تشمل كل اديان الارض لان بحثنا يتعامل مع (سفه النفس) وهي صفة بشرية عامة تهشم اليقين في كل مفصل من مفاصل الحياة البشرية وليست في الدين فقط ونسمع القرءان
{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } (سورة الأَنعام 148)
الظن واليقين ضديدان لا يلتقيان فمن ءامن بالظن ليجعله كـ اليقين انما هو من سفه العقل لذلك فان البشرية جميعا بمتدينها وملحدها يحتاج الى رفع سفاهة العقل ليكون اليقين ليس لـ الدين فقط بل ما فائدة عقل سفيه وسط زحمة بشرية مليئة بحاجات فاقت حد التصور في زمن معاصر لا يشبه في متطلباته زمن ما قبل الحضارة !! فـ اليقين هو حاجة بشرية لكل شيء وهو مطلب بشري محض سواء كان اليقين لمادة دينية او ماده يعتقد انها غير دينية الرابط
زمن التحضر فرض على الانسان المعاصر ما لم يكن فرضا على الناس في زمن قبل الحضارة في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والعواطف والتصرفات الاخرى مما يجعل الانسان سواء كان فردا او جماعة ان يحافظ وجوبا على عقله من السفاهة ليحصل على أمنه وأمانه في كل شيء حتى في شربة ماء
سفاهة العقل داء عقلي مستشري زعزع اليقين عند الانسان فضاعت عليه الحقيقة الحق وتم تعطيل فطرته فجعل من الحق باطلا ومن الباطل حقا فاضطرب انسان اليوم فهو لا يشبه انسان الامس في سكينته وفي دورته الحياتية على مدى مساحة عمره حيث انقلبت مفاهيم السعادة والاستقرار واصبح الصراع البشري ءافة ومن يريد ان يرى شيئا كبيرا من (ثقب) في جدار الحقيقه سيجده في حجم السلاح المعاصر وهو سلاح مخصص ليقتل الانسان اخيه الانسان فاصبحت البشرية المتحضرة بكافة اطيافها الدينيه واللادينيه حاملة لـ سلاح فتاك بكثافة لا يمكن تصور حجم خطورتها
{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } (سورة الِانْفطار 6 - 9)
كلا بل تكذبون بالدين !! وهو نص شامل لصفة خلق الانسان الا من رحم الله عبدا فاختصه برحمته لان التكذيب بالدين يعني الـ لا يقين بالدين !
{ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
الحاج عبود الخالدي
تعليق