معيار المتقين بين العلم والدين
من اجل بيان نظم التقوية بنظم الله
من اجل بيان نظم التقوية بنظم الله
لا يخفى على جميع الناس ان دنيانا المعاصرة اختلفت جوهريا وجذريا عن حياة اباءنا واجدادنا بشكل شامل ولم يبق من دنيا السابقين فينا سوى المتاحف والاثار وبعض فتات من ازياء بعض الامم وبقايا من ممارسات دينيه وبقايا من مظاهر قروية او بدوية الا ان الباقين على شيء من ممارسات الماضي يحيون اليوم حياتهم معاصرة بما افاض العلم من تطبيقات في الاتصالات والزرع والصنع والملبس والمشرب ووسائل النقل ووسائل التعليم وطرق التفكير وهندسة المدن والطرقات والازياء والأكلات وغيرها
وسط زحمة حضارية متلاطمه مليئه بما هو مزخرف براق وما هو فاسد مقيت كالامراض العصرية وتدهور الاجواء نرى ان الله يطالبنا بالتقوى ويفرز المتقين عن غيرهم في منهج ما كتبه الله في نظمه وقوانيه النافذة
{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } (سورة النحل 30)
{ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } (سورة مريم 97)
{ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } (سورة ص 28)
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } (سورة الدخان 51)
{ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } (سورة الجاثية 19)
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } (سورة الطور 17)
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ } (سورة المرسلات 41)
قيل في لفظ المتقين على انها صفة المتمسكين بالممارسات الدينيه والصادقين القول والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و .. و .. و ... فصفاتهم الدينيه كثيره وهو (حق وصدق) الا ان يومنا المعاصر المليء بالمخالفات يجعل من تلك الممارسات شريكة مع حق ممارسات المتقين فتراهم صرعى بـ امراض العصر او صرعى لـ فكر المعاصرين ولن تجد الوعود الشريفه التي وعدها الله لـ المتقين فيهم ..!! فكم من رجل صالح تلقفه الموت بالسرطان او ضغط الدم او السكري وكم من رجل متقي حلت به او بكيانه كارثة ولم نجد ان الله قد دافع عنه والله يدافع عن الذين أمنوا ..!! فهل التقوى لا تزال (حالة هلامية) لا يمكن الامساك بها ام ان نظم التقوى في الزمن المعاصر غير متوفره لاننا نرصد النتيجة من الوعد الالهي في كثير من المتقين الذين انهارت كياناتهم وتعرضوا الى مصاعب كبيرة تتصف بالسوء والفساد في اجسادهم او ابنائهم او يكاناتهم فيصيبهم ما يصيب الكافرين والمجرمين سوء وفساد ظاهر !! فاين وعد الله فيهم (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) !!
سوف لن نبذل جهدا فكريا حين نرى ضياع المتقين وسط الكافرين من حيث الولاية وما ينتج من تلك الولاية من صفات حميده وهي مفقوده او شبه مفقوده يقينا في زمننا ولا بد من وجود خلل ادى الى ضياع معايير التقوى رغم ان فاعليها يسعون لـ التقوى ولعل الحديث النبوي الشريف والمشهور جدا والذي جاء فيه (يأتي زمان على امتي القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة من نار) ولعلنا ندرك مصداقية الرسول عليه افضل الصلاة والسلام حين ندرك ذلك الوصف الدقيق لحال يومنا المعاصر فالحديث الشريف ان كان لا يدركه السابقون في واقع حالهم الا اننا ندرك حقيقة ذلك الوصف الشريف في يومنا الصعب والقاسي على المتدين ليس من خلال الحكام ومضايقة المتدينين فمن لا يقترب من الحكام يأمن شرهم الا ان الممارسات الحضارية التي غرقنا فيها هي التي جعلت القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار ! ذلك لاننا فقدنا السيطرة على انسياب النظم الحضارية فينا فالقبول بكل شيء حضاري سرى في ابائنا من زمن جيل الحضارة الاول لغاية اليوم عبر ثلاث او اربع اجيال مضت
استلمنا الحضارة وما انتجت من حديث مستحدث سواء كان على شكل ممارسات كـ النقل الالي في السفر او الادوية او مكونات الملبس والمشرب او غيرها من الممارسات في البناء والتعلم او اي مستحدث مصنوع او اي مستحدث فكري ومنهجي حتى اصبحنا (مستهلكين) بامتياز فائق دون تعيير او وزن ما هو مستحدث بموجب نظم الدين التي رسخت في القرءان (الثابت) عبر الاجيال لغاية ءاخر يوم فيه انسان على هذه الارض صفته (لينذر من كان حيا) وصفته ايضا (لتنذر به قوما ما انذر اباؤهم فهم غافلون)
معيار الفرز بين الحسنات والسيئات الحضارية مفقود بالكامل على ناصية فتوى شرعية قديمة تتجدد كل يوم يحتضنها فقهاء كل مذاهب المسلمين ويروجون لها الا وهي أن (اصل الاشياء الاباحه الا ما حرم بنص) وهذه الراسخة الدينيه الساريه بين المسلمين جعلت من اي محاولة لـ تعيير الممارسات الحضارية تحمل صفة (الرجعية) اي ان الرجعيين انما يطالبون بالعوده الى زمن مضى باهله ونسوا القرءان وما فيه من (علم) لان اكثر فقهاء الدين يرفضون ان يكون القرءان لـ (العلم) بل هو قرءان ينظم حياة المسلمين في ارث او صلاة او زكاة او علائق اما العلم فهو منفي تماما في ثقافة الفقه الديني عدا بعض المحاولات الحديثة التي ترفع شعار (الاعجاز العلمي في القرءان) وهي مدرسة حديثة لم تتقدم بشيء يحمل معايير فرز ما يستوجب فرزه من سوء حضاري ولم تسهم في (أسلمة الحضارة) بل تسعى لما يحمله القرءان من اعجاز سبق المتحضرين بـ 14 قرن من الزمن !! ... هنا كان ويكون مكمن الخطر الذي داهم المسلمين عبر بضعة اجيال من الحضارة .. وحين نبحث عن المعايير سنجدها في (المتقون) الذين يبحثون عن نظم التقوى بالله وفي الله من خلال نظمه الامينه
{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } (سورة الزمر 33 - 35)
ومن ذا الذي جاء بالصدق وهل الصدق له مكمن يؤتى منه (التصديق به) ..؟ وكيف لنا ان نبحث عن ذلك المكمن الذي يحمل وعاء الصدق ؟
{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } (سورة الأَنعام 92)
وهذا كتاب وهو (قرءان في التطبيق) فتطبيق القرءان (كتاب) وفيه مشغل (صدق) الذي بين يديه من ما كتبه الله في الخلق والخليق لان الله صرف في القرءان من كل مثل ولم يستثن شيئا
الذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به !!! انه المعيار الذي لا يعلوه معيار وبه يقوم مشغل الصدق ومن أمن في يومه وأمن في غده انما فاز بمفازة المتقين الذين يتقوون بنظم الله وان أغرقوا في نظم الحضارة انما يمتلكون رابطأ يأتي بالصدق من عند الله في قرءانه ليكون في التطبيق (هذا كتاب مصدق لما بين يديه)
فمن يحمل القرءان لغرض التطبيق انما يرى ما بين يديه من نظم حضارية لها ذكرى في القرءان ويرى ما في القرءان الذي يقرأه مصدقا لما بين يديه من نظم أمينة صادقه وهو ما ذكرنا به النص الشريف وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا } (سورة النساء 122)
{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا } (سورة النساء 87)
ما كانت تلك السطور تفسيريه بل دعوة لتطبيق القرءان في زمن الحاجة الى معيار (أمين) يتم فيه تعيير النظم الحضارية لـ الامتناع عن سيئها والتمسك باحسنها وتعديل ما يمكن تعديله من ممارسة حضارية تحمل الحسن والسيء وعندها يكون لـ (المتقين) وجود اسلامي مختلف عن زمن مضى لم يكن لـ ممارسات مستحدثه جيء بها من دون الله كما هو يومنا المعاصر
لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
الحاج عبود الخالدي
تعليق