السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمات تنتهي بحرف الهمزة إلا أنها رسمت بالياء
وراء
وردت كلمة وراء في القرءان الكريم اثنتا عشرة مرة، وكلها رسمت بهمزة منفردة إلا موضعا واحدا هو موضع سورة الشورى(أو من وراء حجاب) فإنها رسمت بالياء(ورائ) فما السر في ذلك؟
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (سورة البقرة 101)
{ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } (سورة آل عمران 187من الايه )
{ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } (سورة النساء من الايه 24)
{ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } (سورة الأَنعام من 94)
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } (سورة هود من الايه 71)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (سورة المؤمنون 7)
{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (سورة الأحزاب من الايه 53)
{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } (سورة الحجرات 4)
{ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ } (سورة الحشر من الايه 14)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (سورة المعارج 31)
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } (سورة الِانْشقاق 10)
الملاحظ في جميع هذه الآيات أنها تتكلم عن امر تكويني يرتبط بفعل وبيان ذلك :
· نبذ الكتاب وراء الظهر ارتبط الكتاب بفعل النبذ
· حل النساء ارتبط في ابتغاء غير المنصوص عليهن بالتحريم
· التخويل ارتبط بفعل الترك
· يعقوب ارتبط بالبشرى
· المتاع ارتبط بفعل السؤال
· مناداة الرسول ارتبطت بالنهي المخصوص
· القتال ارتبط بفعل التحصين
· الكتاب ارتبط بفعل الإيتاء
أما آية الشورى فهي تتكلم عن كلام الله سبحانه للبشر وأنه لا يكون إلا من وراء حجاب ، والله سبحانه ليس أمرا تكوينيا (ليس كمثله شيء)(لا تدركه الأبصار) ولذلك فان ارتباطه بالبشر بتكليمهم من وراء حجاب هو ارتباط مخصوص لا يخضع للحس أو للحيز والمكان ، ولذلك فإن مجيء الهمزة على الياء هو لإظهار هذه الخصوصية في الارتباط . وإذا استقر في مداركنا أن الياء للحيز والهمزة للأمر التكويني فإن هذا الرسم لا هو همزة ولا هو ياء مما يعني نفي التكوين والحيز عن الله سبحانه .
تلقاء
هذه الكلمة وردت في القرءان الكريم في ثلاثة مواضع هي:
{ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ } (سورة الأَعراف من الايه 47)
{ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } (سورة يونس من الايه 15)
{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } (سورة القصص 22)
وقد تفرد موضع يونس برسم مختلف عن الموضعين الآخرين فرسمت الهمزة فيه بالياء(تلقائ) فما السر في هذا الرسم ؟
تلقاء تعني الجهة ففي الآية الأولى صرفت أبصارهم جهة أصحاب النار وفي الآية الثالثة توجه جهة مدين ، والجهة في الآيتين هما امر تكويني خلقي لهما حيز لذلك رسما بالهمزة فأصحاب النار أشخاص ومدين اسم لمكان . أما آية يونس فموضوعها مختلف تماما فهي لا تتكلم عن تبديل حيز أو امر تكويني وإنما تتكلم عن القرءان كلام الله الذي هو صفة من صفاته العلية بحيث لا يمكن تبديله لأنه ليس أمرا تكوينيا أو خلقيا وليس له حيز (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) فهو ليس مخلوقا حتي يمكن نقله إلى جهة من الجهات أو حصره في حيز، لذلك فان هذا الرسم الخاص للهمزة ينفي عن القرءان هاتين الصفتين صفة الخلق والحيز .
آناء
هذه الكلمة وردت في ثلاثة مواضع في القرءان الكريم هي:
{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } (سورة آل عمران 113)
{ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى } (سورة طه من الايه 130)
{ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ } (سورة الزمر 9)
وقد تفرد موضع الزمر برسم مختلف عن الموضعين الآخرين فرسمت الهمزة فيه بالياء(آنائ) فما السر في هذا الرسم؟
تختلف آية طه عن الآيتين الأخريين بان المطلوب فيها هو فعل تكويني واحد هو التسبيح وهو متحقق في الهمزة الأولى أول الكلمة، أما آية آل عمران فالمطلوب فعلان تكوينيان هما التلاوة والسجود وكذلك آية الزمر فان المطلوب فعلان تكوينيان هما السجود والقيام وهذا لا يتحقق إلا بهمزتين كل واحدة منهما تدل على فعل تكويني ، لذلك اختلف فيها الرسم .
إيتاء
وردت هذه الكلمة في القرءان الكريم في ثلاثة مواضع هي:
{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } (سورة النحل من الايه 90)
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ } (سورة الأنبياء من الايه 73)
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } (سورة النور من الايه 37)
وقد اختلف رسمها في سورة النحل فرسمت بالياء(وإيتائ) فما السر في ذلك ؟
واضح أن المطلوب في آية النحل مختلف عن المطلوب في الآيتين الأخريين فالمطلوب فيها هو إيتاء ذي القربى على وجه الخصوص بينما في الآيتين الأخريين المطلوب إيتاء الزكاة بشكل عام سواء أكان إيتاؤها لذي القربى أم لغيرهم أما إيتاء ذي القربى فلا يتحقق إلا بهم ولا يتحقق في غيرهم .
(ذي القربى) لأي إنسان هو الذي يمتلك حيازة سارية بالنسبة له سواء كانت حيازة مكان كالجار ذي القربى أو زميل العمل أو صاحب السفر أو كانت هذه الحيازة حيازة صفات وراثية كالأب والأم والأخ والعم والعمة والخال والخالة وابن العم وابن الخال ....إلخ .
لذلك فإن (ذي القربى) يمتلك حيازة تكوينية في المكان أو الصفات الوراثية وهذا ما لا يشترط في الزكاة فقد تكون لذي القربى أو لغيره ، لذلك فإن آية النحل (إيتائ) جمعت بين الحيازة التي يفيدها حرف الياء ، وبين التكوين أو المكون الذي يفيده حرف الهمزة ، فرسمت الهمزة على الياء.
نبأ
كلمة (نبأ) وردت في القرءان الكريم خمس عشرة مرة، وقد رسمت رسمت على ثلاث صور:
1- صورة الرسم القياسي(نبأ) في المواضع التالية:
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } (سورة المائدة من الايه 27)
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } (سورة الأَعراف 175)
{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ } (سورة التوبة 70)
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ } (سورة يونس من الايه 71)
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } (سورة الشعراء 69)
{ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } (سورة الأَنعام 67)
{ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (سورة القصص 3)
عن النبأ العظيم (النبأ)
2- رسمت بالياء بعد الألف(نبائ) في موضع الانعام الأول:
{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (سورة الأَنعام 34)
3- رسمت بالواو بعدها ألف(نبوا)
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } (سورة إِبراهيم من الايه 9)
{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } (سورة ص 21)
{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } (سورة ص 67)
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة التغابن 5)
فما سر هذا الرسم؟
الحدث إذا وقع وتكون وانتهى يسمى نبأ فهو أمر تكويني ابتداء ، ثم يتلقاه الناس ويقبضونه ثم يتبادلونه فيما بينهم ، بمعنى أن الحدث لا يكون نبأ إلا إذا توفر فيه ثلاث موصوفات هي : التكون وتلقيه أو قبضه من الناس ثم تبادله أو تداوله فيما بينهم ، وهو يختلف عن الخبر فهو تلقي معلومة لا يشترط فيها التبادل وهذا ينطبق تماما على ما ورد في لفظ خبر في قصة موسى الواردة في سورتي النمل(سآتيكم منها بخبر) والقصص(لعلي آتيكم منها بخبر)
وقد استعمل القرءان كلمة نبأ بهذا المعنى : أما موضع الأنعام الأول (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَائ الْمُرْسَلِينَ) فقد رسمت الهمزة فيها بالياء بعد الألف . نلاحظ في هذا الرسم أن الألف بعد الباء لم تأت من أجل الهمزة وإنما أتت لوظيفة أخرى ، كما نلاحظ أن الياء هي أتت من أجل الهمزة فرسمت عليها , وهذا يعني أن لكل من الألف والياء وظيفة .
إذا تقرر أن الألف تعني الفاعلية وأن الياء تعني الحيازة يكون معنى (نبائ) في هذا الموضع حيازة تكوينية لاستبدال فاعلية قبض ، أي أن الأحداث التي وقعت مع المرسلين الذين كانوا من قبلك والذين كذبوا وأوذوا من أقوامهم قد جاءتك ودخلت في حيازتك أي امتلكت علمها فعليك أن تستبدل الحزن الذي يصيبك مما يقولون بتفعيل الصبر كما صبر الرسل من قبلك حتى أتاهم نصر الله . وبذلك تظهر روعة هذا الرسم الخاص لهذه الكلمة في هذا الموضع .
لقاء
هذه اللفظة(لقاء) وردت في القرءان الكريم سبع عشرة مرة وقد رسمت فيها الهمزة منفردة بعد الألف، إلا في موضعين في سورة الروم.
{ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } (سورة الأَنعام من الايه 130)
{ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } (سورة الأَعراف من الايه 51)
{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } (سورة الكهف من الايه 110)
{ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (سورة العنْكبوت 5)
{ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ } (سورة السجدة من الايه 14)
{ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } (سورة الزمر من الايه 71)
أَ{ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } (سورة فصلت 54)
{ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } (سورة الجاثية من الايه 34)
{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ } (سورة الأَنعام من الايه 31)
{ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } (سورة الأَنعام من الايه 154)
{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } (سورة الأَعراف من الايه 147)
{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } (سورة يونس من الايه 45)
{ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } (سورة الرعد من الايه 2)
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ } (سورة المؤمنون من الايه 33)
{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } (سورة الروم من الايه 8)
{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } (سورة الروم 16)
{ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } (سورة السجدة من الايه 10)
اللقاء كصفة يدركها العقل البشري مبنية على عنصرين أو أكثر من مكونات الخلق ضمن حراكه ونشاطه سواء كانوا بشرا أو من غير البشر فيصح أن يلتقي مستقيمان في نقطة واحدة ويصح أن تلتقي عدة قوى لتشكل محصلة قوى مختلفة القوة والمسار اما
حركة الناس في حياتهم اليومية في الأسواق والشوارع والمدارس وغير ذلك لا تسمى لقاء فإذا ارتبط حراك اثنين أو أكثر مع بعضهما فإن هذا الارتباط للحراك يسمى لقاء فالتلاميذ مثلا حين يحضرون الدرس لا يسمى حراكهم ذلك انه لقاء كذلك الناس في الشوارع والأسواق في حراكهم لا يسمى انه لقاء بل حين يصادف صديق صديقه في السوق أو يتواعدان في مكان ما فذلك يسمى لقاء وكذلك ففي أي ملتقى مثلا يكون (المكان) هو (مشغل اللقاء) في ملتقى دائم لذوي اللقاء بصفاتهم وليس بشخوصهم مثل ملتقى الشعراء والأدباء وغيرهم أما المشاركون في الملتقى فإن حراكهم الخاص سوف يترابط مع بعض في المكان وهو الملتقى ولن يكونوا جزءا من تكوينة البناية أو القاعة أو الأثاث.
إذن اللقاء هو ارتباط الحراك بين عنصرين أو أكثر في حيز ما (مكان)
وهذا المعنى لـ (اللقاء) ينطبق على الآيات الشريفة التي تخص (لقاء يومكم هذا) و(لقاء الله) و(لقاء الرب) و(لقاء الآخرة) فإن حراك الإنسان في هذه الحياة الدنيا سوف يرتبط بالحراك الذي أخبر عنه الله تعالى يوم القيامة ليكون الإنسان على موعد لقاء مع جميع ما قدم في هذه الحياة الدنيا
التدقيق في الآيات التي تكلمت عن اللقاء تنقسم إلى قسمين:
الأول : لفت النظر وشد الانتباه لذلك اللقاء من أجل الالتزام بنظم الله حتى ينال الإنسان ثواب الله تعالى في ذلك اللقاء وهذا الوصف تحقق في جميع الآيات ما عدا آيتي الروم فهي تتحدث عن ارتباط حراك الإنسان في هذه الدنيا بحراك يوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب ولذلك كان رسم هذه الكلمة منطبقا مع معنى هذا الارتباط (لقاء) أي أن فاعلية ربط الحراك سوف تحصل يوم القيامة.
الثاني: تحقق هذا الارتباط بين حراك الإنسان وحراك يوم القيامة أي تحقق نتيجة مخالفة نظم الله سبحانه ، ففي الآية الأولى (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) تحقق ارتباط كثير من الناس بالكفر أي أن حراكهم أصبح كفرا وبمعنى أدق هم قد حازوا الكفر فأصبحوا (لكافرون) فارتبطت حيازة الكفر بتكوينهم فاجتمع التكوين مع الحيازة فرسمت الهمزة في هذه الكلمة في هذا الموضع بالياء (لقائ) للجمع بين الحيازة والتكوين .
أما الموضع الثاني من سورة الروم(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) فظاهر تحقق ارتباطهم في العذاب ، فهم في العذاب محضرون (في) تفيد الظرفية أو بمعنى أدق فإنها تفيد حيازة فاعلية بديلة أي أن حضورهم في العذاب هو فعل بديل لكفرهم وتكذيبهم بالآيات ولقاء الآخرة فتحقق ارتباطهم بحيازة العذاب فرسمت الهمزة بالياء(لقائ) لتحقيق معنى حيازتهم للعذاب .
السلام عليكم
كلمات تنتهي بحرف الهمزة إلا أنها رسمت بالياء
وراء
وردت كلمة وراء في القرءان الكريم اثنتا عشرة مرة، وكلها رسمت بهمزة منفردة إلا موضعا واحدا هو موضع سورة الشورى(أو من وراء حجاب) فإنها رسمت بالياء(ورائ) فما السر في ذلك؟
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (سورة البقرة 101)
{ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } (سورة آل عمران 187من الايه )
{ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } (سورة النساء من الايه 24)
{ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } (سورة الأَنعام من 94)
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } (سورة هود من الايه 71)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (سورة المؤمنون 7)
{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (سورة الأحزاب من الايه 53)
{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } (سورة الحجرات 4)
{ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ } (سورة الحشر من الايه 14)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (سورة المعارج 31)
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } (سورة الِانْشقاق 10)
الملاحظ في جميع هذه الآيات أنها تتكلم عن امر تكويني يرتبط بفعل وبيان ذلك :
· نبذ الكتاب وراء الظهر ارتبط الكتاب بفعل النبذ
· حل النساء ارتبط في ابتغاء غير المنصوص عليهن بالتحريم
· التخويل ارتبط بفعل الترك
· يعقوب ارتبط بالبشرى
· المتاع ارتبط بفعل السؤال
· مناداة الرسول ارتبطت بالنهي المخصوص
· القتال ارتبط بفعل التحصين
· الكتاب ارتبط بفعل الإيتاء
أما آية الشورى فهي تتكلم عن كلام الله سبحانه للبشر وأنه لا يكون إلا من وراء حجاب ، والله سبحانه ليس أمرا تكوينيا (ليس كمثله شيء)(لا تدركه الأبصار) ولذلك فان ارتباطه بالبشر بتكليمهم من وراء حجاب هو ارتباط مخصوص لا يخضع للحس أو للحيز والمكان ، ولذلك فإن مجيء الهمزة على الياء هو لإظهار هذه الخصوصية في الارتباط . وإذا استقر في مداركنا أن الياء للحيز والهمزة للأمر التكويني فإن هذا الرسم لا هو همزة ولا هو ياء مما يعني نفي التكوين والحيز عن الله سبحانه .
تلقاء
هذه الكلمة وردت في القرءان الكريم في ثلاثة مواضع هي:
{ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ } (سورة الأَعراف من الايه 47)
{ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } (سورة يونس من الايه 15)
{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } (سورة القصص 22)
وقد تفرد موضع يونس برسم مختلف عن الموضعين الآخرين فرسمت الهمزة فيه بالياء(تلقائ) فما السر في هذا الرسم ؟
تلقاء تعني الجهة ففي الآية الأولى صرفت أبصارهم جهة أصحاب النار وفي الآية الثالثة توجه جهة مدين ، والجهة في الآيتين هما امر تكويني خلقي لهما حيز لذلك رسما بالهمزة فأصحاب النار أشخاص ومدين اسم لمكان . أما آية يونس فموضوعها مختلف تماما فهي لا تتكلم عن تبديل حيز أو امر تكويني وإنما تتكلم عن القرءان كلام الله الذي هو صفة من صفاته العلية بحيث لا يمكن تبديله لأنه ليس أمرا تكوينيا أو خلقيا وليس له حيز (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) فهو ليس مخلوقا حتي يمكن نقله إلى جهة من الجهات أو حصره في حيز، لذلك فان هذا الرسم الخاص للهمزة ينفي عن القرءان هاتين الصفتين صفة الخلق والحيز .
آناء
هذه الكلمة وردت في ثلاثة مواضع في القرءان الكريم هي:
{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } (سورة آل عمران 113)
{ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى } (سورة طه من الايه 130)
{ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ } (سورة الزمر 9)
وقد تفرد موضع الزمر برسم مختلف عن الموضعين الآخرين فرسمت الهمزة فيه بالياء(آنائ) فما السر في هذا الرسم؟
تختلف آية طه عن الآيتين الأخريين بان المطلوب فيها هو فعل تكويني واحد هو التسبيح وهو متحقق في الهمزة الأولى أول الكلمة، أما آية آل عمران فالمطلوب فعلان تكوينيان هما التلاوة والسجود وكذلك آية الزمر فان المطلوب فعلان تكوينيان هما السجود والقيام وهذا لا يتحقق إلا بهمزتين كل واحدة منهما تدل على فعل تكويني ، لذلك اختلف فيها الرسم .
إيتاء
وردت هذه الكلمة في القرءان الكريم في ثلاثة مواضع هي:
{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } (سورة النحل من الايه 90)
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ } (سورة الأنبياء من الايه 73)
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } (سورة النور من الايه 37)
وقد اختلف رسمها في سورة النحل فرسمت بالياء(وإيتائ) فما السر في ذلك ؟
واضح أن المطلوب في آية النحل مختلف عن المطلوب في الآيتين الأخريين فالمطلوب فيها هو إيتاء ذي القربى على وجه الخصوص بينما في الآيتين الأخريين المطلوب إيتاء الزكاة بشكل عام سواء أكان إيتاؤها لذي القربى أم لغيرهم أما إيتاء ذي القربى فلا يتحقق إلا بهم ولا يتحقق في غيرهم .
(ذي القربى) لأي إنسان هو الذي يمتلك حيازة سارية بالنسبة له سواء كانت حيازة مكان كالجار ذي القربى أو زميل العمل أو صاحب السفر أو كانت هذه الحيازة حيازة صفات وراثية كالأب والأم والأخ والعم والعمة والخال والخالة وابن العم وابن الخال ....إلخ .
لذلك فإن (ذي القربى) يمتلك حيازة تكوينية في المكان أو الصفات الوراثية وهذا ما لا يشترط في الزكاة فقد تكون لذي القربى أو لغيره ، لذلك فإن آية النحل (إيتائ) جمعت بين الحيازة التي يفيدها حرف الياء ، وبين التكوين أو المكون الذي يفيده حرف الهمزة ، فرسمت الهمزة على الياء.
نبأ
كلمة (نبأ) وردت في القرءان الكريم خمس عشرة مرة، وقد رسمت رسمت على ثلاث صور:
1- صورة الرسم القياسي(نبأ) في المواضع التالية:
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } (سورة المائدة من الايه 27)
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } (سورة الأَعراف 175)
{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ } (سورة التوبة 70)
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ } (سورة يونس من الايه 71)
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } (سورة الشعراء 69)
{ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } (سورة الأَنعام 67)
{ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (سورة القصص 3)
عن النبأ العظيم (النبأ)
2- رسمت بالياء بعد الألف(نبائ) في موضع الانعام الأول:
{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (سورة الأَنعام 34)
3- رسمت بالواو بعدها ألف(نبوا)
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } (سورة إِبراهيم من الايه 9)
{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } (سورة ص 21)
{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } (سورة ص 67)
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة التغابن 5)
فما سر هذا الرسم؟
الحدث إذا وقع وتكون وانتهى يسمى نبأ فهو أمر تكويني ابتداء ، ثم يتلقاه الناس ويقبضونه ثم يتبادلونه فيما بينهم ، بمعنى أن الحدث لا يكون نبأ إلا إذا توفر فيه ثلاث موصوفات هي : التكون وتلقيه أو قبضه من الناس ثم تبادله أو تداوله فيما بينهم ، وهو يختلف عن الخبر فهو تلقي معلومة لا يشترط فيها التبادل وهذا ينطبق تماما على ما ورد في لفظ خبر في قصة موسى الواردة في سورتي النمل(سآتيكم منها بخبر) والقصص(لعلي آتيكم منها بخبر)
وقد استعمل القرءان كلمة نبأ بهذا المعنى : أما موضع الأنعام الأول (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَائ الْمُرْسَلِينَ) فقد رسمت الهمزة فيها بالياء بعد الألف . نلاحظ في هذا الرسم أن الألف بعد الباء لم تأت من أجل الهمزة وإنما أتت لوظيفة أخرى ، كما نلاحظ أن الياء هي أتت من أجل الهمزة فرسمت عليها , وهذا يعني أن لكل من الألف والياء وظيفة .
إذا تقرر أن الألف تعني الفاعلية وأن الياء تعني الحيازة يكون معنى (نبائ) في هذا الموضع حيازة تكوينية لاستبدال فاعلية قبض ، أي أن الأحداث التي وقعت مع المرسلين الذين كانوا من قبلك والذين كذبوا وأوذوا من أقوامهم قد جاءتك ودخلت في حيازتك أي امتلكت علمها فعليك أن تستبدل الحزن الذي يصيبك مما يقولون بتفعيل الصبر كما صبر الرسل من قبلك حتى أتاهم نصر الله . وبذلك تظهر روعة هذا الرسم الخاص لهذه الكلمة في هذا الموضع .
لقاء
هذه اللفظة(لقاء) وردت في القرءان الكريم سبع عشرة مرة وقد رسمت فيها الهمزة منفردة بعد الألف، إلا في موضعين في سورة الروم.
{ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } (سورة الأَنعام من الايه 130)
{ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } (سورة الأَعراف من الايه 51)
{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } (سورة الكهف من الايه 110)
{ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (سورة العنْكبوت 5)
{ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ } (سورة السجدة من الايه 14)
{ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } (سورة الزمر من الايه 71)
أَ{ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } (سورة فصلت 54)
{ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } (سورة الجاثية من الايه 34)
{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ } (سورة الأَنعام من الايه 31)
{ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } (سورة الأَنعام من الايه 154)
{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } (سورة الأَعراف من الايه 147)
{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } (سورة يونس من الايه 45)
{ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } (سورة الرعد من الايه 2)
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ } (سورة المؤمنون من الايه 33)
{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } (سورة الروم من الايه 8)
{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } (سورة الروم 16)
{ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } (سورة السجدة من الايه 10)
اللقاء كصفة يدركها العقل البشري مبنية على عنصرين أو أكثر من مكونات الخلق ضمن حراكه ونشاطه سواء كانوا بشرا أو من غير البشر فيصح أن يلتقي مستقيمان في نقطة واحدة ويصح أن تلتقي عدة قوى لتشكل محصلة قوى مختلفة القوة والمسار اما
حركة الناس في حياتهم اليومية في الأسواق والشوارع والمدارس وغير ذلك لا تسمى لقاء فإذا ارتبط حراك اثنين أو أكثر مع بعضهما فإن هذا الارتباط للحراك يسمى لقاء فالتلاميذ مثلا حين يحضرون الدرس لا يسمى حراكهم ذلك انه لقاء كذلك الناس في الشوارع والأسواق في حراكهم لا يسمى انه لقاء بل حين يصادف صديق صديقه في السوق أو يتواعدان في مكان ما فذلك يسمى لقاء وكذلك ففي أي ملتقى مثلا يكون (المكان) هو (مشغل اللقاء) في ملتقى دائم لذوي اللقاء بصفاتهم وليس بشخوصهم مثل ملتقى الشعراء والأدباء وغيرهم أما المشاركون في الملتقى فإن حراكهم الخاص سوف يترابط مع بعض في المكان وهو الملتقى ولن يكونوا جزءا من تكوينة البناية أو القاعة أو الأثاث.
إذن اللقاء هو ارتباط الحراك بين عنصرين أو أكثر في حيز ما (مكان)
وهذا المعنى لـ (اللقاء) ينطبق على الآيات الشريفة التي تخص (لقاء يومكم هذا) و(لقاء الله) و(لقاء الرب) و(لقاء الآخرة) فإن حراك الإنسان في هذه الحياة الدنيا سوف يرتبط بالحراك الذي أخبر عنه الله تعالى يوم القيامة ليكون الإنسان على موعد لقاء مع جميع ما قدم في هذه الحياة الدنيا
التدقيق في الآيات التي تكلمت عن اللقاء تنقسم إلى قسمين:
الأول : لفت النظر وشد الانتباه لذلك اللقاء من أجل الالتزام بنظم الله حتى ينال الإنسان ثواب الله تعالى في ذلك اللقاء وهذا الوصف تحقق في جميع الآيات ما عدا آيتي الروم فهي تتحدث عن ارتباط حراك الإنسان في هذه الدنيا بحراك يوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب ولذلك كان رسم هذه الكلمة منطبقا مع معنى هذا الارتباط (لقاء) أي أن فاعلية ربط الحراك سوف تحصل يوم القيامة.
الثاني: تحقق هذا الارتباط بين حراك الإنسان وحراك يوم القيامة أي تحقق نتيجة مخالفة نظم الله سبحانه ، ففي الآية الأولى (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) تحقق ارتباط كثير من الناس بالكفر أي أن حراكهم أصبح كفرا وبمعنى أدق هم قد حازوا الكفر فأصبحوا (لكافرون) فارتبطت حيازة الكفر بتكوينهم فاجتمع التكوين مع الحيازة فرسمت الهمزة في هذه الكلمة في هذا الموضع بالياء (لقائ) للجمع بين الحيازة والتكوين .
أما الموضع الثاني من سورة الروم(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) فظاهر تحقق ارتباطهم في العذاب ، فهم في العذاب محضرون (في) تفيد الظرفية أو بمعنى أدق فإنها تفيد حيازة فاعلية بديلة أي أن حضورهم في العذاب هو فعل بديل لكفرهم وتكذيبهم بالآيات ولقاء الآخرة فتحقق ارتباطهم بحيازة العذاب فرسمت الهمزة بالياء(لقائ) لتحقيق معنى حيازتهم للعذاب .
السلام عليكم
تعليق