الزمن .. سجن ..!!
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
يبقى مفهوم الزمن والعقل في حافة المعرفة وكأن الجهد المعرفي قد انهكته البحوث العجماء حتى اثخنت المعرفة بضلالة فكرية تتقلب يوما بعد اخر في ظلام فكري واضح لحملة المعرفة نفسها رغم تسارع الركب التقني وانفتاح التطبيقات التقنية وفقدان مرابط الحق مع عنصرين مهمين في منظومة المعرفة الا هما العقل والزمن ...
عندما ينطق قاضي المحكمة بالسجن على احد من الناس فان عنصر الزمن هو الجوهر الذي يقيم عليه القاضي حكمه ...(زمن) .. سجين في زمن ... كذا شهر او كذا سنة .. قرار بالحكم ... انه اجل مسمى ...
(اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42)
وهي ايات لقوم يتفكرون .. وفيها يرسل اخرى الى اجل مسمى .. وسجن وسجان .. وعقل ضائع ومعرفة انسانية مبتورة ..
ايها الانسان .. انك سجين في (اجل مسمى) فهل لك ان تفلت من سجن ... وهل تحتاج الى فلسفة (الاجل المسمى) ام انك بحاجة الى علمية ذلك الاجل ...
عندما يمتلك الانسان مستوى عقلي سادس (محكووم عليه بالموت) فهو لا يحضر الى زمن السجن (اجل مسمى) بل يبقى في زمن اخر ويتم ارسال الاخرى (المستوى العقلي الخامس) الى زمن السجن فهل يستطيع الانسان ان ينضبط مع الزمن في علم قرءاني لا يخضع الى رأي بشري بل الى عقل يقرأ خارطة الخالق ...
عندما يعلم قاريء القرءان ان هنلك انفس لا تموت في منامها ... مستويات العقل الاربع وان مستوى سادس مقضي عليه بالموت .. ويبقى المستوى الخامس يتأرجح بين الزمن واللازمن فيدرك الانسان ان عقله الخامس يمكن ان يخرج من زمن الفلك .. يحصل ذلك عندما ينام الانسان او عندما تحصل له غيبوبة او تخدير فهل في تلك الضابطة نتيجة علم ام يكون الانسان متفرجا فقط على كينونة خلق ..!!
لو استطاع الانسان ان يفهم تكوينة الزمن فان يستطيع ان يتعامل مع الزمن باريحية انسان وليس بعصبية كيان يريد ان تكون له شجرة خلد
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ءادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) (طـه:120)
لو استطاع الانسان ان يخرج المادة من زمن الفلك فقد حصل على اكسير تقني يلقف كل تقنيات العصر ويرتقي الى سلمة علم لا حدود لها .. ولكن كيف ...
عندما يفهم العلم منظومة الخلق ولا يتخبط فيها .. يكون الانسان صاحب علم من الكتاب وليس صاحب علم من المختبرات ولا يستطيع احد ان يفهم منظومة الخلق الا من خلال مصمم الخلق الله سبحانه والخالق قد وضع منظومة خلقه في (علوم الله المثلى) في قرءان مبين ..
منظومة الخلق وضعت الزمن في خدمتنا ... تقنيات العصر وضعت الانسان في خدمة الزمن .. فكان السجن هو الزمن واصبح الانسان هو السجان ... !!
عندما تنشط بذرة حبة الحنطة في تربة وماء تكون سجينة زمن (اجل مسمى) .. ذلك المخلوق يخضع لحاكمية الزمن راضيا مرضيا ... ولم نسمع ان حبة الحنطة تسارعت في نموها بل استهلكت زمنها بهدوء غير مسرعة ..
فهل ملك الانسان ناصية الزمن حين يسرع ... ام انه زاد من فاعلية سجنه ..؟ ... العقل الانساني هو العقل المنفلت من حاكمية الزمن ويريد الافلات من سجن لا انفلات منه ...
العقل يمتلك نوعين من الرضا ... رضا مطلق ورضا نسبي ... عندما يجوع يأكل فيكون في نسبية الرضا .. وعندما ينعس ينام .. فهو في رضا نسبي ..
في البيع والشراء واختيار الحاجات والاشياء يكون الانسان في رضا مطلق ... وهو في السرعة يريد ان يكون في رضا مطلق فصنع العجلة ومن ثم ركب الخيل وصنع القطار والسيارة والطائرة ومن ثم صاروخ .. وبعد .. ؟؟!!
والقرءان يعلن
(بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (الانبياء:40)
وهنا سقط الرضا (لا يستطيعون ردها) فهي ءاتية ... ويوم يعرف العلم هذه الحقيقة فان الانسان يدير دفة السرعة الى التباطؤ لينجوا من كارثة محققة ستحل قريبا به او قريبا من داره ... تصيبهم بما صنعوا قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد ـ الرعد ـ
تقنيات السرعة الى اين ... الى عبور الزمن .. ولن يكون .. فلماذا يركب الناس مراكب السرعة دائما ظنا منهم انهم فائزون ..!!
سجن لا بد منه فاين المفر .. ولماذا الفرار .. واين يكمن الحل ..؟
الحل في الرضا .. الرضا النسبي .. المنسوب الى طبيعة الزمن بعد ان عرفت طبيعته من قرءان يقرأ .. تلك ضابطة علم وان تكن هنا كضابطة فكر لان العلم القرءاني لم يتحرك بعد على بساط علمي متخصص ...!
وعندما يخرج المسجون من قاعة الحكم ... فان رضي بالحكم قضى اجله المسمى في راحة بال وعقل هاديء .. وان رفض عقله حكم الحاكم تقلب في ثنايا العذاب حتى يقضي اجله المسمى ولا مفر ..
تطبيقات عقل في مقاصد بشرية ترتبط بمقاصد الهية في اجل مسمى وساعة تبهتنا ولا نستطيع ردها وحياتنا المليئة بالعذاب لاننا فقدنا عنصر الرضا (القبول بها)
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الانبياء:49)
وهل يحتاج هذا النص الى معيار عقلي وهو في كتاب ما ان تمسكنا به لن نضل ابدا
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (الشورى:18)
يستعجل بها من لا يؤمن بها (ساعة) ... زمن .. والذي يؤمن بالساعة لا يعني انه يؤمن بالله حصرا في موضوعية الايمان بالله بل الذي (يؤمّن) حاجاته ونشاطه في الساعة (في الزمن) يكون قد أمن من عذابها واما الذين يجعلون نشاطهم متحرك على ثابت زمني (ساعة) فهم يمارون فيها وهم في ضلال بعيد .. فهم لا يستطيعون ردها .. ولا هم ينظرون اليها .. بل تأتيهم بغتة .. تبهتهم .. فهم فيها سجناء ان اسرعوا وان لم يسرعوا ...!!
وفاز من اشفق منها فرضي بها ...
ومن اسرع في الزمن انما اتصف بصفة السجان والزمن هو السجن في رصد واضح البيان فمن شاء سجن نفسه في الزمن ومن شاء افلت من الزمن فاشفق نفسه فيه
والشفق هو في تبادل الرابطة مع الزمن وليس الانفلات من تلك الرابطة فمن (اشفق على ابنه) انما تبادل رابطة البنوة مع ابنه .. فان تبادل الانسان رابطته مع الزمن ولم يجعل الزمن مركبا انما فاز براحة بال وطمأنينة نفس وكان راضيا مرضيا
الحاج عبود الخالدي
تعليق