الفرقان .. منهج وليس صفة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
ورد اسم الفرقان في القرءان مرتبطا متلازما مع القرءان في نص صريح
(وَقُرءاناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الاسراء:106)
وتم ترسيخ اللفظ القرءاني في نص قرءاني واضح البيان
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1)
(مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (آل عمران:4)
تلك النصوص تؤكد ان القرءان هو فرقان والفرقان هو وعاء القرءان رغم ان هنلك اراء في الفكر العقائدي وضعت للفرقة في القرءان فهما زمنيا أي ان القرءان تفرق نزوله في مساحة زمنية من عمر الرسول عليه افضل الصلاة والسلام ولكن اراء اخرى في الفكر العقائدي تحدثت عن الزامية نزول القرءان مرة واحدة في قراءة نص قرءاني
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرءانُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة:185)
كذلك جاء تاكيد قرءاني في نزول القرءان جملة واحدة
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1)
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان:3)
وحمل الفكر العقائدي مساجلة فكرية في خلق القرءان او انه حادث طاريء صاحب عصر النزول وان حادثة بدر واحد واسباب النزول كلها احداث تحدث عنها القرءان فهو حادث وليس خلق سابق ودلت تلك الاختلافات والمساجلات جميعها دلالة واضحة على صفة الاضطراب الفكري بين حملة القرءان فكان الاختلاف المذهبي نتيجة لذلك الاضطراب
عندما يستخدم الباحث القرءاني اجازة منهجية قرءانية في ان القرءان للذين يعقلون تتحلل العقد الفكرية ويقوم البيان المعرفي من القرءان لان القرءان (مبين) ...
(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(لأنفال: من الآية41)
فكان ويكون في النص ان (الفرقان) هو (يوم) التقى فيه الجمعان وهو يوم معركة بدر .. وهنا يرفض العقل ان يكون القرءان فرقان بصفته بل يكون الفرقان (منهج) في القرءان لان يوم الفرقان لا يعني يوم القرءان بل يوم اجتمع فيه الجمعان ...
ما يؤكد هذا المسرب هو النص التالي
(وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة:53)
في هذه الاية سر خطير ومفتاح علم كبير وهو يرتبط بادراج سابق يؤكد ان لفظ (موسى) هو وعاء المساس العقلي وووضوح البيان في موضوعية الفرقان كما سنرى والمفتاح القرءاني الكبير يقع حصرا في (لعلكم تهتدون) وهو خطاب موجه لقارئي القرءان ولا يمكن ان يكون الخطاب لليهود وقوم موسى .. تكتمل (تلاوة ايات) مع فهمنا لتكوينة لفظ (هرون) وسوف يكون لها مقام لاحق ... كما يرتبط هذا النص الشريف مع بيانات تذكيرية قلنا فيها ان كل آدمي يمتلك قرءان في عقله (الاسماء كلها) وان القرءان يذكرنا فهو للذكرى وهو بلسان عربي مبين فلا تنفع له ترجمة ..
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرءانُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )(البقرة: من الآية185)
بين (لعلكم تهتدون) و (هدى للناس وبينات من الهدى) و (والفرقان) و (يوم الفرقان) و (آتينا موسى الفرقان) .. يجزم العقل ان الفرقان منهج قرءاني ولن يكون صفة بديلة للقرءان او اسم له او صفته الغالبة بل منهج في الاستقراء كما سنرى
يوم الفرقان سيكون مفتاح فهم منهجية الفرقان وقبلها نكون مع الفطرة العربية التي فطرنا الله عليها
ما هي الفرقة والفراق ومنها التفرقة ومنها فرقة موسيقية ومنها فريق علمي وفريق لكرة القدم ومنها فارقة تفرق ...
ورد لفظ فريق في القرءان كثيرا وبناء اللفظ العربي يكون من لفظ ثلاثي الحرف
فرق .. فراق .. يفرق .. فريق .. فارق .. فرقة .. مفرق .. مفارقة .. فرقان ..
فرق .. فرقان هو البناء العربي مثله مثل .. رحم .. رحمان .. قرء .. قرءان .. انس .. انسان .. تكذب .. تكذبان ..
قيام المعنى الثنائي في (فرقان) ملزم في عقل الباحث القرءاني حين (يعقل) المثل القرءاني في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان .. والقرءان يتمم البيان
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (لأنفال:42)
اللقاء هو ضديد الفرقة في العقل فكيف يكون يوم التقى الجمعان هو يوم فرقان .. ذلك استفزاز كبير للعقل وفيه ثورة واثارة ومن يريد العلم فليثور في القرءان فكيف يصف ربك يوم التقى الجمعان بيوم الفرقان !! فهو يوم لقاء جمعان (جمع + جمع) ...
النص الشريف في سورة الانفال يشير الى رابط الهي قام بفاعلية الهية (متنحية) تم فيها جمع الجمعين (ليهلك من هلك عن بينة) و (يحيي من حي عن بينة) .. تلك رابطة متنحية ربطها الله في يوم الفرقان لم يكن لاهل بدر قدرة على ربطها (لو تواعدتم لاختلفتم)
اذن هنلك رابط خفي (متنحي) يربط الفرقان .. نجده في لفظ (فرقة) فالفرقة تترابط فيما بينها برابط متنحي (خفي) يربط شيئا من مرابطها كما في الفرقة الموسيقية التي يترابط فيها لحن العازفين ربطا لا يرى ..!! الا في العقل ..
الفرقة العلمية ايضا تترابط فيما بينها برابط لا يرى في المادة العلمية وهي في العقل ... الرابط يكون تبادلي والا لن تكون فرقة موسيقية ولن يكون فريق طبي او فريق صحي او فريق لكرة القدم ...
الفرق بين موضوعين مبني على اظهار رابط تبادلي كان خفيا بين الموضوعين فالفرق بين السيف والعصا (مثلا) هو في نوعية المعدن فذلك الرابط لا يرى الا في العقل (متنحي) لان معدن الحديد ومادة الخشب غير مرتبطتان اساسا وان الفرق بين السيف والعصا اقام رابط متنحي عن السيف (حديد) ومتنحي عن العصا (خشب) فهو (فرق) بين السيف والعصا في رابط متنحي في العقل
هذه الاثارة العنيدة تعيدنا الى اكثر من موضوع منشور في قطبي العقل وفي كينونة القبلة والقدس وفي فيض اليمين واليسار في نص شريف
(فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً) (المرسلات:4)
وهي التبادلية في المرابط العقلانية عندما تؤتى من فيض اليسار فهي فارقات فرقا ...
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان:4)
وفيها (تلك ليلة مباركة) يتم ربط الامر الحكيم في العقل بشكل تبادلي .. وهي (ليلة القدر) ولا احد يعرف متى تكون ولنا معها ثورة فكر (اغرب من الغراب) عندما تكون على صفحة منشورة ..
الفراق في مقاصدنا هو ضديد التلاقي فهو فك مرابط بين المتلاقين فكيف يكون ربط تبادلي بين المرابط ..
(قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف:78)
الفراق هو لفظ في البناء العربي يدخل فيه حرف الالف (فرق .. فراق) .. والالف تدل على تفعيل الفعل (فعل .. فاعل) حيث يتبادل المفترقان مرابط خفية (متنحية) بديلة عن مرابط اللقاء التي كانت بينهما فيكون الفراق (اذا انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) وعندما التقيا كانت مرابطهما في (القتال) وفيها (يوم التقى الجمعان) ولكن الله (يريد ان يقضي امرا كان مفعولا) فكان يوم فرقان وفيه رابطان متنحيان (فرقان) ... أي (فرق + فرق) وهما يتبادلان الوسيلة (يحيي من حي) .. و (يميت من يميت) ... وهو نص قرءاني يذكرنا ..!!
القرءان .. فرقان .. فهو (قرء+ قرء) وهو ممنهج في (فرق + فرق) فلكل (قرء) مربط متنحي لا يرى الا في العقل فالقرء الاول هو في قصد السامعين وله مربط تبادلي (فرق) والقرء الثاني هو في قصد الله وله مربط متنحي لا يراه الا العقل ... فهو فرقان للذين يعقلون .. وهو قرءان للذين يعقلون .. في قصد السامعين تكون الشجرة شجرة نعرفها الا ان مربطها الخفي في العقل انه (حاوية فاعلية احتواء وسائل) ومنها شجرة التفاح واي نبتة اخرى تلك اذا (فارقة) خفية في مقاصدنا رغم انها موجودة في العقل تلك المرابط هي في (ذكرى) يتذكرها العاقل وهي عندما يتم ربط الفكر مع مصدرية العقل وهي نفسها عندما يريد الانسان ان يتذكر شيئا ما فان رابطة متنحية تربطه بخزين العقل عنده .
ففي القرءان رابطين متنحيين في (قرء + قرء) بدلالة العقل وحرف القاف يدل على (فاعلية ربط متنحية) وهي من عميق علوم القرءان .. وفي الفرقان (فرق + فرق) رابطين متنحيين وبدلالة حرف القاف في الربط فيكون
(ق وَالْقُرءانِ الْمَجِيدِ) (قّ:1)
وهو رابط متنحي لا يرى الا في العقل (ق) ومرتبط بالقرءان بدلالة الحرف (و) وهو رابط مرئي وهي الذكرى بعينها
الذكرى لا تؤتى الا من خلال رابط (سبب) ولا يمكن للذكرى ان تحصل عند الفرد ما لم يقوم سبب للذكرى فالفرد لا يتذكر ماذا كان عشاء الليلة السابقة الا اذا قام سبب (رابط) والسبب جاء بدلالة حرف الواو في (ق والقرءان) ونحن نتحدث عن اشارة تلميحية في علوم الحروف المقطعة في القرءان والتي اثقلت كاهل المفكرين في الفكر العقائدي منذ نشوء دولة الفقه الفكرية ليومنا هذا ..!!
زوجية القرءان .. زوجية الفرقان ... زوجية القرنين (ذو القرنين) فيكون قرنين مربوطين ببعضهما تقوم صفة ذي القرنين المحيرة في القرءان (اتياناه سببا .. فاتبع سببا) وهي اسباب الذكر وذلك من مؤكدة في القرءان في مثل ذو القرنين (سأتلو عليكم منه ذكرا) فهو ذكر متسلسل (متوالي) وهو من مكنوز علم القرءان في زمن الحاجة اليه وللتذكير سيكون مثل ذو القرنين هو اول مادة قرءانية سوف تفرض نفسها على العلم والعلماء في وعد الهي مسطور يخص (يأجوج ومأجوج) ومنها وبها يتم الركوع العلمي للقرءان
(حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) (الانبياء:97)
ذلك هو القرءان وتلك هي منهجية الفرقان في حبو عنيد يتذكر بالقرءان من يخاف وعيد وقد ختمت ادراجي المتواضع بوعيد الهي .. والوعد والوعيد يحتاج الى تذكرة في قرءان لم يفرط فيه ربنا من شيء ... وتلك تذكرة (رابط خفي) يحتاج الى سبب لتقوم الذكرى عسى ان تنفع الذكرى
الحاج عبود الخالدي
تعليق