الغنى .. وموقف الرحمان
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
يكثر الخطباء من قدح الغنى ويعتبرون جمع المال كراهة الاخرة وحب في الدنيا ويمعنون كثيرا في وصاياهم للتنزه عن المال ويسهبون كثيرا في شرور المال الكثير وسوء حيازته ويستشهدون كثيرا بمثل قارون
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (القصص:79)
(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) (القصص:81)
ويضعون لمن يتمنى غنى قارون نتيجة حتمية في نص قرءاني
(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص:82)
ولكن الناصحين لا يستكملون الدائرة المعرفية القرءانية بتمام بيانها ...!!
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77)
ويصورون الاسلام وكأنه يدعو للفقر لكي يفوز العباد بالجنة وينقلون الكثير الكثير عن روايات الفقر الشديد ويقولون انه الاقرب الى الله وان ترك الدنيا لاهل الدنيا هو افضل عبادة يتعبدها المسلم حتى وصل البعض منهم الى التصوف الحاد والهيام بين الربايا والادغال من اجل ارضاء الله ..!!! ومعنا قرءان يقرأ
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (لأعراف:32)
بل قل ... هل الله خلق زينة الارض للكافرين ...!! وحرمها على عباده الصالحين ...!! وعجبا يقولون والقرءان يقول (قل من حرم زينة الله والطيبات من الرزق) ... قالها قائل لعبد صالح :
اسكن أفره المساكن
اركب خير الركوبات
بين يدي خيرة الولدان
وعندي خير الاماء
واقتني افضل ما يلبسه الناس
فهل لي مقعد في الجنة ... ؟؟
قال العبد الصالح :
أوجئت بها من حلال يرضي الله ... قال بلى
أوفيت حق الله فيها ..... قال بلى
أوظلمت بها .... قال كلا
قال العبد الصالح (قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا .... خالصة يوم القيامة) ..
وان لم تكن آية في قرءان ... فهي في فطرة انسان ... قل .. هل يعقل عاقل ان الله خلق الطيبات للكافرين ويطلب من الصالحين الفقر ليرضى عليهم ...!!
الا ساء ما يحكمون ... بل العفا على اسلامنا الذي نـُظـّرَ اليه في ما لا يحتمله العقل المؤمن وكأن الله قد كتب للمؤمنين فقرا ولغيرهم غنى والله القائل
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف:46)
والله القائل (قل من حرم زينة الله .... قل هي للذين امنوا ) ولكن اكثر الناس لا يعلمون ان خير الارض قد خلق لعباد الله الصالحين
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الانبياء:105)
ولكن الناس يتصورون أن ارث الارض ملكيتها وحيازتها وينسون خيرها وعطاؤها فتصوروا ان ارث الارض يعني حكمها والتحكم فيها ...
صعقت يوما عندما اسمع احدهم ينقل مقولة لعلي بن ابي طالب (ما اجتمع مال الا من بخل او حرام) وعجبا فيما يقولون وهل علي بن ابي طالب يعلم الغيب ليتهم كل غني بالبخل او الحرام ..؟؟!! ... وما بك اذ يتغنون بمرقعة عمر وكأنها دستور المسلم ليعيش في مرقعة ونسوا وتناسوا ان ذلك رمز وليس حكمة مقام فقد كان خليفة المسلمين ولماذا لا يكون لبس المرقعة دليل سوء من حوله بالظنون فادرك ظنونهم ليعلن عن نزاهته من مال المسلمين فلبس المرقعة ولكن الاوراق تختلط حتى اصبح النداء ان الاسلام يدعو الى الفقر ليرضى الله عن المسلمين ..!!
ولكن المال يدس بصاحبه كما دس في قارون وصاحب الجنة فاستوجب التحذير منه لا لنبذه بل التحذير منه حين حيازته
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً) (الكهف:35) (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) (الكهف:42)
فمن جعل ماله شريكا مع الله في نعمته فانما قد جعل المال وليا لعزه كما فعل قارون (أوتيته على علم عندي) فخسف به ربه الارض ... وللنجاة من سوء صحبة المال ان لا يكون المال يوما عند الغني وسيلته لارضاء الله فيشتري الجنة بامواله فقد خاب من دس نفسه لرضا الله بماله فالمال رفيق غادر ان لم تأمنه بامان الله غدر بصاحبه وافلت مرابطه مع الله واصبح ممن امتلك ناصية العذاب وهو لا يدري
(وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:131)
فالمال فتنة ان لم نحسن صحبته ... والمال زينة في الحياة الدنيا منحت لعباد الله الصالحين ... وبينهما مؤمن يأتمن الله على ما آتاه فيأمن دوام نعم الله عليه .
تلك ذكرى ... عسى ان تنفع الذكرى
الحاج عبود الخالدي
تعليق