التقليد والأجتهاد بين النقل والعقل!!
الاجتهاد مبني على فكرة مشروعية المسلم ابتداءا في فهم النص و أستنطاق النصوص للكشف عن محمولها بعكس ما يقولون لا اجتهاد في النص..
فما يعنيه الكثير من المجتهدين بعملهم هو تعبير عن قراءة تخصصية للنص وليس تخصصية للمجتهد.. وحتى لو تم توزيع النص وفقا للاختصاصات المجتهدين بين اللغوي والفقيه والمفسر والمؤول والتاريخي والعقائدي والتخصص الوظيفي للمجتهد فلا يمكن لهؤلاء جميعا بعد أن وزعوا النصوص بينهم تخصصيا أن يجتمعوا ليقرروا مجمل موحد للقراءة.
هذا بالأضافة إلى أن البعض لا يمكنه أن يقرأ مستقلا بعقله وأخرون يرفضون أصلا وجود قراءة سابقة، ومنهم من أجتهد فقط ليبين خطأ القراءة السابقة أو يصحح ما أنحرف منها على أقل تقدير، فهو يتبنى القراءة قبل النص ويقلد في ذلك رأيه الذاتي في الحكم بين ما قرأ ويقرأون .
المجتهد هنا يقدم عقله الذاتي مؤسسا للحكم ويرى فيه غاية النص، ويفرض هذا الأجتهاد على الأخرون لأن الأخرون لا يملكون المؤهلات اللازمة لذلك، فهو داع لتقليد من بعده طالما أنه لا يقبل بالأحتمالية النسبية في ما توصل له .
اما المسلم المقلد فهو لا يقلد الا ما اجتهد فيه ابتداء ,ووصل في اجتهاده انه لا يمكنه أن يستحضر أكثر مما في القراءة السابقة ولا يزيد عليها إلا كلمات أطراء ومدح، ليس لأنه عاجز فقط عن ذلك ولكنه مؤمن بأن العقل الذي قرأ من قبل، عقل مقدس لا يخطئ ولا يمكن أن يكون هناك نظير أفضل لم يتوصل له في حينه، لذا فالمسأله عنده أن ما وصل هو نهاية ما يمكن أن يصل له عقل بشري حتى ليُصبح اتِّباع إمام من هؤلاء الأئمة بمنزلة اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم.
ولم يحاول أحد من الفريقين( المجتهد والمقلد) من تجريد النص كونه كائن مستقل عما حوله .
فكلاهما مجتهد ومقلد أو داع لهما هي أستجابة لواقع الفكرة التي يعيشها هو سواء كانت سياسيا او اجتماعيا او تخصصه الوظيفي وليس لفكرة النص ذاتها.
أن من يجتهد أو يدع للتقليد هو ليس الدين بل بشر يقرأ ويفكر ويستنبط وفقا لمقدماته (هو) وليس وفقا لروح وجوهر الدين.
المقلد والمجتهد كلاهما اتخذ من الصراع السياسي والاجتماعي وموقعه الوظيفي في المجتمع مقعدا لبناء فكرة التقليد والاجتهاد لدعم كيانه في منطقة الصراع السياسي والاجتماعي وتخصصه الوظيفي لا من اجل الرجوع الى المصدر الاسلامي وفهم عقلانيته .
مماجعل المجتمع الإسلامي مجتمع مخالف لعنوانه والهوية التي أتخذها سمة أجتماعية له....
مدرسة التقليد حرصت على مجاراة الأوضاع الأجتماعية لما كانت عليه مكة قبل الإسلام، وحرصت أيضا أن تسد الباب بوجه التغيرات التي أحدثتها الأنتفاضات والتمردات التي تم قمعها عسكريا والمطالبة بحق المساواة والعدل بين المسلمين كمجتمع محكوم لنظام عادل أفتراضيا (المسلمون كأسنان المشط) .
المدرسة الذي أرتدى شعارها الحفاظ على بيضة الإسلام وعدم السماح للعقل القاصر في أن يقدم الدين أجتهادا بما عرف لاحقا بمسمى الأهواء والتحريفات والبدع الدينية
فقد يكون خيار الإيمان موجود ومتجلي بصورة ما في الانسان البسيط وعلى طريقة خاصة ولكنه ليس ذات الإيمان الذي يسطره الكهنوت الإسلامي وخاصة مع تطرفه في تحديد أطره ,فهل وضع المؤمنون معيارا محددا لتحديد الكافر من المؤمن
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة62.
(ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد)
أن الله هو المختص بالفرز بين الناس على أساس علمه ومعرفته هو لا على أساس ما نختار نحن من أسس أو مفردات، فلا كافر ولا مؤمن إلا من يقبل الله إيمانه أو ينعته بالكفر وفقا لمعياره الخاص{وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ....وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النساء25
فلا سلطة لأحد على الأمر ولا خيار بما لا يختاره الله بعلمه.
فالدين الذي هو النقل ليس سوى فكرة للعقل وصلته بطريق خاص وعليه أن يتعامل معها كتجربة {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}سبأ24.
العقل وظيفته الإدراك والفهم للوعي بالقضايا والتعامل معها (ليس هناك عداء بين العقل والنقل في الفهم الصحيح للوحي ولا يجوز وجوده أصلاً، ولا يجوز أن تثار الخصومة بين أهل النقل وأهل العقل، لأن ذلك منفي ابتداءً وانتهاءً، حيث إن النص جاء ليخاطب العقلاء، لأن غير العقلاء غير مخاطبين بالتكاليف إجماعاً، ولذلك فإنه لا مجال لفهم النص إلّا عن طريق العقل، ولا مجال لتطبيق النص إلّا من خلال العقل، ولا عمل للنص إلّا في دائرة العقل ولا إعمال له خارج دائرة العقل والفهم والاستيعاب).
النقل يقوم بايقاظ العقل من حالة النسيان لحقائقه التي لا بد له أن يعرفها بموجب وظيفة العقل الطبيعية، مما يعني أن الحكم الديني أو الأمر الديني والقصص والأمثال والتنبيهات وما أراد الله في أن يكون من النقل، هي أو هو جزء من المنظومة العقلانية الطبيعية، ولكن تخلف العقل عنها هو الذي جعل النقل يعيد طرحها ليذكره أن ما يريد الله منا هو عين ما يعلمه العقل أو يجب أن يعلمه العقل بالضرورة...
فلو كان مضمون النقل غير قابل أن يكون بذاته معقولا لما كان للعقل أن يقبله.
لذلك وصف الذين لا يؤمنون بالنقل على أنه حقيقة يعود لمسألة الكفر بالعقل أولا والجهل بقضية العقل من قبل{مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} المائدة103.
هنا جاء دور التذكير ليجعل العقل في أمتحان القبول والرفض، هذه الحقيقة تركز عليها آيات التعقل الواردة في النصوص تفريقا بين تذكر ما يجب أن يكون وبين ألية التعقل لوحدها بمعزل عن النقل :
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة164.
والدليل هنا محصور في كلمة (لعل) لقيمة وتقدير دور النقل تجاه العقل، فهي أي النصوص ليست متقاطعة مع العقل ولا تسير معه في خط متوازي.
هنا لا بد أن نؤكد أن موضوع جدلية العقل والنقل جدلية مصطنعة لا أساس لها في النقل ذاته، لأن الله صنع وخلق الإنسان مستويا قابلا لأن يفهم ما يدور حوله ومستعد لأن يتبنى الموضوعات الطبيعية بما فيها الحقيقة الدينية طبيعيا وضروريا، ودور النقل فقط تذكير بها وجعلها حجة على من تناسى أو تجاهلها عن عمد أو كسل أو عجز، فمن ليس لديه الأستعداد الطبيعي لذلك فهو لا يعقل ما يصله من النقل حتى لو وصله كاملا وواضحا وجليا من خلال المحمول الفكري الديني :
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}يونس42.
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}القصص51.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}الزمر27.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}الدخان58.
هل يعني ذلك أن التجربة النبوية بما حملت من فرادة وأبداع أنتهت ولم يعد بالإمكان تكرارها ؟؟، لو تخلصنا من كل القشور والأفكار التي لا تنتمي للرسالة، وحاولنا أن نستكشف الدين من جديد كانه ينزل علينا الآن، وأتبعنا منهج الإنسان الرسول في التعامل مع الأخر المماثل والمختلف على أنه نسخه ثانية منا، يمكن وبأقل التكلفة أن ننجح في أعادة أحياء التجربة المحمدية، أما لو بقينا نتمسك بالإرث التاريخي والروائي ونحاول أن نفتش عن أبرة الحقيقة في كوم قش الباطل، فقد نحتاج إلى ألاف السنين الأضافية ولم ولن ننجح لأننا ما زلنا نتمسك بأن ما أضيف وتراكم وتجذر من أعتباطيات وأجتهادات الساسة المتدينون والمتدينون الساحة إلى الوعاء الفكري الإسلامي هو من جنس الصح والحقيقة.
فليس للمجتهد والمقلد ىسوى التذكير والنذر ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9) الاحقاف. ( قل يا ايها الناس انما انا لكم نذير مبين)
( فذكر انما انت مذكر * لست عليهم بمصيطر)
فالدين لا يتعدى حدود التذكرة وسوف يلاقي الانسان وحده مصيره..لقد جئتمونا فراده كما خلقناكم اول مرة..
(ذرني ومن خلقت وحيدا )
وما كان لنا ان نحتاج الى (كاهن) او (مفتي) او (خطيب) بل كان لحامل العقل حضورا في القرءان لتقوم الذكرى وهي لا تقوم الا عند مستحقيها...
تعليق