زلزلة الساعة و استثمار الزمن
بين الحقيقة و الوهم
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} ... الحج
في مشهد واقعي رسمناه في مخيلتنا و نحن نرى إذ نرى أنفسنا عسى أن يرى القارئ الكريم ما نراه أننا على متن سفينة خشبية في عرض البحر و تحت رحمة أمواجه العاتية التي تهز السفينة يمنة و يسرا و الناس فيها واقفون و آخرون تذكروا أن الجلوس أو الانبطاح على الأقل أسلم لهم من أن تذهل أقدامهم عن مواطئها لأنهم رأوا أن الوقوف يجعلهم في تمايل كالسكارى و ما هم بسكارى ... اتقوا ربكم لتقوا أنفسكم تمايل السفينة عندما تقرر أمواج البحر أن تلطمها لطمة لا تبقي و لا تذر ...
يتعامل الفكر الإسلامي التقليدي على أن المقاصد الإلهية الشريفة في أول آيتين من سورة الحج بأن وصف زلزلة الساعة هو وصف خاص بقرب نهاية البرنامج الإلهي للخلق و البشرية و هو وصف صحيح من منظوره العام عندما يصيب الذهول المرضعة الكبرى دون الخوض في التفاصيل أو ما يسمى بالأحداث الكبرى ليوم القيامة .... إلا أن الدستورية القرءانية ذات البيان الآني لنظم التكوين و النشاط الكوني التي تعالج الحدث بصفة ءانية سواء أكان الحدث فرديا أو جماعيا تقول بأن زلزلة الساعة هي نتاج يقوم في كيان الذين لا يتقون ربهم بصفة فردية أو جماعية ... و عدم تقوى الرب لا تعني أن الذي حلت زلزلة الساعة في ساحته غير متقي في كامل كيانه العقلاني أو المادي و إنما يمكن أن تنعدم التقوى في مفصل من مفاصل الإنسان أو تنتقل إليه انعداميه التقوى الجزئية أو الكلية بعامل وراثي أو من محيطه الإقليمي الذي يعيش فيه أو من أي موقع في الكون اللامحدود تحل فيه انعدامية التقوى أو تكون محلا له دون أن يكون للمريض دخل مباشر لانعدام التقوى في كيانه مسببة له أعراض مرضية موثقة بأسبابها ...
انعدامية التقوى تعني بشكل بسيط جدا حلول الضعف في كيان المصاب بها بغض النضر أكان الضعف عقلانيا أو ماديا و على سبيل المثال فإن المريض بالنقصان سلبا أو بالزيادة إيجابا في ميزانه الموزون تحل انعدامية التقوى أو حالة الضعف و الوهن في كيانه فيصاب بالمرض الموصوف قرءانيا بزلزلة الساعة و كما قلنا أن انعدامية التقوى يمكن أن تحل في ساحة المريض دون أن يكون له دخل في ذلك كالمصابين بما يسمى بالأمراض الوراثية التي انتقلت إلى المريض من والديه و أجداده دون أن يكون للمريض دخل بها أو مثل الأمراض المعاصرة التي يعزى سببها إلى التأجيج الموجي الفاحش و ليس هذا فقط بل يمكن أن تنطبق الحالة على من كان ينشط في نشاط استثماري فيشهر إفلاسه في لمح البصر نتيجة سوء تدبير و دراسة منه للسوق الاستثمارية التي ينشط فيها و في ذلك انعدامية تقوى كان ذات المستثمر سببا لقيامها في كيانه الاستثماري لأنه لم يجعل لربه أو كيانه الاستثماري وسائل وقائية تقيه غيلة الزمن الغائب الماضي أو المستقبل ... كما يمكن أن تحل انعدامية التقوى في كيان المستثمر نتيجة تدخل قوى استثمارية احتكارية أكبر و أقدر على قدرة كيان المستثمر فيحل الإفلاس مزلزلا كيانه جزءا أو كلا ... و هلما جرا
و لو نضرب مثالا آخر بوسيلة التبادل النقدية المعاصرة تلك الأوراق ذات الأرقام الوهمية التي لا تساوي شيئا في حقيقتها و ما كانت يوما ساكنة ليسكنها الناس مثلها مثل أمواج البحر في تموج و اهتزاز دائم فيما يسمى بالبورصة أو أسواق المال و العملات يمكن أن يصير الساكن فيها غنيا بين ليلة و ضحاها لأن رب الأرقام الورقية قد أراد له أن يكون غنيا و حين يريد ربه أن يفقره فلن يكون باستطاعته حتى اختيار سكين النحر الذي سينحر به ... اتقوا ربكم
التقوى بمفهوم بسيط هي حيازة أو احتواء قوة وقائية تأمن المتقي من أخطار و تقلبات عنصري الزمن الماضي و المستقبل في الزمن الحاضر الذي يسعى فيه و فيه تقوم زلزلة الساعة ... و لأن كلمة التقوا قد بنيت أركانها على حرف القاف أساسا و منها نقرأ وق من وقاية و قو أنفسكم و منها تكون القوة و القوت أيضا ... و حين نعرف أن حرف القاف يقرأ حرفيا فاعلية ربط متنحية فإنه على المتقي أن يفعل رابطا متنحيا مع عنصري الزمن الماضي لإصلاحه و المستقبل لاتقاء أخطاره ...
كلمة التقوا كما وردت في النص القرءاني من سورة الحج ( إتقوا ) تقرأ حرفيا تنفيذ تكوينية ربط لاحتواء فاعلية متنحية الربط ... و لا بد لتلك التكوينية التنفيذية أن تكون شاملة لتؤمن المتقي من جميع المخاطر الماضية أو المستقبلية المحتملة التي يمكن أن تزلزل ساعته الحاضرة و على هذا لابد أن تكون تلك التكوينية التنفيذية ذات تكوينية مخلوقة و ليست مصنوعة للإصلاح الآني لما فات و قبر في الزمن الماضي و للاستشعار الآني أيضا لما هو آت من المستقبل لأن المراد الذي يراد منها هو الربط لاحتواء مخاطر الزمنين الماضي و المستقبل المتنحيين برابطيهما عن الساعي في الزمن الحاضر محل الزلزلة ...و إتقوا ربكم أيها الناس
و الرب هو لفظ يفيد صفة العموم عندما يكون لصيقا بالله رب العلمين فالله هو الرب الأكبر لكل شيء دون استثناء و الأهم من ذلك كله أن الله هو رب الزمن و لكن لفظ الرب لا يعني فقط صفة العموم بل يفيد صفة الاختصاص أيضا فهذا رب العمل و ذلك رب البيت و هنالك رب للأسرة و رب المال و الاقتصاد و رب السياسة و أرباب للحرب و السلم و ما أكثرها أرباب هذا الزمن و في القرءان نقرأ وصفا لفرعون قائلا بأنه رب أعلى و لكل وصف كلامي قرءاني أو كتابي وجهين أو وجهتين سلبية و إيجابية كما نعتقد بزوجية الخلق فالكلام و النطق خلق إلهي يقينا و بلا شك و الضاهر في وصف فرعون كما يظهر للناس أنه ذو توجهات سلبية فهل يمكننا أن نقرأ صفة إيجابية في الصفة الفرعونية القائلة أنا ربكم الأعلى
الرب هو قابض الوسيلة في قراءة حرفية و فيها رب الرزق هو قابض وسيلة الرزق و رب العمل هو قابض وسيلة العمل و أرباب المال هم القابضون لوسيلة المال كما نرى في عصرنا هذا الذي صار فيه المال أوراق وهمية لها أرباب يصدرونها و يحمونها بموجب القانون ... لنقيم فهما بسيطا للرب بأنه مصدر الشيء و حاميه في نفس الوقت ... فرب العمل هو مصدر العمل و حاميه و رب الأسرة كذلك هو مصدر الأسرة و حاميها و هكذا حتى نصل لله سبحانه و تعالى هو رب العلمين مصدرهما و حاميهما و الأهم أن الله هو رب الزمن مصدره و حاميه أيضا ... و فرعون القائل أنا ربكم الأعلى فهو رب الأنشطة المنتجة و حاميها أيضا ... فمن هو فرعون ؟ عسانا نعصر من الثمرة المرة شرابا حلوا
فرعون هو فرع + فرع + فرع + .... و هو مجموعة الفروع المترابطة فيما بينها المتحددة في أهدافها كما هي هيكلية الدولة الحديثة أو كما هي هيكلة الدولة العالمية التي تدير العالم خلف ستار الأمم المتحدة و الدول فيها فروع مستقلة في كياناتها و أنشطتها متحدة في أهدافها و علة قيامها ... لنقرأ في القرءان و الكتاب أيضا أن للشجرة فروعا في السماء ... أوراق الشجر فروع و أغصانها فروع و ثمارها فروع و جذورها فروع و جذعها فرع أيضا في بدن فرعوني اسمه شجرة لابد للبيعة أن تكون تحتها في قانون قرءاني دستوري أن البيعة تحت الشجرة بكامل فروعها ...
و نحن إذ نبحث عن فرعون إيجابي نتقوى به و نتقي به شر الفرعون السلبي الذي زلزل كيان الأرض و أفسد ساعتها و لأننا لسنا في معزل عن العالم الراهن القائم و مرغمون في أن نستعين بالوهم الفرعوني السلبي لنصل إلى حقيقة الفرعون الإيجابي
و سنضرب مثلا بنتيجة نقاش مع شخص عزيز علينا جدا تناقشنا معه حول آلية الانتقال و الفرار من ضيق الحشر فرعوني إلى وسعة ملكوت الله الواحد القهار ..
المال المعاصر أو العملة الورقية هي عملة وهمية باطلة و كل ما يبنى عليها فهو باطل لأن أساس البنية وهم و خيال شيطاني لا يمت للحقيقة التكوينية التي أسسها الخالق بصلة حتى و إن زينت تلك العملية البنيوية المؤسسة على أوراق وهمية بآيات قرءانية أو أحاديث نبوية كأن يقال أن الله أحل البيع و حرم الربا و كلاهما في الحقيقة باطل لأن وسيلة التبادل السلعي في العملة الورقية باطلة ليكون البيع عليها باطل و غير جائز فما بالك بحرام يبنى على باطل ... و نحن في عصر منقلب الأسس متغير المعايير و الحكيم فينا من عرف كيف يقرأ تلك المنقلبات و المتغيرات ليكتبها لصالحه بما توفر لديه من أدوات الكتابة فنحن في عصر اختلط فيه الحلال بالحرام و الناس ما عادوا يفرقون بين الحقيقة و الأوهام ...
يا صديقي .... الدم حرام إلا أن اضطرار المخمصة يجعل من الدم حلالا بشروط المخمصة فحري بك أن تكون مقيدا بحقيقة اضطرار المخمصة في مغفرة و رحمة من الله خير لك من أن تكون حرا في وهم باطل اسمه عملة ورقية ... و لكن كيف ؟
يا صديقي العزيز ان كنت صديقي تصدقني فاسمع كلامي الغريب الصادق و كما أعرف أنك في حيرة من أمرك و أنت لا تملك مالا ورقيا لتنقذ نفسك من زلزلة الساعة التي طاش موجها في وجهك و كامل كيانك وما كان المال الورقي يوما منقذا لك من الزلزلة و لكن باستطاعتك يا صديقي العزيز أن تأخذ قرضا ورقيا و أنا أعلم أنها القروض الورقية كلها تريد فائدة قال فيها فقهاء شرعهم أنها حرام و هم الذين لا يعرفون أن الحرام هو مشغل تحرير فعال
يا صديقي العزيز الربا هو فاعلية الرب الذي قلنا فيه أنه مصدر الوسيلة و حاميها و هو المطلوب منك أن تتقيه بتفعيل الرابط المتنحي معه ... فجملة اتقوا ربكم من سورة الحج هي لردم أي زلزلة محتملة أو غير محتملة للساعة تعني كما قلنا تقوية ربكم و وقايته ليكون ما تصدرونه من أنشطة مختلفة أنشطة قوية و محمية بموجب نظم الوقاية الحقيقة و ليست الوهمية فإن كنت ستأخذ قرضا ورقيا وهميا لتصدر به نشاطا لا يتصف بالقوة و الوقاية فلا أنصحك بذلك و لا أنصح بذلك حتى من كانت أمواله الوهمية من أوراقه الرقمية التي يملكها متوهما ... أما و إذا كنت ترغب في شراء الحقيقة بالوهم فذلك عين المراد في أن تقدم على طلب قرض ربوي من أوراق وهمية لتحوله إلى استثمار حقيقي في عنصر الزمن و تكون بذلك قد استخدمت وسيلة حرام في أصلها لتحرر نفسك بها من ضيق الوهم إلى وسعة الحقيقة ... و لكن كيف ؟
لا تتعجل يا صديقي العزيز ... لأني مجيبك على سؤالك و نحن في الجزائر يطلقون تسمية المال على الأنعام ... و الناس اليوم يعتقدون بالمال الورقي الوهمي و بين المال الحقيقي و المال الوهمي تكون المعادلة الانتقالية من ضيق الوهم إلى وسعة الحقيقة باستخدام الوهم الحرام للوصول إلى الحقيقة الحلال ... عندما تقدم على أخذ قرض من مال ورقي وهمي فإنك بذلك قد قمت بأول خطوة في الاستثمار في عنصر الزمن بأن جمعت الوهم من المستقبل و كلما كان الوهم الذي تجمعه من الزمن المستقبل أكبر كلما كان الاستثمار الحقيقي أقوى و أنجح أتدري لماذا لأنك أفرغت سلة الوهم في المستقبل قدر الإمكان حتى صار الوهم ضعيفا فيها و من البديهي جدا أن الزجاجة التي تفرغها من الماء يملأها الهواء و أنت يا صديقي العزيز قد أفرغت قارورة المستقبل من المال الوهمي و ما عليك إلا أن تملأها بالمال الحقيقي في تربية الأنعام التي تؤمن مالكها من زلزلة الساعة المحتملة أو غير المحتملة و تجعل من الزمن بكل أركانه شاشة ثلاثية الأبعاد واضحة لناضرها فيها
ثلاثة من الأنعام تعالج الأثر في الزمن الماضي و هي الخيل و البغال و الحمير
و أربعة منها تقي مالكها من مخاطر المستقبل و هي المعز و الضأن و البقر و الأبل
يا صديقي العزيز تلك الحيوانات السبعة كل منها فرع خاص من فروع النشاط الكوني اجعلها في بدن فرعوني تكون لك قوة و وقاية من أي زلزلة للساعة ماضيا كان مرجعها أو مستقبلا كان مصدرها
يا صديقي العزيز القرض الربوي للأوراق المالية الوهمية = خسارة في كفة الوهم المالي يقابلها ربح في كفة الحقيقة المالية ...
يا صديقي العزيز كن صادقا مع نفسك و كن مع الصادقين ... و احذر الخوف فإنه من الشيطان حتى لا تكون ممن قيل فيهم تسمع إن ناديت حيا و لكن ...... لا حياة لمن تنادي .
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)} ... الزخرف
السلام عليكم
تعليق