ارض غير ذي زرع !! وملة ابراهيم في القرءان
من اجل بيان مرابط علة الملة الابراهيمية في القرءان
{ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } (سورة إِبراهيم 37)
النص الشريف يستنفر عقل قاريء القرءان من اجل البحث والتدبر فيتسائل (لماذا يا ابراهيم) يكون الاختيار في مكان (غير ذي زرع) ليكون سكنا لك ولذريتك !! اذا كان كما نقل التاريخ ان ذلك الشأن يخص (مكة) وفيها بيت الله الحرام وهي واد غير ذي زرع فان عقلانية الباحث تتسائل (لماذا جعل مكه سكنا له وهي غير ذي زرع ؟؟) ألا يكفيه ان يحج في مكه ويسكن في غيرها ؟! ولماذا خرج منها رسول المسلمين محمد عليه افضل الصلاة والسلام وهو الاولى ان يتخذ من الملة الابراهيمية دستورا له ؟ فاذا كان خروجه عليه افضل الصلاة والسلام من مكه مجبرا لاتمام الرساله في يثرب فلماذا لم يطبق الملة الابراهيمية ليسكن في مكة بعد الفتح تطبيقا لملة ابراهيم !!؟ والتي قال فيها ربنا ومن يرغب عنها الا سفيه النفس !!
انها ليست تساؤلات يراد منها تفكيك ما نقل روائيا عن ابراهيم ومكه بل يراد منها تجريد النصوص الشريفة من شخوصها التاريخية بالدليل العقلاني الملزم والملتزم مع نصوص القرءان ليتحول النص الشريف الى بيان دستوري يخص الملة الابراهيمية التي قال ربنا فيها قولا خطيرا علينا حين نرغب عنها فنكون من سفهاء الانفس
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } (سورة البقرة 130)
واذا عرفنا ان (الزرع) هو إلهي النشأة والنفاذ فان اختيار ابراهيم كان مرتبط بمشيئة الهية فقد بينت نصوص القرءان الشريفه ان الزرع لا يكون من منشأ بشري ولن يكون
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } (سورة الواقعة 63 - 64)
من ذلك التدبر والتبصرة بالنصوص الشريفة يتضح ان ابراهيم في ملته يختار مكانا متصفا بصفة (اللازرع) كجزء من ملته ليكون سكنا لذريته وحين نرفع الاقفال عن متقلباتنا الفكرية ونعزل الرواية عن مهام عقلنا لنتدبر القرءان سنجد ان بيانا غريبا (لاول وهله) يحمله النص الشريف حين نقرأ (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) فكيف يرزقهم من الثمرات وهو اسكنهم في (واد غير ذي زرع ؟!) فان قلنا ان الثمرات سوف تجبى لهم من ديار قريبة فان ذلك الامر ينفي صفة اللازرع في ما يختار ابراهيم فـ المدن جميعا تقع في واد غير ذي زرع فلا زرع في المدن بل حواليها فان كان الاختيار الابراهيمي هو في واد غير ذي زرع فذلك يعني ان (الزرع مفقود) في موقع الاختيار ولا يمكن القبول ان حول ذلك الوادي زرع ليكون فيها (رزق الثمرات) بل لا بد ان تكون الثمرات التي يرزقهم الله بها من الواد الذي اختاره ابراهيم في صفة ذكرها القرءان (عند بيتك المحرم)
البيت في اللسان العربي المبين وعلم الحرف القرءاني لا يعني (المنزل) او المسكن بل يعني (محتوى يقبض الحيازه) مثل (بيت العنكبوت) الذي جاء ذكره في القرءان وحين نقرأ { إِنَّهُ لَقُرءانٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } علينا ان نبحث في الكتاب المكنون فنرى ان حشرة العنكبوت لا تسكن في ذلك البيت الواهن بل نرى بيقين مطلق ان العنكبوت انما جعل بيته لقبض حيازة طعامه فنسيج العنكبوت انما يصطاد الحشرات التي يتغذى عليها العنكبوت , ومن ذلك الرشاد التدبري لنص القرءان تظهر سنة خلق مرئية في ما كتبه الله في كتاب الخليقه فـ ندرك ان (بيتك المحرم) لا تعني الكعبة حصرا بل تقيم دستورية بيان شامل لكل (محتوى يقبض الحيازه) حين نرى ونقرأ في القرءان ان الكعبة جعلها الله بيت حرام بنص شريف
{ جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (سورة المائدة 97)
عندما يكون (اللسان العربي المبين) على طاولة بيان ووضوح تام فان مدارك الباحث تتدبر النص بشكل (مبين) ان (الحرام) لا يشمل (الثمرات) بل يمكن ان ندرك ان عملية الجعل للكعبة بيت حرام مختص لـ القيام (قِيَامًا لِلنَّاسِ) ولا رابط يربط الكعبة بالثمرات واذا عرفنا ان لفظ (الناس) يعني (الناسين) وبلسان عربي مبين عرفنا ان الطلب الابراهيمي (وارزقهم من الثمرات) سوف لن يكون ذا رابط مع (بيت الله الحرام) اي الكعبه لان (الزرع والناس) صنوان لا يفترقان فاين يوجد الزرع يوجد الناس والدليل قائم في ما كتبه الله في كتاب الخليقه حين نرى الصحارى والبحار والمناطق الصخرية (بلا ناس) لانها (بلا زرع) وعندها ندرك حقيقة المنهج الابراهيمي ان الملة الابراهيمية لا تقوم (بين الناس) بل لا بد ان تقوم بمعزل عن الناس في واد غير ذي زرع !!
من الفرقان الذي وصفه ربنا في القرءان نقرأ
{ وَقُرءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } (سورة الإسراء 106)
فنقرأ ما فرقه الله في قرءانه حيث نجد في نص ءاخر يخص الملة الابراهيمية مصداقية ما رشد على طاولة البحث ان لا زرع تعني لا ناس
{ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } (سورة مريم 48 - 49)
فكيف يكون الاعتزال الا في واد غير ذي زرع وهو يساوي في منطق التدبر للنص الشريف في (واد غير ذي ناس) ذلك لان السكن وسط (الناسين) لا يقيم الاعتزال من ما يدعون من دون الله وما يعبدون من دونه فـ الانسان كمخلوق ندرك صفته بالفطرة انه (كائن اجتماعي) لا يستطيع سد حاجته لوحده فالنجار يحتاج الحداد وبالعكس والخياط يحتاج الفلاح وبالعكس فهو (إنسان) فكيف يتبادل الابراهيمي (البريء) من قومه والذي اعتزلهم في ما يعبدون ويدعون من دون الله تبادلا نفعيا مع الناس الذين نسوا امر ربهم بطبيعة ما خلق وهم يدعون ويعبدون من دون الله !! فان عبدوا الدنانير الورقية مثلا فهي ليست من الله بل من بنك الاصدار الوطني !! وان مرض احدهم فلا بد ان يكون له معبد للشفاء اسمه (المشفى) وابراهيم في ملته يقول
{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (سورة الشعراء 80)
ولكن ملة ابراهيم المسطورة في القرءان بينت ان الاعتزال الابراهيمي من طرف الابراهيمي نفسه لـ الناس ينقلب الى صفة اخرى (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) فاذا عرفنا ان هنلك عملية جعل لـ (افئدة الناس) تهوي اليهم وهم (ذرية ابراهيم) الساكنه بواد غير ذي زرع عرفنا ان (الملة الابراهيمية) منتجه نتاجا تكوينيا وهو مبين واضح ان تكون (فوائد الناس) بما نسوا تهوي اليهم وذرية ابراهيم في معزل عنهم فـ الافئدة لا تعني جمع (قلب) او (فؤاد) كما قيل لنا من اسلافنا فهي سنة منطق مبين في الفائده وبلسان عربي مبين وننصح بقراءة الادراج في الرابط ادناه
ما هو الفرق بين القلب والفؤاد في القرءان
من تلك القراءة التدبرية للنص الشريف ندرك عملية الجعل الالهي (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ان فوائد الناس (الناسين) اي (حاجاتهم) تهوي اليهم وهم (ذرية ابراهيم) ليسوا في حاجة لهم !! ذلك يعني ان الملة الابراهيمية حين تتفعل تخضع لعملية جعل الهي مهيمن على حاجات الناس فيكون الابراهيمي محافظا على اعتزاله ممن يدعون وما يعبدون من دون الله لانه في (محتوى) اي (بيت) قابض لحيز وسيلتهم (قبض ايقاف) لانه (حرم الهي) جاء ذكره في القرءان (عند بيتك المحرم) لانه مرتبط بعملية جعل إلهي ذلك لان (الناسي) له حاجة نسيها ولن يجدها في ما هو بمعيتهم عابدين وداعين لما هو دون الله فيرى سداد حاجته (فائدته) في معية من تبرأ منهم واعتزلهم لانه ذهب الى ربه كما جاء في النص الشريف لـ ملة ابراهيم
{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ } (سورة الصافات 99)
فـ الهداية التي يحصل عليها حامل الملة الابراهيمية حصلت من وعد الهي متين لحامل تلك الملة
{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } (سورة الأَنعام 75)
ليكون من الموقنين .. فهي بلسان عربي مبين تعني ان الابراهيمي يحصل على مكون لـ (يكون) من الموقنين واذا عرفنا ان لفظ (الموقنين) من جذر عربي (قن) ومنه القانون فذلك يعني ان الابراهيمي سيكون مشغل (اليقين) فيدرك قوانين الخلق التي تقع في حاجته هو فتكون مهيمنه على حاجات الناس الناسين التي تقع في هواهم لحاجاتهم كمن هو جائع ولا يمتلك الاكل فيرى من يأكل فتهوى حاجته لـ الاكل لمن يمتلك الاكل
الملة الابراهيمية هي حاجة المعاصرين اكثر من حاجة السابقين ذلك لان الاولين كانوا خاضعين للطبيعة التي خلقها الله صافية نقية من الدنس الحضاري القائم فقد اصبحت النظم الحضارية دعوة كل المتحضرين بل يعبدون النظم الحضارية والملة الابراهيمية تعتزلهم وما يدعون وما يعبدون من سبل مبتدعة جيء بها من دون الله تلك السطور قامت من ذكرى قرءانيه الا ان اختصاص رحمة الله لمن يشاء خارج قدرة البشر كما هو ابو ابراهيم ومن دستوريتها نقرأ
{ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } (سورة المدثر 56)
الحاج عبود الخالدي
قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله
تعليق