جلد الذات في ثقافة العابدين !!
من اجل بيان رابط العبادة بعلتها
من اجل بيان رابط العبادة بعلتها
سرت ثقافة جلد الذات في التعبد عند مختلف المتدينين على اختلاف مذاهبهم وتميزت فرقة الصوفيه في عمق تلك الثقافه رغم ان (علة جلد الذات) لم يكن لها بيان واضح في فقه المتعبدين عموما حيث اثرت القسوة في التعبد تأثيرا سلبيا على امزجة النشيء الحضاري مما جعل تلك الثقافة سببا في هجر الدين من قبل جيل الحضارة المترف مما يستوجب على جيل المسلمين المتحضر ان يراجع تلك الثقافة بـ معزل عن الارث الموروث الذي بنى العباده على ممارسات غير متصله بعلة احكامها فجعل القسوة بالعباده وكأنها بيانا مبينا لـ علة التعبد خصوصا في العبادات المنسكية او في نظم التزهد المرتبط بممارسات التقشف في كل شيء والمبنية على بدعة القسوة مع النفس في كل مرفق من مرافق يوميات المتعبد
في العصر الحديث المتحضر بالعلم تم كشف الغطاء عن علل الاشياء ومرابط التكوين وبنسبة ساحقه مما جعل سنن التحضر مرتبطة ربطا متينا بتلك العلل فعلى سبيل المثال حين اكتشف العلم المخلوقات المايكروبيه مارس سنة التعقيم وبشكل شامل وبقساوة معروفة ومثلها القسوة في قتل الحشرات باكتشاف عدد كبير من المبيدات وفي مثل تلك الامثلة ندرك (علة القسوة) التي يتحكم بها العقل البشري الا ان القسوة في التعبد بقيت غير مفهومة العلة وكأن الله سبحانه لا يقبل العباده الا حين تكون قاسية على نفس المتعبد كما في التزهد في الدنيا او جسد المتعبد حين يقسو على جسده وهو يؤدي عبادته ففي التزهد يزهد المتعبد عن كل ملذات الدنيا ويحرم نفسه منها ظنا منه انه سوف يرضي المعبود (الله) والله هو القائل
{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (سورة الأَنعام 54)
فكيف يقوم العابد بالقسوة على نفسه او جسده وهو يعبد الله الذي جعل (السلام) لعباده وكتب على نفسه الرحمة في ما كتب لعباده فكيف يجروء العابد على القسوة في جلد ذاته !! وكيف يقلب رحمة الله الى قسوة لا مبرر لها ؟ حين ندرك ما كتبه الله في الخلق سوف ندرك القسوة في جلد الذات عندما تقوم علتها فلو رصدنا ءالام الحامل وءالام الولاده ندرك ان لتلك المظاهر القاسية علة تكوينيه ومثلها حين تنبت اسنان الاطفال اللبنية او عند نزعات الموت او عند القتال في سبيل الله قاتلا او مقتولا الا ان اطلاق القسوة في التزهد المبني على التقشف الحاد مع الذات او مثل من يصلي في الشمس المحرقة تقربا لله انما يقوم بجلد ذاته دون ان يكون لـ العلة حضورا مبينا في ما يفعل ونقرأ القسوة في ما كتبه الله في الخلق وتستطيع عقولنا ان تدرك (كينونة العلة) بين قساوة عمل مهني الحداد ونعومة عمل الخياط او الرسام وندرك قساوة عمل عامل البناء وعمل عامل الضيافه فندرك علة التكوين لعمل تلك الاطراف فـ يتم قبول القسوة في العمل يقابله قبل النعومة في العمل الاخر لتتوائم مع اطوار الخلق فـ عامل الضيافة والرسام والخياط لا يمتلكون قدرات عمل عامل البناء والحداد وامثالهم ذلك لان الله خلق العباد اطوارا
{ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا } (سورة نوح 14)
ومن ذلك الطور المختلف نقرأ سنن الله في الخلق في العباده ومنها يقوم الدستور الملزم لـ (السلم) الذي كتبه الله رحمة بالعباد
{ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (سورة البقرة 184)
لذلك فان العبادة كـ (عمل) يعمله المتعبد يجب ان لا تتجاوز حد طاقة الفرد او ان تكون سنة متخذة لانها صفة فردية لا يمكن تعميمها على كل الناس باختلاف قدراتهم لذلك فان ثقافة التعبد لا تخضع لاهواء العابد بلا حدود ونسمع الحكم الالهي الصارم
{ وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (سورة الأَعراف 42)
ومن تلك الضابطة القرءانية فان الترويج لثقافة جلد الذات في العباده لا يتوافق مع سنن الله في خلقه ولن تكون القسوة في العبادة جزءا من التعبد بل تجاوزا على سنن العباده سواء كانت العبادة منسكية مفروضة او في عبادة مرجعية الى نظم الله وسننه السليمة في مأكل ومشرب وملبس ومسكن فـ الافراط في القسوة عند العبادة لا يمتلك اي رابط معلول بسنة خلق خلقها الله فالله سبحانه جعل الميزان وفيه توازن لكل شيء في الخلق ولا يحق لـ العابد ان يخل بذلك الميزان اما كينونة الميزان فهي فطرية يمكن ان يدركها مقيم الدين بفطرته ويستثمر النعيم الالهي في كل شيء لان الله كتب على نفسه الرحمة
الحاج عبود الخالدي
قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله
تعليق