السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
من المعلوم لدى الجميع كما جاء في التراث الاسلامي (( إنَّ المُوحِّد العاصِي مُمكِن وُلوجُه إلى جهنَّم ؛ ولَكن على أن يمكُثَ مُدَّة مُعيَّنَة على قَدر ذُنوبِه ثُمَّ يخرُجُ مِنها ويُطهَّر ويُدخَل الجِنان بعدَ ذَلِك)) .
وتمسَّك أربابُ "فِكر الخُروج مِن النَّار" بِظواهِر بعض الآيات القُرآنيَّة أشهرُها آيَات سُورة هُود التي يقُول الله فيها: { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ.خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود :105- 108].
فالآيات تُشير (حَسبهُم) إلى إمكانيَّة أن يشاءَ الله أن يُخرِج صِنفا مُعيَّنا مِن النَّاس مِن النَّار ، فالمشيئَة هُنا تُعطي بَصيصَ أمَل في النَّجاة....
يُجابُ عليهم أنَّ الله استَعمَل نفس التَّعبير بِشأن أصحابِ الجنَّة كَما هُو ظاهِر في الآيَة الكَريمَة؛ فأيُّ شَيء أثبتُّموه بالنِّسبَة لأصحابِ النَّار فأثبتُوه لأصحابِ الجنَّة! وإن فرَّقتُم فتفريقُكم تحكُّم لا دَليلَ عليه؛ فبطُل استِدلالُكم بالآيَة .
ثانيا إنّ الجزمَ بأنّ المقصودَ بالعبارةِ القرآنيّةِ ( إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) هو خروجُ بعضِ أهلِ النارِ من النارِ ، يقتضي - لو كان سليماً ولو كان لا يُنافي صريحَ القرآنِ الكريم - ورودَ هذه العبارةِ القرآنيّةِ على الشكلِ ( إلاّ من شاء ربّك ) ..
فالعاقلون - كأهلِ النارِ وأهلِ الجنّةِ - تُناسبُهُم كلمةُ ( من ) دونَ كلمةِ ( ما )، إضافةً إلى أنّ هذا الجزمَ يقتضي خروجَ بعضِ أهلِ الجنّةِ من الجنّةِ .. وبالتالي لا يمكنُ الجزمُ بأنّ كلمةَ ( ما )تعني مجموعةً من العاقلين الداخلين في النارِ ، أو في الجنّةِ ..
–لمّا كان ورودُ كلمةِ ( ما )دونَ كلمةِ ( من ) في العبارة القرآنيّة ( إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّك ) لا يُفيدُ الجزمَ باستثناءِ بعضِ أهلِ النارِ - أو بعضِ أهلِ الجنّةِ - كما رأينا .. فإنّ ذلك لا يقتضي ولا يفرضُ أنّ هذه العبارةَ القرآنيّةَ تعني استثناءً من زمنِ الخلودِ ، لأنّ ذلك سيؤدّي إلى أنّ الخلودَ التامَّ لا يُوجَدُ في النارِ ولا في الجنّةِ ، لجميعِ الداخليَن في النارِ وفي الجنّةِ دون استثناءٍ .. وهذا يُناقضُ صريحَ البيانِ القرآنيِّ في العديدِ من الآياتِ الكريمة.
الآيةُ الكريمةُ التاليةُ ، تؤكّدُ حقيقةَ ما نذهبُ إليه ..
( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) [ الأنعام : 6/128 ] ..
وبالتالي فالعبارةُ القرآنيّةُ ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )، تتعلَّقُ بالعبارةِ التي تسبقُها تعلُّقَ تبيانٍ لماهيّة الخلودِ في النارِ .. وتتعلّقُ بالعبارةِ التي تليها تعلُّقَ النتيجةِ بمقدّمتِها ، فمشيئةُ اللهِ تعالى لهذا الخلودِ
وجاء في التراث ايظا إنَّ أقل ما يَنفَع الإنسان في الدَّار الآخِر كلمَة التَّوحيد ؛ ولو لَم يَعمل في حياتِه خَيرا قط، ولَو كانَ في قَلبِه مثقال حبَّة مِن خردَل من إيمان ! كما جاء في كُتب العَقائِد مثل حديثُ أبي ذر الذي نُسِبَ إليه فيه قَولُه: {أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ) رواه البخاري...
* لكن أدلَّة الخُلود في النار وعدم الخروج منها بمجرد الدخول في النار كثيرة والواضِحَة في ايات الذكر الحكيم ، نَقتَصِر على بَعضِها:
قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} [النحل].
ويقول: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس : 27].
وقالَ عزَّ مِن قائِل: { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف : 74- 75].
وفي يُونس: { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [يونس : 52].
وفي الأَعراف: { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف : 36].
و هُنالِك آيات أُخرَى واضِحَة الدَّلالَة في شُمولِها لكُلِّ العُصاة بِلا استِثناء!
مِنها مَثلا قَوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة63].
فكُلُّ مَن شاقَقَ سبيلَ الله ورَسُولِه والمُؤمنين؛ ووَقفَ في الحدِّ الآخَر في أيَّة مسألَة مِن مَسائِل الدِّين مُعرِضا صادِفا؛ فمآلُه جهنَّم والعياذُ بالله خالِدا مُخلَّدا لا يُقبَل مِنه صَرف ولا عَدل!
نَظير هذه الآية قولُه تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن : 23].
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة :80- 81].
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ )[ المؤمنون : 23/101-108 ] ..
فأهلُ جهنَّم .. سيخلدونَ فيها مجرَّدَ ما دخَلوا أبوابَها ، ولا يخرجونَ منها أبداً .. وكذلك الأمرُ بالنسبةِ لأهلِ الجنّة ..
( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )[ النحل : 16/29 ]
{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة : 20].
ومسألةُ الخروجِ من النارِ بعد انقضاءِ فترةٍ من العذابِ فيها ، بالنسبةِ لبعضِ الداخلينَ في النارِ ، هي مسألةٌ غيرُ واردةٍ في كتابِ اللهِ تعالى .. فبعدَ انتهاءِ الحسابِ وسوقِ أهلِ النارِ إلى النارِ وأهلِ الجنّةِ إلى الجنّةِ ، يدخلُ الجميعُ حياةَ خلودٍ لا تنتهي ، ولا تتبدّلُ بالانتقالِ من النارِ إلى الجنّةِ ، ولا من الجنّةِ إلى النارِ ..
فالقرآنُ الكريمُ يؤكّدُ أنّ أهلَ النارِ - دون استثناءٍ - لا يخرجونَ منها ..
( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) [ البقرة : 2/167 ]
لكن اين الشفاعة من هذا الموضوع ؟؟؟و عندما يموت انسان ما ، فما فائدة دعاء واستغفار والعمل الصالح من قبل اهل المتوفي للمتوفي؟؟؟ اي اذا كان المتوفي من اهل النار فما فائدة الاستغفار ( رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) اذا لم يغير مصير المتوفي ؟؟؟؟ِ !!!!!
والسلام عليكم
تعليق