صورة
رحلة اصطناع العقل في فجوة الكهف
-1-
-1-
مقدمة وتمهيد
لا يوجد ما هو أكثر متعة عند الإطلاع على أحداث وبحوث الظواهر الكونية ليراها الباحث منا فجاءة حين قراءة القرءان وتدبره كرءيا (عقلية) تُنسج أحداثها في داخله بومضة زمن كلمح البصر ليس هناك نشوة أكبر بالنسبة له إلا أن هذا الإنعكاس الداخلي والذي كان يعتقد أنه منفصل عنه ليس إلا بداية الإنعكاس العام الذي سيضيء الباحث نفسه فيسعى إلى تكوين ذاته وإعطاء حجة لحياته ومعنى لوجوده وواضح أنه لا يستطيع أن يعطي هذا المعنى بمفرده فهذه المتعة سرعان ما تتحول إلى شعور بالعجب والإنبهار والناتج من وحي خفي يتلقاه كل ذي عقل ويقول له تواضع فلن تعرف كل شيء فهو شعور يجمع بين الرغبة في المعرفة وإدراك المرىء بأنه ليس في وسعه أن يعرف أو يعلم كل شيء هو دهشة دائمة إن لم تُكبت أو تُخدر هو شعور يسلم بالعلم والمنطق ثم لا يلبث أن يتعداهما وينساهما...ففي دخيلة كل منا شعور بالغبطة وتسليم بالأشياء التي نستطيع أن نعرفها ونعالجها فعقلنا يريد أن يحيط بكل شيء ولكنه يدرك أنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا هذه هي المفارقة!...إذ ينبغي للمعرفة أن تعرف حدودها فهناك نوعين مختلفين من الحدود المفروضة على المعرفة البشرية أما الأول فهو نوع يفرضه البشر أنفسهم وأما الثاني فأصيل في تركيب العقل وصلته بالكون الذي نعيش فيه وهي حدود ملكاتنا العقلية وقدرات حواسنا على الرصد والتحليل والإدراك...فالعقل البشري قد أعلن في البداية وجود حواجز وفواصل مطلقة في هذا العالم ثم حاول سواء عن طريق الحدس والتعيين المباشر أو سواء عن طريق التفكير والإستدلال والتجربة أن يتجاوز في معرفته تلك الحواجز وهذه الفواصل فربط بالفكر ما كان يظنه مجزءا أو منفصلاً في الوجود وكانت النتيجة صراعاً دائماً تنتصر فيه الوحدة أحياناً وبصعوبة فيصبح الواحد وما يحتويه من أجزاء لغزاً غامضاً وتنتصر الكثرة أحياناً أخرى فتظهر التساؤلات عن أين توجد روابط هذه الكثرة ومن يتحكم بها وكيف ولماذا تحدث؟!...وتربو الأسئلة وتزداد صعوبتها والحاجة في الإجابة عليها مما يعكس مدى قلّة المعرفة التي توصلنا إليها بالمقارنة بما نجهل وحتى هذه المعرفة المتاحة يتم التشكيك في صحتها دوماً وبشكل مستمر!...ولكن بين الوحدة والكثرة بقي لغز العقل نفسه بلا جواب كيف نشأ أو كيف يُنشأ ومن أين يأتي وإلى أين يذهب؟!...
من تلك المقدمة المختصرة جداً وتلك التساؤلات القديمة الجديدة تظهر لنا الصعوبة في تناول موضوع العقل خاصة عندما ترتبط بمحاولة تأليف أو كتابة بحث عن ماهية أو ما هو العقل وطريقة إصطناعه ذلك لأن هذه المنظومة بالتحديد هي التي تدخل في إطار كتابة هذا البحث أثناء وقبل وبعد كتابته...فكيف يمكن للمرىء أن ينأى بنفسه عن هذه المنظومة في وقت تكون فيه أداته ذاتها التي يستخدمها في البحث هي موضع الدرس نفسه؟!!...
ومن جهة أخرى إذا تجاوزنا تلك الصعوبة سرعان ما تظهر لنا صعوبة أخرى وهي صعوبة توصيل الأفكار ونتائجها الجديدة حين القراءة ومدى تقبلها من قبل الطرف الأخر فأن تكتشف وتكتب لنفسك شيء وأن تحاول أن تبينه للأخر شيء ءاخر تماما فمن الممكن عقلياً إمتصاص الأفكار السطحية أو التقليدية وما تحمله من مفردات تعبيرية أما فيما يتعلق بالأفكار المثيرة والتي تتطلب من الناس إعادة قراءة وتنظيم قوانين وصورة الكون في ذاكرتهم أو خيالهم فإنها تثيرعداوات مريرة حتى من أقرب الناس ولعل مسيرة الأنبياء في القرءان وخصوصاً صاحب الملة الإبراهيمية أوضح مثال على ذلك!...فمعظم الباحثين والقارءين لقرءان الكتاب ضمن ذاكرة ميتة مسبقة ومشبعة بالتجسيد العجول وبما ألقاه السامري يجدون صعوبة هائلة في تقبل أبسط الحقائق إذا أرغمتهم بالدليل على الإقرار بخطأ ذاكرة المفاهيم التي إعتادوا أن يشروحها لغيرهم بسعادة والتي لقنوها لهم بيقين وتتداخل ونسيج حياتهم خيطاً خيطاً...فـ لقوم تُبع أو للبشر بشكل عام عادة معروفة على مر العصور ألا وهي تعميم ما يألفونه تحت شعار المنطق البديهي وهذا ما ألفنا عليه ءاباءنا ورفض ما غير ذلك من الأفكار المخالفة بدعوى ما سمعنا بهذا في الأولين أو في الملة الأخرة إن هذا إلا إختلاق...فعلى ذلك على المرىء أن لا يتعجل برفض أفكار البحث لمجرد عدم تقبل عقله لها مرحلياً وهي نصيحة لا أحسب من تعود التواضع أما عظمة الكون وخالقه بحاجة اليها وأن يتذكر دائماً أن...لو كان البحر مداد لكلمت ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمت ربى ولو جئنا بمثله مددا...
ورغم تلك الصعوبات سنحاول فمجرد الدخول إلى كهف العقل المجهول وإضاءة بعض ظلماته يعتبر إنجاز في حياة أي واحد منا ولكن قبل أي شيء ما هو العقل وما هو منشأه التكويني ليس لنا إليه سبيل الأن إذ ذاكرتنا الفطرية مشوهة ومعوقة أو لنقل أنها في طور الإصلاح...أما كيف يتم إنشاء العقل (إصطناعه) وكيف يعمل وتضبط إعداداته وروابط سعيه في جميع مستوياته السماوية قبل أو أثناء تمثيلها في المستويات الأرضية الدنيا والمرتبطة بدورها بالمراحل الزوجية لخلق وموت وحياة الخليفة وكل ما (يتولد) من هذه الزوجية خلال سعيه (مع التأكيد أن قبل وبعد لا علاقة لها بطريقة إدراكنا أو وعينا للزمن التسلسلي التعاقبي)...هذا ما سنتحدث عنه في هذا البحث ونحاول أن نجيب عليه وذلك بالربط بينه وبين كامل موضوع سورة قرءانية تحمل مسمى الكهف ومن خلالها سنحاول أن نتعرف على ماهية الكهف وما هي الأحداث التي تحدث في داخله وكيف ومتى تحدث والتي يمكن مقدماً أن نختصرها بهذا التساؤلات...
كيف يرتبط عقل العالم الميت بعقل العالم الحي ضمن وعاء عقلي وبيولوجي واحد؟!...وكيف يتم تنظيم أو توقيت هذا الترابط؟!...وكيف يتم إدراك الزمن من خلال هذا الترابط؟!...
وكان من المفتروض ذكر مثال مطول كمقدمة تُعقل من خلاله محطات البحث وتشكل سياق واضح له تساعد القارىء على فهم مفاصله ولكن لضرورات طارئة تم تأجيل المثال لنهاية البحث ليكون كخلاصة تطبيقية له وعوضا عن ذلك سنضرب للقارىء الفاضل مثال سريع ليقترب رشدا مما نحن مقبلين عليه فلو نظرنا إلى الجسد البشري سنجد أن أساس عمله يعتمد على إيقاعات دورية تنظم سعيه فهناك الإيقاعات الكبيرة كـ النوم واليقظة والسير والأكل والشرب والهضم وغيرها الكثير من إيقاعات وإنفعالات عقلية كالخوف والغضب والحزن والفرح وهناك إيقاعات متوسطة كالتنفس وإيقاعات قصيرة كنبض القلب وإيقاعات قصيرة للغاية كالتفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الخلايا وما هو أعمق من ذلك كإيقاعات إنقسام الحمض النووي وإنتاج الخلايا الجديدة إذ تمتلك كل واحدة من هذه العمليات مؤقتها الخاص والمرتبط بدوره بما فوقه من مؤقتات...فلو نظرنا لنشاط الحمض النووي سنرى أنه يتحكم بإيقاعات سعي مادية بعيدة المدى بدءا من نمو الأعضاء وإستوائها إلى نشوء أسنان الطفل والعوامل الأخرى المرتبطة بالبلوغ إلى أحداث أبعد تتعلق بالعوامل الوراثية مثل الصلع وسن اليأس وبداية مرض مزمن يتطلب سنوات للتطور...فكيف يتمكن جسدنا والحاوي لتلك الجينات من ضبط إيقاع هذا السعي والذي يشمل مقاييس زمن قصيرة للغاية مثل مللي ثانية أي جزء من الألف (وهو الزمن الذي يتطلبه حدوث تفاعل كيميائي داخل خلية ما) وعلى إمتداد سبعين سنة كمتوسط للعمر أو ربما أكثر...فأمر هذه الكيفية لا يزال لغزاً بالنسبة لنا وللكثيرين كـ خلفاء في الأرض ولكن قرءان الكهف بأحداثه يبين لنا بشكل عقلي كيف يتم ذلك!.
لذلك علينا أن نكون على وعي تام أن أحداث الكهف وحوارته بل أحداث القرءان ككل هي ليست حوارات شفوية بل حوارات عقل (قولية) مسطورة بلسان عربى مبين لها تمثيل مادي في مكنون الكتاب المنشور والذي يحدث ما فيه كله دفعة واحدة وفي ترابط تام ولذلك أزعم أن هذه الأحداث لن تُعقل ما لم نعقل ميقات موسى الثلاثي المزدوج بجميع مقوماته وهي أحداث متزامنة في الأن أو الحاضر الدائم وليست متعاقبة فيه وإن كانت القراءة الأولية توحي بالتعاقب ولكننا لن نعرج على الميقات فهذا يعني فهم قرءان الكتاب كاملا بل سنكتفي بما تيسر منه والإشارة اليه بذاكرة عابرة لعلها تحدث لنا ذكرى في أقلام لاحقة.
فما اكتشفته ان الميقات مربوط بكل احداث قرءان الكتاب ولا يغادر صغيرة او كبيرة الا احصاها...فهذا الميقات هو الذي أوصلني لسورة الكهف وأحد الأسباب الرئيسة التي دعتني لدخولها فقد كنت احضر لبحث متواضع يبين كيف نلتقي نحن والقرءان على أرضية مشتركة أي كيف نتلقى القرءان نحن الآن وكيف تلقاه الحامل الأول صلوات الله عليه وذلك عن طريق فهم وعقل ءالية عمل ما أسميته (خوارزمية السموت والأرض) وقد قطعت فيه شوطاً من عدة أشواط وأنا أسير بمعية بنى اسرءيل وفي هذا السير تفرع البحث كثيراً وظهرت عثرات وفجوات ما زالت لم تملء أو تردم إلى الآن بفعل ما في نفسي وبفعل حرج السؤال وإرهاق الحاج عبود تارة وبفعل لعل الله يحدث بعد ذلك امرا رغم أن الحاج عبود جزاه الله عنا كل خير لم يقصر ففي كل مرة يجزل العطاء ويمدنا بالذكرى النافعة إلى ان وصلت الى محطة وانا اتبع موسى في سيره لم اعد احتمل الوقوف فيها لكثرة تشعبها ولهول الاسقاطات التي تحتويها ولا يمكن لبشر واحد أن يعالجها وتملكني شعور باليأس والضياع والتشتت بكل معنى الكلمة رغم إمتلاء ذاكرتي ببيانات ومعلومات كثيرة ولكن لم أكن أعلم كيف أرتبها وأربطها معاً...فلقد أعياني حقيقة ميقات موسى كي أقلب بعضاً من محطاته وأربط القليل من أحداثه ولا يكاد المرىء يظن أنه قد بدأ يفهم استبراقات البرق وحُلله الخضر حتى يأتيه الرعد بصوته وءاياته فيصعقه ويشحنه من جديد ويقول له إقرأ وأبدأ وأعد فلم تعقل الميقات بعد أو تظن أن تقول ءامنت ولم تُفتن!...
ولكن ما بعد العسر إلا اليسر إذ فجأة أخذت صورة الأحداث تترابط وتبزغ شيئاُ فشيئاً (وهي صورة لا تزال تعذبني بمرواغتها) فمن خلال ثلاث مكونات مادية جامدة وحاضرة أغلب الأحيان في بدايات كل قصة موسوية (جبل/صخرة/حجر) بدأت مخططات البناء العقلية تتشكل بناءا على فروع شجرتها القرءانية والتي أصبحت بالنسبة لي كبوصلة ثلاثية التوجيه إلى أن تطابقت مؤشراتها وإجتمعت أصول فروعها في الكهف معلنة بداية رحلة الكشف وإنشراح الصدر وتيسير الأمر!...وأخص بالذكر محطة الجبل فهو علامة الميقات أو التوقيت إذ يعتبر صفة مفصلية في قصص موسى وينبني عليه جميع أحداثه وقلة من القراء توقف عنده لينظر كيف يستقر بالرءيا رغم أنه هو محطة الوصول وسر العلة الأعلى وتجميع فرقان ءاياته سيمكننا من فهم علة موسى كـ كتاب وإسم لنرى ءايات ربه الكبرى ولذلك على القارىء أن يتحلى بالصبر الجميل فالرحلة طويلة وشاقة ولن تُعقل أولى محطات الكهف إلا حين الوصول لاحداث مجمع البحرين!...
ولعل القارىء الكريم يلتمس لي العذر بعدم إدراج الكيفية التي أدت لعقل شجرة تلك المخططات الأن في البحث وربما في المسودة الثانية نذكر بعضاً منها وذلك لضرورة معالجتها وتقليمها بشكل جيد أولا ولعدم إكتمال مراشد البحث ثانياً إذ ما زلنا في بداية الهدي ولكن سأشير لنقطة أساسية تهم كل باحث في قرءان الكتاب إذ هذه المخططات نفسها التي تشكلت والتي بدونها ما كنت لأجرؤ على سلوك هذا الطريق سرعان ما أدت إلى إكتشافات أجبرتني على تغييرها أو التعديل عليها أو لنقل على تقليمها إذ هذه المخططات تتطور في الوقت الذي يتطور فيه المخطط العام العقلي بحيث أن جميع هذه الحوادث التي تؤلف خلايا وجسم الموضوع القرءاني (المراد بحثه) وكل تغيير في التفاصيل يمكن أن يكون لها إنعكاس على مجموع التركيب ككل وكلما إستطعنا ربط مجموعة أكبر من الأحداث كلما تغير فهمنا للحدث موضع البحث ولكننا لن نستطيع قط التوصل إلى فهم كامل له لأن الأحداث كما أسلفنا تنشأ معاً في تواقت وبشكل تزامني حين قضاء الأجل والأجل المسمى لذلك ينبغي علينا أن نميز الفوارق بين الحقيقة النظرية المكتشفة حين القرءاة والتعليل أو التفسير الذي يبينها فعمل كل باحث عن الحقيقة يشمل ناحيتين إحداهما الكشف عن الحقائق والثانية وضع صورة عقلية أو نظرية تفسر الحقائق مجتمعة مع حقائق أخرى معروفة أو تم التوصل لإكتشافها وتربطها معاً ضمن سياق واحد ولكن علينا أن نعي وندرك أيضا أن كل تفسير إنما هو تفسير لا يدوم فليس هناك تفسير نهائي ما دام خلق الكون في تغير مستمر فكلما حاولنا أن نأتي بمثل نفسر من خلاله مجموع الحقائق إلا جاء القرءان بالحق وأحسن تفسيرا...لذلك على الباحث أن لا يحسب نفسه عالماً بما أنتجه من فكر مرحلي بل على العكس يمكن أن يستمر في القراءة ويحاول الوصول إلى أحسن تفسير وتأويل رغم أنه يعلم أنه متورط في عملية إنتاج دلالة لا يمكنه السيطرة عليها بشكل كامل فهي عملية حية وفي حالة عمل دائم حتى في اللحظات التي يقوم فيها الباحث بإنتاج أفضل صياغاته وأوضح كشوفاته.
وقبل أن أختم هذا التمهيد سيلاحظ القارىء الفاضل خلال البحث حضور ملفت ومكثف لمذكرات الحاج عبود والتي سنقتبس منها تارة ونُحيل إليها تارة ونبني عليها تارة أخرى وستصاحبنا وترافقنا في أغلب محطات هذه الرحلة العقلية إذ ستوفر لنا مرابط رصينة تعيننا أثناء التذكر وتختصر علينا الكثير والكثير من البيان فما نحن مقبلين عليه مبني على قاعدة بيانات هذه المذكرات لذلك أرجوا أن لا تُفهم هذه الإقتباسات على أنها هروب أو فرار من عدم تحمل المسئولية ورميها على كاهل الغير بل على العكس فالإقتباسات والتي سيتم الإستشهاد بها من وجهة نظري أراها ترتكز على مخزون هائل من الذاكرة المعاشة ويكمن خلفها منهج فطري رصين قائم على صحبة ذاكرة القرءان لأكثر من عقد والمقرون بتلك الذاكرة ذي الذكر وليست مجرد نتاج معارف منقولة دون أن ننسى بعضاً من الجانب التطبيقي الذي قام ويقوم به الحاج عبود لذلك سيعاد توظيف تلك الإقتباسات داخل بنيان وسياق مقصود عقلياً يساعد القارىء على ربط البيان دون أن يشتته.
ونقطة أخيرة ففي بحثنا لا نسعى لـ إقناع الأخر بل تذكيره بما تحمله ذاكرة القرءان من ذكر فيه ذكرنا فحق المرىء في البحث هو غير حقه في الإقناع فمن شاء ذكر ومن شاء هجر ونفر وإرادة الله ومشيئته أكبر من الجميع لذلك ما سأنشره ما هو إلا جهاد في سبيل الله الهدف منه اظهار شهادة لما في قرءان الكتاب من بيان وما تيسر منه وعدم كتمه عن الناس من جهة ورد الجميل باحسن منه واكراما للحاج عبود ومواساة له في مسيرته التذكرية من جهة أخرى وانه ليس وحيد على طاولة البحث فهناك من يتلقف ويدرس ما يبثه من بيان مذكر...وعلينا أن لا ننسى في نفس الوقت أن تاريخ البشر يثبت أن العقل غلب دائماً أولئك الذين يحاولون أن يقيدوه أو يسجنوه أو يقضوا عليه بذاكرة محددة وقد بذلت هذه المحاولة مرة بعد مرة وأخفقت في كل مرة وستستمر وسوف تخفق وسيظهر دين الحق وءاياته وكلماته في الأفاق و الأنفس ولو كره الكافرون والمشركون ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون...
نؤكد ان المعالجة التالية لا تندرج تحت انشطة الفكر التفسيرية فجهدنا الفكري لا يفسر القرءان بل جهدنا انما يطرح معالجة تذكيرية تنتقل من عقل لـ عقل على شكل (ذكرى) فيها دعوة لسبيل الله ولن تكون على شكل (معرفة مكتسبة) والفرق بين الوصفين يكمن في ان النشاط التفسيري قد يشرح حالة روائية كانت سببا في نزول الاية وانها تخص قوما كاليهود او الكفار ومنها تستقى (عبرة) يؤرشفها طالب المعرفة في كيانه العقلي الا ان اقامة الذكرى تؤتى من خلال تطبيق النص على حالة مرئية تعيش مع حامل القرءان لتتحول الذكرى الى دستور عقلاني مرتبط بـ (الذكر الحكيم) يتفعل مع المتذكر في حالات كثيرة وليس حالة واحدة او بضعة حالات لها وصف معرفي مكتسب من اهل التفسير بل تنتقل الذكرى الى مجمل الحالات المرئية وتتفعل يوم قراءة القرءان فيعالجها عقل المتذكر استنادا الى دستورية قائمة في عقله نافذة بين يديه .. تلك هي مهمتنا في الدعوة لسبيل وفيها امر تكليفي ملزم ولن تكون تبادل معرفي منجمد الابعاد !!
تعليق