المتحكم بالرابط بين العبد وخالقه
من اجل ثقافة قرءانية
من المؤكد أن كل الناس يؤمنون ان العلاقة بين العبد وربه تبدأ من خلال طاعة العبد لخالقه ومن تلك الطاعة يكون العبد هو المتحكم والقائد في العلاقة التي تربط العبد بالخالق الا ان كثير من الناس يرون ان التطبيق الميداني للرابطة بين الخالق والمخلوق منفلتة من يد العبد ونرى ويرى كثير من الناس الذين يكثرون طاعاتهم لله الا انهم يرون ان الرابطة بينهم وبين الخالق ضعيفة وتقوم تلك الرؤيا من خلال عدم استجابة الدعاء الذي يلحون به على خالقهم لقضاء حاجاتهم فيدعون ولا يستجاب لهم مما يدفع بالكثير منهم الى الانقلاب الفكري او الوهن في الطاعات بعد ان ييأس الداع من استجابة الدعاء من خالقه ...
وقليل من الناس يرون ان عدم استجابة الدعاء اما تقع في (عسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون) او انهم يحسون بان متطلبات الدعاء غير مستوفية بسب الذنوب او قلة الطاعة فتكون الظنون في انفسهم وليس بالله سبحانه ...
عندما يكون القرءان عند حامله دستور فكري تتغير كثير من المفاهيم التي اعتاد الناس عليها امام ضغط فكري متزايد من المتن القرءاني نفسه فكلما اتسعت المساحة الفكرية للقرءان في عقل حامله وهو يقرأ في القرءان كلما تزداد التثويرات الفكرية عند حملة القرءان خصوصا في الزمن المعاصر الذي تغير فيه كل شيء الا المنهجية التنفيذية للعقيدة التي بقيت متراكمة كما منهجها الاباء .. ومنها نقرأ في القرءان ..
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213)
في هذا النص الشريف ومثله في مواقع كثيرة تصل الى قرابة 70 موقع في القرءان تؤكد ان الهدي من الله حصريا ولا يملك احد سلطوية الهداية حتى سيد الخلق اجمعين عليه افضل الصلاة والسلام (ليس عليك هداهم) و (انك لا تهدي من احببت) وبالتالي تقوم في العقل اثارة مهمة تتسائل عن مصدرية الرابطة التي تربط العبد بخالقه حتى لو ذهبت مقاصدنا الى بداية الهدي الالهي (فاعلية البداية)
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ... في هذه المقتطفة من النص الشريف نرى ان الاختلاف في البينات بين الناس يكون سبب رئيس في ضياع فاعلية البداية التكوينية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) فكل البشر يملكون عقلا انسانيا موحدا (امة واحدة) الا ان النشئ البيئي والمعارف المحيطة بالنشيء تفعل فعلها في (الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ) وهو الاختلاف في البينات الموصوفة (بَغْياً بَيْنَهُمْ) وفي مثل هذا التخريج الفكري خطورة كبيرة توضح ان الاختلاف فيه بغي وان الناس كانوا في فطرتهم (امة واحدة) الا ان ما افتعلوه من اختلاف هو بغي بينهم والاختلاف تم تحديده في النص انه من (البينات) وليس في الاموال او القبيلة والعرق او من اجل شيء اخر غير البينات التي جاء بها النبيون والرسل وهو وصف واضح لما اختلف فيه من بينات الرسالات جميعا وان الاختلاف في بيانها هو بغي بين الناس الذين هم في الاصل امة واحدة وبذلك نرى بعين اليقين مدى فاعلية الدعوة الالهية في نص واضح للعقل الحامل للقرءان
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
كيف نقيم الدين فطرة واين نذهب بما ذهب اليه الاباء ..؟؟ ... يجيب العقل ان ما ذهب اليه الاباء هو اختلاف واضح نمسكه في كل حارات العقل باليقين المطلق فتلك (مذاهب) جاءت من نص واضح (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُم) ... جاءتهم البينات فاختلفوا فيها (مذاهب) وهو موصوف في قرءان الله (بغيا بينهم) وهل نرى في القرءان غموضا يدفعنا لفتح ملفات المختلفين ونرى ما يقولون فيه ...!!
اين نجد ما انزل الله من البينات على الانبياء والرسل لكي ناخذ منه البينات ... !!! ... العقل يجيب ... ولا محيص فكري ابدا ... اليس القرءان حديث شامل تام تم فيه تصريف كل مثل ..!! ما نحن فيه نراه بعقولنا وما كان في الذين خلوا موجود في القرءان
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (النور:34)
القرءان جامع حاوي لكل الرسالات بما فيها التوراة والانجيل وفيه بينات الانبياء التي تمثل بمجموعها مجمل البيان الالهي
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرءانِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (الكهف:54)
من تلك المحنة الفكرية الباحثة عن من يكون المتحكم بالرابطة بين العبد وخالقه والله القائل ان الهدي من الله حصرا وهي فطرة خلق في الناس جميعا (امة واحدة) الا ان العجينة العقائدية تفقد طراوتها في الاختلاف فتنقطع الرابطة بين العبد وخالقه التكوينية التي فطرها الله في العقل الانساني عموما وتضمر او قد تموت بسبب الاختلاف الشديد (البغي) بينهم فاصبحت حاكمية الرابطة بين العبد وخالقه بيد الله بنص ثبت في القرءان ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فكانت الهداية الالهية وسط زحمة الاختلاف في الحق باذن الله وتلك ناصية فكرية تري حامل القرءان حقيقة قيام تلك الرابطة بعد جفاف العجينة العقائدية وفقدان طراوتها
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرءانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (لأعراف:204)
(إِنَّ هَذَا الْقُرءانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الاسراء:9)
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءانَ مَهْجُوراً) (الفرقان:30)
(ص وَالْقُرْءانِ ذِي الذِّكْرِ) (صّ:1)
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الزمر:27)
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17)
(عَلَّمَ الْقُرْءانَ) (الرحمن:2)
(وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرءانُ لا يَسْجُدُونَ) (الانشقاق:21)
نصوص تذكيرية تذكر حامل القرءان بخصوصية تفعيل الرابط الذي يربط العبد بخالقه لانها رابطة تكوينية موجودة فطرة في عقل الانسان الا انها ضامرة بسبب المختلفات يقينا وعلى الراغب الى تقوية وتفعيل تلك الرابطة ان يعي هذه الحقيقة وان يتجرد من المختلف المذهبي والتجرد المذهبي لا يعني محاربة المذاهب والتشهير بها او الانقلاب عليها وكل امة تلعن اختها بل عليه ان يبدأ بتفعيل رابطته مع خالقه بعيدا عن الاختلاف وعندما يبدأ بفتح بوابة العقل (يتذكر) فتبدأ لديه مرحلة فكرية مختلفة عن سابقتها وتمتاز بعظمة ورشاد كبير وضعها الله دستورا في الهدي
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر:18)
اتباع احسنه يتم بهداية الهية وليس باختيار العبد لمذهب الاباء متصورا ان ما قالوه هو احسنه وكل فريق يحكم ان أحسن القول في مصادره هو ويبدأ بتكفير الاخرين وهو يتصور انه الاقرب الى الخالق فيكون الهدي عنده ان الاباء وهم (بشر) قد تقمصوا صلاحية الهية لا يمتلك البشر التصرف بها وهي الهداية وكأن مصادره المذهبية حصرا هي الهادية الى الحق .... عند الانفلات من تلك التصورات ويبدأ مع فطرته كما فطرها خالقه تعود الرابطة بين العبد وخالقه الى طراوتها فيرى كل قول ويمتلك رابط يهديه لاحسن قول في كل المذاهب التي اصابت في هذه وانحرفت في تلك ومن رحم الاختلاف يكون التبرهم طريقا لبناء علاقة نقية مع الخالق حتى يكون على (صراط مستقيم)
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:7)
فاذا كان حامل القرءان مهديا من بشر جاءتهم البينات فاختلفوا فيها بغيا بينهم فما فائدة قراءته لهذه الاية مع كل اقامة صلاة ..؟؟ !!
اليس المختلفين حول البينات المنزلة من الرسل والانبياء (بغيا بينهم) من (الضالين) ..؟ فاذا كان الاختلاف عند المختلفين بغي بوصف قرءاني ملزم لحامله فمن يكون على الصراط المستقيم مهديا من الله
وتلك ذكرى في ثقافة عقل يريد ان يقترب لربه والله قريب
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
تعليق