الإنسان ورهبة الموت
من يسعى لـ الجنة لن يكره الموت
من يسعى لـ الجنة لن يكره الموت
رهاب الموت ظاهرة مبينه لدى الغالبية الساحقة من العنصر البشري وجاء في القرءان وصفا لطبائع الانسان في ذلك الشأن
{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } (سورة البقرة 96)
الرغبة في عمر مديد طبيعة من طبائع العقل البشري تجعل من حامل العقل حريص على طول العمر عدا بعض الاستثناءات مثل الاشخاص الذين ينتحرون فينهون حياتهم بايديهم او الذين يقدمون انفسهم للموت من أجل هدف سامي يؤمنون به كالشهادة في سبيل الله او في سبيل الوطن او لاسباب فكرية اخرى تعشعش في نفوس مريدي تلك التضحيات ومن نصوص القرءان نقرأ دستورا تطبيقيا مودع في نظم التكوين وخاضع لارادة إلهية مرتبطة مع منظومة الخلق الاجمالي
{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } (سورة آل عمران 145)
دورة حياة الانسان من ولادته لغاية مماته مرتبطة بنظام كوني دقيق ومتشعب ومتصل بمرابط كونية لا حصر لها الا ان معرفتها مضطربة فقد ذكرت بعض التقارير مثلا ان هنلك (ميقات جيني) لظاهرة موت الانسان وقيل باسباب اخرى واكثرها شهرة (الشيخوخة) و (المرض) و (الحادث القاتل) والقرءان يصف لنا تلك الرحلة الحياتية
{ وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (سورة النحل 70)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } (سورة الحج 5)
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (سورة غافر 67 - 68)
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } (سورة الروم 54)
ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ...بيان النصوص الشريفة توضح لحامل القرءان اختلاف (المساحة الزمنية) لعمر الآدميين يصاحبها ضمور معرفي بشري عام في تحديد المساحة العمرية للناس سواء كان الضمور في العلوم المادية او كان ضمور فكري في التراكم المعرفي لظاهرة الموت على مر اجيال تبعد عن حاضرنا الى بطون التأريخ البعيد
الخوف والرهبة من الموت ترتبط تكوينيا بـ (ملكة عقلية) تخص العنصر البشري خاصة وهي متصله اساسا بأحاسيس جسدية عند الانسان الذي قد يتألم من ضربة موجعة او من برد أو حر ومن تلك الاحاسيس تنمو في عقل الآدميين (حساسية عقلية) عن احتمالات تعرض جسده للاسى الموجع او الجارح او اي اذى يصب جسده وهي من طبائع العقل البشري بما يختلف عن الحيوان والنبات وتلك المتحسسات تجعل الانسان خائفا من الكهرباء مثلا او من السرعة الفائقة او ركوب الطائرة او الحريق او الانفجار واشياء وافعال اخرى فيصاب بالخوف عندما يحس ان تلك المساويء سوف تنال جسده حتى تصل مشاعره الداخلية ومخيلته واحساسيسه حين يكون في قبر مظلم او انه يشعر بتفسخ جسده بعد الموت ذلك لان كل انسان يمتلك تصورات مسبقة لجسده قبل ان يفارق الحياة مع وجود فوارق شخصية بين فرد وفرد وكذلك توجد استثناءات عند بعض الناس
تصورات ما يحدث بعد الموت كثيرة وتتكاثر نتيجة رهاب الموت في طبيعة الانسان ورهاب الموت يؤدي الى مشاكل نفسية وبايولوجية وقد تؤدي صفة رهاب الموت الى الموت ونرى مثل تلك الظاهرة في بعض الاحصاءات التي تصف الاشخاص المتقدمين للمقصلة (الاعدام) الذين يفقدون وعيهم قبل تنفيذ الحكم فيهم وذلك من شدة الخوف من الموت فالخوف الشديد من الموت يسبب في بعض الحالات (سكتة دماغية) ويحصل الموت قبل ان يصاب الجسد باي اذى
ظاهرة الموت صفة مكروهة عند كل البشر عموما عدا موت العدو وامثاله إن كانوا عدوانيين او ظالمين والموت عموما يقيم الحزن عند ذوي الميت واقرانه واصدقاؤه ومجتمعه ومن تلك الصفات فان الخوف من الموت يربى في عقل كل انسان تربية تصاعدية كلما يقترب الشخص من احتمالية الموت في حادث او حرب او حريق او حكم بالاعدام فيتصاعد الخوف وينتقل بالطبيعة الى حالة تربوية عند البعيدين عن احتمالية الموت فالخوف وكأنه موجة عقلانية باثقة تستلمها عقول الاخرين وان كانوا بعيدين عن الموت فيكون مجرد ذكر الموت سببا في هلع دائم وعام عند ظهور ازمة شاملة تنذر بالموت مثل القصف الجوي او المدفعي عدا بعض الاستثناءات مما يزيد من (ثقافة الهلع) من الموت في المجتمعات غير المستقرة
الخوف من الموت يسبب ارتفاع في احد الهرمونات المسمى (الادريانيلين) وهو يسمى ايضا بـ (هرمون الخوف) وذلك الهرمون يزيد من ضربات القلب فيسبب مشاكل صحية كبيرة لدى المصابين بتصدعات في الاوعية الدموية كما يسهم ذلك الهرمون باضعاف المناعة بمختلف اطيافها فيكون الخائف مستعمرة لاصابات جرثومية وفيروسيه وذلك ما اقرته المؤسسة العلمية الطبية
{ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (سورة الجمعة 6 - 8)
النص الشريف يبين ان الموت يحمل صفة (الفرار منه) وهو صفة لا يتمناها احد حتى الباحثين عن الشهادة في سبيل الله فهم يرجون ويأملون ان يشهدوا نصر جهادهم الا انهم صابرون لمواجهة الموت وليس فارين منه وبالتالي فهم لا يمتلكون رهاب الموت كما يمتلكه الاخرون اي انهم يمتلكون حصانة عقلانية من رهاب الموت وهو ما يصبو اليه الخائفين من الموت
الخائفون من الموت في رهاب متصاعد نتيجة لعرفانهم الداخلي بمعصيتهم لكثير من سنن الله واحكامه لذلك يمكننا ان نضع سببين لرهاب الموت (الاول) هو كثرة المعاصي (الثاني) الخوف العام المنتشر وفق ثقافة (مجهولية الموت) لدى كل المجتمعات البشرية
الاقتراب من نظم الله يعني (الاقتراب من الله) فتقوم عند المقترب من النظم الالهية ثقافة مختلفة عن الموت تختلف اختلافات جوهريا عن رهاب الموت وتفاصيله بمجملها ونقرأ
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي } (سورة الفجر 27 - 30)
النفس المطمئنة تعرف ان (الموت حق) وقد قالها البشر بفطرتهم الا ان المقترب من انظمة الله وسننه يعرف عرفانا يقينيا انه محصن من الخطأ (الفادح) في حق تلك السنن التي سنها الله سبحانه فالمطمئن يعرف ان مخالفاته القليلة لا ترتد عليه في دنياه وبعد الموت ارتدادا سيئا وهو مطمئن ايضا ان لديه اعمال صالحة تفوق ميزان خطاياه القليله لذلك يمكننا ان نصف وصفا تطبيقيا للتخلص من (رهاب الموت) عندما يكون ذلك الوصف مفتاحا عقلانيا يعيد المكلف الى حاظنة سنن الخلق ليتخلص من رهاب الموت في ذاته لان نفسه لن تطمئن الا عندما يقضي على مخالفاته مع سنن ربه ويبدأ باصلاح كل خطيئة ارتكبها ليضمن راحة يومه وراحته بعد الموت ويكون موصوفا بالوصف الايجابي لنصوص قرءانية
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } (سورة القيامة 22 - 25)
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } (سورة عبس 38 - 41)
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءانِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } (سورة الغاشية 2 - 10)
من يسعى لـ الجنة لن يكره الموت
الحاج عبود الخالدي
قلمي يأبى أن تكون ولايته لغير الله
قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ
قلمي يأبى أن تكون ولايته للتأريخ
تعليق