بسم ءلله الرحمان الرحيم
لا تمارضو... فتمرضو ....فتموتو...
أيام الثانوية كان لدينا صديق كثير التمارض والتشكي. ففي كل يوم يدعي مرضاً جديداً وعلة مختلفة (تراوحت بين الدوخة والكحة إلى القلب والقرحة).. وفي بداية تعرفه علينا كنا نتعطف معه ولكننا أدركنا بسرعة انه "مريض بالوهم" فأصبحنا نتراهن على ما سيدعيه يوم الغد!.
وشخص كهذا تصادفه في كل مكان وتجده في أي "شلة"، وقد تعود دوافعه إلى أيام الطفولة حين ارتبط لديه "التمارض" بحنان الوالدين واهتمام الناس. وحين يكبر يظل بحاجة إلى ذلك التعاطف فيعود بين الحين والآخر إلى لعب هذا الدور..
ولكن الأبحاث الطبية الأخيرة أثبتت أن التمارض قد يؤدي فعلاً إلى مرض حقيقي أو الموت بشكل غامض. فقبل فترة بسيطة نشرت مجلة جاما (وهي المجلة الرسمية للجمعية الطبية الأمريكية) نصائح للأطباء حول التعامل مع هذا النوع من المرضى والنتائج المترتبة على توهمهم. فكثيراً ما يحتار الأطباء أنفسهم في موت أو انتكاس مريض (يفترض) به التحسن، فهناك مثلاً من يموت خلال عملية جراحية بسيطة ثم يتضح أنه كان مقتنعاً بأنه سيموت خلالها. كما اتضح - حسب المصدر السابق - أن النساء اللاتي يؤمنّ بأنهن سيمتن بسبب مرض القلب، يمتن بنسبة أربعة أضعاف من يعتقد أنهن سيتغلبن على المرض. ورغم التسليم بأن زيادة الوزن وضغط الدم وارتفاع الكوليسترول تقصر من العمر، ولكن لوحظ أن "المتفائلين" يعمرون أكثر من "المتشائمين" بست مرات!!.
@ ويطلق الباحثون على المرض بالوهم اسم "نوسيبو" - وهي تركيبة لاتينية تعني (سوف أمرض) وتعاكس كلمة "بلاسيبو" الأقدم استعمالاً وتعني (سوف أشفى)..
فالبلاسيبو (الكلمة الأخيرة) خدعة حميدة قد يلجأ إليها الطبيب حين لا يجد للأعراض الحقيقية سبباً واضحاً، فحين لا يجد مثلاً سبباً واضحاً للصداع الدائم يصف للمريض دواء "خاصاً جداً" و"فعالاً جداً" و"غير موجود في الأسواق". وحين يتناول المريض هذا الدواء يشعر فعلاً بتحسن مفاجئ (رغم أنه مجرد حبوب سكر ملونة)!!.
أما المريض بالوهم (النوسيبو) فهو بعكس الأول سليم معافى لا يشكو من شيء. ولكنه لسبب غامض يؤمن بأنه مريض وأنه على وشك الموت. وحين يقتنع بهذا ينحدر جسمه لمستوى المرض الفعلي ويضعف لديه جهاز المناعة فيصبح عرضة لأضعف الجراثيم!!.
@ ومن القصص التي تجمع بين الحالتين (الشفاء بالبلاسيبو، والموت بالوهم) قصة وردت في كتاب "معجزات الشفاء" للدكتور بيرني سيجيل:
فقد كان يشرف على مريض يدعى رايت مصاب بالسرطان الليمفاوي. وكان في حالة متقدمة بحيث اقتنع الأطباء بأنه لن يعيش لأكثر من ثلاثة أسابيع. وحدث أن كانت إحدى الشركات تجرب في المستشفى دواء جديداً يدعى كريبوزين. وما ان سمع المريض بهذا الدواء حتى توسل للطبيب (المشرف على التجربة) أن يجريه عليه. وفي البداية لم يوافق الطبيب (لأنه كان يبحث عن مرضى يعيشون لستة أشهر على الأقل كي يرى النتيجة). ولكن تحت إلحاح رايت حقنه بالكريبوزين يوم الجمعة وهو يتوقع وفاته يوم الاثنين. غير أن حالة رايت بدأت بالتحسن بعد أسبوع فقط - مما أدهش الطبيب نفسه - فحقنه مرة ومرتين حتى اختفت جميع الأورام. وفي البداية ظن الطبيب أن للدواء مفعولاً سريعاً وفتاكاً، ولكن ما حيره ان هذه النتيجة لم تحصل مع بقية المرضى.. وبعد شهرين من خروج رايت إلى منزله سليماً معافى، عاد إلى المستشفى بحالة سيئة لم يلبث أن توفي بعدها.. أما السبب، فكان الأخبار التي ظهرت في التلفزيون عن فشل "الكريبوزين" في علاج السرطان!!.
على أي حال نقول:
.. في الحقيقة كل ما جاء يختصره بدقة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا"! أو كما قال.
السلام عليكم ءجمعين