[size=6]
بسم ءلله الرحمان الرحيم
منذ قديم الزمان وإلى زماننا هذا – وإلى قيام الساعة - تتفنن الأمم في البناء ... لحاجة ولغير حاجة .. وإذا وصلت الأمة إلى مرحلة البناء لغير حاجة كان هذا نذيرا بقرب انهيارها ....
وصل قوم عاد إلى هذه المرحلة, فقال لهم نبيهم هود:
"أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [الشعراء : 128]"
وفي زماننا هذا تبني الدول النصب التذكارية ... والأبنية العظيمة ... تخليدا لذكرى ما أو لمجرد الإتيان بطراز عجيب من البناء ... لا لشيء وإنما لتكون مزارا ... يقصده الناس فيفغرون أفواههم ويلتقطون له الصور ... ويُصورون أمامه ... ثم ينصرفون ... بحانوت أخفاف حنين!!!!!!!!!
وأنظر في حال الناس حوالي وأتحسر وأقول: لو وُضع عُشر ما يُوضع في الحجر في البشر لاختلف حال البشرية كثيرا!! لو اهتممنا ببناء الإنسان لأصبحنا مجتمعات إنسانية حقيقية مسالمة متعاونة, وليس مجتمعات متصارعة متشاحنة! لماذا نريد أن نبني لأبناءنا بدلا من أن نبنيهم؟! لقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ليبني الإنسان ... فأبى البشر إلا التنافس في بناء الحجر ...
حتى لو كان ثمنه هدم البشر!
أنظر إلى الأبنية العظيمة المزخرفة وأتحسر على من يضيعون أعمارهم وأوقاتهم من أجل زخرف لن يلحظه هو أو غيره, ولن يجلب له سوى شعور زائف بالعظمة والاستعلاء على الناس.... وهو شعور مهلك محبط للعمل لو أصبح حقيقا! أتحسر على من يجد رزق الله قد زاد في يده, فلا يعرف ما يفعل به, فيتجه لتقليد السابقين الهالكين ... فيسير على خطاهم... فيبني لنفسه قصرا ... ويشتري قصورا ومنازل في مدن ... قد لن يزورها إلا أياما قلائل في العام, وقد لا يفعل! ولكن ماذا يفعل بالمال إذن؟! هكذا فعل الأثرياء المترفون السابقون, ومن ثم فلا بد أن يقتدي بهم!! وأنظر إلى الفقراء العراة حولي وأتساءل:
ماذا سيحدث لو وضع الأثرياء المترفون نصف أو ثلث ما يزيد عن احتياجاتهم الكثيرة, والتي هي في معظم الأحيان ليست بالاحتياجات, في عون هؤلاء! ماذا يحدث لو أمّنا لهم المطعم والملبس والمسكن! والعلم والعمل! .. سيختلف حال البشرية كثيرا ... إلى الأفضل!!
والعجيب أن أكثر البشر يقدرون الحجر أكثر من البشر, فلا يهم كم مات من أجل بناء الهرم, المهم أنه أصبح عندنا الهرم! ولا يهم كم نفس زهقت من أجل بناء المعابد البابلية, المهم أنها أصبحت من المفاخر العراقية . وهكذا! لا يتفكر أكثر الناس في المعاناة التي ذاقها الأقدمون من أجل بناء هذه الأحجار, وإنما ينظرون إلى النتيجة!
وعلى النقيض من ذلك نجد أن رسولنا الكريم قد قال أن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من الكعبة! نعم, فزوال الكعبة أهون عند الله من أن تموت نفس بالباطل! ولكن لا يزال أكثر الناس بعيدون عن هذا المستوى الفكري المقدر للإنسان! فلا يهمهم أن يُهدر الإنسان ويهدَم ... طالما أن الأبنية ستعلو! وحتى لا يقلق محبو الإبداع نقول لهم:
إن كل ما نرنو إليه هو فقط مجرد تأجيل مرحلي للإسراف في البناء! فنعمل على أن نبني البشر ... وعندما نبني البشر سيختلف الحال ... ويعم السلام ... والرخاء ... وسيتوفر الكثير من المال عند الناس .... ولن يجد أكثرهم ما يفعلونه به وقتها .... إلا أن يبنوا .... ويبدعوا .... ويتفاخروا! فهذا طبع راسخ فيهم! وساعتها لن أتضايق أن يبدع البشر ويبنوا الحجر .... بعد أن بنوا البشر! أعلم أنني أحلم .... ولكن من حقي أن أحلم .... وأعرّف الآخرين بما أحلم به فقد يستجيب بعضهم ... ويشارك بعض في بناء الإنسان!
في النهاية أقول:
إنني أُشبه حركة المجتمعات البشرية –ذات المرجعية البشرية- ب "ترس ضخم" يندفع إلى الأمام بسرعة غير ثابتة, فيسرع أحيانا ويبطأ أخرى ... وذلك لأن ذلك الترس الكبير غير منسجم مع باقي التروس الصغيرة, فيدهس بعضها بكل سهولة, وتقاومه أخرى لفترة, إلا أنه قد يدهسها في آخر المطاف! ويواصل تقدمه على نفس حاله! مستمرا في تقدمه على حساب التروس الصغيرة! حتى يقابله ترس آخر لا يستطيع تجاوزه فيحطمه! أو يحطمان بعضهما بعضا!
أما المجتمعات البشرية –ذات المرجعية الربانية- فأشبه حركتها ب "ترس كبير", يضم إليه غيره من التروس الصغيرة والمتوسطة, فيزداد هو سرعة ... ويزدادون جميعا قوة وثباتا! فلا يُعطل – يُحطم- الصغير من أجل الكبير, وإنما يكمل بعضهم بعضا, ويُسخر الكبير للصغير والعكس!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم ءلله الرحمان الرحيم
منذ قديم الزمان وإلى زماننا هذا – وإلى قيام الساعة - تتفنن الأمم في البناء ... لحاجة ولغير حاجة .. وإذا وصلت الأمة إلى مرحلة البناء لغير حاجة كان هذا نذيرا بقرب انهيارها ....
وصل قوم عاد إلى هذه المرحلة, فقال لهم نبيهم هود:
"أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [الشعراء : 128]"
وفي زماننا هذا تبني الدول النصب التذكارية ... والأبنية العظيمة ... تخليدا لذكرى ما أو لمجرد الإتيان بطراز عجيب من البناء ... لا لشيء وإنما لتكون مزارا ... يقصده الناس فيفغرون أفواههم ويلتقطون له الصور ... ويُصورون أمامه ... ثم ينصرفون ... بحانوت أخفاف حنين!!!!!!!!!
وأنظر في حال الناس حوالي وأتحسر وأقول: لو وُضع عُشر ما يُوضع في الحجر في البشر لاختلف حال البشرية كثيرا!! لو اهتممنا ببناء الإنسان لأصبحنا مجتمعات إنسانية حقيقية مسالمة متعاونة, وليس مجتمعات متصارعة متشاحنة! لماذا نريد أن نبني لأبناءنا بدلا من أن نبنيهم؟! لقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ليبني الإنسان ... فأبى البشر إلا التنافس في بناء الحجر ...
حتى لو كان ثمنه هدم البشر!
أنظر إلى الأبنية العظيمة المزخرفة وأتحسر على من يضيعون أعمارهم وأوقاتهم من أجل زخرف لن يلحظه هو أو غيره, ولن يجلب له سوى شعور زائف بالعظمة والاستعلاء على الناس.... وهو شعور مهلك محبط للعمل لو أصبح حقيقا! أتحسر على من يجد رزق الله قد زاد في يده, فلا يعرف ما يفعل به, فيتجه لتقليد السابقين الهالكين ... فيسير على خطاهم... فيبني لنفسه قصرا ... ويشتري قصورا ومنازل في مدن ... قد لن يزورها إلا أياما قلائل في العام, وقد لا يفعل! ولكن ماذا يفعل بالمال إذن؟! هكذا فعل الأثرياء المترفون السابقون, ومن ثم فلا بد أن يقتدي بهم!! وأنظر إلى الفقراء العراة حولي وأتساءل:
ماذا سيحدث لو وضع الأثرياء المترفون نصف أو ثلث ما يزيد عن احتياجاتهم الكثيرة, والتي هي في معظم الأحيان ليست بالاحتياجات, في عون هؤلاء! ماذا يحدث لو أمّنا لهم المطعم والملبس والمسكن! والعلم والعمل! .. سيختلف حال البشرية كثيرا ... إلى الأفضل!!
والعجيب أن أكثر البشر يقدرون الحجر أكثر من البشر, فلا يهم كم مات من أجل بناء الهرم, المهم أنه أصبح عندنا الهرم! ولا يهم كم نفس زهقت من أجل بناء المعابد البابلية, المهم أنها أصبحت من المفاخر العراقية . وهكذا! لا يتفكر أكثر الناس في المعاناة التي ذاقها الأقدمون من أجل بناء هذه الأحجار, وإنما ينظرون إلى النتيجة!
وعلى النقيض من ذلك نجد أن رسولنا الكريم قد قال أن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من الكعبة! نعم, فزوال الكعبة أهون عند الله من أن تموت نفس بالباطل! ولكن لا يزال أكثر الناس بعيدون عن هذا المستوى الفكري المقدر للإنسان! فلا يهمهم أن يُهدر الإنسان ويهدَم ... طالما أن الأبنية ستعلو! وحتى لا يقلق محبو الإبداع نقول لهم:
إن كل ما نرنو إليه هو فقط مجرد تأجيل مرحلي للإسراف في البناء! فنعمل على أن نبني البشر ... وعندما نبني البشر سيختلف الحال ... ويعم السلام ... والرخاء ... وسيتوفر الكثير من المال عند الناس .... ولن يجد أكثرهم ما يفعلونه به وقتها .... إلا أن يبنوا .... ويبدعوا .... ويتفاخروا! فهذا طبع راسخ فيهم! وساعتها لن أتضايق أن يبدع البشر ويبنوا الحجر .... بعد أن بنوا البشر! أعلم أنني أحلم .... ولكن من حقي أن أحلم .... وأعرّف الآخرين بما أحلم به فقد يستجيب بعضهم ... ويشارك بعض في بناء الإنسان!
في النهاية أقول:
إنني أُشبه حركة المجتمعات البشرية –ذات المرجعية البشرية- ب "ترس ضخم" يندفع إلى الأمام بسرعة غير ثابتة, فيسرع أحيانا ويبطأ أخرى ... وذلك لأن ذلك الترس الكبير غير منسجم مع باقي التروس الصغيرة, فيدهس بعضها بكل سهولة, وتقاومه أخرى لفترة, إلا أنه قد يدهسها في آخر المطاف! ويواصل تقدمه على نفس حاله! مستمرا في تقدمه على حساب التروس الصغيرة! حتى يقابله ترس آخر لا يستطيع تجاوزه فيحطمه! أو يحطمان بعضهما بعضا!
أما المجتمعات البشرية –ذات المرجعية الربانية- فأشبه حركتها ب "ترس كبير", يضم إليه غيره من التروس الصغيرة والمتوسطة, فيزداد هو سرعة ... ويزدادون جميعا قوة وثباتا! فلا يُعطل – يُحطم- الصغير من أجل الكبير, وإنما يكمل بعضهم بعضا, ويُسخر الكبير للصغير والعكس!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته