هل المعابد في عمارة المساجد ..؟
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
فطر الانسان على مدارك مادية وتغلغلت الماديات في نشاطه حتى طغت على مدركاته بشكل كبير ...
وردت تلك الفطرة في المنهج القرءاني مع سنة ابراهيم عليه السلام في مراشده نحو خالقه فاول صرخة عقل في عقله الشريف كانت مادية الادراك فقال للنجم هذا ربي ومن ثم القمر والشمس وبما انه في رحمة رشاد الله ادرك ان مدركاته المادية في تيه قال لئن لم يهدني ربي لاكونن مع القوم الضالين .. فعاد ليوجه وجهه للذي فطر السماوات والارض ..
تلك هي فطرة الانسان ومن لم يحذرها فان منزلقات الفكر شديدة الميل تخرج المتفكر الى متاهات فكر كما هي الاديان غير التوحيدية فمنهم من عبد النار ومنهم عبد بوذا ومنهم من عبد الحيوان .. وتلك هي متاهات فكر تشهد للانسان ان عقله حرج القياد خصوصا عند ميراث الفكر .
الميراث الفكري هو اكثر مفاصل التيه عند الانسان وتحدثت الاديان القديمة عن سر نفاذيتها بين الشعوب وفق راصدة الميراث الفكري
المعابد هي الاكثر وضوحا في تلك الراصدة فميراث العبودية في المعبد حيث تألقت تلك الظاهرة كثيرا الى حد اصبح الكثير من مروجي الفكر المعاصر يربط المسجد الاسلامي بالمعابد والكنائس ربطا موضوعيا واكبر دليل في تلك الراصدة هي قوانين تنظيم المعابد والمساجد في كل دول العالم تحت فقه قانوني واحد ومنظومة واحدة !!
الازمة الفكرية لم ينجو منها الفكر العقائدي بسبب الارث الفكري الذي طغى على النشاط العقائدي والذي اختلط بالمدرك المادي فكان الاستقرار الفكري ان المساجد بعمارتها (بنائها) مما جعل صفاتها تلتصق بصفات المعابد
(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:18)
تعلق الفكر الاسلامي بالعرقوب المادي في الادراك واصبحت عمارة المساجد من مواد البناء هي الهدف الاول من النص الشريف وذهب الناس مذاهب اصحاب المعابد والكنائس
اذا انفرد العقل مع القرءان ببساطة عربية فسوف ينور دربه لـ القرءان محصنا من دروب التيه ويكون في لا ريب مطلق
المساجد جمع مسجد .. وهو مبني على وزن (مفعل) ... أي مشغل فعل السجود .. وفعل السجود في الفكر العقائدي نحى منحى المدرك المادي ايضا في عملية السجود في منسك الصلاة فاصبح المسرب الفكري اكثر امعانا بالمدرك المادي في المسجد والسجود .
السجود هو الخضوع باتفاق لغوي قديم ولكنه مهمل ... السجود في صلاة المنسك يمتلك تكوينة مؤثرات خفية وبما انها خفية تصورها المسلمون ان كينونة السجود هي في حركة المنسك عندما يضع المصلي رأسه على الارض ...
تلك الكينونة هي لمرابط جسدية وليست ايمانية ولكنها جعلت من مراسيم الصلاة لتستكمل حاوية الصلاة فعلها التكويني كما علمنا اياها رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام والذي علمه شديد القوى
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)
فاذا كان السجود ماديا كما راج في الفكر العقائدي فكيف يكون السجود ماديا للشمس والقمر والدواب والجبال كما نسجد في الصلاة !! ... وكثير من الناس ..
فالسجود هو خضوع لله وله مشغل فيكون (مسجد) وبتكرارها تكون مساجد
عندما يصلي الانسان فهو في مسجد
عندما ينفق في سبيل الله فهو في مسجد
عندما يجاهد في سبيل الله هو في مسجد
عندما ينضبط في بيوعه مع الناس هو في مسجد
عندما يتفكر بخلق الله هو في مسجد
مساجد المؤمن لا تنتهي وكلها مادية او غير مادية لا تنحسر في موقع محدد يطلق علية اسم مسجد كما يطلق اليوم .. قل انه جامع يجمع المؤمنين في الصلاة .. سيكون جامع وليس مسجد
لا يوجد في الارض سوى مسجدان ماديان فقط لارتباط كينوني في خلق الله هما
المسجد الحرام والمسجد الاقصى ولا غيرهما
فتعمير مساجد الله لا يؤتى بالطابوق والخرسانة وعلو المنائر .. بل بالخضوع لله بكل ما امر به وبكل ما تنسك به المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام .
ذلك واضح في النص الشريف
(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:18)
انما تعمير مساجد الله
1ـ الايمان بالله
2 ـ االايمان باليوم الاخر
3 ـ اقامة الصلاة
4 ـ ايتاء الزكاة
5 ـ لا يخشى من كل شيء .. لا يخشى من فقر .. من كارثة .. من مرض .. من ذل .. من أي شيء بما فيهم الخشية من المعتدين والظالمين وفي تلك درجة ايمانية عالية
6 ـ يخشى الله
تلك هي عمارة المساجد في اوضح صورة يطرحها النص الشريف لقاريء القرءان .. ان استقل عقله وجدها وان ورث الفكر .. سها عنها وتصور ان عمارة المساجد في ابنيتها وفي ذلك تكون مثلها مثل المعابد
المؤمن ليس له معبد .. فهو يعبد الله وهو يمضغ الطعام .. وهو قائم او قاعد او على جنب وفي الحضر والسفر وفي كل ناشطة ينشط فيها هو عبد عابد فكيف يكون له معبد له سقف وجدران !!
مساجده معه اينما يكون وكيفما يكون .. فلا مسجد الا مسجدان يتوالف معهما بمجرد ان يوجه وجهه شطر المسجد الحرام وقال الله اكبر فقد سجد
(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(البقرة)
المسلمون يعتقدون ان الارض هي المسجد الطهور التي اختارها الله للامة المحمدية .. وان صحت رواياتهم فيها فهي الارض (وعاء الرضا) ولن تكون الارض التي نمشي عليها .. الارض التي نمشي عليها هي ارض ايضا ولكنها تشمل الوعاء المادي في عناصر تربتها والماء والهواء والجاذبية وعنصر غير مادي هو الايجاب والقبول الذي يجري في تكوينتها المادية .. ما نراه ماديا نراه .. وما لا نراه الا من خلال سنن التكوين في خارطة الخالق كما هي الكعبة وبيت المقدس ولعل المتابعين للحفريات تحت بيت المقدس يعلمون ان بحوث اليهود تتركز في العقل وقد ظهر في الاعلام المرئي تقرير وثائقي عن تلك البحوث حيث يؤكد التقرير ان العلماء وجدوا تغيرات عقلية وان الابحاث جارية عن سبب تلك التغيرات واظهر التقرير زوار في تلك الانفاق التي انيرت بالشموع وذلك بسبب حظر استخدام الكهرباء في تلك الانفاق لاسباب بحثية ايضا !!
الانشطة العقائدية التي يسعى فيها العقائديون لرضا الله سبحانه تغرق في الماديات بشكل كبير خصوصا في زمن الحضارة حيث تكثر قراءة القرءان وتكثر الصلوات والاذكار وعندما نرصد المجتمع الاسلامي نرى قلة سجوده لله في عموميات التصرفات سواء بالانغماس في المرابط الباطلة في كل اتجاه يمكن ان يراقب بدقة ووعي ايماني .
المسجد مادي .. السجود مادي .. تلك هي هي المعابد التي يعبد بها غير الله .. الفارقة ان ماديات العقائديين المسلمين هي عبادة الله ..
السجود الحقيقي هو عبادة العقل ولن تكون عبادة اللسان مسجدا .. ولن يكون الجسد مسجدا .. ولن يكون المنسك مسجدا الا ان تكون النية قربة لله .. فاي منسك ان لم يبدأ بالنية فهو باطل في الفقه العقائدي وتلك ضابطة حق في عبادة العقل .. اما المنسك فهو تصرف مادي تكويني يخص الجسد ويقوم الدليل من المفصل العقائدي التالي :
لماذا تسقط الصلاة عن النفساء والحائض والغائب عن الوعي والمضطر من اسر او المرض الشديد ..!!
اذا كان الموصوفون اعلاه يتصفون بصفة العجز الجسدي فان الحائض لن تكون عاجزة جسديا ولكن الصلاة تسقط عنها ..
تلك الاثارة الفكرية تلزم المتفكر في العلم القرءاني في رجرجة عقله وتثوير ثائرة تمسك بالحقيقة التكوينية للصلاة ..
عندما يكون المتفكر في بساط علوم القرءان سوف يكون في مسجد (مشغل السجود) وفي تلك دعوة قرءانية
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128)
حاولنا ان نرى مناسكنا على ورق الكتروني منشور .. في مسجد معمور .. متابعنا الكريم من عماره .. فعمارة المساجد ليس كما تعمر المعابد
الحاج عبود الخالدي
تعليق