الارث الفكري افيون المعرفه
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
المعرفة نشاط عقلاني اختص به الانسان دون بقية المخلوقات وقد اوضح القرءان حقيقة البيان المعرفي عند الانسان بما يفوق على مخلوق الملائكة من اجل حضارة اسلامية معاصرة
(قَالَ يَا ءادَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة:32)
فلما انبأهم باسمائهم .. تعني في طاولة الباحث القرءاني ان ما عجز عنه مخلوق الملائكة معرفيا تقدم به الآدمي .
لقد منح الله الانسان بطاقة كبرى في العلم
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق)
تلك ضابطة كبرى في مصدرية المعرفة عند مخلوق اسمه الانسان وتدعمها نصوص غاية في الوضوح والبيان
(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً) (الاسراء:85)
من النص اعلاه يستدرك العقل ان العلم يؤتى من مصدريته (الله) وان حجمه ايضا يخضع الى الارادة الالهية في قلته وكثرته ..
(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه)
وهذه الاثارة الموجزة تكفي بما حملت من نصوص وان ملف ادراج النصوص الكاملة لهذه الاثارة تحتاج الى مجلد كلام ..
كل انسان يحمل عقل ءادم لا محال وبموجب نص شريف
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62)
فاذا عرف الانسان انه مشمول بالبثق العلمي الالهي فهل هو بحاجة الى الارث الفكري ..!!
ولنرى الارث الفكري بقديمه وبحديثه ماذا احدث في المعرفة وكيف كان سببا في شلل المعرفة
رجوعا الى المعرفة الاغريقية التي قامت فيها اوليات المعرفة والتي اصبحت اليوم مدعاة للشفقة على حائزيها مثل نظرية مركزية وان الارض مركز الكون فهي ثابتة والكون من حولها يتحرك .. ذلك النتاج المعرفي كان نتاجا ضالا لا محال وبالتالي فان الراصد الباحث عن الحقيقة سيجد ان الضلالة ارث ولم تكن المعرفة بذاتها ارثا
ارث الضلالة من اخطر الامور التي يقع فيها الانسان وبموجب نص قرءاني
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170)
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (المائدة:104)
من هذه النصوص يتضح ان الارث ارث ضلالة وما كان ارثا فكريا معرفيا بصفته الموجبة .
الارث الفكري المعرفي حصرا يحمل معه مقومات اخفاء الضلالة فيه وبالتالي يكون الفكر المنقول مشوبا بالريب مهما بلغت الثقة فيه
ذلك يعني ان الوارث للارث الفكري ان يضع ما ورث من مورثه على طاولة البحث والتقصي لانه مشوب بالريب
في هذه النقطة سيتحول الارث الفكري الى قيامة معرفية في عقلانية المورث ويسقط الريب بعد ان ينقلب الارث الفكري الى مجرد اثارة تستوجب التصديق العقلاني لها فتقوم المعرفة من المتفكر نفسه ويكون الارث الفكري عاملا مساعدا في التثوير ليس اكثر
عندما تكون المعرفة صفة في خلق الانسان فان استقطاب المعرفة الجاهزة من الاخرين سواء كانت من الاحياء او الاموات لا تعني قيام المعرفة بل تعني استنساخ المعرفة من عقل لعقل اخر
عندما تتجمع المستنسخات الفكرية عند العالم فان وعاء المعرفة يتحول الى الارشفة ومن ثم الانتاج الجزئي في العلم وذلك يمكن رصده في قلة المبدعين من العلماء ونرصده في ضمور البنود المعرفية في نهايات القرن الماضي ولغاية اليوم حيث اصيبت العقول بالتخمة العلمية وانكفأ عصر الاكتشافات العلمية ودخلت الانسانية عصر التطورات التقنية حصرا
الفرق بين التطور العلمي والتطور التقني واضح جدا لمن يرصد اخر صيحة في الهاتف المنقول فان جديدا علميا لم يظهر من خلاله كما كان الجديد في الموجة الكهرومغناطيسية نفسها !!
ولو لم يقع العلماء في الارث الفكري لاستطاعوا التقدم في علوم تكوينية تخص الموجة الكهرومغناطيسية ولكن الارث الفكري الزمهم البقاء في ساحة مادية هو فكر فرضته افكار موروثة من زمن النهصة الاول .. لو تحرر العلماء من ارث مورثيهم ودخلوا العقيدة المنزلة من الله لاستطاعوا قراءة خارطة الخالق وما ضلوا وما ظلوا في خارطة المخلوق .
ولو رصدنا حقيقة النهضة المادية المعاصرة لوجدنا ان المنظرين لها اسقطوا كل قديم بما فيه الفكر العقائدي وتحرروا من أي ارث فكري فقامت عقولهم بالمكتشفات تلو المكتشفات الا انهم اخطأوا ايضا فقد وقعوا في وحل المادة وملأت الضلالة عقولهم في نظم الخلق فكان التفريغ الفكري لعقولهم منفصل عن العقيدة فصلا غير موفقا .. فلو تم التفريغ الفكري في وعاء قرءاني فان عصر المكتشفات سوف لن يكون في جيل واحد فقط او جيلين كما حصل لنهضة العلم المعاصر بل سوف يكون القرءان مصدر فاعلية للفكر الذي يتوالد مع الحاجات البشرية مع كل جيل
اذن الارث المعرفي يسبب تخمة العقول ويؤدي الى ضمور فاعلية الانتاج العلمي كما نرى ونلمس العجز المعرفي القائم عندما نضع السلة العلمية التي ملأت العقول فاصبحت العقول مصابة بالترهل والخمول المعرفي
اذا انقلبت الراصدة الى الفكر العقائدي فان الفقهاء انفسهم يعترفون بالضمور المعرفي بعد فترة ربيع الفقه لغاية اواسط الحكم العباسي وانكفأ النتاج الفقهي وتحولت المسيرة الفقهية الى الاستنساخ والارث الفكري واتخمت العقول فتوقف الانتاج واصبح اجترار البيان المعرفي من معدة فكر الى معدة فكر اخرى بلا نتاج واضح .. نتاج معرفي يخرج الفكر العقائدي من الصفة المكتبية الى الصفة التفعيلية لسد حاجات الناس المعاصرة .
نحتاج الى تفريغ الارث الفكري لتكون في العقول مساحة تفعيل وهي مضادات افيون المعرفة .. تخمة الموروث .. افيون معرفي مؤكد في ضرورة خلاص من الذل الفكري الذي يعاني منه حملة العقيدة ..
يمكن ان تكون تخمة العقول في معرفة معاصرة وهي نفسها سببا في ترهل العقل واصابة افيونية ايضا ..!!
انتبه الانسان المعاصر الى تلك الازمة فطريا فاصبح الاختصاص العلمي مسربا منهجيا في العلوم فاختفت جامعية العلوم في شخصية واحدة مثل الفارابي والبيروني وارسطو وغيرهم حيث كانوا يجمعون كل العلوم في وعاء واحد .. الاختصاص العلمي يمتص تخمة العقول .. وكلما ازدادت قائمة الاختصاصات كلما تم تخفيف تخمة العقول من الفكر الموروث او الفكر المستنسخ .
ما كانت العقيدة حكرا لجيل من اجيال البشر فهي لكل البشر حتى قيام الساعة ولكل جيل وامة عقول يعقلون بها ولن تكون امة سبقت اكثر علما بحاجات امة مأتية !!
نحن لا ندري كيف ستكون حاجات الاحفاد .. فلا يمكن ان نمدهم برحيق المعرفة .. وليس من الحكمة ان يرثوا المعرفة من ابائهم وعقولهم معهم !!
الحاج عبود الخالدي
تعليق