الكراهية في ثقافة الدين
من أجل رسم حدود الكراهية في ثقافة ايمانية
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34)
النص الشريف يؤكد معادلة عقلانية محض اذ ان (العداوة) هي صفة عقلانية مهما كان لها من مسببات مادية فالعدوان ينتج من (كراهية) تزرع بين اطراف العداء (بينك وبينه عداوة) وتلك البينية الكريهة تمتلك فاعليات عقلانية تتحول الى تصرفات مادية (عدوان) فتمزق العلائق الانسانية وتجبر كثير من الناس على ما لا يرضيهم وتستمر زراعة الكراهية وانتشار العداء بين الناس دون ان يكون هنلك قاطع يقطع تلك الصفات القاسية فيكون قبالة السوء سوء مرتد على ناصية (وما جزاء سيئة الا سيئة مثلها) ولكن من يتمسك بها فلا يكملها (فمن عفا واصلح فأجره على الله) ونقرأ النص الشريف
(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى:40)
ولعل النعرات العشائرية تشهد على سوء مثل تلك الصفات واستمرارها لعدة اجيال فلا يستكمل النص فيكون من عفا قد حصل على ما يريد من الله وهو خير مما يحصل عليه من بشر من خلال العدوان بسيئة مرتدة مثلها ..!! كذلك ما تعتري حياة الناس في المدن والتجمعات البشرية الاخرى من بغضاء وكراهية تسري في كل مسارب النشاط الانساني في الشؤون السياسية والعقائدية والحيازة المالية والعرقية والانشطة الفئوية التي تحمل افكارا وانشطة متفردة حتى تشكل تلك المسارب مصانع للكره والبغضاء والعداء المتبادل .. الدفع بالتي هي احسن تمتلك معادلة عقلانية من خلال قلب نتائج العداء من سلبية الى ايجابية (فاذا الذي بينك وبينه عداوه كأنه ولي حميم)
من المؤكد انه لن يكون وليا حميما بصفته المطلقة بل (كأنه ولي حميم) لانه سيكون في منقلب جديد من خلال ما حصل عليه من (دفع) هو موصوف بـ (التي احسن) فيكون ذلك العدو في مقعد متنحي من العداء (وكأنه) ولي حميم ..!! .. مثل تلك الصفات هي صفات تكوينية في فاعليات عقل الانسان ترتبط بنظم خلق العقل وتمثل راشدة خلق لانها وردت في قرءان دستوري فهي لا تخضع للتجربة او الرأي بل هي مفصل في خارطة الخليقة يذكرنا بها الله فان قام احد الناس بالفعل بما هو احسن مع من بينه عداوة مع الاخر فجائت النتيجة معاكسة (مثلا) فهو لا يعني ان المفصل التكويني المسطور في القرءان فيه عوج بل العوج في فاعلية (التي هي احسن) أي ان فيها منقصة وعلى الدافع بالتي هي احسن ان يبحث عن احسن منها لكي تتفعل الرابطة بين الراغب في اطفاء الكراهية ونهاية العدوان مع عدوه مثلها مثل أي صفة تنشط بين يدي الناس حتى في ابسط الميادين فالمزارع الذي يسقي شجرة فيجد ضعف نموها فانه يبحث عن مزيد من السقاية او مزيد من الاسمدة او يبحث عن احسنها في ميقات السقي او انواع اخرى من السماد النباتي لان وهن نمو الشجرة هو في كراهية مالكها وان عملية التخلص من ذلك الموقف المكروه يقوم بالاحسان الى وعاء الكره (الدفع بالتي هي احسن) .. مثل تلك الفاعليات تظهر في علاقة الزوجين والاخوان والجيران وصحبة العمل و .. و .. وتغطي كامل انشطة البشر لان ما جاء في القرءان اساس تكويني ومعالجة عقل وان تظهر في النشاط المادي الا ان النشاط العقلي يسبق النشاط المادي حتما
هنلك نص تذكيري وهو قانون دستوري يشير اليه الذكر الحكيم يؤكد ان فاعلية النظم الالهية هي فاعلية اجبارية تؤتي اثرها بين يدي المؤمنين بشكل تلقائي ملزم حتى وان كان الطرف الاخر مستديم في الكراهية والبغضاء الا ان النظم الالهية عندما تتفعل تجبر الاخرين على نفاذيتها في المسرب الذي تفعلت به
(وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس:82)
فعندما يقوم المؤمن بتفعيل الدفع بالتي هي احسن انما يقوم بربط كلمات الله الحق فالله يحققها بمنظومته ولو كره المجرمون الذين يتخذون من الكراهية برنامجا لهم ونرى ذلك واضحا في مثل المنافقين مع رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام حيث حملت تلك الامثال الشريفة صفات كراهية المنافقين لرسول الله ولصحبه المؤمن الا ان رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام بخلقه العظيم كان (يدفع بالتي هي احسن) وهي كلمات (مرابط) الهية فكان الاسلام يتقدم ولو كره المجرمون وبقي المنافقين في المجتمع المسلم غير قادرين على الاساءة للمنظومة الاسلامية في عهد المصطفى ورغم انه كان يعرفهم الا انه كان يمتص عدائهم بما يحسن اليهم ... وفي حيدث مشهور عن المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام (اتق شر من احسنت اليه) قالوا كيف يا رسول الله قال (بزيادة الاحسان اليه) وتلك هي ثقافة ايمانية رفيعة المقام فاز من تمنطق بها وامن شرور المجرمين في كل ناشطة من انشطته الحياتية
لو قام المجتمع المؤمن في قرية او مدينة او في أي تجمع اسلامي وظهر بينهم سارق يسرق اموال الناس فان امسكوا به فان الاحسان اليه سوف يوقف فعل السرقة فيه الا ان عقابه سوف يزيد من عدوانيته بل اشباع حاجته ستجعله قادرا على العودة لمجتمعه على صلاحهم ولا ينفلت منهم على سوء ما قوبل به فالاحسان اليه علاج للسوء ولن يكون السوء علاج للسوء فقد غرقت البشرية في مهالك العداء بين الناس حتى تحولت البشرية في كل مكان الى عجينة من البغضاء والعدوان ونرى بوضوح كبير ان المجتمعات التي مارست الاصلاح بديلا من العقاب هي التي تتمتع الان بمزيدا من الاستقرار المجتمعي ولو رصدنا المجتمع الياباني سنجد تربوية مجتمعية تبحث عن الصلاح لتزيد فعله وتبحث عن السوء لتصلحه ولا تقابل السوء بالسوء فكان فيهم ثقافة الاسلام وهم غير مسلمين ..!!
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33)
معاقبة الاخر ومحاسبته والرد عليه بمثل ما صدر منه انما هي نفخ متعمد في نار البغضاء والكراهية تجعل من الناس هشيما تذروه رياح يصنعها الناس انفسهم ...
من يرد السوء بالسوء انما هو من أهل السوء
تلك تذكرة من قرءان يتصف بصفة الذكرى
(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) (الأعلى:9)
الحاج عبود الخالدي
تعليق