الخطاب الديني بين الثابت والمتغير
صناعة الكلام البشري وصناعة الكلمة الالهية
من أهم ما يعاني منه النشيء الجديد في مجتمعنا الاسلامي هو الفارق الجوهري بين الخطاب الديني والخطاب المجتمعي بكامل اصنافه حيث يتفرد الخطاب الديني بميزته المعزولة عن بقية انواع الخطاب البشري سواء كان تثقيفيا او تكليفيا وتلك السمة تميز الخطاب الديني على كافة انواع الكلام في الثقافات السياسية او العلمية او المجتمعية وغالبا ما يفقد الخطاب الثقافي الديني طراوته الموضوعية بسبب جفاف المعالجة العقلانية مع بقية انواع الخطاب المجتمعي الذي يمارس في صناعة الكلام غير الديني في مضاهاته مع صناعة الكلام الديني ذلك لان الخطاب الديني خطاب تطغى عليه صفة الماضي حتى في صناعة المفردة الكلامية فيه فهو خطاب موروث في نسبة عالية منه وكلما زاد الخطيب من (بلاغته) الكلامية كلما فقد اهتمام السواد الاكبر من الناس وكلما حمل الخطاب الديني طراوة وليونة في صناعة الكلام بما يتوائم مع الممارسات الكلامية المجتمعية كلما كان الخطاب الديني اكثر قبولا بين عناصر المجتمع بصفتها الجماهيرية
يمكننا رصد الفارق الكبير بين اليوم والامس لمعرفة صلاحيات السابقين في صناعة الكلام وصلاحياتنا قي صناعة الكلام المعاصر ومن خلال تلك الفارقة نحاول ان نرصد ثابتية الخطاب القرءاني عبر العصور ..!! بل ضرورة ثبات الخطاب القرءاني فوق صناعة الكلام المجتمعي المتغير مع الزمن ففي كل زمن من الازمان يمر على حملة القرءان خطاب مجتمعي متغير وتبرز صناعة كلامية تخص ذلك الجيل قد لا تشبه الجيل الذي سبقه او الجيل الذي يليه ... من تلك الرغبة المعرفية كان منها محاولة بحثية مستقلة محددة الهدف حيث وجدنا ان اسماء السابقين (العصر الجاهلي) ومسمياتهم غير مفهومة لنا بمعدل يصل الى اكثر من 90% من مسمياتهم سواء كان اسم علم بشري او حيواني او اسماء الاشياء التي كانوا يستخدمونها كما شمل البحث متغيرات الافعال فافعال الامس لا تتطابق مع افعال اليوم لفظا وموضوعا فاختفت مهنيات عديدة مثل صباغ الملابس والرواف والكواز وابتكرت مهنيات غيرها واكثر منها مما يؤثر تأثيرا كبيرا في توسيع دائرة متغيرات صناعة الكلام ومثل تلك الصفة واضحة جدا لكل ذي لب حين يقرأ في الشعر الجاهلي فهو كلام بشري مصنوع يتصف بصفة عدم الفهم في عقولنا المعاصرة الا بعد استخدام القواميس وكأننا نقوم بترجمة لغوية رغم انه شعر عربي ..!! بل هو صناعة كلام عربي النشيء ضامر الاستخدام بسبب التغيير المطرد في وسيلة الخطاب البشري
تلك الممارسات الفكرية تضعنا امام تساؤل كبير في معرفة الخطاب الديني القرءاني وضرورة الاعتراف بثبات ذلك اللفظ في الخطاب الشريف ووصفة بصفة اللسان العربي المبين ومن تلك الثابتة تقوم ضرورة الاعتراف بتغير منهج الخطاب المجتمعي عبر الامم والعصور وبسبب ذلك التغير في صناعة الكلام كان ويكون ظاهرة ارتباك فهمنا لصفة (المبين) في لسان القرءان كذلك تسبب تلك الظاهرة في اضطراب قبولنا للخطاب القرءاني وهجرنا لمتنه الشريف بشكل مباشر والبحث عن البدائل التفسيرية مما يجعلنا مندفعين باجبار مفتعل على عجز لاستبدال قبولنا العقلي للنص القرءاني الى قبول (مفترض) للبيان القرءاني من غير القرءان وذلك كان قد حصل عند السابقين ووصلنا ارثا موروثا رغم اننا نعلم ان كثيرا من معالجاتهم للنص القرءاني تحمل اختناقات واختلافات قاسية ومن خلال قبولنا المفترض لنهج السابقين في فهم القرءان اصبح فهم القرءان عبارة عن صفة موروثة من موروثات المجتمع سواء كانت طائفية او عرقية فلكل مجتمع صناع للخطاب الديني وهم موصوفين بصفة الـ (ثقات) الذين يتمتعون بثقة مجتمعية محددة مذهبيا او عرقيا او قد تكون صفة الثقة ممنوحة لمجموعة من الثقات من قبل بضعة اجيال ومن النوادر ان يكون (الثقات) في جدولة دستورية موحدة يقبلها جميع اطياف المسلمين ومن تلك الممارسة القاسية اصبح قراءاننا مهجورا في خطابه المباشر الينا بل يستوجب ان يمر الخطاب عبر بشر سابق (يفترض) انهم فهموا القرءان واقروا ثوابته وهم موصوفين ايضا بصفة (ثقاة) الا ان الحقيقة التي اصبحت واضحة في زمننا اننا لن نستطيع ان نفهم حقيقة ما فهمه السابقون من القرءان فاصبح فهم القرءان ذو عسر مركب ..!!
تساؤلات كثيرة يطرحها العقل الباحث عن الحقيقة الراسخة في (ثابتية النص القرءاني) والتي يقابلها متغيرات بشرية في صناعة الكلام ومتغيرات مستمرة في فلسفة المجتمعات الكلامية عبر عمر الرسالة الشريفة ونحن نلمس يقينا (متغيرات) الخطاب البشري عبر مراحل تاريخية مختلفة كما تقوم التساؤلات بحرج اكبر حين نرى ان اقاليم العرب غير موحدة الخطاب حتى في الزمن الواحد ويمتلك كل اقليم عربية خاصة به وتختلف الاستخدامات في اللفظ الواحد باختلاف الاقليم فنرى على سبيل المثال لفظ (بسط) ففي شمال افريقيا وبلاد الشام يستخدم اللفظ لوصف حالة الارتياح الا ان لفظ (بسط) في اقاليم اخرى يستخدم في مقاصد (الضرب) البدني كما يورد لنا التاريخ فوارق كثيرة في الخطاب الناطق بين قبيلة وقبيلة وان كانت في اقليم واحد ويذكر التاريخ ويمكن ان نرى بوضوح في حاضرنا ان نطق الحروف غير موحد في اللسان العربي سواء اقليميا او قبليا في الاقليم الواحد حيث نجد ان حرف الضاد (مثلا) لا ينطقه العرب نطقا موحدا ومثله حرف القاف وحرف الكاف والذال والجيم ... كل تلك الصفات كانت موجودة في زمن نزول القرءان وبعده كما ان القرءان نزل بالفاظ غريبة على عرب الرسالة انفسهم ليزيد من عمق مراصدنا البحثية وتساؤلاتنا ولعل لفظ (قرءان) هو الاكثر طعنا في ثبوتية الخطاب القرءاني فلفظ اسم (القرءان) لم يكن من لسان العرب ولم يكن من صناعاتهم الكلامية ولفظ (صراط) مثله ومثله لفظ (سجيل) ولفظ (أعجمي) ولعل اوضح ما جاء في القرءان غريبا على عرب الرسالة هي الحروف المقطعة التي يمكن ان تعتمد كثابتة اساسية تهشم ما استقر في وجدان المسلمين ان (القرءان نزل بلغة عرب الرسالة) حيث تقطع مجهولية بيان الحروف المقطعة باليقين المطلق حقيقة ان مجهولية الحروف المقطعة عند عرب الرسالة دليلا حاسما وقاطعا ان القرءان ما كان بلسان عرب الرسالة لان لسانهم (خطاب متغير) والقرءان (خطاب ثابت) وبقيت الحروف المقطعة لغاية اليوم تعلن سقوط ذلك المستقر الفكري الذي يقول ان القرءان نزل بلسان عرب الرسالة .... كثير من المماسك الفكرية مفروضة على العقل المستقل الذي يرفض الحشو الفكري المتأتي على ثوابت صنعها غيره من البشر في صناعة فكرية غير ملزمة ولم يأمر الله ان تكون الزامية ومن تلك المماسك تقوم عارضة عقلانية تثبت بشكل قاطع ان الخطاب القرءاني لم يكن على نهج فئوية بشرية سابقة بدءا من تاريخ نزوله لغاية اليوم فالقرءان خطاب ثابت يمتلك استمرارية خطاب لغاية نهاية البرنامج البشري على الارض لان الرسالة المحمدية الشريفة هي اخر الرسالات الإلهية والقرءان هو اخر خطاب إلهي للبشر ...!!
ما يزيد تلك المراشد (اليقينية) هو في الزامية قراءة القرءان بخطابه العربي من قبل غير العرب ولا يمكن استبدال الخطاب القرءاني بخطاب مترجم ولا يمكن اقامة الصلاة بغير النطق العربي القرءاني وفي تلك الضابطة الفكرية الواضحة والبينة يرسخ في عقل الباحث ايضا ان ثابتية الخطاب في القرءان بلسان عربي قرءاني حصري تكفي لحمل البيان دون الاتكاء على لسان حامل القرءان (لا تحرك به لسانك لتعجل به) وفي تلك الضابطة محنة فكرية يستخدمها المتمسكون بماضي الخطاب القرءاني وعدم اعترافهم بان القرءان يخاطب كل جيل من اجيال حملته بل حشر القرءان في فئوية قام الفرض بانها فهمت القرءان وحولت كلام القائلين فيه الى (ثوابت) لا يمكن عبور سقفها او التلاعب بما استقر فيها ومثل تلك الصفة تمت المصادقة عليها في اروقة فقهية بذلت جهدا فقهيا او تفسيريا عاصر زمن قراءة القرءان وما قال واحد من اولئك المتصدين للخطاب القرءاني قولا حاسما بل كل من قال في القرءان وفسر كلام الله ثم يختتم مقولته بـعبارة (والله اعلم) وهو اعتراف مؤكد ان ذلك الفهم لا يرقى الى الثبات المطلق .
الخطاب الديني في القرءان ثابت مطلق باتفاق كل المسلمين ولغاية اليوم وتلك من رواسخ ايمانية وتاريخية وواقعية يمارس واقعها حملة القرءان على مر عصورهم ولا يوجد مسلم يشكك في ثبات الخطاب القرءاني وانما التشكيك ظهر في الاختلاف عند تفسيره وتلك ايضا راسخة فكرية ترسخ عند أي باحث قرءاني مهما كان حجم البحث الذي يمارسه ..
نحن في زمن كشف الحقائق فلو رصدنا الماء كمثل سهل الحضور في سطورنا فالماء كان معضلة في الفهم عند السابقين حتى قيل فيه كلام مأثور حين يفشل احدهم في توضيح ما هو خفي فيقال (وفسر الماء بعد الجهد بالماء) الا ان مثل تلك الشعارات اصبحت اليوم مختلفة في (الخطاب) ففي كل حافة علمية وفي كل (موقوفة علم) يقال ان العلماء يبذلون جهودا جبارة لمعرفة الحقيقة وان (فرق البحث العلمي) المنتشرة في ارجاء الارض تبحث في كل اختناق معرفي سواء كان مادي او فكري فالانسان يرسل المركبات الفضائية ليكشف الكون القريب والبعيد عن الارض والانسان يغور عمقا في الذرة ليكشف اسرارها والانسان يغور عمقا في الخلية الواحدة ليعرف عمل تلك المستعمرة الحياتية الا ان المسلمين يتفرجون على قرءانهم ولا يسعون الى معرفة ثابتية الرسالة الالهية الموجهة اليهم في نهضة معاصرة تغطي حاجاتهم في زمنهم الحضاري
يوم كانت البلاغة سيدة الخطاب بين البشر كان القرءان بليغا في هرمية علوية البلاغة (صناعة الكلام) وتلك الصفة البلاغية هي التي اذهلت اهل البلاغة في زمنهم اما اليوم فالخطاب البشري هو خطاب علمي محض بل هناك امعان كبير في الخطاب العلمي فكل شيء نأكله يحاك له ومن حوله صناعة كلام علمي وما من شيء نستخدمه او نلبسه الا ومن خلفه (مواصفة قياسية) تقول علما وما من مسكن نسكنه او عمارة نبتنيها او مصنع ننشئه او زرعا نزرعه الا ومن خلفه موصفات قياسية تقول علما فالخطاب العلمي هو الذي يسود لغة البشر وعلى المسلمين ان يستخلصوا من قرءانهم تلك العلوية الكبرى فيه فبلاغة يومنا هي (بلاغة علم) والقرءان حتما في علوية هرمية لانه رسالة الله للبشرية جميعا فلا يوجد خطاب فكري (علمي) يعلو خطاب القرءان ولا يوجد علم مادي او عقلاني يعلو كلام القرءان لان (الله اكبر) ومن تلك الثابتة فان الله في رسالته اكبر من رسالة علمية ينادي بها البشر والله اكبر برسالته من رسالة الاكاديميات المعاصرة الا ان الازمة هي في استقالة المسلمين فالمسلمون مستقيلون عن صلاحياتهم لفهم القرءان ومن يتصدى لفهم القرءان بفكر مستقل معاصر فان المعارضين يتكاثرون حوله ويكيلون مزيدا من خطاب الغفلة ضده مما يزيد من الاختناق اختناقا
هنا في هذا المتصفح دعوة للاعتراف بـ
1 ـ ثابتية الخطاب القرءاني
2 ـ تغيير مستمر في خطاب البشر وتلك راشدة يمكن ان يمسكها كل حامل للقرءان دون مساعدة فكرية من احد المتزعمين للخطاب الديني
بين راشدتين في العقل يبرز عند الباحث (كنز اليقين) فيكون للعقل اكسير يرفعه من رخص الاستقالة الى غلو الحاجات في قرءان يقرأ في زمنه العلمي ليغطي حاجات اهل الزمان في زمن قرءاة القرءان ..!!
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرءانَ مَهْجُوراً) (الفرقان:30)
واذا كان حامل القرءان عارفا ان القرءان ذي ذكر فعسى ان تذكره اية هجر القرءان ولينفض عنه غبار عالق من زمن مضى وليواجه القرءان بعقل مستقل ليقرأ سنن الخلق كما سطرها الله في قرءانه فالارتواء من مصدر الخطاب خير من الارتواء من الرواية
مشاربهم من عين الماء خير من سواقيها
الحاج عبود الخالدي
يمكننا رصد الفارق الكبير بين اليوم والامس لمعرفة صلاحيات السابقين في صناعة الكلام وصلاحياتنا قي صناعة الكلام المعاصر ومن خلال تلك الفارقة نحاول ان نرصد ثابتية الخطاب القرءاني عبر العصور ..!! بل ضرورة ثبات الخطاب القرءاني فوق صناعة الكلام المجتمعي المتغير مع الزمن ففي كل زمن من الازمان يمر على حملة القرءان خطاب مجتمعي متغير وتبرز صناعة كلامية تخص ذلك الجيل قد لا تشبه الجيل الذي سبقه او الجيل الذي يليه ... من تلك الرغبة المعرفية كان منها محاولة بحثية مستقلة محددة الهدف حيث وجدنا ان اسماء السابقين (العصر الجاهلي) ومسمياتهم غير مفهومة لنا بمعدل يصل الى اكثر من 90% من مسمياتهم سواء كان اسم علم بشري او حيواني او اسماء الاشياء التي كانوا يستخدمونها كما شمل البحث متغيرات الافعال فافعال الامس لا تتطابق مع افعال اليوم لفظا وموضوعا فاختفت مهنيات عديدة مثل صباغ الملابس والرواف والكواز وابتكرت مهنيات غيرها واكثر منها مما يؤثر تأثيرا كبيرا في توسيع دائرة متغيرات صناعة الكلام ومثل تلك الصفة واضحة جدا لكل ذي لب حين يقرأ في الشعر الجاهلي فهو كلام بشري مصنوع يتصف بصفة عدم الفهم في عقولنا المعاصرة الا بعد استخدام القواميس وكأننا نقوم بترجمة لغوية رغم انه شعر عربي ..!! بل هو صناعة كلام عربي النشيء ضامر الاستخدام بسبب التغيير المطرد في وسيلة الخطاب البشري
تلك الممارسات الفكرية تضعنا امام تساؤل كبير في معرفة الخطاب الديني القرءاني وضرورة الاعتراف بثبات ذلك اللفظ في الخطاب الشريف ووصفة بصفة اللسان العربي المبين ومن تلك الثابتة تقوم ضرورة الاعتراف بتغير منهج الخطاب المجتمعي عبر الامم والعصور وبسبب ذلك التغير في صناعة الكلام كان ويكون ظاهرة ارتباك فهمنا لصفة (المبين) في لسان القرءان كذلك تسبب تلك الظاهرة في اضطراب قبولنا للخطاب القرءاني وهجرنا لمتنه الشريف بشكل مباشر والبحث عن البدائل التفسيرية مما يجعلنا مندفعين باجبار مفتعل على عجز لاستبدال قبولنا العقلي للنص القرءاني الى قبول (مفترض) للبيان القرءاني من غير القرءان وذلك كان قد حصل عند السابقين ووصلنا ارثا موروثا رغم اننا نعلم ان كثيرا من معالجاتهم للنص القرءاني تحمل اختناقات واختلافات قاسية ومن خلال قبولنا المفترض لنهج السابقين في فهم القرءان اصبح فهم القرءان عبارة عن صفة موروثة من موروثات المجتمع سواء كانت طائفية او عرقية فلكل مجتمع صناع للخطاب الديني وهم موصوفين بصفة الـ (ثقات) الذين يتمتعون بثقة مجتمعية محددة مذهبيا او عرقيا او قد تكون صفة الثقة ممنوحة لمجموعة من الثقات من قبل بضعة اجيال ومن النوادر ان يكون (الثقات) في جدولة دستورية موحدة يقبلها جميع اطياف المسلمين ومن تلك الممارسة القاسية اصبح قراءاننا مهجورا في خطابه المباشر الينا بل يستوجب ان يمر الخطاب عبر بشر سابق (يفترض) انهم فهموا القرءان واقروا ثوابته وهم موصوفين ايضا بصفة (ثقاة) الا ان الحقيقة التي اصبحت واضحة في زمننا اننا لن نستطيع ان نفهم حقيقة ما فهمه السابقون من القرءان فاصبح فهم القرءان ذو عسر مركب ..!!
تساؤلات كثيرة يطرحها العقل الباحث عن الحقيقة الراسخة في (ثابتية النص القرءاني) والتي يقابلها متغيرات بشرية في صناعة الكلام ومتغيرات مستمرة في فلسفة المجتمعات الكلامية عبر عمر الرسالة الشريفة ونحن نلمس يقينا (متغيرات) الخطاب البشري عبر مراحل تاريخية مختلفة كما تقوم التساؤلات بحرج اكبر حين نرى ان اقاليم العرب غير موحدة الخطاب حتى في الزمن الواحد ويمتلك كل اقليم عربية خاصة به وتختلف الاستخدامات في اللفظ الواحد باختلاف الاقليم فنرى على سبيل المثال لفظ (بسط) ففي شمال افريقيا وبلاد الشام يستخدم اللفظ لوصف حالة الارتياح الا ان لفظ (بسط) في اقاليم اخرى يستخدم في مقاصد (الضرب) البدني كما يورد لنا التاريخ فوارق كثيرة في الخطاب الناطق بين قبيلة وقبيلة وان كانت في اقليم واحد ويذكر التاريخ ويمكن ان نرى بوضوح في حاضرنا ان نطق الحروف غير موحد في اللسان العربي سواء اقليميا او قبليا في الاقليم الواحد حيث نجد ان حرف الضاد (مثلا) لا ينطقه العرب نطقا موحدا ومثله حرف القاف وحرف الكاف والذال والجيم ... كل تلك الصفات كانت موجودة في زمن نزول القرءان وبعده كما ان القرءان نزل بالفاظ غريبة على عرب الرسالة انفسهم ليزيد من عمق مراصدنا البحثية وتساؤلاتنا ولعل لفظ (قرءان) هو الاكثر طعنا في ثبوتية الخطاب القرءاني فلفظ اسم (القرءان) لم يكن من لسان العرب ولم يكن من صناعاتهم الكلامية ولفظ (صراط) مثله ومثله لفظ (سجيل) ولفظ (أعجمي) ولعل اوضح ما جاء في القرءان غريبا على عرب الرسالة هي الحروف المقطعة التي يمكن ان تعتمد كثابتة اساسية تهشم ما استقر في وجدان المسلمين ان (القرءان نزل بلغة عرب الرسالة) حيث تقطع مجهولية بيان الحروف المقطعة باليقين المطلق حقيقة ان مجهولية الحروف المقطعة عند عرب الرسالة دليلا حاسما وقاطعا ان القرءان ما كان بلسان عرب الرسالة لان لسانهم (خطاب متغير) والقرءان (خطاب ثابت) وبقيت الحروف المقطعة لغاية اليوم تعلن سقوط ذلك المستقر الفكري الذي يقول ان القرءان نزل بلسان عرب الرسالة .... كثير من المماسك الفكرية مفروضة على العقل المستقل الذي يرفض الحشو الفكري المتأتي على ثوابت صنعها غيره من البشر في صناعة فكرية غير ملزمة ولم يأمر الله ان تكون الزامية ومن تلك المماسك تقوم عارضة عقلانية تثبت بشكل قاطع ان الخطاب القرءاني لم يكن على نهج فئوية بشرية سابقة بدءا من تاريخ نزوله لغاية اليوم فالقرءان خطاب ثابت يمتلك استمرارية خطاب لغاية نهاية البرنامج البشري على الارض لان الرسالة المحمدية الشريفة هي اخر الرسالات الإلهية والقرءان هو اخر خطاب إلهي للبشر ...!!
ما يزيد تلك المراشد (اليقينية) هو في الزامية قراءة القرءان بخطابه العربي من قبل غير العرب ولا يمكن استبدال الخطاب القرءاني بخطاب مترجم ولا يمكن اقامة الصلاة بغير النطق العربي القرءاني وفي تلك الضابطة الفكرية الواضحة والبينة يرسخ في عقل الباحث ايضا ان ثابتية الخطاب في القرءان بلسان عربي قرءاني حصري تكفي لحمل البيان دون الاتكاء على لسان حامل القرءان (لا تحرك به لسانك لتعجل به) وفي تلك الضابطة محنة فكرية يستخدمها المتمسكون بماضي الخطاب القرءاني وعدم اعترافهم بان القرءان يخاطب كل جيل من اجيال حملته بل حشر القرءان في فئوية قام الفرض بانها فهمت القرءان وحولت كلام القائلين فيه الى (ثوابت) لا يمكن عبور سقفها او التلاعب بما استقر فيها ومثل تلك الصفة تمت المصادقة عليها في اروقة فقهية بذلت جهدا فقهيا او تفسيريا عاصر زمن قراءة القرءان وما قال واحد من اولئك المتصدين للخطاب القرءاني قولا حاسما بل كل من قال في القرءان وفسر كلام الله ثم يختتم مقولته بـعبارة (والله اعلم) وهو اعتراف مؤكد ان ذلك الفهم لا يرقى الى الثبات المطلق .
الخطاب الديني في القرءان ثابت مطلق باتفاق كل المسلمين ولغاية اليوم وتلك من رواسخ ايمانية وتاريخية وواقعية يمارس واقعها حملة القرءان على مر عصورهم ولا يوجد مسلم يشكك في ثبات الخطاب القرءاني وانما التشكيك ظهر في الاختلاف عند تفسيره وتلك ايضا راسخة فكرية ترسخ عند أي باحث قرءاني مهما كان حجم البحث الذي يمارسه ..
نحن في زمن كشف الحقائق فلو رصدنا الماء كمثل سهل الحضور في سطورنا فالماء كان معضلة في الفهم عند السابقين حتى قيل فيه كلام مأثور حين يفشل احدهم في توضيح ما هو خفي فيقال (وفسر الماء بعد الجهد بالماء) الا ان مثل تلك الشعارات اصبحت اليوم مختلفة في (الخطاب) ففي كل حافة علمية وفي كل (موقوفة علم) يقال ان العلماء يبذلون جهودا جبارة لمعرفة الحقيقة وان (فرق البحث العلمي) المنتشرة في ارجاء الارض تبحث في كل اختناق معرفي سواء كان مادي او فكري فالانسان يرسل المركبات الفضائية ليكشف الكون القريب والبعيد عن الارض والانسان يغور عمقا في الذرة ليكشف اسرارها والانسان يغور عمقا في الخلية الواحدة ليعرف عمل تلك المستعمرة الحياتية الا ان المسلمين يتفرجون على قرءانهم ولا يسعون الى معرفة ثابتية الرسالة الالهية الموجهة اليهم في نهضة معاصرة تغطي حاجاتهم في زمنهم الحضاري
يوم كانت البلاغة سيدة الخطاب بين البشر كان القرءان بليغا في هرمية علوية البلاغة (صناعة الكلام) وتلك الصفة البلاغية هي التي اذهلت اهل البلاغة في زمنهم اما اليوم فالخطاب البشري هو خطاب علمي محض بل هناك امعان كبير في الخطاب العلمي فكل شيء نأكله يحاك له ومن حوله صناعة كلام علمي وما من شيء نستخدمه او نلبسه الا ومن خلفه (مواصفة قياسية) تقول علما وما من مسكن نسكنه او عمارة نبتنيها او مصنع ننشئه او زرعا نزرعه الا ومن خلفه موصفات قياسية تقول علما فالخطاب العلمي هو الذي يسود لغة البشر وعلى المسلمين ان يستخلصوا من قرءانهم تلك العلوية الكبرى فيه فبلاغة يومنا هي (بلاغة علم) والقرءان حتما في علوية هرمية لانه رسالة الله للبشرية جميعا فلا يوجد خطاب فكري (علمي) يعلو خطاب القرءان ولا يوجد علم مادي او عقلاني يعلو كلام القرءان لان (الله اكبر) ومن تلك الثابتة فان الله في رسالته اكبر من رسالة علمية ينادي بها البشر والله اكبر برسالته من رسالة الاكاديميات المعاصرة الا ان الازمة هي في استقالة المسلمين فالمسلمون مستقيلون عن صلاحياتهم لفهم القرءان ومن يتصدى لفهم القرءان بفكر مستقل معاصر فان المعارضين يتكاثرون حوله ويكيلون مزيدا من خطاب الغفلة ضده مما يزيد من الاختناق اختناقا
هنا في هذا المتصفح دعوة للاعتراف بـ
1 ـ ثابتية الخطاب القرءاني
2 ـ تغيير مستمر في خطاب البشر وتلك راشدة يمكن ان يمسكها كل حامل للقرءان دون مساعدة فكرية من احد المتزعمين للخطاب الديني
بين راشدتين في العقل يبرز عند الباحث (كنز اليقين) فيكون للعقل اكسير يرفعه من رخص الاستقالة الى غلو الحاجات في قرءان يقرأ في زمنه العلمي ليغطي حاجات اهل الزمان في زمن قرءاة القرءان ..!!
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرءانَ مَهْجُوراً) (الفرقان:30)
واذا كان حامل القرءان عارفا ان القرءان ذي ذكر فعسى ان تذكره اية هجر القرءان ولينفض عنه غبار عالق من زمن مضى وليواجه القرءان بعقل مستقل ليقرأ سنن الخلق كما سطرها الله في قرءانه فالارتواء من مصدر الخطاب خير من الارتواء من الرواية
مشاربهم من عين الماء خير من سواقيها
تعليق