الروح بين اللفظ والتطبيق
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من مستقرات الناس الفكرية أن الروح هي الطاقة الحياتية التي يملكها الانسان وكل مخلوق يتصف بصفة حياتية وتستقر هذه الثابتة الفكرية كلما زاد الفكر الانساني غورا في الصفة الحياتية وصولا الى الاحماض الامينية التي تمتلك الحياة كاضافة مضافة على تركيبتها المادية
ورد لفظ الروح قاطعا في نص قرءاني
(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً) (الاسراء:85)
وقد جاء ذكر الروح كلفظ قرءاني لا يتوائم مع ما استقر في الفكر الانساني للروح بصفتها صفة حياتية حصريا حيث نجد في مواقع متعددة من القرءان ان مضمون الخطاب القرءاني يبتعد عن الصفة الحياتية التي استقر عليها الفكر الانساني عموما
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ) (الشعراء:193)
ففي هذا النص الشريف لا وجود للقصد الحياتي في مفهوم الروح بين الناس فاذا كان المقصود هو جبريل عليه السلام فان جبريل ككائن حي يمتلك روح حسب مفاهيمنا فلن يكون هو الروح بل هو المخلوق الملك جبريل وله روح ونزوله هو روح امين ..
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)(البقرة: من الآية87)
فاذا كانت الروح في عيسى فان تأييده بروح قدس جاء بعد امتلاكه الروح الحياتية فتكون عملية التأييد بروح القدس موضع اثارة عقلية (تفكر)
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)(النساء: من الآية171)
في هذا النص اثارة عقل اكبر من الاولى فكل خلق فيه روح وهي من (امر ربي) بنص قرءاني وهنا يظهر لفظ (روح) ومنه تثور ثائرة فكر عقلاني مضاف لخلق عيسى عليه السلام
(يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87)
وهل لله روح كما هي مخلوقاته ..!! وهو تثوير اعمق من سابقاته ويحتاج الى تفكر اعمق ..
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29)
وفي هذا النص الشريف بيان ان هنلك روح الهية تم منها النفخ في ءادم وهي انعطافة فكر ترتبط بـ (ولا تيأسوا من روح الله)
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ) (النحل:2)
(على من يشاء من عباده) فكل واحد منهم يمتلك روح فما هي الروح التي تنزلها الملائكة من امر الله ..؟
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)
في هذا النص الشريف يشرح الله سبحانه في قرءانه مواصفات الروح التي وردت من امر الله على المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام وحصر فاعلية تلك الروح في (ما الكتاب) و (ما الايمان) وبالروح (جعلناه) نورا نهدي به من نشاء ... فتكون المواصفة المقروءة للروح في هذا النص هي ان الروح تتحول الى نور هدايه . فكان ما كان من امر المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام (وانك لتهدي الى صراط مستقيم) من اصل (علمه شديد القوى)
القرءان يؤكد ان مثل تلك المواصفة تتكرر في اولئك الذين كتب في قلوبهم الايمان
(أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(المجادلة: من الآية22)
التأييد بالروح يشمل المؤمنين في ماسكة قرءانية مهمة بل فائقة الاهمية لانها تخص خصوصيات ايمانية تتعلق بالمؤمن في يومياته
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) (النبأ:38)
في هذا النص تتخذ الاثارة الفكرية مع مفهوم الروح منعطفا فكريا قاسيا مستقراتنا الفهمية فهي (الروح) ليست في حساب وعقاب بل في موقف مختلف وهو موصوف بـ (صفا لا يتكلمون) مع الملائكة ولا يقوم أي ربط بين لفظ الروح ولفظ الملائكة (كلام) الا باذن وصفة القول بـ (صواب) فهي (الروح) ليست في صفة حياتية بل في صفة اخرى تستوجب الفهم في عقل حامل القرءان ..
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4)
الروح في هذا النص الشريف تتنزل في معزل عن الملائكة فيكون نفس الثنائي (الروح والملائكة) كما في سورة النبأ ايه 38 (يوم يقوم الروح والملائكة) وفي الاية تنزيل (الروح والملائكة) ومنها تكون رابطة (الروح والملائكة) في اثارة فكرية متقدة يقينا تحفز عقل الباحث لاستدراج فهم لفظ (الروح) في الخطاب القرءاني الشريف
اذا استعصى البيان فيكون (اللسان العربي المبين) مفتاحا للعقل في قراءة البيان من اللفظ لانه بلسان عربي مبين يقينا وبنصوص قرءانية ثابتة ...
فنرى في عربية اللسان المبين
سر ... سور ... سير ... جد .. جود .. جيد ... سد ... سود ... سيد ... رح ... روح ... ريح ...
الريح هو الفعل الفائق في حيز لمسارات الهواء التي نعرفها ومنها الرياح ومنها الرحى ذات الفعل الفائق في طحن الحبوب ... فالروح هي الرابط بين الوسيلة والفعل الفائق (الغالب)
وهي الصفة الفعالة التي منحت لسليمان عليه السلام
(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الانبياء:81)
فذلك الريح لسليمان ذو الفعل الفائق في حيازة سليمان الذي تفرد به سليمان عليه السلام
اما عيسى عليه السلام فقد امتلك الرابط (روح) وبذلك الرابط القدسي استطاع ان يصنع من الطين كهيئة الطير فيكون طيرا باذن الله
الروح وسيلة ربط فائق الفعل ... وهذا الترشيد الفكري المولود من علم قرءاني في (قرءان + عقل + لسان عربي مبين) حيث نعرف الروح في مقاصد شريفة سطرت في القرءان تشكل محاولة جدية لفهم القرءان ونظم الخلق وهي تخضع لتجربة عقلانية في القرءان يستطيع حامل القرءان ان يستخدمها بما يختلف تماما عن منهجية التفسير فالتفسير فكر مغلق وهنا فكر مفتوح يمارسه قاريء القرءان في كل مفصل يرى فيه لفظ الروح في القرءان كذلك لفظ الرياح
روح الله هي وسيلته سبحانه في الربط للفعل الفائق ومنها الخلق اجمالا .. وقل الروح من امر ربي فهي في اساسية من اساسيات الخلق فالله هو الذي ربط الفعل الفائق ليكون الخلق من مادة وخلية وعضو ومخلوق وعقل وكون وافلاك فالربط بين الوسيلة في الخلق والفعل الغالب الفائق هي من امر الله فمثلما خلق الله الانسان خلق له الاوكسجين ليتنفس فالرابط بين وسيلة الخلق الانساني والاوكسجين تمتلك فعل فائق .. ذلك الرابط لوسيلة الفعل الفائق من امر الله وليس (صدفة) او (طبيعة مجردة من الامر) كما يقول الكافرون ...
فالروح هي ليست تلك الوسيلة الرابطة للفعل الفائق في الجسد لوصف عنصر الـ (حياة) فقط فهي اجمالية في الخلق سواء في حياة المخلوق او في مماته فالمخلوقات النافقة تموت اجسادها فتذهب منها الروح حسب مفاهيمنا ولكنها تبدأ فيها حياة ثانية ليتفسخ الجسد وتعود مكوناته الى وعاء الارض تارة اخرى فكما كانت في جسد المخلوق روح (وسيلة ربط الفعل الفائق) فان في موته ايضا روح في حياة بكتيرية تفسخ جسده وان لم تلك الروح لحصل اختلال خطير في موازين كثيرة واضطربت الارض بمن فيها ..!!
الروح في الفهم القرءاني الدقيق لا تعني الصفة الحياتية في مفصل واحد نعرفه عندما تموت الاجساد بل الروح تشمل كل نظم الخلق المتفاعلة حتى قوانين الفيزياء والكيمياء والروابط الحياتية البايولوجية ففي تفاعلها جميعا (وسيلة ربط الفعل الفائق) وهي الروح وهي من امر الله حصرا وكذب كل من قال كفرا في غير ذلك ووضع لمليارات السنين فعلا في التكوين وكأن مليارات السنين تقيم فاعلية الربط الفائق او ان يضع لتصورات الماديين مرابط حكيمة في خلق الكون فالله لن يستقيل من منصبه كخالق ومضة زمن ولن تأخذه سنة ولا نوم ولا يغادر منصبه كخالق كما في بعض الديانات التي لا تعرف الحق والحقيقة ..!!
تلك هي الروح والقرءان يقيم الذكرى في حملته لانه (مذكر) عسى ان تنفع الذكرى
الحاج عبود الخالدي
تعليق