الوصف الفكري للفضيلة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
كثير من الناس ... بل كل الناس يضعون مراصدهم للفضيلة في تصرفات الفضيل وبالتالي تكون الفضيلة في صفات العمل الصالح الذي يفرق الفضيلة عن ضديدها في عمل الرذيلة ... ومن هذا المعتقد تقوم ثقافة الفضيلة والرذيلة من خلال معايير تعير الاعمال فتفرزها الى صنفين متضادين بموجب تلك المعايير .
عندما يكون العقل في دائرة الايمان ويمتلك ثقافة اسلامية قرءانية لا بد ان يكون الفضلاء عنده هم من نزلاء الجنة ذلك نتاج ثقافة ايمانية اسلامية باعتبار ان هدف المسلم هو رضا الله عنه ونتيجة رضا الله تكون جنة الله التي وعد عباده , والجنة هي حكرا للفضلاء وبالتالي يرى الفضيلة من خلال صفات افعالهم وتلك النقطة كانت جوهرة من جواهر العقل في الالتصاق الكبير بين مسلمي اليوم ومسلموا الامس من الصالحين حتى وصل كثير من مسلمي زماننا الى استنساخ صفات السلف الصالح لقناعتهم الفائقة ان فعل الفضلاء هو الفضيلة بعينها وهو تخريج عقلاني غير مكتمل وذلك لان الافعال وحدها لا تفي بالغرض بل يجب ان تسبقها صفة عقلانية يؤتى بها الله حيث سنرى ان القرءان يذكرنا بذلك
عندما تكون ثقافة المسلم قرءانية فان القرءان يفعل فعله في العقل ليذكر عقل الآدمي بشؤون عقلانية لا يمكن لها ان تقوم الا من خلال الصفة التذكيرية للقرءان لان القرءان (ذي الذكر) فيتذكر حامل القرءان وقد تنفعه الذكرى
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ *اِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الشعراء:90)
في هذا النص الشريف وضع الله صفة (إتيان الله بقلب سليم) وتحت هذا الوصف معايير عقلية ولا توجد مواصفات لافعال اولئك الناس الذين أزلفت لهم الجنة .... القلب السليم هو الاصل في الفعل الفضيل بموجب ذكرى في قرءان ومنها نتذكر كثيرا من الذين يتقمصون الفعل الفضيل في المنسك او الملبس او المستحبات ولكن عندما تطلع عليهم تجد ان قلوبهم غير سليمة فترى فيها كثيرا من الصفات لا تتوافق مع الفعل الفضيل الذي يتقمصونه وهذه الذاكرة تمتلك حضورا حيا عند كثير من الناس عندما يقتربون من ذوي العمل الفضيل فيجدون انهم لا يملكون قلوبا سليمة فترى فيهم من يحمل الغل والحقد على الاخرين لسبب تافه وترى فيهم من يظلم زوجته او اولاده او ترى فيه بخل حاد او .. او ... وكثيرة هي الصفات السيئة التي لا تظهر الا بالاقتراب من صاحب العمل الفضيل وكل انسان عاشر مجتمعه له تجاربه الخاصة في هذا الميدان والقرءان يدفعنا للذكرى فنتذكر صفات قلوب اولئك الفضلاء وعندما نعرض تلك الصفات على القرءان سنرى انهم لا يتصفون بصفة الفائزين بالجنة الالهية لان قلوبهم ليست سليمة وان الله اشترط ان (يأتون الله بقلب سليم) ...
من تلك الرجرجة الفكرية يتضح للمتفكر في القرءان ان اصل البلاء هو القلب وسلامته من مدنسات الدنيا ومن اجل ذلك وردت شريعتنا السمحاء مؤكدة النوايا قبل الافعال لان النوايا هي (عقل) والافعال نتيجة لفاعلية العقل وعندما (ينقلب) نتاج العقل الى فعل يكون الفعل موصوفا بصفات الفضيلة او ضديدها .
العقل يسبق الفعل في ثابتة عقلانية ترقى الى بديهة تثبت في وعاء الفكر ... العقل هو قائد الافعال ... فالافعال يتم تعييرها بالعقل قبل (انقلابها) الى فعل وهو القصد الالهي الشريف في لفظ (قلب) ومن المؤكد ان (القلب السليم) لا يمكن ان يكون سليم بعضلاته واليافه ووظيفته في ضخ الدم بل ذلك (القلب) الذي يقلب النتاج العقلي الى فعل يتصف بصفة الفعل المادي الفضيل ان كان (القلب سليم) وبصفة الفعل الرذيل عندما يكون (القلب غير سليم) ...
سلم ... سليم ... سلام ... إسلام ... أسلم ... مسلم ... فيكون من تلك العربة العربية ان المسلم هو (مشغل السلم) مثلها (شغل ... مشغل) ووزنها (فعل .. مفعل) ...
(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112)
(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131)
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)(آل عمران: من الآية20)
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125)
وعند ربط تلك النصوص الشريفة في مرابط العقل (تفكر) مع نص شريف اخر هو (من أتى الله بقلب سليم) ... ستكون معرفة الاسلام كدين مبني على نتيجة فطرية يعرفها كل مخلوق اسمه انسان في العمل الفضيل والعمل الرذيل
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
الفطرة الانسانية هي عقل محض ... ذلك العقل يتفكر ... بعد التفكر يفعل فعلا ... قيام الدين في ترابطية بين الفطرة العقلية والفعل ... تظهر الفضيلة ويكون الفاعل من الفضلاء وبالتالي يتصف بصفة (أسلم وجهه لله وهو محسن) فيكون ذو (قلب سليم) فتزلف له الجنة ويكون في رعاية الهية مستديمة
في هذه الاثارة العقلانية تنحسر المهمة التثويرية في وصف الفعل الفضيل بسلامة النوايا وهو الاسلام فتكون النتيجة أن :
الفضيلة أسلمة الافعال
والأسلمة تكون
من يأتي الله بفعل سليم من عقل سليم
الحاج عبود الخالدي
تعليق