نوح في العلم
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من راسخات الفكر العقائدي في المعالجات الفكرية لقوم نوح ان اولئك الناس كانوا بدائيين ولا يمتلكون نوعا من الحضارة التقنية او الحضارة بشكلها الذي يمكن ان تترك اثرا ماديا تتم من خلاله قراءة وضع اولئك الناس من حيث البناء او أي شكل اخر من الحضارة .
كذلك فان الفكر العقائدي يرسخ ان الغضبة الالهية كانت على شكل فيضان مدمر ادى الى هلاك قوم نوح وان سفينة نوح هي الوعاء الذي حمل فيه من كل زوجين اثنين . وكانت من الواح خشبية كما هي السفن قبل الحضارة .
التاريخ يقف بل ينقطع عند نوح بعد الطوفان وكل محاولات اختراق ذلك السقف التاريخي لا تمتلك أي بيان سوى خيالات قديمة سطرت في ملاحم اسطورية يختلط فيها الكفر والوثنية ولا تمنح الفكر الانساني ثوابت رصينة يمكن اعتمادها حتى في الاستدلال المتواضع لمعرفة مسلسل التاريخ قبل نوح او اية اثار لقوم نوح ومساكنهم او أي اثر يدلل على وجودهم وكل ما قيل عن حطام سفينة نوح الخشبية ماهي الا ظنون مرتبطة بخيالات وافتراضات لا تقيم اي انضباط فكري في حضارة قوم نوح الفائقة ذلك لفقدان اثرها .
ربما كان الجهد الفكري في التاريخ ذو فضول تاريخي مجرد من العلم الا ان العلم المعاصر قد بلغ شأوا عاليا في المستقرات العلمية يدفع بعقل الباحث القرءاني الى استحضار واقعة نوح لحاجة علمية وليس لحاجة تاريخية مجردة من العلم .. واهم راصدة تستفز العقل هي في :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (العنكبوت:14)
السنة في الزمن هو لفظ قرءاني تكرر في مواقع متعددة في القرءان وهو في مقاصدنا سنة زمنية رغم ان القرءان استخدم لفظ (سنّة) في مقاصد لا تمتلك حاوية زمنية :
(اللَّهُ لاإِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ )(البقرة: من الآية255)
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) (الحجر:13)
السنة هي حاوية وتلك الحاوية تمتلك فاعلية منقولة (نتيجة من علوم القرءان)
حاوية فاعلية منقولة .. أي انها مثل عملية (سن) القانون وجعله في حاوية فيكون سنة مسنونة (عربية فطرية) وهو في سنة زمنية ايضا حيث دورة الارض حول الشمس هي حاوية فيها فاعلية منقولة (دورة الارض حول الشمس) فتكون في العقل (سنة زمنية)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاَبْصَارِ) (النور:43)
سنا برقه هو (فاعلية منقولة) يذهب بالابصار لانها فاعلية بريق منقول .. فالبرق لا بد ان يكون منقول والا لن يكون برق ...
سنة ابراهيم هي حاوية منقولة من ابراهيم ومثلها سنة رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام فهي حاوية منقولة عنه ...
لبث نوح في قومه الف سنة الاخمسين عاما ... واللبث هو البقاء فيهم .. فاذا كان نوح مخالفا لاعرافهم وسننهم فهو معجزة قومه وبالتالي يكون الخضوع اليه خضوعا تكوينيا فهو في معجزة كبيرة ودليل مصداقيته فيكون من منطق العقل ان يكون نوح ابو الجميع لو كان وحده في ذلك العمرالطويل الا ان مداليل النص (عقلانية النص) تفرض ان يكون نوح (مثيل قومه) فيكون ان قوم نوح استطاعوا عبور حاجز الشيخوخة علميا ولم يكن نوح وحده طويلا في العمر بل كان طول عمره مثله مثلهم ولن يكون اعجازيا فيهم بعمره ... وفي تلك اشارة علم كبرى ...
معايير العلم القائمة فينا تقف مضطربة في الشيخوخة وتهشمت كل محاولات الاختراق ..!! فكم كان حجم العلم في قوم نوح .. !!
القرءان يستفز العقل ايضا :
( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(لأعراف: من الآية69)
واي ذكرى تلك ..؟؟ وكيف تكون ..؟ وهل لنا ان نتذكر .. وكيف ..؟؟
لا ننسى ان وظيفة القرءان الرئيسية انه (مـُذَكـِر)
(ص وَالْقُرْءانِ ذِي الذِّكْرِ) (صّ:1)
وسيلة الذكرى التاريخية لا وجود لها وان وجدت فهي لا تغني الذكرى ولن تكون ذكرى بصفتها التذكيرية الحق لان التاريخ لا بد ان يكون فيه ريب .. ولكن الذين يعقلون المثل القرءاني سوف يتذكرون والذكرى رابط يربط العقل بالماضي او بالحاضر ...
التذكر في نشاطنا اليومي يحتاج الى سبب لتقوم الذكرى فالشخص لا يتذكر اسم جاره الا اذا قام بين يديه سبب يذكره باسم ذلك الجار ... القرءان سيكون سببا في الذكرى فالانسان يمتلك (فطرة) فطرها الله فيه يستطيع من خلالها ان يحصل على بيانات يعجز الوصف عنها وعلماء الباراسايكولوجي يعرفون تلك الظاهرة جيدا حيث تمت دراسة حالات خارقة كان يستطيع حملتها من التعرف على اسم أي شخص يعرض عليها ... ليس اسم الشخص بل مجموعة بيانات ربما تكون في ذلك الشخص لا يتذكرها الشخص الخاضع للتجربة ولكن صاحب القدرة الفائقه يستطيع معرفتها .. تلك ايات يرسلها الله ليعرف الانسان كيف يكون خلق الله ... وكيف كان ..!! ونريكم اياتنا في الافاق وفي انفسكم ...
الشيخوخة مربوطة بالزمن (لبث في قومه) ربطا تكوينيا وهو استدلال يدركه العقل في مسطحات مجتمعية يعرفها القاصي من العلم والداني منه ... اختراق نظام الشيخوخة يعني اختراق رابطة الزمن وبالتالي عبور قوانين الفيزياء المعروفة لدى العلماء وكثير من الناس ..!!
ذلك العمر المديد الذي يعلنه القرءان كثابت دستوري يكفي ليقوم سبب تفعيل الذكرى في معرفة العلم والشيخوخة وقوانين الفيزياء فنحن لا نتذكر قوم نوح بل نتذكرعلومنا ونربطها مع سنة الله في خلقه والشيخوخة هي سنة من سنن الله والقرءان يحدثنا عن عمر طويل لنوح وقومه مع تأكيد قرءاني يؤكد ان سنة الله لم تخضع للتبدل او التغير بحيث قد نتصور ان اعمار السابقين كانت طويلة تكوينيا فالقرءان حسم مثل تلك التصورات .
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62)
ولا يمكن ان تكون سنن السابقين (قوم نوح) تختلف عن سنن نحن فيها بنص قرءاني راسخ وثابت ويدعمه نص اخر
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54)
ضعفا وشيبة من بعد قوة ونقرأ حاوية الزمن فهي لا تصل الى الف سنة الا خمسين عاما ... فكيف لبث نوح في قومه ..؟؟ ذلك ما يمكن ان نستذكره في قرءان يقرأ .
اثار نوح العلمية لها ارهاصات فكر مبعثر في المسطح المعرفي الانساني الا ان مرابط الباحثين لم تربط تلك الارهاصات بحضارة قوم نوح الفائقة وندرج هنا اهمها :
- اهرام مصر وما قيل في ضخامة بناء لا يمكن ان يكون ضمن قدرة الفراعنة واخر ما قيل ان الاهرام بنيت على نظام هندسي له علاقة بالشمس ومحور الارض المغناطيسي .
- عثر في مناجم متفرقة في العالم على قطع حديدية هندسية الشكل (فولاذ) وهي سبيكة لا يمكن ان تكون طبيعية بل يجزم العلماء على انها مصنعة .
- اكتشف في عدة كهوف رسومات لمركبة فيها مقود وعادم صاروخي .
- اكتشفت باحثة امريكية ان هنلك اخاديد في الارض تؤكد مسار لمركبات عملاقة
- يتحدث العلماء ان هنلك اهرامات تتطابق من حيث الهندسة في البيرو ومناطق اخرى من امريكا الجنوبية تتطابق مع اهرامات مصر هندسيا .
- يؤكد بعض العلماء على اثار زراعة كثيفة في عدة مساحات هي اليوم عبارة عن صحراء قاحلة مثل جزيرة العرب وصحراء نيفادا وغيرها ..
- يتحدث الجيولوجيين عن قارة مفقودة ..!!
- يتحدث بعض الباحثين عن وجود معلومات فلكية كبيرة عند الهنود الحمر وبعض الديانات القديمة في الشرق .
كل تلك الارهاصات البحثية الفكرية المبتورة العائدية لم يستطع احد ان يربطها مع قوم نوح الا ان القرءان (مذكر) يحدثنا عن مؤشرات حضارية كبرى تحدثنا فيها عن اعلى سقف علمي يمكن ان نتصوره في عبور سقف الشيخوخة الذي يراه العلم المعاصر.
وهنلك رديف تذكيري يوازي سقف الشيخوخة ذو الصفة العلمية الكبرى الا وهو سفينة نوح
لا يمكن ان يتصور عقل علمي واعي في الوسط العلمي ان سفينة خشبية يمكن ان تجمع كل الخلق وهو كم هائل من نبات وخمائر وطفيليات وحشرات وطيور وحيوانات زاحفة واخرى لا ترى بالعين واخرى مائية وبرمائية في الوقت الذي لم يشير القرءان الى استثناء المخلوقات المائية حيث اطلق النص (من كل زوجين اثنين) ولم يستثن وفي تلك راسخة من قرءان يجب ان نؤمن برسوخه في البيان لانه من خالق عظيم .
ملايين بل بلايين من المخلوقات ... واصناف لا حصر لها ونحن (نتذكر) قرابة قرنين من زمن النهضة العلمية وكل شيء موثق ولا يزال العلماء وفرق البحث يكتشفون كل عام مئات الانواع من الحشرات والبكتيريا والاسماك والزواحف والطيور بفصائل مختلفة ونوعيات مختلفة وقواميس العلم تنتفخ عاما بعد عام وهي لم تنتهي من احصاء الخلق بعد ... اليست تلك (ذكرى) .. فكيف جمع نوح كل تلك المخلوقات ... وتستمر مسببات الذكرى ليكون النفط بين ايدينا والعلم يقول انها مخلوقات سحب الاوكسجين من تركيبها ..!! مركبات عضوية لا يعرف احد كيف حقنت في تلك المكامن الطابوغرافية ... والقرءان يذكرنا بواقعة نوح ... وحضارة قوم نوح ... وسفينة نوح التي لا يمكن استيعاب سقفها العلمي ... ليس بالحجم فقط .. بل ليتصور الباحث البيئة التي تمكن منها قوم نوح لتوفيرها الى ذلك الكم الكبير من المخلوقات التي يعيش بعضها على بعض ... وبعضه يناقض بعض .. وبعضه يتطفل على بعض ..!! كيف يمكن ان يكون صندوقا خشبيا عائما حاويا لكل تلك الصفات التي لم يستطع جهد علمي معاصر ان يجمعها في كتاب مصور فقط وليس في حاوية تحفظ الحياة ..!! تلك هي مرابط الذكرى التي ندعوا اليها ليقوم القرءان (ذي الذكر) والا كيف يكون ... !! ومتى يصحوا حملة القرءان ..؟؟ بعد فوات الاوان .. !!
انها ذكرى لمن شاء ذكر ومن شاء هجر
الحاج عبود الخالدي
تعليق