القلم بين الفطرة والممارسة البشرية
من أجل تمحيص خارطة الخلق
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (العلق:4)
(عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5)
(نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم:1)
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (العلق:4)
(عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5)
(نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم:1)
ورد لفظ القلم في القرءان في اربعة مواقع والقلم معروف بين الناس انه اداة كتابة ناطقة حيث تتحول الحروف الصوتية الى حروف مرسومة فالقلم هو (أداة) معبرة يعبر فيها العقل عن مكنوناته ومقاصده ويضعها في حيازة عاقل اخر يحمل نفس درجة العقل ... الحيوان لا يمتلك تلك الأداة فهي خاصة بالانسان حصرا وبموجب نص قرءاني (الذي علم بالقلم) فالمعلم هو الله (الخالق) وحصر ذلك التعليم بالانسان (علم الانسان ما لم يعلم) ومن ذلك النص يتضح ان (القلم) هو جزء من (العلم) الذي علمه الله لبني البشر ليكون اداة تعبيرية مضافة على ادوات النطق والاشارة وقسمات الوجه ويرى الباحث في وسعة بحث ان الحيوانات امتلكت ادواة كثيرة في التعبير عن مقاصدها كالصوت كما في الحيوانات التي تصدر اصواتا او بالموجات الراديوية كما عند مخلوق الوطواط او مخلوق الفيل وكما في الحشرات ادوات تعبيرية مختلفة حيث توجد ادوات تعبيرية متعددة منها عطر المواد الكيميائية كما في النمل او بالحركات الراقصة كما في النحل ... في عالم البايولوجيا هنلك ادوات تعبيرية تعبر تلك النظم غير المرئية فتقوم بالتعبير عن مقاصدها بواسطة مركبات كيميائية حياتية معقدة يطلق عليها اسم (الهرمونات) كما تحدثت التقارير العلمية عن الاشارات الايونية بين خلايا الاعصاب في المخلوقات التي تمتلك جملة عصبية وكلما اتسع العلم المادي كلما ازداد قاموس الادوات التعبيرية لدى مختلف المخلوقات التي يعبر فيها المخلوق عن كينونته سواء باعلان مقاصده في حاجته او اعلان مقاصده في تكوينته ويبقى علم القلم علما متخصصا عند الانسان دون غيره من المخلوقات وقد وردت صفة القلم كأداة للكتابة في نص قرءاني
(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان:27)
الا ان انعطافة بحثية على نص قرءاني يقوم بتدوير مسرب الباحث لغرض السعي الى امساك بيان الرسالة الالهية باتجاه اكثر عمقا في المقاصد حيث يجد الباحث ان للقلم مقاصد الهية تعبر سقف (الكتابة) او (الرسم) الى مقاصد اعمق من المقاصد التي نعرفها في القلم كأداة يستخدمها العقل البشري
(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (آل عمران:44)
المسرب البحثي المفتوح على هذه السطور هو مسرب (تدبري) لتدبر النصوص الشريفة حيث كفالة مريم عليها السلام هو عمل تطوعي لا يحتاج الى التوثيق الكتابي لغرض قيامه ولا يشترط في كفالة اليتيم او أي مكفول ان تقوم الكتابة كشرط لقيام هبة الكفاله فالكفالة هي عمل تطوعي غير ملزم وهو من عقود (الطرف الواحد) ولا يشترط له طرفان لقيامه كما هي عقود (الهبة) ... مهمة الوصول الى اصل المقاصد الالهية الشريفة تستوجب حمل الرسالة الالهية الشريفة على محمل بيانها الا وهو (بلسان عربي مبين) حيث يتفعل البيان في اللسان العربي الذي يمثل خامة الخطاب في الرسالة الالهية .
الفطرة العربية امتلكت بؤرا كلامية تستطيع ان تحرك العقل نحو مقاصد لفظ الـ (قلم) ومن خلال الفطرة الناطقة يستطيع العقل ان يزحف نحو بيان اللسان العربي من اجل احتواء مقاصد الله التي حملتها رسالته الشريفة فنرى في العربية (تقليم الاظافر) او يقال (قلامة ظفر) او يقال (تقليم الاشجار) او يقال تأقلم او (اقليم) وكل تلك الالفظ بعيدة عن القلم الذي نعرفه في ممارسة فن الكتابة ورسم الحروف ...
اذا عرفنا (فطرة) ان حرف الميم هو دليل القصد على التشغيل من خلال حبو فطري على مساحة مطمئنة من الالفاظ فنقول مثلا (خبر مخبز) فالميم دليل تشغيل صناعة الخبز في المخبز واذا قلنا (علم) وعرفنا فطرة ان العلم هو (تشغيل العلة ـ عل) فيكون (علم) ومن ذلك الحبو نعرف كثيرا من الالفاظ الحاملة لحرف الميم فنرى فيها (عقلا) ان المقاصد لحرف الميم تعني (مشغل) عند ظهور قاسم مشترك لفظي له رابط عقلاني في المقاصد بشكل متواتر ففي الفاظ :
أم .. فهي مشغل تكويني فالام هي التي تلد كل البشر
ماء .. فهو تكوينة تشغيلية فالماء وسط حياتي مؤكد وهو (مشغل الحياة) حيث جعل الله من كل شيء حي
المعز هو مشغل العز ... والمأكل هو مشغل الاكل والمرضعة هي مشغلة فعل الرضاعة والمعمل هو مشغل العمل والعمل هو مشغل النتاج وهكذا يظهر قاسم مشترك في صفة التشغيل مع كل حرف (ميم) يظهر في اللفظ وتستطيع الفطرة الفردية ان تمسك بتلك الظاهرة بيسر وسهولة في معظم الالفاظ الحاملة لحرف الميم وحين تستعصي الفطرة مع بعض الالفاظ ذلك لان جدار اغفال الفطرة يكون سميكا في بعض الالفاظ حيث يستبدل الفهم من مقاصد (المشغل) الى مقاصد اخرى بديلة مثل لفظ (اكثرتم .. اشتريتم .. سألتم ...) فالميم هنا في راسخة عقل انها دليل (جمع المخاطب) فطغى ذلك القصد على صفة التشغيل لحرف الميم خصوصا حين ينقلب الخطاب الى (اكثرتن .. اشتريتن .. سألتن) حيث تذهب المقاصد الى قاعدة خطابية الا ان صفة التشغيل لا تنفلت من حرف الميم في اكثرتم لانها صفة عامة مطلقة فنقول (يا ايها الناس لقد اكثرتم ..) ففي الناس نساء ورجال وهو تعميم تشغيلي وحين يختص بالنساء يكون اكثرتن لاسباب فطرية لها مقام لاحق باذن الله
قلم هو (مشغل القل) ومنها تقليم الاظافر أي تقليل طولها ومثلها تقليم الاشجار لتقليل اغصانها ومنها لفظ اقليم وهو جزء قليل من الارض اختص بصفته فصار اقليم ومنها الذين القوا اقلامهم في كفالة مريم فهي لم تكن اقلام للكتابة بل (مشغلات القلة) فما كان لمريم كفلاء الا زكريا فهم قد القوا اقلامهم .. !!! ... ومن نفس اللفظ بنفس المقاصد العقلية لفظ قلم فهو (مشغل) لـ (قليل القول) والفطرة تعلم علم اليقين ان الكلام الخطابي (القول) ذو مساحة اوسع بكثير من القول بالقلم .
من تلك الصفة المستحلبة من نصوص قرءانية ولسان عربي فطري نجد ان القلم له خصوصية مراسيم في القول (قلة قول) ومثل تلك الصفة مشهورة شهرة واسعة جدا فاللهجات القولية المحلية سواء كانت اقليمية او عرقية (قبلية) تمتلك مساحات قول شاسعة الا انها تنحسر كثيرا كثيرا لتكون بـ (القلم) فالقلم يختزل كثير الكلام ...!! وتلك فطرة يدركها حامل العقل دون الاستعانة بلجنة خبراء او لغويوا اللغة او معاجم تاريخ ..
يؤكد ذلك المسرب الفكري (المستقل) هو نص الاية الشريفة (ن والقلم وما يسطرون) حيث سطور الكلام هي سطور من اصل كثرة قول مختزلة عن واسع كلام والله سبحانه يؤكد تلك الصفة من خلال نصوص القرءان حيث جاء في النصوص ان كلمات الله لن تنفد ولو كان البحر مدادا لكلماته
(قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (الكهف:109)
الا ان سطور القرءان (كلمات مسطورة) في القرءان محدودة العدد ولا تحتاج لابحر ليكون مدادا لها الا ان ما وراء كلمات رسالة الله مساحة قول لا تنفد لو مددنا البحر بسبعة ابحر لتكون مدادا لكلمات الله ... وتلك الصفة موجود فينا ايضا كممارسة فطرية نمارسها فنقول (ما وراء السطور) حيث يتعرف قاريء السطور على مساحة واسعة من مقاصد كاتب السطور لان (القلم) قد (شغل القلة من القول).
قلم في علم الحرف القرءاني يدل في المقاصد العقلية على (مشغل فاعلية ربط متنحي منقول) ... القول هو (هو نقل فاعلية متنحية الربط في العقل) فالقول هو منقول من مرابط عقلية متنحية عن النظر او الرؤيا فما موجود في العقل لا يظهر الا حين ينقله حامل العقل بوسيلة (القول) .
قل .. من قليل ينحى نفس المنحى في المقاصد العقلية فالقلة هي متنحية من رابط الكثرة وحين تم نقلها من الكثير اصبحت قلة من (قـَل َّ) وهنا لسان عربي (مبين)
ما كان ذلك حديثا من رأي بل من تذكرة في قرءان ذي ذكر
الحاج عبود الخالدي
تعليق