(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص:68)
حيث يطفو تناقض الرغبات فيسبب اعوجاج مؤكد في نتائج فاعليات ذوي الرغبات وتتصدع الروابط مع نظم الخلق ومن ثم تكون الانشطة المبنية على الرغبات الفردية او المجتمعية عرضة للسوء فتنقلب نظم الخلق الى اسفل سافلين في حين بنيت من قبل الله الحكيم في احسن تقويم
تلك هي قاعدة عامة تدركها فطرة الانسان كيفما تكون ثقافته وكيفما تكون ميوله الفكرية اما بخصوص مخلوق الانسان المتكون من قسمين رئيسيين هما (الذكر والانثى) فان وعاء الامومة الذي يقع في مخلوق الانثى يجعل من الاناث قاعدة خلق حرجة في حال التلاعب بتلك القاعدة التكوينية لان الأنثى (ام البشر)
كثير من المعالجات الفكرية سواء الحديثة منها او القديمة تعاملت مع المرأة بصفتها البشرية المترابطة مع الذكر دون ان يكون للفكر البشري حضورا فكريا رصينا يعالج مسألة الامومة المرتبطة بالانثى ربطا لا يمكن التلاعب به لانه اساس الخلق التكويني المستمر
في هذه الاثارة التذكيرية سنجد ان القرءان الكريم قد جعل من الانثى مركزا واجب الرعاية ليس من قبل الفرد المكلف الواحد بل من قبل المجتمع بشكل اجمالي بذكوره واناثه وقد وردت معالجتنا تلك في ادراج تحت عنوان
فتوى يتامى النساء
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً) (النساء:127)
فالنسوة اليتيمات هن النساء غير القادرات على تأمين ما (ما كتب الله لهن) ولو امعنت فطرة الانسان فيما كتب الله للإناث لوجدت تلك الفطرة ان الامومة هي حاجة وتلك الحاجة التكوينية تتصف بانها لا يمكن توفيرها من قبل الاب والاخ وغيرهم من ذوي المرأة ولن يستطيعوا ان يؤمنوا حاجة الامومة لفتياتهم الا بالزواج وحين كن تلك الفتيات موصوفات بـ بصفة (يتامى) في الفتوى الالهية كان الخطاب الشريف لحملة القرءان واضحا في (اللاتي لا تؤتهن ما كتب الله لهن) وكم سيكون حجم الحمل التكليفي على عاتق المكلفين بتلك التذكرة القرءانية حين يكون المسلم المكلف كافرا بما كتب الله لحرائره الا وهي الامومة
من تلك الصفة الواضحة البيان يكون التكليف شاملا ايضا للانثى نفسها بصفتها الانثوية التي تمتلك حق الانجاب وتحقيق الامومة التي يعرف الناس مدى حجم سعادة الانثى الام بوليدها وكيف تكون الحياة عندما يكون للانثى ابناء ..!! من تلك النقطة يسقط الخيار في الامومة فالزوجة التي لا ترغب بالانجاب انما تقع تحت وصف الكفر بـ (ما كتبه الله) لها وحين يعلم المسلم ان فريضة الصيام (كتاب) وان فريضة الصلاة (كتاب) فيكون الانجاب ايضا (كتاب) ومن تلك النظم يصبح التلاعب بتلك السنة المسنونة (كتاب الله) انما هو خروج متعمد على نظم التكوين وخروجا على صراط الله المستقيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )(البقرة: من الآية183)
(إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: من الآية103)
(يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ)(النساء: من الآية127)
ثلاثة نصوص تربط (كتاب الله) منها كتابان هما (الصوم والصلاة) يعرفه المسلمون جيدا الا ان الكتاب الثالث (امومة الانثى) فهو كتاب ملغي في تكاليف المسلمين والالغاء يظهر جليا حين يتحول الانجاب الى رغبات المكلف (تنظيم الاسرة ..!!) وحق اختياري لا جبر فيه ..!! الا ان الصوم والصلاة (كتاب) معروف في فرائض المسلمين ولا تخضع لرغبات المكلفين ...!! فاصبح الوصف قاسيا على حملة القرءان حين يعترفون ببعض الكتاب (صوم وصلاة) ولا يعترفون بامومة الاناث بصفته (كتاب) تكليفي
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(البقرة: من الآية85)
قالوا في تعدد الزوجية اقاويل انذرت بالسوء وزادت من ظاهرة العنس في المجتمع الاسلامي تحت انغام اوربية حلت في ساحة المسلمين على غفلة من لسان الدين في فقهاء زمن حضاري يخضع للفكر المستورد وجعلوا من (العدالة) الزوجية وصفا ماديا مجردا فكان الخزي في الدنيا في مجتمعات تتحلل من روابطها التكوينية لتقع في مستنقع روابط حضارية انهكت المجتمع المسلم وجعلته مفككا اقليميا ومذهبيا ومجتمعيا ..!!
العنس ظاهرة ..؟.. ام نتيجة لفساد تطبيقي اسلامي ؟
هنلك كثير من النساء يشترطن شروطا محددة في الزواج تبدأ من شكل الزوج وتنتهي في وضعه المالي او في اصوله العرقية وربما المذهبية او مسكنه .. او .. او .. وتلك الشروط التي تجعلها الفتاة لقيام الشراكة الزوجية هي (حق) لكل فتاة وهو من الحقوق التي لا نقاش فيها لان عقد الزواج هو من العقود الرضائية المسماة فان لم يرتبط الايجاب بالقبول او القبول بالايجاب فان عقد الزوجية لا يقع اصلا وفي تلك الصفة ازمة عقدية صعبة فالمرأة تمتلك قرار الزواج وصفات الزوج بنسبة 100% ... الا ان الوصف القاسي هو حين تكون الفتاة متعسفة في ذلك الحق وبالتالي فان الفقه المجتمعي (البعيد عن الفقه الديني) يتحمل مسؤولية التعسف في استعمال (حق الخيار) للزوج كما يتحمل الفقه المجتمعي مسؤولية التعسف في استعمال حق الاختيار للزوجة وهنا نص قرءاني يصف تلك المسؤولية في الفقه المجتمعي
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور: من الآية33)
البغاء هنا ليس بمعنى الفسق والفجور الجنسي بل هو من لسان عربي مبين (بغاء .. ابتغاء) فيكون القصد الشريف ان (الجبر على بغاء الفتيات) هو (التعسف في عرض الحياة الدنيا) وما يؤكد ذلك التدبر للنص الشريف ان المجتمع الاسلامي لا يوجد فيه فصيلة تجبر النساء على الفحشاء بل (البغاء) في (ابتغاء) عروض حياتية دنيوية تؤدي الى عدم اتيان الفتيات (اليتامى) نصيبهن في ما كتبه الله لهن ... قليل من الفتيات يعزفن عن الزواج لاسباب كثيرة وهي اسباب تتكاثر كلما تكاثرت شعب الحياة المعاصرة (عروض الحياة الدنيا) خصوصا في المدن الكبيرة وضيق السكن وندرة الحصول على مساكن تليق ببعض الفتيات ذوات الاصول المترفة وهنا تبرز ضرورة بيان تطبيق سنن الخلق والفرائض التي كتبها الله وتفضيلها على (عرض الحياة الدنيا) لان (الامومة) لوحدها تلغي كل ناقصة وتسد كل ثلمة والمرأة تعرف حجم الامومة اكثر ما يعرفه الذكور لان الامومة رابط مستديم مع الحياة اما الابوة فهو رابط عارض يكون نتاجا لفراش شرعي وقد ينقطع الاب عن ما انجب الا ان الام لا تنقطع بانقطاع صلة الفراش فالامومة كيان متكامل سامي الوصف ولعل مثل (العذراء) مريم عليها السلام في القرءان يكفي لبيان ثقافة الامومة بوصفها التكويني حين نستذكر ان عيسى عليه السلام لا أب له ..!!
اذا اردنا ان نصف الامومة بصفتها (حق تكويني) فهو يشبه حق الانسان في استخدام يده او قدمه وذلك الحق لا يمكن التعسف فيه فلا يحق للانسان ان يقطع يده او قدمه او ان يسيء لذلك الحق بسوء استخدامهما ففي ذلك التعسف ليس ممنوع فطرة لان المستخدم السيء لحقه هو المتضرر الوحيد من سوء استخدامه لحقه بل حين يتكاثر مقطوعي اليد او القدم في مجتمع ما فان المجتمع سيصيبه الضرر من تكاثر المعوقين وللمجتمعات صور متعددة للعوق الذي يصيبها
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص:68)
وحين اختار الله للانثى صفة الامومة فلا مناص ولن يكون للمخلوق خيارا فوق ما اختاره الله
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (النحل:72)
من تلك المعالجة الحرجة يظهر البيان المبين فيما كتبه الله لخلقه فتكون
الامومة
حق وتكليف
فمن حـُر ِمَ من الحق او حرم نفسه منه وقع في التكليف ولا خيرة فيما كتبه الله واختاره للخلق
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
تعليق