الاســم وتأثيره على المُسـمّى
بقلم : د/محمد فتحي راشد الحريري
" الاســـم " : يرى النحاة البصريون أن كلمة" أسم" ، ثلاثية الأصل ، وأن همزة الوصل فيها بدلاً من لام الكلمة المحذوفة، والأصل (سمو) .
بينمـا يرى الكوفيون أنها بدل من فاء الكلمة المحذوفة، والأصل (وسم) .
لكن يقول بعض الباحثين في فقه اللغات السامية المقارن : أن هذه الكلمة مع كلمات أخرى كثيرة ، مثل يد ، ودم ، هي ذات أصل ثنائي لا ثلاثي .
ويستدلون على دعواهم بأنّ كلمة اسم في اللغات السامية جاءت :
في العبرية : شِمْ shem
وفي الآرامية : شَـم shm (اسم ) وshma(الاسم) والألف الأخيرة فيها أداة التعريف التي تضارع ( ال ) عند العرب .
وفي الحبشية : سم sem
وفي الأكادية : شمْ shumu
ويقولون أنَّ هذه المقارنة تدل على أن ما ذهب إليه النحاة القدامى، لا يمت إلى الصواب ، وذلك لجهلهم باللغات السامية. والواقع ان صاحب الدعوى هو الجاهل ، فورود الكلمة باللغات السامية المشار اليها لا يعني بحال أن نسقط عليها قواعد وأصول تلكم اللغات ، وأهل مكة أدرى بشعابها ، ونحاة العربية امثال : سيبويه وابن جني والفراء و..... أدرى بالاصول والاشتقاق والجذور لانهم أهل اختصاص وآلت اليهم معرفة الأصول باعتراف القاصي والداني ، ولسنا بحاجة لتغيير قناعات تربينا عليها ، بسبب دعوى مدّع وزعم باحث منبتّ ...
" الاسم " وتأثيره على المُسَـتمّى :
يقول علماء الاجتماع والنفس والميثولوجيا : يشارك الاسم في رسم ملامح الشخصية الإنسانية التي تحمله ،وتشكيل ملامحها ، ولذلك شاعت فيهم مقولة : " لكلّ من اسمه نصيب " ، ويستدلون على نظريتهم بالتجارب والملاحظة السلوكية المقارنة ، وكمثال على ذلك يستدلون بشخصية "علي الزئبق" ، هذه الشخصية تتسم طيلة الحكايا التي تدور في فلكها وضمنها بصفة الزئبق الذي يستحيل إمساكه ، وهو الذي سماه العرب بالنظر لهذه الخاصة بالـ"فــرّار " ، مثلما يستحيل إمساك علي الزئبق أو القبض عليه، ومن كان اسمه " عباس " تجده غالبا يميل للعبوس والجد ، بينما يميل " الضحاك " أو " باســم " للابتسام غالبا ، بغض النظر عن وجود بعض الحالات الشاذة ، وأهم النظريات التي تناولت هذه القضية بدقة – ولو من بعض الجوانب - نظريات نشأة اللغة للعالم العربي( الرومي الاصل ) ا بن جني ، التي أوردها في كتابه الخصائص وأفرد لها بابين الأول " تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني " والآخر " إمساس الألفاظ أشباه المعاني " وأشار أستاذنا اللغوي الباحث الشهير " محمد عنبر " رحمه الله الى كثير من هذه المعاني في كتابه الجليل " جدلية الحرف العربي ، وفيزيائية الفكر والمادة " ، وعلى ذلك فليس ثمة غرابة أن نجد الطب النفسي الحديث يلتزم في تحليلاته للحالات المرضية التي يُعالجها ويتناول طبيعة تركيبتها السيكولوجية والفسيولوجية بالدراسة والبحث والتنقيب متخذا " الاسم " محوراً ومنطلقاً لذلك ،،،، وهذا الرسول الأعظم (عليه الصلاة والسلام )وفي المفاوضات التي تجري بينه وبين قريش في "صلح الحديبية" ، يحضر " سهيل بن عمر" وبمجرد رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام له قادماً يقول لأصحابه:" سهل الله أمركم" ، وينتهى مسير النبي عليه الصلاة والسلام إلى بين جبلين فيسأل عن اسمهما فيقال له" مخزٍ وفاضح" ، فيعدل عن المشي بينهما . ويلتقي مرة برجل فيسأل عن اسمه ؟ ولما أخبر أنه " بريدة الأسلمي " يبشر أصحابه رضي الله عنهم قائلا : ((برد أمركم وســلم )) ... كما روى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال :أتيت النبي عليه الصلاة والسلام فقال :"ما اسمك؟" ، قلت : حزن " والحزونة " هي "الغلظة وما صعب من الارض" ، فقال عليه الصلاة والسلام " بل أنت سهل" قال : لا أغير أسماً سمانيه أبي..!! ، قال سعيد بن المسيب رحمه الله : فما زالت تلك الحزونة فينا ! وهاهو عليه الصلاة والسلام يقول – عن بعض القبائل - :" أسلم سلمها الله ، وغفار غفر الله لها ، وعصية عصت الله " رواه مسلم ، ومما يروى في حرب الحجاج بن يوسف لابن الأشعث أنه نزل الحجاج في " دير قرة " ونزل عبد الرحمن بن الأشعث في " دير الجماجم" فقال الحجاج: استقر الأمر في يدي وتجمجم به أمره ، والله لأقتلنه .. فكان مثلما قال..! – على ذمة الراوي – ويُروى عن عوانة ابن الحكم : لما دُعي عبد الله بن الزبير إلى نفسه قام عبد الله بن مطيع ليبايع فقبض عبد الله يده حتى قام أخوه مصعب فبايعه، فقال الناس : أبى أن يبايع ابن مطيع وبايع مصعباً ، ليجدنّ في أمرهِ صعوبة فكان كما قالوا ..!!
من السنة تغيير النبي لبعض الاسماء :
والنبي عليه الصلاة والسلام غير بمجيئهِ مفاهيم وأسماء كثيرة لانها ذات معان فاسدة اوصفات سلبية قبيحة تحملها أو معان عقدية رديئة تشير اليها ، ومن ذلك أنه غير اسم "شهاب" إلى " هشام " ، وسمى " حرباً " سلماً" ، و"عاصية " بجميلة" ،و " برّة " سماها جميلة ، وجاءه رجل تسمى بـ " غوي " فقال له : " بل أنت راشد " وسمى أصرم " بــ" زرعة " ، وغيّر اسم أرض " عفرة " بــ " خضرة" و" شعب الضلالة " بــ" شعب الهداية " وغيَّر "بني الزنية" بــ"بني الرشدة" وغيَّر اسم " العاص" و"عزير" و"غفلة " و"شيطان" و" رغال " وبُـرّة " وغيرها من الاسماء ذات المعاني السلبية . زرع بذلك روح التفاؤل والرضا والأمل وحب الجمال في النفوس مؤسسا لمدرسة عربية جديدة في الاسماء ، وهو جانب هام ما كانت العرب توليه أي اهتمام ، بل كان عمود نظرية الاسماء لديهم أن يسموا الرقيق والخدم باجمل الاسماء (( ياسمين – جلنار – عبير – زهرة – بثينة – عسجد – جميلة – وردة - ...............)) في حين يختارون لابنائهم أقسى واقبح الاسماء (( حنظل – فهر – صخر – قتادة – جبل – كلب – ذئب - .............الخ )) بدعوى أنهم يسمون الرقيق والخدم لهم بينما يسمون ابناءهم لأعدائهم .... وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين ...
وكتب : د/ محمد فتحي الحريري
دبي 5 من صفر الخير 1432 هـ و 11/1/2011 م
تعليق