وثنية العصر الجديد
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
لعل من اصعب العقد الفكرية هي في ان الكثير من الاجيال المعاصرة تتوارث الغفلة من اجيال سبقتها في العيش على هذا الكوكب الساخن ولعل موروثات الغفلة هي الاكثر سلبية في الورث الموروث بحيث تسببت تلك الافكار الموروثة الى تصنيع عصبة سميكة وداكنة تعصب العيون البشرية اينما تكون وكيفما تكون .
ومن تلك الموروثات الراسخة في وجدان الشعوب هي ارث الفكر الوثني والذي ربطه الاجداد ربطا تكوينيا في عبادة الاصنام او غيرها كالشمس ومسميات الالهة مثل الالهة عشتار او عبادة النار او عبادة بوذا وغيرها ...
الفكري الوثني الموروث يربط الصنم مع العبودية الوثنية بشكل قد استكمل دائرة الانغلاق الفكري تجاه النشاط الوثني وجعلت الوثنية حصرا في تلك المسميات المادية التي اطلقت على الاصنام او التي اطلقت على بعض القوى مثل بوذا والنار ... ذلك الربط المتوارث افقد جماهير البشر في بقاع الارض كلها القدرة على تفكيك تلك المرابط القديمة وتجريد الفكر الوثني من مسميات قديمة مثل اللات والعزى او الشمس او هبل او اية مسميات اخرى وبقيت المرابط الوثنية الفكرية مرتبطة في عقول مفكرينا المعاصرين على نفس المنهجية السابقة التي تم توريثها من قبل الاجداد بل الانكى من ذلك ان الجماهير تقبلها كأرث موروث لا يمكن التلاعب فيه حتى وصلت بعض المجتمعات الى التباهي بتلك الموروثات كقبور الفراعنة في مصر واعتمادها كمادة او وسيلة للرفعة والتفاخر بين الامم بل وصلت الوقاحة الفكرية ليكون لليهود وطن وهو وثن يعبده اليهود اليوم بديلا عن الله ...
قبول الجماهير لتلك الموروثات يكاد يكون هو النقطة الاكثر حرجا للفكر الحر المتجرد من مرابط السابقين ويمكن ان يكون قبول الجماهير للمرابط السابقة واعتمادها في تثويرات الفكر الوثني هو السبب الرئيس في افتقاد تلك الجماهير الى مقومات الوثنية عندما تقوم في جيل معاصر وتحمل نفس الموضوعية الوثنية التي كان عليها السابقون الا ان مدارك المفكرين لا تمتلك القدرات الفكرية للتعامل مع الوثنية المعاصرة بسبب توارثهم للفكر الوثني الموروث الذي ربط الفكر الوثني بموضوعية مادية مجردة مثل الاصنام والنار وغيرها ...
ومن اجل تفكيك مرابط السابقين الموروثة يتوجب على المفكر الباحث عن الحق والحقيقة ان يضع للموضوعية الوثنية حضورا في الفكر ليكون قادرا على استحلاب القانون الوثني الذي يمكن ان يتطابق مع اصنام اليوم وعبودية الجماهير لها .
الوثنية في تعريف موجز لها يمكن ان يستخلص من عقلانية المتفكر بموضوعية الوثنية نفسها عندما تكون الوثنية العبودية لغير الله وعندها يتوجب على المتفكر ان يضع للعبودية تعريفا متجردا من الاراء غير المستقرة واكثر التعاريف انضغاطا لمعنى العبودية هي ان تكون الولاية لله وبالتالي فان الولاية لغير الله تعني العبودية لغير الله وتعني الوثنية في صلب موضوعيتها ورغم ان مفهوم الولاية يسجل حضورا متواضعا في الفهم الا ان استكمال دائرة الفكر الباحث عن الحقيقة يستوجب ان يضع لمفهوم الولاية مستقرات في الفهم اكثر وسعة لان الولاية فيها نشاط عقلي يسبق اي تصرف مادي يقوم به الانسان ...
عندما يكون العبد مملوكا لسيده في منظومة الرق فان كل انشطة ذلك العبد المادية حصرا ستكون تحت ولاية السيد المالك ويكون المملوك خاضعا لولاية سيده بشكل مطلق في نشاطه المادي وبشكل نسبي في نشاطه العقلاني فلو ان العبد المملوك يقوم بحصاد الحنطة لسيده فان عملية الحصاد بنشاطها المادي ستكون تحت ولاية المالك اما منظومة العقل التي يمتلكها العبد المملوك سوف تكون خاضعة لولاية المالك بالقدر الذي يغطي النشاط المادي للحصاد فقط اما الانشطة العقلية التي يمتلكها المملوك في سعادته او حزنه او حبه او كراهيته او لينه او غضبه لا تخضع لولاية السيد المالك وبالتالي فان عملية فصل تجري بين التصرفات المادية والتصرفات العقلانية المحضة يكون فيها المملوك خاضعا لولاية المالك المادية دون العقلانية ....
هذه الفارقة الكبيرة بين النشاط الفكري المجرد والنشاط المادي هي التي تمنح المتفكر القدرة على انضباط الفكر ازاء مفهوم الولاية والتي تتمحور بشكل كبير في النشاط الفكري دون النشاط المادي ...
تلك الفاصلة العقلانية المهمة هي التي تمنح المتفكر قدرة فائقة في وضع ولايته لله سبحانه عندما يكون بعقلانيته خاضعا لله دون غيره فان اشرك في تلك الولاية ولاية اخرى فيكون قد اشرك بالله ودخل دائرة النشاط الوثني وهو عاجز عن عملية الفصل بسبب ان الفكر الوثني الموروث قد ربط بين المادة والولاية وهما منفصلان في تكوينة كلا النشاطين فالنشاط العقلاني منفصل عن النشاط المادي واذا اجتمعا في وعاء واحد فان النشاط العقلاني هو المسيطر على النشاط المادي وتلك ضابطة فكرية ملزمة (بديهية) بحيث نرى ان الحرفي او المشغل انما يحرك نشاطه العقلاني قبل التنفيذ المادي دائما ولا يمكن للمعتوه او النائم ان يقوم باعمال مادية وانشطة ناجزة لانه يكون فاقد للنشاط العقلاني الذي يسبق النشاط المادي دائما ...
المعالجة السابقة وان اقتربت قليلا من النهج الفلسفي الا انها خارج وعاء الفلسفة يقينا لانها لن تكون برامجية فكرية محض بل هي مداخل لتطبيقات خطيرة في واقع قاسي جدا كما سنرى
اصنام اليوم :
ربما قد يتصور الفرد ان الوثنية الصنمية قد انحسرت وان قبائل العرب وغيرهم لا يمتلكون اصناما يعبدونها ويضعون في المقام الاول ولايتهم لها .. سنرى الوثنية بموضوعيتها عند الهنود عندما يعبدون الهند وعندما نرى ونمسك يقينا ان الامريكيين يعبدون امريكا والعراقيون يعبدون العراق والسوريون يعبدون سوريا والمصريون يعبدون مصر وهكذا حتى يدور الباحث بقاع الارض
كلها ...
كل شعب يعبد دولته ويتفانى في خدمة بلده فللوطن كل التضحيات والفداء والشهادة ونكران الذات فهي ولاية مطلقة للوطن بنشاطها الفكري قبل نشاط الشعوب المادي .. انها وثنية العصر الغائبة عن فكر المجتمعات الانسانية فقد اطلق كل شعب ولايته للوطن بشكل مطلق وليس بشكل نسبي ...
حروب من اجل حدود الوطن .. ضرائب للوطن .. خدمات جليلة للوطن في كل ميدان دون استثناء وان وجدت الجماهير فسحة فكرية لاقامة الصلاة فان تلك الفسحة سيكون لها حضور اقليمي متميز ولسوف تجد علم دولة المصلين يمتاز بحضور فاعل في صلاة الشعوب
عندما نحتاج الى المعالجة العادلة سنجد ان علاقة الانسان بالانسان لا يمكن ان تتحكم بها جنسية اطراف العلاقة الا ان الولاية الوطنية جعلت العلائق بين الناس افرادا او شعوبا تخضع للمعايير الدولية وبالتالي اصبحت الولاية للوطن هي التي تتمتع بصفة الاطلاق وان النسبية انحسرت في علاقة العبد بربه في اوقات الصلاة وبعض مستحبات الاعمال او بعض النوايا (العقلانية) التي يتفرد بها هذا اوذلك ....
بلغت الولاية للوطن ذروتها القصوى عندما اصبح الوطن موضوعا للشهادة (الموت من اجل الوطن) وسواء كان المقتول من اجل الوطن قد اضل سبل الولاية فان الذين يصفون شهيد الوطن بالشهيد هم الاكثر ضلالة في سبل الولاية فاصبحت الولاية بحق هي للوطن من خلال عرف جماهيري سرى بين الشعوب حتى اثخنت شعوب الارض كلها بحب الوطن والتغزل به واحتضان اسمه كعنوان للوطنية فما هي الا
اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما
انزل الله بها من سلطان
انزل الله بها من سلطان
فلا سلطان الهي في عراقية العراق او مصرية مصر او تركية تركيا فالكل عبيد الله ولكن ... !! ولكن غفلت عقول الحكماء عن خطر داهم دهم كل العقول واستحوذ على عقلانية كل شعوب الارض ودارت مسارب الولاية لله الى مسارب الولاية للوطن وفقد الناس في كل مكان صلتهم الحقيقة بالله الا وهي عبوديتهم له ومن قال اني عبد الله فهو كاذب لانه في ميدانه العقلاني عبودية وطنه فهو جزائري قبل ان يكون عبد الله وهو مغربي قبل ان يكون عبد الله وهو لبناني قبل ان يكون عبد الله وهكذا لو دارت بك الافكار في بقاع الدنيا ،سوف لن تجد ولاية الله بشكل مطلق وقد تجدها بشكل نسبي محدود يزداد ضيقا بحدوده كلما استشرى الفكر الوطني بين الامم ولعل الاثارة الفكرية التي بين ايدينا لو تراجعت بعض الزمن الى بدايات قيام الدولة الحديثة سنجد ان الولاية لله هي الاكثر حضورا في انشطة الجماهير ورغم انها نسبية ايضا بسبب الولاية المذهبية التي استشرت بين الامم فكان المسلمون متمذهبين والمسيحيون مثلهم وغيرهم مثلهم ولكن الولاية للوطن عبرت سقف الولاية المذهبية مما يمنح المتفكر دليلا ميدانيا يؤكد ان الولاية للوطن قد كبرت وعلت فوق اية ولاية اخرى كان يتشدق بها الناس كولاية العشيرة او الولاية القومية العرقية او اية ولاية اخرى كان الناس يقدمون لها التضحيات ويقاتلون من اجلها
الوطن ذلك الاسم الموسيقي الذي يطرب مسامع مواطنيه ليكون صاحب الولاية المطلقة في العقول في وثنية معاصرة لم تستطع العقول بناء مرشحات فكرية للتصدي لها فنفذت الى اعماق عقول الناس واستحوذت على حب القلوب وركلت الحق من وعاء العقل ليبني الباطل فيها اسس فكرية متينة القوام غير قابلة للتهشيم
الحاج عبود الخالدي
تعليق