الدين البديل
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
البديل سرى بين مجتمعات الآدميين جميعا حتى في دوائهم فاستبدلت الاعشاب ذات الروائح الخاصة باقراص الدواء الملونة التي تخفي مرارتها في سرعة انزلاقها في البلعوم .
كل شيء خضع للاستبدال .. وان من شخص لم يخضع ... فله طريقان :
الطريق الاول : الهيكلة والتجميد
الطريق الثاني : المتفرج الودود
ذلك ما حصل عندما استبدل الدين بالقانون
دين هيكلي كما في الفاتيكان
دين ودود كما في اسلامنا
القانون هو السيد وان تعارض مع الدين فالدين ودود لا يمتلك شفاه قانونية
في اواخر النصف الثاني من القرن الماضي ظهرت شخصيات قانونية حاولت التوفيق بين الدين والقانون بعد غياب النص الديني الموروث من الحكم العثماني .
ظهر نشاط متميز للدكتور عبد الرزاق السنهوري الذي استطاع ان يجمع حشد تخصصي في القانون لتقنين القوانين الاوربية في مجتمعات اسلامية .
رغم الضجة التي افتعلت حول نجاح الفكر السنهوري الا ان واقع الحال كان نجاح المحاولة السنهورية ليس نجاحا فكريا بل يعني فشل المقاومة الفكرية الاسلامية ولم يكن النهج التوفيقي ناجحا بل الصفة الودودة للعقائدين فرضت نظرية الاستبدال وفق مسالك مسبقة الاعداد .
ليس المعتقد وحده الذي تعرض للاستبدال بموجب طريقتي التجميد او التفرج الودود بل لحق بالمعتقد اعراف الناس والاعراف التي لا تتعارض مع المعتقد كانت طودا تنظيميا يفرضه المجتمع على كل خارج عليه ولا يزال قانون بريطانيا عرفا غير مكتوب
تعرض العرف ايضا الى نظرية البديل القانوني المصاحب للحضارة فاصبحت الاعراف ودودة مع القانون وفي كثير منها خضعت للتجميد ومن ثم الاضمحلال .
الازمة الحقيقية لم تعد قائمة الان لان الجماهير فقدت التنظير الفكري العادل فاصبحت الافكار المعاصرة تستورد كما تستورد السلع وهذا ما حصل مع التنظير للفكر القانوني الذي قبلته الجماهير وهو مخلوط بكميات وفيرة مع العسل .
لا نحتاج في هذه الموجزة الفكرية الى وثائق اثبات لان مؤشرات الود والتجميد والهيكلة طافية في مجتمعاتها :
· المخالفة الشرعية والعرفية تسري علنا دون خفاء .. العقيدة ودودة تتفرج .. المجتمع ودود يتفرج
· الوطنية تعلو فوق العقيدة حتى ولو كان الوطني معتدي فالعقيدة صامتة عن عدوانه والمجتمع يدعم المعتدي بوازع وطني وهذا ما يحصل في اعتداءات الجوار في جيلنا
· تأشيرة الدخول (فيزا) بين الدول المتحدة في العقيدة والعرق وطغيان القانون على العرف والعقيدة من خلال الفرز المجتمعي بموجب القانون مع استسلام ووداعة تامة من العقيدة والعرف العرقي العربي حتى في فريضة اسلامية مثل الحج .
· حرية الرأي المكفولة قانونا جعلت من العقيدة في خندق دفاعي ودوود جدا ووداعة متميزة . فاصبح الاعتداء الفكري على المعتقد مكفول قانونا حتى لو كان الفكر الحاديا .
ربما تعالج تلك الاراء في وجه مخالف ازاء الصرخات الثورية العقائدية خصوصا المسلحة والفكر المناهض الذي يضطلع به كثير من المفكرين الاسلاميين .. جواب تلك الراصدة المختلفة تقع في نظرتنا الى المجتمع وليس الى الافرازات الاجتماعية فكثير من الافرازات الاجتماعية يمكن تسجيلها في خط مخالف لما نراه ولكن الخطوط الاجتماعية العامة هي التي تؤخذ في شمولية الرؤيا .
الرؤيا التي تتبناها سطورنا الحرجة الحذرة لا تضع حلولا او تفرض نظرة تخصصية بل هي نظرة تحليلية لواقع نعيشه والحكمة توجب رجرجة ما نحن فيه من وهن على اساسيات فكرية غير مستوردة لتكون رصدا فكريا مستقلا من التأثيرات التي صاحبت الغزو الفكري
الحضاري .
في هيمنة القانون الذي صاحب قيام الدولة الوطنية الحديثة لم يكن المجتمع العربي والاسلامي يتعرض الى التغيير والتعديل الفكري بل اصبح القانون هو الغزو الفكري الذي احتل ناصية الفكر المفروض بقوة قانونية لا مناص منها واصبح القانون هو بديل السلاح الاستثنائي الذي سيطر على شارع المجتمع اثناء الغزو العسكري .
الغزو الفكري شمل الكثير من الانشطة ولكن مراصدنا في هذا الادراج الفكري الموجز تقع حصرا في البديل العقائدي حيث فقدت العقيدة هيمنتها الاجتماعية .
يمكن للوداعة العقائدية ان تسري مع القانون في خط متوازي الا ان اصرار القانون على دفع العقائدي للخروج من وداعته يجعل الهيمنة القانونية مقرفة في حق العقيدة والعقائديين مثل انظمة الاقامة وانظمة تأشيرة السفر فاصبح العقائديون ملزمين بالخضوع للقانون رغم مخالفتهم الشرعية ويظهر مثل ذلك الاختناق في تكليف الحج الذي يقع في ذمة عقيدة المكلف ذو الاستطاعة التامة الا انه يخضع الى نظم قانونية في بلد الاقامة وفي ديار الحج (مكه) .
مثل الحج ومنظومة الحج القانونية هي المثل الاوفى لوداعة العقائديين وهيمنة البديل القانوني وتبقى العقيدة اسيرة القانون في كل مكان . فهي في حرية الرأي مكفولة قانونا فاصبح للعقيدة كفيل في حاضرة العصر ...!!! الله اكبر
الغزو الفكري حل في ساحة المجتمع المسلم ونرى مثلا نداءات تطالب الحكومات لوضع سقف عمري للمتزوجات الصغيرات واخرى تطالب بقانون يضع حدا عمريا للفارق بين الزوج والزوجة ونداءات لوضع قوانين في الافتاء العقائدي أي ان المجتمع المسلم يرمي نفسه في البديل القانوني حتى لو خالف الدين وذلك من اصعب ما يتعرض له الدين سواء كان اسلاميا او غير اسلامي ولعل تجارب غيرنا قد تحفز قومنا في رصد اساسيات فكرية منقلبة على عقبها قبل ان يصدر قانون بيننا يجيز زواج الرجل بالرجل او المرأة بالمرأة !!!!
الحاج عبود الخالدي
تعليق